الدرس الثاني من البرنامج الرمضاني.
- أساس استجابة الدعاء
- أهمية الدعاء
- استجابتك لله متوقفة على نسبة الايمان.
الصيام له أثر فيما يتعلق بصفاء وجدان الإنسان، وذهنيته، ويحس الإنسان في شهر رمضان، أليس الناس يحسون وكأنهم أقرب إلى الله من أي وقت آخر؟ هذه فرصةً للدعاء، تلاحظ كيف أن الصيام مهم فيما يتعلق بالقرآن الكريم، القرآن الكريم مهم فيما يتعلق بمعرفة الله حتى يجعلك تشعر بالقرب من الله سبحانه وتعالى.
إذاً فمن الإيجابيات الكبيرة له: أن تلمس في نفسيتك صفاء لذهنك، مشاعرك مشاعر دين، مشاعر قرب من الله، أن تدعو الله سبحانه وتعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}(البقرة: من الآية186). هذه من النعم العظيمة لا يحتاج الإنسان أولاً يبحث عن جهاز اتصال، يبحث كم الرقم التابع للسماء الفلانية، أو تحتاج إلى أن تصعد إلى أعلى قمة من الجبال تدعوه. أينما كنت، وفي أي وضعية كنت، فهو قريب منك. هذه من الأشياء التي ينفرد بها المؤمنون، ينفرد بها المؤمنون عندما يكونون بالشكل الذي ينقطعون عن تولي أي طرف آخر إلا تولي الله سبحانه وتعالى، ومن أمر بتوليهم في سبيل توليه، أو كمظاهر لتوليه لأن الناس يتولون من هو قريب منهم، من ليس هناك حجاب فيما بينه وبينهم، من يسمعهم في أي مكان كانوا، وفي أي وضعية كانوا {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186). كل داع وليس نقول: القبيلة الفلانية.. يتجمعون، ويكلفون واحداً لأنه سنحتاج لذلك نتجمع كلنا لأنه لو أن كل واحد يدعو من عنده، وكل واحد يدعو بحاجته، وكل واحد يدعو بكذا، ربما تختلط. الله سبحانه وتعالى هو عليم، وحكيم لا تلتبس عليه الأصوات.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186) أي داع، وكل داع بمفرده. عندما ترى الناس في عرفات، هذه من الآيات العجيبة، وهي من مظاهر سعة علم الله، والناس في عرفات يدعون، كل واحد يدعو بلهجات متعددة، وبلغات متعددة، وأصوات مختلفة، وكل واحد يدعو! لو تسجل مجموع أصواتهم لما عرفت أنت ربما كلمة واحدة تميزها تسمع ضجة فقط. {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة: من الآية186) هذا تذكير للإنسان كإنسان، الفرد الواحد من الناس، أن يعرف بأن بإمكانه أن يدعو الله وهو قريب منه، لا يحتاج لأن يتجمع مائة شخص ثم نقول: نريد نكلف واحداً يمثلنا من أجل يدعو لنا، فإذا دعونا كلنا فإنه لن يسمعنا، لا.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}(البقرة: من الآية186). هذا الأساس في إستجابة الدعوة، وهي قضية منطقية، أعني قضية طبيعية، هي الحق، أنك تريد من الله أن يستجيب لكل ما تدعوه به، وأنت في نفس الوقت لا تستجيب له! هذه ليست قضية صحيحة. {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}(البقرة: من الآية186) فيما دعانا إليه نستجيب له، ومما دعانا إليه، أن ندعوه. الدعاء هام، الدعاء يجعل مشاعرك قريبة من الله، الدعاء يعبر عن أن نفسيتك في حالة مستمرة في الالتجاء إلى الله، والتوكل على الله، والاستعانة بالله.
الإنسان الذي يذهل عن موضوع الدعاء معنى هذه بأنه ماذا؟ مسيطر على مشاعره نسيان الله، عندما تكون ذاهلاً عن الدعاء لله ألست بطبيعة الحال في كثير مما يمر بك ستتلفت يمين وشمال وإلى الناس، وإلى الناس كيفما كانوا، وتكون حريصاً على أن تقضي حاجتك ولو على يد إنسان لا يقضي حاجتك إلا بما يقابلها من دينك؟. فعندما يكون الإنسان منقطعاً إلى الله، ويدعو الله باستمرار، وكلما مر به من ظروف، كلما مر به من مهام، في كل أمر من أموره، في كل قضية من قضاياه دائم الالتجاء إلى الله، هذه نفسها تمثل حالة من الاستغناء عن أطراف ربما قد يكون رجوعك إليهم فيه إذلال لك، وفيه بيع لدينك، وفيه دخول في باطل.
{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي}(البقرة: من الآية186) مسألة الإيمان بالله كما نقول أكثر من مرة: الناس جميعاً مؤمنون بالله، مؤمنون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله، وأن الذي خلقنا هو الله، وأن الذي يدبر شؤوننا هو الله، لكن يوجد هنا مطلب في الآية هذه، وآيات أخرى، تذكير بأن المطلوب إيمان حقيقي، وإيمان واعي.
أنت عندما يقول الله سبحانه وتعالى لك: أن تؤمن به، أن تؤمن ماذا؟ يعني أنه إلهنا. وما يترتب على هذه القضية من أشياء كبيرة في علاقتك به، وفي علاقتك بالحياة هذه كلها، أنه الإله، أنه الملك، أنه رحيم، أنه عزيز، أنه قوي، كلما تعني أسماؤه الحسنى، إيمان عملي، إيمان واعي. هذا الإيمان الذي يجعلك بشكل تنقطع إلى الله سبحانه وتعالى، وتنطلق بقوة في هذه الحياة، عندما يدعوك إلى أن تنصره كما قال سبحانه وتعالى في آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14). أليست هذه دعوة من جهة الله يريد منا أن نستجيب له فيها؟ هي قضية، قضية الاستجابة متوقفة على نسبة الإيمان لدي ولديك، الإيمان به. فإذا كنت مؤمناً حقيقة بالله سبحانه وتعالى، بأنه هو ملك السماوات والأرض، وله ما في السماوات وما في الأرض، وهو الغالب على أمره، وهو القاهر فوق عباده، وهو القوي، وهو العزيز.
الإيمان الواعي سيجعلك تنطلق، تنطلق في سبيله، لأنك تعرف أنه دعاك من هو أقوى من كل قوي، وأعز من كل عزيز، وأكبر من كل كبير، ومن هو غالب على أمره، والقاهر فوق عباده. هنا علاقة هامة جداً، وعلاقة متينة بين الاستجابة والإيمان به. الاستجابة متوقفة على الإيمان به.
إذا كان هناك ضعف في موضوع معرفة الله سبحانه وتعالى، جهل بالله فيما تعنيه أسماؤه الحسنى، فيما يعنيه إيماننا به، هذا يؤثر على الاستجابة لاشك في ذلك، يؤثر على الاستجابة. كلنا نقرأ، وكلنا نؤمن بقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14). هل هناك أحد ينكر هذه الآية؟ لكن لماذا لاتصل الإستجابة! لأن هناك ضعفاً في موضوع الإيمان به ولهذا قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) لاحظ هنا كلها إيجابيات، كلها أشياء هامة جداً، الغاية من ورائها كلها للناس.
الصيام، هناك قال فيه: {لَعَلَكُمْ تَتَقُوْن}. ويقول فيه: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185) يذكر بأنه نعمة كبيرة عليك، والاستجابة له، والإيمان به لعل الناس يرشدون {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. هل هناك شيء يعود على الله من كل هذه؟ لا. حتى ولا الإيمان به سبحانه وتعالى لا تكون الغاية منه، أو ليست نتيجة هي أن الله سيستفيد من ذلك. يعظم سلطانه، أو أشياء من هذه! هو غني عن عباده، الله هو غني عن عباده جميعاً. الأمر بالاستجابة هنا مطلقة {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي كل ما دعانا إليه نستجيب له فيه، الاستجابة الجزئية لا تحقق الرشد {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لأن كلمة: {يَرْشُدُونَ} كلمة واسعة، في كل حركتهم في الحياة، في حركتهم في سبيل إقامة دين الله، في كل أمورهم، رشد في الدنيا، للدنيا وللآخرة.
لا تأتي الاستجابة الجزئية إلا بسبب ضعف في الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولهذا قد يعدل الكثير من الناس مستعد أن يصلي، لأن الصلاة لا تمثل خطورة بالنسبة له، وربما لو وصل الحالة أن تصبح الصلاة خطيرة لتجنب الصلاة ويقول: يصلي على الحالة وبأي طريقة! وهكذا! القضايا الأخرى التي يراها وكأنها تبدوا صعبة سببها ضعف، أو عدم فهم لما يجب أن تكون عليه في نظرتك أمام كل ما تهدى إليه، وكلما تدعي إليه الآية {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية185).
يجب أن تفرح، ولاحظ الناس الذين هم فاهمون فعلاً القضية هذه كيف قال الإمام علي في موضوع الجهاد الذي يعتبره الناس مشكلة ومصيبة وحِمْل قال: ((أما بعد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه)) أليس معنى هذه بأنه شيء عظيم جداً؟ فعندما لا تكون هذه النظرة موجودة عند الإنسان ستكون القضية معكوسة عنده، مشكلة، ومصيبة. عندما يكون إيمانه ضعيفاً بالله تكون استجابته جزئية لأن معناه: أنه ليس واعياً بما يترتب عليه إيمانه: بان الله قوي عزيز.
ألم يقل الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج: من الآية40). عنده [والله أما هذا لا نستطيع ولا جهدنا.. نحاول نستجيب في الأشياء التي تبدوا سهلة] لكن الله سبحانه وتعالى كما نقول أكثر من مرة قلنا: يجب على كل واحد أن يفهم أنه لا يمكن أن يكون ذكياً أمام الله، لا يمكن أحكم على شيء، لا يمكن يعمل مثلما يقولون: [يدخل الجنة بحيلة] يتحيل ودخل الجنة! الجنة معها مقارب، لكن ليس فيها حيل، يقول واحد: [يمكن يجمع له حسنات من أطراف] هذه التي ليس فيها خطورة، ولا فيها بذل لأنفس، ولا لمال، ولا خوف، ولا.. هناك ربط قبولها بالأعمال الأخرى، تكون أنت صفر في الأخير، لا يوجد معك شيء.
هنا أمكن لواحد يتحيل على الباري؟ أمكن أن يكون ذكياً أمام الله؟ لا. وإلا ستكون حيلة كبيرة. يقول: [لا نستطيع، سنحاول، المهم الجنة، سنحاول نجمع لنا حسنات من هنا، ونتوكل، ونترك أولئك يجاهدون هم ويتعبون، وسنلتقي في الجنة، ويكونون قد تعبوا ونحن دخلنا ولا لقينا أي عناء، ولا لقينا أي تعب] ألا تكون هذه حيلة كبيرة؟ لا يمكن.
توطين النفس على الاستجابة لله، وعمل الإنسان، واهتمامه بأن يعرف الله معرفة واسعة قضية أساسية في أن يكون راشداً، سواء أنت كنت عالماً، أو كنت متعلماً، أو كنت من عامة الناس. فمن يتجه لإرشاد الناس وهو بهذه الحالة: الاستجابة الجزئية، فليتأكد بأنه لا يصح أن يسمي نفسه مرشداً، ولا يصح أن يسميه الناس مرشداً. فعلاً هذا ليس مرشداً، هو يرشد إلى أشياء لن تنفق! هل هذا مرشد؟ هو يرشدك في الأخير إلى أشياء لن تنفق له إلا بالأخرى، هو في نفسه لا يسترشد، لا يهتدي، وإنما فقط يمكن أن يسمي نفسه مرشداً، يسمي نفسه عالماً، يسمي نفسه معلماً، الآخرون كذلك يسمونه! لكن هنا {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة: من الآية186) فتكون مرشداً حقيقة عندما ترشد، وتسترشد حقيقة، عندما تسمع مرشداً، عندما تسمع شيئاً من هدى الله هنا ستستفيد.
ثم يذكر سبحانه وتعالى فيما يتعلق بموضوع الصيام: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}(البقرة:187).
هذه القضية يجب أن نأخذ منها عبرة، أن نأخذ منها مثلا،ً فعندما تجد الموضوع هو موضوع صيام. وهذا الصيام كان فيه قضية على أساس: أنه مازال الصيام متوارث، لأن الصيام هو مشروع في دين الله للأمم السابقة {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: من الآية183) فهنا مظهر من مظاهر رحمة الله