نعي الأمم المتحدة. بقلم/ حنان محمد السعيد.
أثار القرار الغريب الذي اتخذته الأمم المتحدة بالتراجع عن إدراج التحالف الذي تقوده السعودية على اليمن ضمن القائمة السوداء للدول والجماعات التي تنتهك حقوق الأطفال شجونًا ليس لها حد، وتساؤلات ليس لها عد، عن أهمية هذا الكيان وقيمته وما إذا كان وجوده في هذا الوقت مجديًاأو يمثل أي فارق!
والحقيقة أن القانون الدولي الذي يجب أن ترعاه الأمم المتحدة وتكون المنفذ الأول له، لم يعطي الحق للسعودية في الهجوم على دولة جارة امنة، بهذا الشكل السافر، بأي دعاوى من قبيل “دعم الشرعية” أو “حفظ السلام” أو “وقف المد الإيراني” أو أي من الخزعبلات الأخرى والتي لا يمكن أن تعد مبررًا لقذف المدنين بالقنابل العنقودية المحرمة دوليًا تحت مسمع ومرأى العالم وذلك الكيان عديم اللون والطعم والرائحة المسمى “الأمم المتحدة”.
ولم يكن هجوم السعودية الغاشم على اليمن وحده بدون رادع من قانون دولي هو أول سقطات “الأمم المتحدة” ولكن سبقها العديد من السقطات المماثلة وسيليها العديد من السقطات اللاحقة، فماذا فعلت “الأمم المتحدة” عندما ضربت الولايات المتحدة الأمريكية عرض الحائط من قبل بالقانون الدولي وأغرقت العراق بالأسلحة المحرمة واليورانيوم المنضّب وقتلت وشردت ودمرت وقضت على مقومات الحياة فيه وأعادته إلى العصور المظلمة، وتحول إلى جماعات متناحرة على جثة وطن هامدة.
من الذي سيدفع فاتورة تدمير ليبيا وتركها مرتعًا للجماعات المسلحة التي لا يُعرف أصلها ولا من الذي يمولها ويدعمها، ومن الذي جعل من سوريا أرضًا مفتوحة لكل من يمتلك مقاتلة أو يستأجر مرتزقًا ليزيدها دمارًا وتخريبًا؟
وتاريخ الأُمم المتحدة والذي يمتد لأكثر من سبعين سنة هو تاريخ حافل بالإخفاق والإنحياز، وخاصة في كل ما يخص قضايا المنطقة العربية المنكوبة، ولم تفلح الأُمم المتحدة في إتخاذ موقف واحد ضد الإنتهاكات الإسرائيلية وسياسة الإستيطان أو تُقدم أي شئ عملي في صالح فلسطين المحتلة.
والحقيقة أن الأمم المتحدة في الوقت الحالي أصبحت تمثل مجرد مكتب ملحق بالخارجية الأمريكية يتحرك بإشارة منها ويأتمر بأمرها ويعمل على ضمان تحقيق مصالحها ورؤيتها في كافة القضايا الدولية، وحتى في المرة الوحيدة التي عارضت فيها الأمم المتحدة الرغبة الأمريكية في غزو العراق، لم يمثل أي عائق أمام أمريكا والتي استكملت مشروعها بلا خجل أو خوف من محاسبة.
إذا كانت كوريا الشمالية تمثل قلقًا لأمريكا وحلفاءها فلنفرض العقوبات على كوريا الشمالية ومن يتعاون معها ونخنقها اقتصاديا، ونعمل على تركيعها، كما حدث من قبل مع إيران وغيرها، وكأن من حق الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي على نطاق واسع قتَل مئات الألاف من البشر في لحظة أن تفرض على غيرها من الدول عقوبات إذا ما فكروا في اللحاق بركب القوى النووية المسيطرة على الكوكب والتي تتلاعب به وتستنزفه وتثير المعارك والحروب الأهلية وتفعل ما بدا لها دون حياء.
وعلى الرغم من الكرم السابق الذي كانت تتمتع به الأمم المتحدة في إصدار قرارات الإدانة التي لا تمثل أكثر من حبر على ورق، إلا أن هذه الإدانة أصبحت تعز عليها، وخاصة مع تراكم القرارات الغير منفذة مثل قرار 242 و194 والذين يتعلقا بحقوق اللاجئين والقرار 446 الذي يدين عمليات الإستيطان ، والقرارات التي تتعلق بلبنان ومنها القرار 425 والقرار 1701 ، والذين لم يكونا أفضل حالًا من غيرهم ولم يقدما أي حلول للبنان، واضطرت المقاومة اللبنانية لفرض أمر واقع على الكيان الصهيوني غير منتظرة لرد فعل دولي لن يأتي أبدًا، ولم يكن حال الجولان السوري مع الأُمم المتحدة بأفضل من جارتيه العربيتين.
أصبح أكثر ما يمكن أن يقدمه هذا الكيان الميت سريريًا هو “الإعراب عن القلق” .. بان كي مون يعرب عن قلقه بشأن أزمة نقابة الصحفيين في مصر .. بان كي مون يعرب عن قلقه بشأن التوتر بين السعودية وايران، بان كي مون يعرب عن قلقه بشأن الحرب في أُوكرانيا .. بان كي مون يعرب عن قلقه بشأن التصعيد الخطير بين الإسرائيليين والفلسطينيين .. بان كي مون يعرب عن قلقه من تدهور أحوال اللاجئين على أبواب أوروبا، بان كي مون أعرب عن قلقه 140 مرة في عام واحد دون تقديم أي حلول فعلية تجاه هذه الكوارث التي يتعرض لها الملايين حول العالم .. الإعراب عن القلق أصبح مثار سخرية واستهزاء .. ما أسهل أن تتقاضى عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا “لتعرب عن قلقك!”