الوفد الوطني: صمود بوجه عاصفة السياسة. بقلم/ بندر الهتار .
كان على وفد الرياض والمبعوث الأممي غير النزيه ولد الشيخ أن يتنبهوا للرسائل التي طرحها الوفد الوطني في الجلسة الافتتاحية قبل ثمانية أسابيع، وفحواها ” أننا لم نأت إلى الكويت للاستسلام كما يتم الترويج لذلك، بل جئنا بناء على رغبة جادة في تحقيق السلام بما يؤدي إلى وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء معاناة كل اليمنيين”. هذه الكلمات كانت بمثابة الخطوط العريضة التي رسمها الوفد الوطني كمنطلق للبدء في مفاوضات الكويت، لكن الطرف الآخر لم يكن في وارد استيعاب هذه الملاحظات، في الوقت الذي كان يشعر أنه الأقوى في إحدى ساحات “عاصفة الحزم” وفي وجود ثمانية عشرة دولة مساندة، عدا عن الأوراق العسكرية في الميدان وما تلاها من محاولة استهداف الاقتصاد. هذه الأوراق أنسَتْ وفد الرياض لأيام قليلة الفشل الذريع الذي لحق بتحالف العدوان على مدى 14 شهرا، والهزيمة النكراء التي تعرض لها في جبهات جيزان ونجران وعسير، ولو أنه تمعن النظر قليلا لوجد أن الوفد الوطني قد تواضع كثيرا – حرصا على إنهاء معاناة اليمنيين – عندما ذهب ليجلس مع ثلة من المرتزقة في طاولة لا يملكون أياً من قرارات نقاشاتها. من المعلوم أن الدول التي حضرت مفاوضات الكويت بما فيها السعودية وأمريكا وبريطانيا وغيرها قد مارست ضغوطا كبيرة على الوفد الوطني لإرغامه على تقديم الكثير من التنازلات التي تمس جوهر الثوابت الوطنية والسيادة والاستقرار، لكنها باءت بالفشل وظل الوفد الوطني متحجرا مع ليونة لا تخرجه عن طريق الثوابت التي طرحها في بداية مشوار المفاوضات. من المعلوم أيضا أن مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ قد تجاوز بانحيازه الخط الذي يستطيع من خلاله أن يغالط الرأي العام بحيز من النزاهة والحياد الأممي، فقد ظهر كما لو كان سعوديا أكثر من آل سعود أنفسهم، وهذا الانحياز كان له تأثير كبير في تعقيد مسار المفاوضات. كان من بين الضغوط التي واجهها الوفد الوطني هو الحالة الشعبية المتشائمة من مسار المفاوضات والتي وصلت أحيانا إلى حد التشكيك بالوفد المفاوض -وقد عملت قوى العدوان على استغلال الضجر الشعبي لتوسيع الهوة بين الوفد المفاوض وجمهوره – وقد كانت هذه التحديات بحاجة إلى حكمة وشجاعة واقتدار لمواجهتها مجتمعة، وقد استطاع الوفد الوطني أن يتعامل مع كل إشكالية بما يناسبها. وعلى عكس حديث المروجين والمشككين فإن الوفد الوطني ينظر إلى أن المعركة التي يخوضها في أروقة قصر بيان الأميري في الكويت هي استكمالا لمعركة الإرادة التي يخوضها الشعب اليمني ضد قوى الغزو والمرتزقة، والأسابيع الثمانية الماضية منحت أولئك المشككين فرصة لمراجعة أحكامهم المسبقة التي سقطت أمام قوة وصلابة الوفد المفاوض. وفي هذا الإطار فقد ظل الوفد الوطني طيلة الأسابيع الماضية يواجه العقبات التي تعترض مسار المفاوضات، ويعمل على تذليلها والدفع باتجاه نقاشات عملية أكثر جدية، بعكس الطرف الآخر الذي كان يتنقل من مستوى إلى آخر في لعبة زرع الشوك، مطمئنا إلى انحياز المبعوث الأممي والمساحة الواسعة التي يحظى بها للتلاعب بالوقت. وقبيل أن تنهي المفاوضات شهرها الثاني، يظهر الوفد الوطني مجددا ليحذر المجتمع الدولي من مغبة القفز على ثوابت الشعب اليمني والضغط باتجاه حل تلفيقي يلبي مطامع وأهواء القوى الكبرى، استباقا لما يحضر له ولد الشيخ من الاعلان عن ورقة للحل السياسي تتنافى تماما مع مسار المفاوضات ومرجعياته التي تؤكد على أن يكون الحل مبنيا على التوافق بين مختلف المكونات، وتبقى الكرة في ملعب الأمم المتحدة فإما أن تتعامل بجدية ومسؤولية أكثر، وإما أن تكون هي من يطلق رصاصة الرحمة على مفاوضات الكويت.