الدرس الثامن عشر من البرنامج الرمضاني.
- انتشار الفساد وسيادة الباطل
- دين الله الكامل بشهادة الاحداث والواقع
عندنا تفكير أنه: فقط يُهَيمن الباطل، يسود الضلال، ينتشر الفساد، يضيع الحق من جانب واحد هو جانب أولئك، هذه النظرة نفسها التي توجد لدى شعوبنا, ولدى زعماء هذه الأمة.. لاحظوا كيف هم يتجهون إلى محاولة أن يتداركوا أولئك ولو بتوليهم، والبحث عن السلام من عندهم وبأي طريقة ترضيهم، يتصوروا أن المنفذ من هناك فقط، ولا يتجهوا إلى جانب آخر إلى هذه الأمة لبنائها، يفكرون هذا التفكير الذي يفكر فيه الكثير الكثير من الناس، جانب واحد فلنتفادى ذلك الجانب، أسالم ذلك الجانب، أعطيه ما يريد؛ من أجل أن لا يسود ما يسود، لا يهيمن، لا يحصل ما يحصل من شر.
إن الفساد ينتشر، إن الحق يضيع، إن الباطل يحكم ليس فقط بجهود أهل الباطل وحدهم بل بقعود أهل الحق. وأعتقد أن هذا نفسه قد يمثل نسبة سبعين في المائة من النتائج السيئة.
بدليل أننا نرى: أن الله سبحانه وتعالى لم ينظر حتى إلينا بمنظار خمسين في المائة وخمسين في المائة من جانب الأشرار فنكون أمامه على صعيد واحد، بل نراه يسلط أولئك على هؤلاء، ماذا يعني ذلك؟ أن التقصير من جانب أهل الحق، من جانب هذه الأمة، من جانب من هم في واقعهم يمثلون جنود الله أن التقصير من جانبهم هو عامل مهم، وهو العامل الأكبر في سيادة الباطل، في استحكام الضلال، في انتشار الباطل، في ضياع الحق.
من يفكر هذا التفكير هو علي في هذه الكلمة عندما قال لأهل العراق: ((لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)).
لو لم نخرج من هذا الاجتماع إلا بأن نحمل هذه الرؤية لكان مكسباً كبيراً، أن نعرف من علي في هذه الليلة ولو هذه الرؤية: أننا نمثل في قعودنا، في سكوتنا، في صمتنا، في إهمالنا، في حالة اللامبالاة التي نعيشها نمثل سبعين في المائة من عوامل سيادة الباطل وضياع الحق، من عوامل ظلمنا وقهرنا وإذلالنا لأنفسنا نحن.
ولهذا وجدنا الله يُسلط الكافرين على المسلمين متى ما كانوا على هذا النحو: ((لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم)) ماذا يعني هذا؟. ليش ما تُسلط علينا وعليهم مع بعض؟. ليست القضية على نسبة خمسين في المائة من عندك وخمسين في المائة من عند أولئك، أنت من جانبك تمثل..؛ لأنك عندما قعدت,.. الباطل العدو هو بطبيعته سيزهق.
لكنك عندما تتحرك، عندما تسير على نهج الله، عندما تثق بالله فالله سبحانه وتعالى هو سيتحرك – إن صحت هذه العبارة – سيقف هو في وجه أولئك الأعداء، والحق بطبيعته إذا ما وجد أمة تحمله، تثق بربها فإن الباطل زَهُوْقٌ بطبيعته {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)، بل قال بصريح العبارة: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} (الفتح:22).
ويقول عن أهل الكتاب هؤلاء الذين يتسابق الزعماء على استرضائهم، يتسابق الزعماء على توليهم، يتسابق الزعماء على الدخول في اتفاقيات أمنية من أجلهم، يقول عنهم: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(آل عمران:111)
فأمة تُضيّع كتابها، تضيع ما يمكن أن يعطيه الله من عونٍ وإمداد لها، تضيّع الحق الذي هو بطبيعته أقوى من الباطل، أقوى في منطقه، أقوى فيما يُقدمه، فيما يخلقه من روحية، فيما يخلقه من معنويات عندما تضيعه بالطبع تكون جريمتها أكبر.
الإمام علي حذر أهل العراق قال لهم – إن ما هم عليه من تَقَاعُسٍ، من حالة اللامبالاة، من حالة فيهم هكذا لا ينطلقون، لا يبادرون، لا يتحركون بالشكل المطلوب حذرهم – : ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم)) ما معنى يُدَالَ: أن تكون لهم الدولة عليكم، أن يكون لمعاوية ولأهل الشام الدولة عليكم فيحكمونكم، يقهرونكم، يذلونكم، يضطهدونكم، يستضعفونكم، يقتلوا ويشردوا ويدمروا؛ ((لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)), لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم. ألم يُقدم العامل على أنه عامل مشترك في سيادة الباطل، في استحكام الشر؟.
هذه النظرة من الذي يحملها؟ من هم أولئك من هذه الأمة الذين تسيطر على مشاعرهم هذه الفكرة؟ يجب أن نكون هكذا، وهذا هو الذي يخلق دافعاً لدى الإنسان، يستشعر مسؤوليته، يعرف سوء موقفه وهو يقعد، وهو يصمت، وهو يتقاعس، وهو يتخاذل، ويتثبط, سيعرف سوء موقفه.
إذا لم تكن تنظر إلا إلى جانب واحد ستقدم نفسك وكأنك ترى أنه ليس من عندك أي خلل، بل في الأخير ستكون أنت من يلوم الله لماذا لا يكف عنك أولئك، وأنت في الأخير من ستنطلق لتقول لله: [اللهم أنت دمر أولئك اما احنا ما لنا دخل، اللهم دمر أولئك, اللهم أهلك أولئك، اللهم افْرَعْ فينا من أولئك] ومتى ما حصل تسليط لك نلوم الله لماذا سلط علينا؟.، لماذا أصبحنا هكذا؟! وهو قال في كتابه الكريم: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(النساء: من الآية141) لماذا حصل لهم سبيل؟. نحن من جعلنا لله سلطاناً: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً}(النساء: من الآية144) هكذا قال لأولئك: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} فيضربكم ويسلط عليكم؛ لذا تجد منطق القرآن الكريم ينسجم مع علي في مقولته هذه، ينسجم مع علي وهو يقدم لك نماذج من أمثال علي في تاريخ البشرية, من أنبياء الله ورسله وأوليائه، يقدم لك نفسياتهم, وتفكيرهم ومشاعرهم داخل القرآن, وفي ميادين المواجهة كيف كانوا يفكرون، حتى في الدعاء لا تجد أنهم كانوا ينطلقون فقط ليدعوا على أعدائهم بل كان كل همهم أن يدعوا لأنفسهم؛ لأنهم يعرفون أن القضية بالنسبة للعدو محسومة، إذا ما صَلُحنا نحن وكنا بالشكل الذي نصبح جديرين بأن يقف الله معنا؛ فلذا كان دعاؤهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: من الآية250) ما هكذا كان دعاؤهم؟. هكذا كان دعاؤهم، لم يكونوا ينطلقون على نحو ما يفكر فيه الكثير من الناس اليوم؛ لأنهم يعرفون أنه متى ما تخاذل من هم في الأرض جنود الله، إذا ما قعدوا استحقوا غضب الله، هم من يضيعون أشياء عظيمة لا يمكن أن يمتلكها العدو مهما كان لديه من أسلحة مهما كان لديه من قدرات لا يمكن أن يمتلك العدو ما يمكن أن يمتلكه المؤمنون بالله لا يمكن.
ولاحظـوا كيف في فلسطين ولبنان كمثال على هـذا، ألـم يستطع الإسـلام أن يصنع [قنابل بشرية] فعلاً، وهذا – كما يقول المجاهدون – [بأن هذا هو السلاح الذي لم يستطع الأعداء أن يصنعوا مثيلاً له، ولا أن يصنعوا ضداً له] قنبلة بشرية تنفجر فتربك جيش إسرائيل، تربك أمن إسرائيل، تحطم اقتصاد إسرائيل. هكذا في اللحظة الأخيرة وهم كانوا قد أضاعوا – خاصة بالنسبة للفلسطينيين – وربما هذا الجيل وهو الذي يعاني معاناته تعتبر وزراً من أوزار الجيل الذي سبقه، الذي ضيع الفرص الكبيرة في مواجهة اليهود يوم كانوا لا يزالون عصابات داخل فلسطين.
هكذا يجب – أيها الإخوة – أن نتذكر المأساة بفقد الإمام علي (صلوات الله عليه) على هذه الأمة، الشقاء الذي جلبه غيابه في تلك اللحظة والفترة التاريخية الحرجة ما جلبه من شقاء على هذه الأمة.
ونفكر أيضاً فيما جلبه مَن أقصوا عليا والقرآن الذي جاهد من أجله علي، وقُرن به علي, ما جلبوه من وبال وشقاء وفساد على هذه الأمة، وأن نرجع إلى ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في فضل علي؛ لنَدِيْنَ بالولاء للإمام علي.
الولاء للإمام علي كما يقول الإمام الهادي, هو يعتبره ركناً لابد منه بالنسبة للإنسان المسلم، لابد أن يَدِيْنَ بالولاء لعلي كما نَصّ على هذا في مقدمة [الأحكام] وفي داخل رسائله في [المجموعة الفاخرة].
بل جعل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) – قبل ذلك كله – جعل حُبّ علي إيماناً وبغضه نفاقاً، بل جعله قَسِيْمَ النار وقَسِيْمَ الجنة, جعله قسيم النار كما ورد في الأثر، وعندما استبعد بعض الناس أن يكون علي قَسِيْمَ النار فقال: كيف يمكن هذا؟. فقال أحد العلماء: ألم يقل فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ((لا يُحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))؟. فأين هو المؤمن؟. فقال: في الجنة. أين هو المنافق؟. قال: في النار. قال: إذاً صح أن يكون قَسِيم النار، يعني من يبغضه إلى النار ومن يحبه إلى الجنة، أليس هنا يقسم الناس نصفين؟ منافق للنار، ومؤمن لعلي في الجنة.
فلنستلهم من الإمام علي (عليه السلام) الرؤى الحكيمة، التوجيهات الحكيمة في مختلف الميادين، في مختلف المجالات.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا على نهج علي، أن يجعلنا من أولياء علي، أن يجعلنا من شيعة الإمام علي، وأن يحشرنا في زمرته يوم القيامة، وأن يحيينا قبل ذلك في الدنيا على ملته، وأن نموت على سبيله وصراطه وطريقته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا في هذا الشهر الكريم من عُتَقائه من النار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،