مبدأ الولاية هو مبدأ أساسي قراني وايماني ليس له علاقة بالقيود المذهبية.
بصائر من نور القيادة.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
خطاب يوم الولاية لعام 1434هـ.
مناسبة الغدير, مناسبة ذات أهمية كبيرة؛ لأن لها صلة بموضوع أساسي يهم كل مؤمن وهو مبدأ الولاية، ومبدأ الولاية هو مبدأ قرانيٌ إيماني, وليس أبداً من إنتاج مذهبي، ويجب التعاطي معه على هذا الأساس بعيداً عن القيود والأغلال المذهبية التي تكبَّل الكثير من الناس وتقيدهم عن الانفتاح على الحقائق القرآنية, بل وتجعل البعض يتسرع بالمواقف السلبية ابتداءً دون أي تفهم ولا تفاهم, ولنسمع ما قاله الله في كتابه الكريم يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة: من الآية55ـ56) ثم لنسمع ما قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو عائدٌ من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة في مثل هذا اليوم في غدير خم بين مكة والمدينة ومعه عشرات الآلاف من جموع المسلمين العائدين معه من حجة الوداع بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينََ}(المائدة: الآية67) وبعد نزول هذه الآية المباركة في وقت الظهيرة في وقت حرارة الشمس وحرارة الرمضاء وبعد أن أمر بإعادة من كانوا قد تقدموا وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع, وبعد ذلك رصت له أقتاب الإبل ليصعد عالياً فوقها ليراه الجمع كله, وأصعد علياً (عليه السلام) معه, ثم خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), خطبةٌ عظيمة إلى أن وصل إلى الموضوع المقصود فرفع يد علي وقال ((يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه, اللهم والٍ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)).
من خلال الآية القرآنية السابقة, ومن خلال هذا النص النبوي الذي هو مصداق لها ندرك أهمية مبدأ الولاية الذي يتحقق للأمة به أن تكون حزب الله وتحظى برعاية الله وهدايته ونصره وتأييده كما وعد هو سبحانه وتعالى {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وبهذا يمكن للأمة أيضاَ أن تحمي نفسها من الوقوع تحت هيمنة وولاية أعدائها.
وعندما نقرأ الآية المباركة ونتأمل النص النبوي نجد التناسق العجيب بين الآية وبين النص, التناسق كل التناسق, وندخل إلى الموضوع نفسه إلى مبدأ الولاية الذي يجب أن نفهمه, وأن نعيه, وأن نستوعبه, وأن نؤمن به, وأن يكون لنا مبدأ ومنهجاً ومساراً في الحياة{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} فما هي ولاية الله لعباده المؤمنين؛ لأن الخطاب هنا لمن؟ هو للمؤمنين{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} أنتم أيها المسلمون, أنتم أيها المؤمنون وليكم الله, فما هي ولاية الله لعباده المؤمنين؟ إنها ولاية رعاية، ولاية هداية, ولاية رحمة, يهديهم, يؤيدهم, يرعاهم بلطفه ورعايته في كل أمورهم وشؤونهم, ينصرهم, يوفقهم, يدبر شئونهم, يحدد لهم ويقرر لهم الأسس والمعايير والمؤهلات لولاية أمرهم باعتبار ذلك من تدبيره لشؤونهم, يتولى تدبير شؤونهم في كل مجالات الحياة ومختلف نواحي الحياة, الله.. الله وليكم, الله العظيم الرحيم, الله أرحم الراحمين, الله ملك السماوات والأرض, إله السماوات والأرض, فاطر السماوات والأرض, قيوم السماوات والأرض, وليكم أيها المؤمنون فكيف نتولى الله؟ وكيف يتحقق لنا أننا في واقعنا نتولى الله؟ بإيماننا به, بثقتنا به, بتوكلنا عليه, بالتزامنا بتعاليمه وطاعته, بتسليمنا لمنهجه, بإذعاننا لأمره, بمحبتنا له, بتولينا لأوليائه, وعدائنا لأعدائه.
تتحقق لنا حينئذ هذه الصلة ولاية الله, حينما نتولاه وننطوي ونحتمي بهذه المظلة مظلة الولاية الإلهية فنحظى بكل تلك الرعاية التي يرعى الله بها أوليائه في مختلف شؤون حياتهم, وصلتنا بالله التي تحقق لنا الولاء له, والتولي له, هي كتابه ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم), ولذلك لن يتحقق لنا التولي لله والولاء له سبحانه وتعالى دون التولي لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم), لا يتم لنا في واقعنا أن نتولى الله إلا بالتولي لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله), فولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي امتداد لولاية الله{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(الأحزاب: من الآية6) هو أيضاً قال (صلوات الله عليه وعلى آله): ((إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم)) لذلك ندرك أهمية الولاية؛ لأننا نتحدث أساساً عن ولاية الله، ثم ما هو امتداد لولاية الله, نتحدث أساساً عن هذا المبدأ المهم الكبير.
البعض ممن يعميهم الحقد والتعصب الطائفي والمذهبي لا ينظر إلى المسألة من بداياتها, ينظر فقط إلى مسألة الإمام علي (عليه السلام) ثم له موقف سلبي تجاه مسألة الإمام علي (عليه السلام), وبذلك لا يلتفت إلى المسألة من أساسها ولا من بداياتها.
مبدأ الولاية هو يرتبط أساساً بولاية الله سبحانه وتعالى, ثم ما يترتب عليها, ثم ما هو امتداد لها, ولاية الله وامتداد لولاية الله سبحانه وتعالى, ولاية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله){إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} وولاية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هي امتداد لولاية الله؛ لأنها تجسد تلك المواصفات والقيم التي هي من عند الله سبحانه وتعالى، وهي مرتبطة بالله سبحانه وتعالى, أيضاً ارتباطها بمنهج الله سبحانه وتعالى لعباده, ولذلك يقول الله عن رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله){لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة: الآية128) وهكذا هو الرسول رحيمٌ بالمؤمنين ورؤوف بهم, هكذا هي الولاية الإلهية في امتداداتها, امتدادات ترتبط بنفس تلك المواصفات العظيمة, الرحمة رحيمٌ؛ لأنه يجسد ولاية الله الرحيم, ورؤوف بالمؤمنين؛ لأنه يجسد ولاية الله الرؤوف بعباده المؤمنين, يجسد كذلك في حرصه على هداية الناس والعمل على انقاذهم وتحقيق سعادتهم في الحياة, وفلاحهم في الدنيا والأخرة يجسد رحمة الله سبحانه وتعالى وإرادته الخير لعباده.