من يؤيد باطل او يقف عن نصر الحق لن ينجو من نار جهنم.
يوميات من هدي القران الكريم.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الـ15 صـ1ـ2.
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
في دعاء زين العابدين علي بن الحسين (سلام الله عليه) وهو يستعيذ بالله من نار جهنم، في دعاء يصف فيه نار جهنم، ويعلمنا كيف نستعيذ نحن بالله من نار جهنم.
قال عليه السلام: ((اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مَنْ نَار تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَى مَنْ عَصَاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِهَا مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاكَ، وَمِنْ نَار نورُهَا ظُلْمَة وَهَيِّنُهَا أَلِيمٌ، وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ، وَمِنْ نَار يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض، وَمِنْ نَار تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً، وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً، وَمِنْ نَار لاَ تُبْقِي عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إلَيْهَا، وَلاَ تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَهَا، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى التَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا وَاسْتَسْلَمَ إلَيْهَا، تَلْقَى سُكَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَيْهَا مِنْ أَلِيْمِ النَّكَالِ وَشَدِيدِ الْوَبَالِ، وَأَعُوذُ بـكَ مِنْ عَقَارِبِهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا، وَحَيّاتِهَا الصَّالِقَةِ بِأَنْيَابِهَا، وَشَرَابِهَا الَّذِي يُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا، وَيَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ، وَأَسْتَهْدِيْكَ لِمَا باعَدَ مِنْهَا وَأَخَّرَ عَنْهَا)).
جهنم كما وصفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في آيات كثيرة هي أشد من أي عذاب يتوعدنا به أي أحد من الجن أو الإنس، هي نار كما قال عليه السلام: ((تغلظ الله بها على من عصاه وتوعد بها من صدف عن رضاه)).
الكل هنا في الدنيا يخضع لأمريكا، ويخضع للدول الكبرى في بلدان أوروبا، والكل هنا في المنطقة العربية خضعوا لإسرائيل خوفاً من أن تلك الدول تمتلك [قنابل ذرية]، وتمتلك [صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية]، كل ما لديهم لا يساوي يوماً واحداً في جهنم.
لو صب الأمريكيون كل ما لديهم من قوة عليك وحدك أنت لما ساوى ذلك كله يوماً واحداً في نار جهنم؛ لأنك هنا بأول ضربة, بأول شظية ستموت، ثم لا تحس بأي شيء بعد ذلك، ولو صبوا عليك كل أسلحتهم، ولو افترضنا أيضا أنك ستبقى حياً وصواريخهم توجه إليك, وقنابلهم توجه إليك أيضاً حتى آخر قطعة يمتلكونها لكان ذلك أيضاً لا يساوي ساعة واحدة في قعر جهنم.
التخويف بنار جهنم في القرآن الكريم, التخويف بنار جهنم الذي تكرر كثيراً في آيات الله في القرآن الكريم، هو جدير بأن نتأمله جيدا كلنا، وأن نتدبر تلك الآيات. حينئذ سيجد كل من تأملها, ومن تدبرها بأن كل شيء في هذه الدنيا من مصائبها, من شدائدها، وكل شيء مما يتوعدك به الآخرون، وكل ما تراه عندما يستعرضون أسلحتهم في الأيام الوطنية.. ستراه كله ليس بشيء، ليس شيئا بمعنى الكلمة فعلا أمام هذه النار التي تغلظ الله بها على من عصاه، وتوعد بها من صدف عن رضاه. حينئذ تجد نفسك أنه ليس هناك ما يجب أن يخيفك، ليس في هذه الدنيا ما ينبغي أن تخاف منه أبدا، فلا الموت، ولا [قنابل]، ولا [صواريخ]، مهما كانت فتاكة، مهما كانت عظيمة الدمار.
المؤمنون بحاجة ماسة إلى أن يتدبروا كتاب الله، نتدبره بشكل جيد، وبفهم صحيح، ووعي, نتدبر الآية ونلحظ ونحن نتدبرها ما لدى الآخرين كلهم ممن نخافهم في هذه الدنيا، أو يريدون أن نخافهم. حينئذ سينطلق المؤمن, ينطلق وهو يرى أن كل عمل يعمله في هذه الدنيا أمام كل التهديدات إنما هو عمل يحقق لنفسه به الأمن من هذه النار العظيمة، من نار جهنم.
نار جهنم أكد القرآن على أنها حقيقة، وتناول الحديث عنها وصفَها كاملا: وصف شدة تسعرها، والتهابها، وصف وقودها، وطعامها، وشرابها، ولباس أهلها فيها. بل نقل كثيراً من الكلمات التي يقولها أولئك الذين يتقلبون بين طبقاتها: تحسرهم، صراخهم تألمهم، تأسفهم على تفريطهم في هذه الدنيا.
بل لو نعقل ونفهم، أن كل ما يتوعدنا به الآخرون في هذه الدنيا، لا يساوي الحسرات والندم الذي قد يتعرض له الإنسان يوم القيامة إذا قدم على الله وهو ممن عصاه، وصدف عن رضاه.. تلك الحسرات، وذلك الندم الشديد يقول الله – وهو ينقل لنا صورة من مشاهد ذلك الندم الذي سيحصل للعاصين – يقول تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}(الفرقان: من الآية27) يعض أنامله من الألم، من الندم، من الحسرة: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَا لَيْتَني لمْ أَتَخِذْ فُلانًا خَلِيْلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}(الفرقان: من الآية29) أليست هذه كلها عبارات حسرة وندم؟ ندم يقطع القلوب، يعض المجرم، يعض الظالم على يديه يعضها من شدة الأسف، والألم، من الحسرة والندم.
يقول الله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى}(الرعد: من الآية18) الجزاء الحسن وهو الجنة، والحساب اليسير، والأمن من كل خوف يوم القيامة {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}(الرعد: من الآية18) الذين لم يستجيبوا لله. وأين موضع الاستجابة؟ هنا في الدنيا، وما هو الذي دعانا إليه؟ هو القرآن الكريم، ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تلك دعوة الله التي يريد منا أن نستجيب لها، نستجيب لها هنا في الدنيا، والذين لم يستجيبوا لله، أعرضوا عن ذكره، انطلقوا في معاصيه، انطلقوا وراء هذه الدنيا لينشغلوا بها، ليؤثروها على الآخرة، ليبيعوا دينهم بالقليل القليل منها. هؤلاء عندما يقدمون على الله سبحانه وتعالى، سيتمنى كل واحد منهم لو أن له ما في الأرض جميعا ومثله معه لسلَّمه راضيا، ومسارعا إلى تسليمه، لو كان يقبل منه ليفدي به نفسه من عذاب جهنم.
هذه عبرة للكثير من عباد الله، ممن يشتد طمعه، ويقوده جشعه، إلى أن يأخذ شيئا من هذه الدنيا حراما، أو يقبل شيئا منها مقابل أن يدخل في موقف باطل، أو يؤيد باطلا، أو يقف عن نصر حق، ليفهم هنا وهو في الدنيا أنه لو كان له الأرض كلها وما فيها، وله أيضا مثلها أضعافا لكان مسارعا إلى أن يفدي نفسه به يوم القيامة. لماذا؟ لأنه سيرى من العذاب الشديد، يرى جهنم أمامه، وهو يعلم أنه سيساق إليها، وأنه سيخلد فيها حينئذ يهون أمامه كل شيء.
تلك القطعة من الأرض، ذلك المبلغ من المال الذي باع به دينه، لم يعد شيئا, يتحسر منه يوم القيامة، ويرى نفسه في موقع أنه لو كان له مثل هذه الأرض، وليس فقط تلك القطعة، أو ذلك المبلغ، أو ذلك المنصب الذي باع به دينه، بل لو كانت له الأرض كلها وما فيها ومثلها معها لافتدى به يوم القيامة من سوء العذاب.
{أولئِك لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} أولئك الذين لم يستجيبوا لله {لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(الرعد: من الآية18) ما الذي يمنع الناس عن أن يستجيبوا لدعوة الله في هذه الدنيا؟ أليس رغبة فيما لدى الآخرين، أو خوفا مما لديهم؟ سواء خوفا من سجونهم، أو وسائل تعذيبهم، أو خوفا من قنابلهم وصواريخهم. أليس هذا هو ما يمنع الناس في الدنيا؟ لكن هذه الآية تعرض لنا: أن الذين يستجيبون لله, وعدهم الله بالجنة، والجنة هي كما ورد في الحديث: ((أن موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها))؛ لأن أي نعيم هنا في الدنيا ستفارقه مهما عظم, ومهما كثر.
بل قد يحدث لك هنا في الدنيا وأنت تملك الكثير, الكثير من وسائل الترف والراحة، فيعرض لك أمراض تحول بينك وبين أن تتمتع بما بين يديك، فترى الآخرين من حولك يتمتعون بكل ما لديك وأنت لا تستطيع أن تذوق من هذا، ولا أن تقرب هذا، من شتى الأصناف التي تمتلكها، تلك الأصناف التي بعت بها دينك، تلك الأصناف التي أحبطت بها ذمتك، وأهلكت بها نفسك. إذاً فليس شيء هنا في الدنيا من النعيم، ولا من وسائل الترغيب ما يمكن أن تقارن بينه وبين موضع سوط في الجنة.
فإذا كان الإنسان يسارع هنا في الدنيا من أجل أشياء يريد أن يحصل عليها، وهو لا يبالي أحلال كانت أم حرام، ولا يبالي في ذلك الموقف الذي دخل فيه من أجل الحصول عليها حق، أم باطل، لماذا لا يسارع إلى الاستجابة إلى الله ليحصل على ذلك المقام الرفيع؟ على ذلك النعيم العظيم، النعيم الأبدي، النعيم الذي فيه كما ورد في الحديث عن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ((فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)).
كذلك الذين لم يستجيبوا لله خوفا من الآخرين علينا أن نعود جميعاً إلى الحديث عن جهنم، وإلى التأمل في أوصاف جهنم لنعرف أنها هي التي يجب أن نخاف منها، وأن نحذرها. فلننطلق في الاستجابة لله مهما كانت مكلفة، ومهما كانت صعبة وشديدة علينا في الدنيا.