عذراً للقبيلة. بقلم/ عبد الله صبري.
كتبنا عن القبيلة أكثر من مرة في معرض الدعوة إلى تحديث المجتمع، ونقد البنى العصبوية التقليدية، غير أن المتغيرات التي جاء بها العدوان الخارجي على اليمن، وما تبعه من هبة وطنية لأبناء القبائل، في ملحمة الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه، تستوجب مراجعة الموقف المتشدد من القبيلة، والاعتذار عن الفهم الخطأ الذي صبغ بعض كتاباتنا عن القبيلة، وتقديمها كمعوق في طريق مسار التحول الديمقراطي.
لكن بعيدا عن مفاهيم الحداثة والمدنية، تتجلى اليوم أصالة القبيلة كبنية حضارية جرى توظيف البعد الوطني الكامن فيها، فانطلقت بكل طاقتها في معركة الكرامة، ولم تدخر مالا أو جهدا، إلا ودفعت به إلى ساحة التضحية والإيثار، فجادت بفلذات أكبادها الذين صنعوا ملاحم الانتصار والفداء في ملحمة تاريخية كان لكل قبيلة بصمة جلية فيها.
وبرغم الفقر والعوز الذي يعيشه أبناء القبائل إلا أنهم جادوا بما يمتلكون – على شحته -، فكانوا حاضرين في قوافل المدد والعطاء، كما كانوا حاضرين في حملات التعبئة والتبرعات للجيش واللجان الشعبية وللبنك المركزي، بصورة أكدت على نحو قاطع أن الوطنية ليست مجرد شعارات جوفاء يطلقها المتحذلقون من الساسة والنخبة، الذين يأخذون وينتفعون من الوطن أكثر مما يقدمون.
وإذا كنا قد انسقنا في الماضي إلى القول بأن القبيلة هي المفاجأة المحزنة في اليمن وفي العالم العربي، فقد اكتشفنا اليوم الكنز المخبوء في قيم العطاء الأصيلة التي سطرها أبناء القبائل اليمنية في مختلف الجبهات، وهي القيم التي دعت قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي إلى اقتراح تشكيل مجلس أعيان يضم ممثلي القبائل اليمنية، ويكون هذا المجلس أحد المؤسسات الدستورية للدولة.
وإذ لم نشهد خطوات عملية في هذا الاتجاه حتى الآن، فما زال من المناسب القول أن تمثيل القبيلة يجب أن يكون عبر الانتخاب والاختيار الحر من قبل أبناء القبائل، وتجاوز المشيخات التقليدية، خاصة تلك التي انحازت للعدوان، وانساقت وراء الريال السعودي، أو الدرهم الإماراتي.
كما سيكون من المناسب إعادة النظر في مصلحة شئون القبائل، وتوسيع دائرة عملها بحيث تغدو مؤسسة تنموية خاصة بأبناء الريف والقبائل، وتعويضهم عن سنين الحرمان في العهد السابق. ومن المفيد في هذا السياق العمل على محاصرة الظواهر السيئة والمسيئة للقبيلة ( كالثأر، والاختطاف، وقطع الطرقات )، وإحياء الأعراف الحسنة التي تعزز من الأواصر الاجتماعية، وتحافظ على الحد الأدنى من الأمن والاستقرار، في حال تضعضعت الدولة، أو تعرضت لعدوان همجي يهدف إلى سحقها وتقطيع أوصالها!