إن نفوسكم غالية ليس لها ثمن الا الجنة
يوميات من هدي القران الكريم
السيد حسين بدر الدين الحوثي
سورة المائده الدرس الرابع صـ12ــ13.
هؤلاء ينطلقون ليقاتلوا بجدية في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، هم باعوها من الله، لم يبيعوا مجرد تحرك وهْمِي لينتظروا هذا الطرف أو هذا الطرف من الذي سيدفع أكثر لنتحرك معه؟. لا .. ليحصلوا على أموال؛ لأنهم قد خرجوا بشكلهم كمقاتلين, خرجوا بشكلهم, بآلتهم كمقاتلين هم يريدون من الذي سيشتري، من الذي سيدفع أكثر من الأموال من الذي سيعطي بنادق، من الذي سيعطي ذخيرة، من الذي سيعطي رتب، من الذي سيعطي كذا ننطلق معه.
هؤلاء ليسوا من هذا النوع، رأوا أن أنفسهم غالية، وفعلاً ((إن نفوسكم غالية ليس لها ثمن إلا الجنة)) هكذا ورد حديث بهذا المعنى عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن النفوس عظيمة وغالية ليس لها ثمن إلا الجنة، ماذا يعني؟ أبذلها في سبيل أن تحصل على الجنة.
هؤلاء انطلقوا يقاتلون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأمام إغراءات أعدائهم لا يفكرون أن يميلوا يميناً أو شمالاً؛ لأنهم لا يبحثون عن المال, هم من باع المال، وأمام إرهاب وتخويف أعداء هم أيضاً ليسوا ممن يخاف الموت؛ لأنهم من باعوا النفس أيضاً. فماذا يصنع معك العدو أكثر من أن يُرغِّبْ أو يُرهب، أكثر من أن يعد أو يتوعد؟. فتصبح كل الوعود لا قيمة لها، وكل التَّوَعُّد أمامك لا قيمة له.
{أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، وعدٌ إلهي صدقوا به أيضاً. هكذا هو شأن أولياء الله الذين آمنوا، تصديق بثقة بأن لهم الجنة، ويؤكد الوعد {وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: من الآية111) أنني سأمنحهم الجنة فصدقوا وانطلقوا {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} (التوبة: من الآية111) من الذي يمنعه من أن يفي بعهده؟ ومن الذي يمكن أن يحول بينه وبين أن يفي بعهده؟، ومن هو ذلك الطرف الذي يملك ما يملك الله؟ حتى يمكن أن يكون مثله بالوفاء بعهده، من هو ذلك الطرف الذي يمكن أن يكون أوفى من الله بعهده؟ لا، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} (التوبة: من الآية111) هذا ليس خسارة، هو بشارة {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: من الآية111).
المؤمنون الذين دفعهم إيمانهم, وترسخ في نفوسهم من خلال هذا العمل, ومن خلال هذا العمل، ومن خلال هذه الآية، ومن خلال تلك الكلمة، ومن خلال ذلك الموقف الذي تجسد في عمل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن وليدة لحظة بل ترسخ في نفوسهم؛ لأنهم كانوا هكذا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية112) هم هؤلاء المؤمنون الذين قال عنهم بأنهم باعوا أنفسهم من الله، كأنه قال: هم الذين يمكن أن يصلوا إلى هذه الدرجة، هم أولئك الذين هم {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله. وبشر المؤمنين} .. ما هي البشارة من جانب الله؟. رضوانه، والجنة، والفوز في الدنيا والآخرة، الكرامة في الدنيا والآخرة، العزة في الدنيا والآخرة.