علاقتنا بالرسول قائمة على الأتباع والعمل والتطبيق والالتزام
بصائر من نور القياده
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
خطاب المولد النبوي للعام الهجري 1431هـ
غاية أساسية وهدفاً أساسياً لرسالة الله ورسله وكتبه, بما تقدم من تعليمات وإرشادات وأوامر ونواهي وبصائر، هذه الغاية وهذا الهدف هو إقامة العدل وتحقيقه في الحياة وعلى الأرض؛ ليسعد الناس ويهنؤوا بحياتهم، وتصلح لهم دنياهم وآخرتهم, ويرتاحوا من عناء الظلم والظالمين.
إذاً هذا جانب مهم من العلاقة بالرسول والقرآن، علاقة قائمة على الإتباع والعمل والتطبيق والالتزام والموقف والعداء، توصل هذه العلاقة وهذا الارتباط إلى تحقيق العدالة، وإزالة الظلم والظالمين، لا يقتصر الأمر على الهتاف في المآذن أو في الصلوات بأن محمد رسول الله، هذا لا يكفي، يلزم الإتباع، يلزم الإقتداء، يلزم التمسك والسير على نفس النهج الذي يثمر هذه الثمرة في حياة الناس عزة وعدالة وصلاحاً وخيراً عظيماً.
والناس بحاجة إلى العدل أوَ يُمكن الاستغناء عنه؟! الناس بحاجة إلى العدل وليسوا بحاجة إلى الظلم، وليس فيه خير لهم ولا مصلحة نهائياً، ولا نفعٌ على الإطلاق، ماذا ينتفع الناس؟ أي نفع من الظلم والظالمين؟.
وحينما نرى في هذا الزمن أنّا كعرب ومسلمين أمة كبيرة تمتد في مساحة واسعة على الأرض في العالم العربي وغيره، وتعاني هذه الأمة من الظلم أكثر من بقية الأمم على الأرض؛ فلتعرف الأمة أن الله قد قدم لها من تعليماته ونظامه للحياة وتوجيهاته ما لو التزمت به وعملت به واستبصرت به لكانت ممتنعة من الظلم وسالمة من الظلم وعصيَّة على الظالمين.
ليس هناك أي تقصير من جانب الله، وإن الله لم يتفرج على عباده؛ لأن الله رحيم بعباده، وهو القائل في كتابه: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ}(آل عمران:108), والقائل: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ }(غافر:31), أُريد القول: أن جانباً مهماً وأساسياً من العلاقة بالرسول والقرآن الكريم والرجوع الصحيح القائم على العمل والإتباع، هناك جانب مهم وأساسي هو هذه الثمرة العظيمة أن يتحقق العدل، ويتخلص الناس من الظلم والظالمين، وهذا من أهم ما تحتاج إليه الأمة المظلومة المقهورة.
وغاية أخرى لرسالة الله ورسوله ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}(النحل:36). إذاً فمن الأهداف الأساسية لرسالات الله عبر كل الأمم وإلى هذه الأمة خاتمة الأمم، ورسولها ونبيها خاتم الأنبياء، من الأهداف الأساسية والغايات الأساسية لرسالات الله ورسله وكتبه دفع الناس إلى التزام العبودية لله من خلال طاعته, واتباع هديه, والتزام أوامره، والانتهاء عن نواهيه, وتطبيق نظامه في الحياة، وتحرير العباد من الطاغوت بما يترتب على هيمنة الطاغوت من استعباد للناس وظلم لهم، وشر وفساد كبير.
والطاغوت هو عندما يتحكم على الناس طاغية يفرض عليهم ما يشاءه ويريده على هواء نفسه بعيداً عن دين الله وعن طاعة الله وعن كتاب الله، أو يُفرض عليهم نظام أو قانون يخالف الله ويتعارض مع دينه وهديه، وهذا من دلائل رحمة الله بعباده، ففي هديه ودينه وما بلَّغ به رسله الخير للناس والسعادة والعدل، أما الطاغوت فشر وظلم وضلال وخسران مبين.
نصل إلى نتيجة مهمة، إنه يتحقق للناس من خلال اتباع الرسول والقرآن التحرر من عبودية الطاغوت المذلة والسيئة والتي هي شر محض، ويتحقق لهم عبادة الله بشكل صحيح في إقامة دينه متكاملاً بما يحقق الخير لهم والعزة والفلاح، ولا يمكن أن يقبل الله من عباده أن يطيعوه في بعض الأمور المحدودة وما تبقى من أمورهم للطاغوت، كما يتصور البعض – وهم مخطئون – أنه يكفي من حياتنا خمس خصال لله والباقي من كل شؤون حياتنا ومواقفنا تكون على ما يريد الطاغوت، هذا خطأ كبير.
فالله جل شأنه يقول في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}(البقرة:256), ومن خلال هذه الآية القرآنية المباركة يتضح أنه لا يتحقق الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، ومن هذا المنطلق بعث الله خاتم رسله وأنبيائه محمد (صلى الله عليه وآله) بمشروع متكامل عظيم مرتبط بملك الله ورحمته؛ لإصلاح البشرية ودفعها إلى عبادة الله, وإنقاذها من الطاغوت والظلم والهوان، ولتحقيق العدل، وإتمام مكارم الأخلاق، والسمو بالإنسان ليقوم بمسؤوليته في الحياة مع مبدإ الثواب والعقاب، كما يقول الله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(الأحزاب: 45-48).