التوحد والاعتصام عناصر قوة تخيف الأعداء.
برنامج رجال الله اليومي
السيد حسين بدر الدين الحوثي
الدرس الثالث من سورة ال عمران صـ11ـ12.
ما الذي يضمن لنا أن نكون أمة تنجو من هذا التهديد الشديد بالعذاب العظيم؟. أن نعتصم بحبل الله جميعاً وأن لا نتفرق، نعتصم بحبل الله جميعاً، فنجعل من أنفسنا أمة واحدة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وإلا فالقضية أمامنا – سواء علماء أو متعلمين أو متعبدين أو فلاحين أو غيرهم – واضحة {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهذا هو كتاب الله، وهو هو الذي يرسم طريق الجنة والنار؛ لأن الذي نزل الكتاب هو الذي بيده الجنة والنار، ليس هناك إلا إله واحد، هو الذي بيده الجنة والنار، وهو الذي نزل الكتاب على رسوله وهو الذي يستطيع إذا لم نمشِ على هداه أن يوصلنا إلى النار وليس هناك من يُفك فينا منه. أو النار قضية عادية ليست مشكلة ليست مقلقة؟!.
لو يأتي [الدَّجَّال] ويعمل [بركة] كبيرة ويملأها بالفحم ويملأها بالحطب ويوقدها ناراً، ويجي يجمع كل واحد منا.. وقِّع على هذه، وكونوا كلكم أمة واحدة على هذا، والاّ إلى داخل[البركة] هذه. تمام جميعا أليس الناس أكثرهم يقولون هكذا؟ أكثر الناس؛ ولهذا كانت ميزة عظيمة لأصحاب الأخدود ذكر الله قضيتهم في القرآن الكريم عندما تعرضوا للتعذيب بالنار وتحملوا، فلعن من جَنَوا عليهم تلك الجناية {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (البروج:7) مؤمنين, مؤمنين {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (البروج:8).
ولهذا نقول: أن من يُسمون الآن إرهابيين – ما هم الآن بيسموا بعض الوهابيين [إرهابيين]، أن فيهم ناس إرهابيين مطلوبين كانوا في [القاعدة] أو أتباع لـ[طالبان] – نقول: هم إرهابيون فعلاً يوم كانوا يسعون في المجتمع ليفرقوا كلمة المجتمع، يفرقوا كلمة الناس ويضللونهم، هذا هو الإرهاب الحقيقي، هذا هو الإرهاب الذي هو إرهاب للمؤمنين، إرهاب للمسلمين.
لماذا لم تتحركوا لمنعهم؟ لماذا كنتم تشجعونهم؟، لماذا كنتم تفتحون لهم أبواب مؤسسات الدولة؟، لماذا كنتم تفتحون لهم مراكز التربية والتعليم؟ لماذا كنتم تفتحون لهم المساجد؟. يوم كانوا يتحركون في تفريق كلمة الأمة، في التضليل على الأمة، في جعل اليمني هذا يلعن هذا، يطلع هذا وله ولاءات واعتقادات تخالف ما عليه هذا، يفرقون الطائفة الواحدة، يفرقون أبناء الزيدية – الطائفة التي هي المحقة، ونأمل أن يكون لها الدور الكبير في نصر الحق – يوم كانوا يتحركون لم تسموهم إرهابيين وهذا والله هو الإرهاب الشديد، هذا هو الإرهاب هذا هو الهدم للأمة الذي يُعتبر أشد على الأمة من هدم ذلك البرج في [نيويورك] – الذي بدا في أذهاننا وكأنه ضربة قاضية لأمريكا! ليس ضربة قاضية لأمريكا – لأن تُهدم أسرة هنا وتُفرق أحب إلى أمريكا من أن يُبنى لها أبراج متعددة مثل تلك الأبراج في (نيويورك) أو في [واشنطن].
أنتم تبنون لأمريكا هنا، وتهدمون الأمة فتفرقون كلمة الأمة وهذا هو البناء للمجتمع الذي يخدم أمريكا ويخدم إسرائيل، فيصبح مجتمعاً لا يستطيع أن يُقدم ولا يؤخر ولا يُحرك ساكناً، مجتمع لا يستطيع أن يحافظ على ما تبقى من إسلامه في نفسه، حتى إذا بدوا في الصورة وكأنهم عملوا شيئاً ضد أمريكا، يتحركون بكل قوتهم ويتابعونهم من هنا وهناك.
هم إرهابيون من قبل، إرهابيون وهم يفرقون كلمتنا، هم إرهابيون لأنهم يؤدون بالأمة إلى أن تصير إلى قعر جهنم؛ لأن الله تهدد في هذه الآية: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105).
فمن يعمل في أوساط الطائفة الواحدة إلى أن تتفرق وتختلف وداخلها البينات، البينات التي تجمعها على كلمة واحدة، وتجمعها في صف واحد، وتجعلها جديرة بنصر الله وتأييده، البينات التي هي الهدى من الله في معتقداتها في مواقفها، في فقهها، فتتفرق كلمتها، أليس هذا هو الدمار لهذه الأمة في الدنيا وفي الآخرة؟. هذا هو الإرهاب الحقيقي.
فكيف أصبح الحال يزعجنا أن يضرب مبنى من عدة طوابق في [نيويورك] ثم لا يزعجنا نحن – مَن نُسمّي أنفسنا [أولياء أمر] لهذا الشعب أو ذاك – لا يزعجنا أن تتهدم الأسرة ويتهدم المجتمع أسرة بعد أسرة، فتتفكك عراه، تتباين النفوس فهذا يُكفّر هذا وهذا يُضلل هذا فنصبح مجتمعاً متفرقاً، كان هذا الذي يجب أن يزعجهم، ومن أجله يقطعون يد أولئك الإرهابيين الذين يفرقون كلمة الأمة، لا أن ينزعجوا عندما يُهدم برج، أليس الله سبحانه وتعالى يريد أن نبني أنفسنا صرحاً ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))، ألم يمثل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد؟. فيجب أن يكونوا صرحاً واحداً. فمن يهدم هذا الصرح بكلمة من يهدمه بكلمة هو أخطر من ذلك الذي يهدم برجاً بطائرة أو بصاروخ.
إن هدم صرح الأمة هو الهدم الحقيقي، هو الذي ينفع أمريكا وإسرائيل، هو الذي ينفع اليهود والنصارى، الذي يضرهم هو بناء هذه الأمة وليس هدم ذلك المبنى في [نيويورك]، الذي يُعد ضربة لأمريكا هو بناء هذه الأمة لتصبح أمة واحدة، أمة واعية، أمة قادرة على أن تقف على قدميها، هذا هو الذي يُعد ضربة لأمريكا وليس ضرب الطوابق، عدت ملايين تبني مثل ذلك البرج وانتهت الإشكالية.
{وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}في {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}(آل عمران: من الآية106) لأن ما يحصل في هذه الدنيا من مواقف بسبب جهل الناس بواقعهم ووضعيتهم، تظهر مواقف تُعتبر تدنيساً لهذا أو لذاك أو لتلك الطائفة أو تلك الأمة، مواقف وأعمال تدنسها، عار عليها، تسود وجهها فعلاً.
من يعمل على تفريق طائفة مُحِقَّة يمكن أن تجتمع على كلمة واحدة هذا هو يُلطِّخ وجهه بالعار وبالخزي، سيقدم على الله يوم القيامة ووجهه أسود، من يتولَّ اليهود والنصارى، ويقف في خدمتهم يقدم على الله ووجهه ملطخ بالخزي والعار سيقدم على الله ووجهه أسود.
من لا يثقون بالله فيتبنون مواقف أخرى هم سيلطخون أنفسهم أيضاً بالعار وبالخزي؛ لأنهم لم يثقوا بربهم بأرحم الراحمين بهم، بالذي يهديهم إلى صراط مستقيم سيلطخون أيضا أنفسهم ويلطخون قلوبهم ويلطخون وجوههم بالعار فيقدمون على الله ووجوههم مسودة.
من يسمحون لأنفسهم أن يظلوا متفرقين مختلفين على الرغم من خطورة ما يواجهون على أنفسهم وعلى دينهم هم يجعلون أنفسهم في موقف خزي وعار أمام الله سبحانه وتعالى فيقدمون على الله ووجوههم مسودّة.
يوم القيامة يوم تتجلى فيه مواقف الناس في هذه الدنيا فمن كان في هذه الدنيا يلطخ نفسه بالعار وبالخزي وبالذل تكون سِمَتُه أن يكون وجهه أسود، ومن كانت مواقفه في هذه الدنيا مواقف صحيحة مواقف مشرفة، مواقف نظيفة يَقدم على الله ووجهه أبيض.
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران:106) كفرتم بعد إيمانكم؛ لأنكم رضيتم لأنفسكم؛ لأنكم قصرتم؛ لأنكم فرطتم؛ لأنكم توانيتم فأصبحتم ضحية لأهل الكتاب فردوكم بعد إيمانكم كافرين، وهذا موقف خزي لكم؛ لأن الله يقول في القرآن وحدثنا عن أهل الكتاب أنه ليس فيهم ما يشدنا إليهم، ليس فيهم ما يجعلنا نتأثر بهم، أنهم في خبثهم ومكرهم على النحو الذي يجب أن نكون حريصين على الاعتصام بالله من أجل أن ننجى من كيدهم ومكرهم وخبثهم حتى لا نتحول بعد إيماننا كافرين.
عندما تعاملنا مع القضية هذه ببرودة فأصبحنا نفتح أذهاننا وقلوبنا لهم، أصبحنا نفتح بيوتنا وأسرنا لهم، أصبحنا نؤيدهم، أصبحنا نتحرك في خدمتهم، أليس هذا هو الخزي؟ أليس هذا هو الكفر بعد الإيمان، أن يكون الله قد عمل على إنقاذنا من أول مرة – عندما كنا قد أصبحنا على شفى حفرة من النار فأنقذنا منها – ثم على يد من؟. على يد اليهود والنصارى وبخبثهم ومكرهم نعود من جديد إلى النار.
فإذا لم نتعامل مع القضية بجدِّية كما ينبغي أن نكون في مواجهة خطورتها سنكون فعلاً جديرين بالخزي والعار فنقدم على الله – ونعوذ بالله من أن نكون من هؤلاء – نقدم على الله ووجوهنا مسودة فيقال لنا {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}(آل عمران: من الآية106)، أي أنه حصل كفر بعد إيمان، كفر بعد إيمان حصل, وكيف حصل؟ نحن قلنا بالأمس أن اليهودي لا يأتي إليك فيقول لك: اكفر بالقرآن، اكفر بمحمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يقول لك: تَيَهود تنَصْرَن. سيوصلك إلى الكفر من حيث لا تشعر، ومتى سيوصلك إلى الكفر من حيث لا تشعر؟. عندما تكون إنساناً لا يبالي، عندما تكون مجتمعاً لا يبالي، عندما تظل مجتمعاً متفرقاً، عندما لا تهتم بهذه القضية فإنك قد هيأت نفسك لتكون بيئة صالحة توصلك إلى الكفر، توصلك إلى الارتداد بعد الإيمان فتقدم على الله – كفرد أو كمجتمع – بوجوهٍ مسودّة {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ؟ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}(آل عمران: من الآية106)؛ لأنه هنا كفر حصل بعد الإيمان، على يد من؟. أليس على يد أهل الكتاب.