الاعتصام بحبل الله والوحدة المطلوبة التي يريدها الله.
برنامج رجال الله اليومي
السيد حسين بدر الدين الحوثي
سورة ال عمران الدرس الثاني صـ15 ـ17.
[فالوحدة بين المسلمين التي تقدم في الساحة] إما أن نهتف بها ونحن نعمل على صعيد الواقع إلى ما يعارضها ويضادها في أهدافها وفي نتيجتها، أو أن نقدمها بشكل ناقص ونحن نتحدث عنها.
الله هنا في هذه الآيات الكريمة حدد بوضوح بيِّن لا غبار عليه كيف هي الوحدة المجدية، كيف هي الوحدة التي تعطي ثمرتها، التي تنطلق فيها أمة، ينطلق فيها مجتمع على أساس من الإعتصام الجماعي بحبل واحد، أي منهج واحد، موقف واحد، خطة واحدة، عَلَم واحد، قيادة واحدة.
ليس هناك أدق تعبير في فردية الشيء من كلمة {حَبْلِ} حبل واحد. لو قال مثلا: [واعتصموا بشجرة الله] قد نتصور بأنه كل واحد سيمسك بغصن هذا يمسك بغصن، وهذا بغصن، وهذا بعرق منها.. حبل واحد لا يوجد أدق من هذه العبارة في أن تعطينا فهم أن الطريق هي واحدة فقط، وقناة واحدة فقط، ومنهج واحد فقط، منهج واحد يُقدم في ساحة العمل، منهج واحد يستطيع أن تكون ثمرته واحدة يطلِّع أشخاص على قلب رجل واحد.
انظر إلى مدارسنا نحن الزيدية ماذا تقرأ فيها؟ تقرأ فيها ما يجعلك من أول ما يتفتح ذهنك لفهم المسائل تنطلق لحالك، ويصبح هذا هو واجبك، ويصبح هذا هو العلم، فتنطلق لحالك، وزميلك ينطلق لوحده، أصبحت تدين بشيء، وهو يدين بشيء، أصبحت تتعصب لشيء، وهو يتعصب لشيء آخر ضده.
توحي الآية بأنه يجب على المسلمين، أو يجب على المجتمع خاصة من هو محمل مسئولية كبيرة أمام الله أن ينطلق في الإعتصام بحبل الله، وفي نفس الوقت هي حالة تستدعي المحافظة عليها أثناء العمل للوصول إليها، ثم بعد الوصول إليها فينهى عن التفرق، التفرق في الطريق، والتفرق بعد الوصول إلى تحقيق هذه الحالة، حالة الوحدة الإعتصام بحبل الله جميعا {وَلا تَفَرَّقُوا}. و{جَمِيعاً} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو، ولا يقل [أولئك فيهم الكفاية]، أليست تحصل هذه؟.
انطلاقة فردية وأولئك قد فيهم الكفاية لا عندما يقول: {جَمِيعاً} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو أن يتحرك من جانبه ليكون ضمن هذه الجماعة، لا يقل: [فيهم الكفاية، وهم قد أصبحوا كثيراً]، يجب َأن تلغى مشاعر أن الآخرين يمكن أن يكونوا بديلاً عنك، عندما يقول: {جَمِيعاً}أليس هو يخاطب كل فردٍ منا أن ينظم نحو هذا المجموع؟.
عندما تقول: [فيهم الكفاية] سيقول الآخر مثلك والثالث مثلك، يصبح في الأخير أن الجميع هؤلاء لا يوجدون [الوحدة التي يريدها الإسلام]. ما الذي يصنع هذه؟. يصنعها حسن تعامل، ويصنعها ثقافة واحدة، ويصنعها شعور واحد، ويصنعها اهتمام واحد.
غير صحيح أن بالإمكان أن يتوحد المسلمون توحداً على هذا النحو الذي الآية توحي بأنه لابد منه في ميدان المواجهة مع الآخرين، مع أهل الكتاب لابد منه، وأهل الكتاب – من يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى – يرى بل يصل تقريبا إلى درجة القطع بأن هنا في القرآن ما يوحي بأن الجهة التي ستكون هي من يمثل خطورة على الأمة، وهي الطرف الذي سيصارع الأمة على امتداد تاريخها هم طائفة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
في مواجهة هؤلاء لابد لمن ينطلق في ميدان مواجهتهم من عباد الله سواء الأمة بكلها، أو مجتمع من المجتمعات لابد أن يتحقق لديهم وحدة على هذا النوع من الإعتصام بحبل الله جميعا، وحدة يحافظون عليها، ووحدة تقوم على أساس من الألفة فيما بين أنفسهم، والروابط التي تعزز حالة الإخاء والمودة فيما بينهم.
أنت تقول من هناك: [ممكن كل واحد ينطلق وكل واحد على مذهبه] غير صحيح أن بالإمكان أن تقف هذه المذاهب التي هي فيما بينها يكفر بعضها بعضاً، ويفسق بعضها بعضاً، والتي أفرادها فيما بينهم لا يحملون مشاعر الحب والإخاء والألفة مع الآخرين، ولا يصلون إليها بحكم تباينهم في معتقداتهم، في ثقافتهم، تباينهم أعلامهم, في قدواتهم، تباينهم في نظرتهم إلى الدنيا، في نظرتهم إلى الحياة. لا يمكن حتى أن يصل إلى هذه الدرجة فيما بينهم.
إذاً فلا يمكن أن تتحقق الوحدة، فكل شعار أو كل نداء يهتف بوحدة الأمة على ما هي عليه هو نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإن تحققت شكليا فلن يكون لها أي جدوى.
لهذا ولأن الآخرين من اليهود والنصارى يعرفون أن تفرقنا كمذاهب هو مما يساعد على ضعفنا حتى ولو بدت أصوات تهتف بوحدتنا كمذاهب، هم يعرفون بأنها ستكون فاشلة، فهم يعززون التفرق المذهبي فيما بيننا، هم وراء دعم الوهابيين، هم وراء دعم طوائف متعددة، هم وراء إحياء التفرق المذهبي. التفرق المذهبي حاصل في الأمة من قبل لكنهم عرفوا بأنه يخدمهم فليغذوه وليبقى هذا التفرق على ما هو عليه.
طيب ما هي المعالجة؟ قد يقول البعض: إذاً مادام أن أعداء الإسلام يخدمهم تفرقنا كمذاهب إذاً فيجب أن نسكت عن بعضنا بعض وأن ننطلق كأمة واحدة، ويرى البعض بأن هذا يمثل حلا لكن الواقع أنه لا يمثل حلا. وإذا كنا نعرف بأن التفرق المذهبي من أساسه هو يخدم أعداء الإسلام إذا فلنلغيها ولنرجع إلى حبل واحد. ما هذا هو الصحيح؟
أو أن نأتي ونقول: نتقارب أنا وأنت، وأنا وأنت مختلفين في عقائدنا بدءاً من الله إلى يوم القيامة، لك أعلام تقتدي بهم، ولي أعلام أقتدي بهم، لك أشياء تهتم بها، ولي أشياء اهتم بها، ليس بيننا ألفة، ليس بيننا تقارب فكيف يمكن أن يقال أن بالإمكان أن يجتمع هؤلاء شكلا ثم هم سيعملون ضد الآخرين. لا. الله تعالى يقول للناس وهم مؤمنون قبل أن يتحولوا إلى مذاهب بأن عليهم وهم أفراد قبل أن يتحولوا إلى مذاهب: أن يعتصموا جميعا جميعا بروح جماعية على هذا النحو الذي تسود داخل نفوسهم حالة المشاعر المتبادلة من الإخاء، والألفة، والحب، والود.
فغير صحيح أن يقول الإنسان: إذاً فلا ينبغي أن نثير القضايا لأن أصحاب المذهب الآخر هم حساسين، وهذا يعزز حالة التفرق. نحن قد تفرقنا من زمان، نحن قد اختلفنا من زمان، وأصبح تفرقنا واختلافنا مما يخدم أعداء الأمة، فما هي المعالجة الصحيحة؟ هي أن نرجع إلى حبل واحد، وإلا فنحن جميعا نكذب بكتاب الله، ونتصور بأن الحبل الواحد هو الاجتماع الشكلي.
الحبل الواحد هو هدى من الله، هو هدى من الله، لا مجرد أشخاص وتجمع شكلي، حبل الله هو هداه، إذا فهداه يرجع الناس جميعا إلى هدى هو هدى الله وهو هدى واحد. ولن يجدي إطلاقا – فيما اعتقد – أي صوت يقول: [أصحاب المذاهب هؤلاء يسكتون من بعضهم البعض وسيتوحدون جميعاً ضد مدري من].
تجمعت جيوش عربية انطلقت من عدة دول ولم تجد شيئا، وهم فيما بينهم سُنِّيّة، لكن حتى نفس التفرق باعتبارهم كل شعب وطن مستقل بنفسه عن الآخر كان لهذا التفرق الذي داخل أذهانهم أن هذا له رئيس ورئيسه فلان، وهذا قائده فلان، لدينا قوانين هي كذا وآخر قوانينه كذا، بلادنا حدودها كذا، شكلها كذا، والآخر حدوده كذا.
حالة تفرق من هذا النوع التي هي أقل من التفرق المذهبي أثرت سلبا في تلك الجيوش فلم تكن مجدية، اجتمعت من مصر وسوريا وعدة بلدان، اجتمع المصري مع السوري مع العراقي مع الأردني مع اللبناني لكن كل واحد هو يرى نفسه ليس منصهرا في مشاعره مع الآخرين، أنا رئيسي فلان، وأنت رئيسك فلان، بلادي اسمها كذا، بلادك اسمها كذا، بلادي حدودها كذا بلادك حدودها كذا. أليست هذه فرقة؟. انظر كيف أثرت هي داخل من؟. داخل السنيّة أنفسهم.
ففرقة المذاهب هي أشد بَوْناً واتساعاً من فرقة الأوطان، وفرقة أسماء الرؤساء والزعماء، وفرقة عناوين البلدان، أنا بلدي اسمه مملكة، وأنت بلدك اسمه جمهورية، وذلك اسمه سلطنة. أليست فرقة المذاهب أبعد وأشد؟. أين ساحة فرقة المذاهب؟. أين هي؟. أليست هي النفوس؟. ساحة فرقة المذاهب ميدانها هو نفوسنا نحن المسلمين، فما دامت النفوس هذه متفرقة أي هي متفرقة ليست مجتمعة على هدي واحد، أليس كذلك؟.
مذاهب متعددة وكل مذهب لحاله أي هو يسير على هدى لحاله، وهذا على هدى لحاله، وهذا على هدى لوحده أليست هكذا؟. ألم يطلع الهدى متعددا؟. إذاً حبال متعددة داخل أنفسنا، وهذه هي نقطة الخطر، لو أنها حبال متعددة في ساحة خارجية خارج ساحة أنفسنا لكانت أقل ضرراً، لكنها حبال متعددة داخل ساحات أنفسنا كمسلمين فهي أشد ضررا في أن تحول بيننا وبين أن نصل إلى حالة يكون اجتماعنا فيها مجديا في مواجهة أعداء الله.
لماذا؟ لأن المطلوب أن يصل أفراد المجتمع الذين يعتصمون بحبل واحد ويتوحدوا على هذا الهدي الذي وجههم الله إليه أن تسود داخلهم مشاعر الألفة والمحبة؛ ولهذا قال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}(آل عمران: من الآية103).
أليس هناك عداوة مذهبية قائمة؟ من الذي يستطيع أن يمسحها؟ من الذي يستطيع أن يجعل القلوب متآلفة؟. إلا متى ما اجتمعت هي على الإعتصام بحبل واحد؛ لهذا جاء في مقدمة التوجيه نحو الوحدة الإعتصام بحبل واحد، والحبل الواحد هو هدى، الهدى هو ثقافة وفكر، أليس كذلك؟. في داخل نفوسنا مشاعر، وثقافة، وفكر، وتوجهات. أليس الهدى هو داخل النفوس؟ الحبل هذا أليس في الواقع داخل النفوس؟.
يمتد من يد الله إلى أعماق نفوسنا، فمن الذي يستطيع أن يصنع حالة تمسح العداء وتخلق حالة من الألفة بين أفراد المذاهب المتعددة المتعادية فيما بينهم ديناً؟ ماذا يعني ديناً؟ أنا أدين الله بأنك خبيث رافضي؛ لأنك لا تتولى أبا بكر وعمر.. أليس هكذا يحصل؟.
أليسوا يقولون عنا نحن الشيعة بأننا مشركون، وأننا روافض، أننا من أهل النار؟ وما هي جريمتنا؟ أننا لا نتولى أبا بكر وعمر، وأننا نحب أهل البيت. إذاً أليسوا هم يعيشون حالة العداء لنا إلى درجة أن من يُقتل منا في مواجهة إسرائيل لا يتحدث عنه، ولا يلتفت إليه، فليقتل عباس الموسوي.. أليس شيعيا مجاهدا، قائد حزب الله في لبنان؟. يقتل في عملية رهيبة، عملية مؤسفة، وتقتل معه زوجته، وابنه، ثم لا يتحدث الآخرون عنه؛ لأنه شيعي قتله يهودي، يهودي يقتل شيعي، شيعي يقتل يهودي كلها واحد!.
من يستطيع أن يمسح حالة العداء في نفوس السنية قبل؟ نحن شخصياً لا نحمل حالة من العداء نحوهم كما يحملون هم حالة العداء نحونا. يقوم الإمام الخميني تصدر أصوات من جانبهم يكفرونه رأساً [وجاء دور المجوس] هكذا، يأتي شخص من أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يدعو الأمة إلى كيف تواجه أمريكا وإسرائيل، إلى التحرر من هيمنة دول الاستكبار من اليهود والنصارى، رجل مؤمن، تقي، رجل مجاهد، شجاع، يعرف كيف يضع الخطط الحكيمة، ينطلق انطلاقة قرآنية، ثم تأتي أصوات، وتطبع كتب من داخل بلاد السنية [وجاء دور المجوس]! الخميني يعني أكبر مجوسي، وبدأت حركة المجوس.. ما هكذا قالوا؟. كتاب [وجاء دور المجوس] هل عرفتموه؟.
إذاً فنحن عندما نقول: نحن لازم أن يكون منطقنا ليناً، ونحن جميعا مسلمين، والمذهب على ما هم عليه، وأنا على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه، ونتوحد، ألسنا أول من يكذب الله؟. الذي أمرنا أن نعتصم بحبل واحد، وقال: أنه لا سبيل إلا هذا الشيء أن نعتصم بحبل واحد، نحن قدمنا فكرة أخرى وقلنا: بأنها هي المجدية أن بالإمكان أن تكون على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه، وهذا على ما هو عليه, مذاهب متعددة، ويمكن أن نتوحد، وأن نعمل الشيء الكثير في الآخرين.. أليس هكذا قُدم؟. أي نحن قلنا: لا يا الله ليس صحيحا أن من الضروري أن نعتصم بحبل واحد.
لو كان الحبل هذا هو حبل مادي نازل من السماء إلى الأرض، أو كان هذا الحبل شيء غير هدى الله لكان بالإمكان أن نقول: يمكن أن يتعدد، لكن هدى الله ما هو؟. هدى الله بما فيه الأحكام الشرعية ما هي من هدى الله؟. العبادات بكلها إنما هي آلات لتصل بالإنسان إلى هدى الله. فهدى الله هو شيء واحد. فمن جاء ليقول: ممكن كذا، وممكن كذا، ثم نتوحد، يتصور بأنها ستكون وحدة مجدية، ستكون وحدة شكلية فإنه أول من يكذب الله عندما يقول الله: لا.. لن يحصل شيئا مجديا إلا اعتصاما بحبل واحد هو حبلي، لأنه متى ظهرت أشياء أخرى فليست من قِبَل الله، من قِبَل الله شيء واحد فقط سماه حبله.
تحصل مثل هذه الأصوات داخلنا نحن الزيدية ما هذا الذي يحصل؟ نقول: ليكن منطقنا ليناً مع الآخرين، تتسع صدورنا للآخرين، وألفة فيما بين المسلمين، وانفتاح على الآخرين, أليس هذا يحصل؟.