كيف لا نثق بالله وهو من بيده ملكوت السماوات والأرض؟.
برنامج رجال الله اليومي
السيد حسين بدر الدين الحوثي
معرفة الله عظمة الله الدرس الثامن صـ3ـ4.
يكون أولياؤه – والناس في شدة الحساب – مَن هم متكئون وجالسون على أرائك، والأرائك هي [الكنب] كما نقول في الدنيا، المقاعد الملبسة بالفراش، يقدم لهم الشراب, ويقدم لهم الطعام قبل أن يزفوا إلى الجنة، والناس هناك في هول شديد.
الله من لا يمكن أن تخشى منه أن يتغير أو يتبدل؛ لأن كماله هو كمال ذاتي, وكماله هو الكمال المطلق، إذاً فلماذا لا تثق به؟ لماذا لا تعظم ثقتك به؟ أنت قد تثق بشخص هنا في الدنيا حتى ولو كان رئيس دولة، وأنت تعلم بأنه من المحتمل أن يموت اليوم أو غداً، من المحتمل أن يحدث عليه انقلاب اليوم أو غداً، فيصبح مسكيناً لا يستطيع أن يعمل لنفسه شيئاً فضلاً عن أن يعمل لك شيئاً. أما الله فهو من لا يمكن أن يغيره نقص يعتريه، أو إله آخر يقهره, متى ما وثقت به هنا في الدنيا؛ لأنك تراه هو أهل المجد، وأهل الحمد, وأهل الثناء، كذلك ستجده في الآخرة هو أهل المجد, وأهل الحمد, وأهل الثناء لا يتخلف عنك، ولا يتغير أمامك, ولا يتبدل.
{وَلَهُ الْحُكْمُ}(القصص: من الآية70) هو من لـه الحكم هنا في الدنيا, وله الحكم في الآخرة أيضاً, له الحكم في الآخرة في يوم الفصل، لا أحد يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذنه، ولمن ارتضى من عباده، كل عباده يقفون صامتين بين يديه فلا تسمع إلا همساً {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً}(طـه: من الآية108) كل أولئك الذين كانوا يتجبرون في هذه الدنيا, ويطلقون العبارات القاسية ضد المستضعفين من عباد الله، هم مَن سيقفون أذلاء بين يدي مَن أنت تتولاه، هم من ستضحك منهم, وتسخر منهم في الآخرة كما سخروا منك في الدنيا, وكما كانوا يضحكون عليك في الدنيا {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}(المطففين35).
في يوم الحساب مرتاحين تقدم لهم [مَدَاكِي] يجلسون عليها، وشراب وأكل، وهم يضحكون من الآخرين، وهم من قد شخصت أبصارهم، هم من قد كادت أفئدتهم أن تخرج من صدورهم من شدة الخوف والهلع، فترى كم كان لتوليك لله سبحانه وتعالى من أثر عظيم.
في ذلك اليوم الشديد الأهوال ترى أن من توليته هو من رفعك في ذلك المقام العظيم، فأمَّنك في يوم الهول الشديد، فتصبح أنت مَن تضحك, ومن تسخر من أولئك الكبار، الذين كانوا في الدنيا يضحكون من أولياء الله، ويسخرون منهم، ويتهددونهم، ويستضعفونهم، ويتجبرون عليهم.
والفارق كبير جداً، في هذه الدنيا فترة قصيرة نعيش فيها جميعاً نحن والمستكبرون، نحن ومن يسخرون منا، نحن ومن يضحكون منا، لكن هناك في اليوم الآخِر هو عالَم الخلود الأبدي، سيكون مَن هو آمن آمن دائماً، من هو ذليل ذليل دائماً، من هو خائف، خائف دائماً في قعر جهنم. فالفارق كبير جداً؛ لأن من توليته هو من له الحكم في الآخرة، ومن إليه يُرجع الناس جميعاً، وأنت منهم سترجع إليه فترى الجزاء الحسن, وترى الثواب العظيم على توليك لـه، ورجوعك إليه في الدنيا، يوم كنت ترجع إليه في كل أحوالك, وتتجه إليه في كل أعمالك.
هو أيضاً كما قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} (الأنعام:73) قوله الحق الذي لا يتخلف، قوله الحق الذي لا يمكن لأحد أن يفرض عليه أن يتخلف عن قوله، أو يحول بينه وبين تنفيذ قوله، ومعنى أن قوله الحق: هو الواقع الثابت الذي لا يتخلف، وهو الحق الذي لا باطل فيه، ولا ضلال فيه. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} الأنعام:73 له الملك في الدنيا, وله الملك في يوم ينفخ في الصور, في يوم القيامة، هو عالم الغيب والشهادة، وهو الحكيم الخبير.
عندما نقرأ مثل هذه الآيات العظيمة، ليس المقصود فقط هو: أن تعرف أن الله هكذا, هو هكذا سبحانه وتعالى، لكن المطلوب ماذا ستترك هذه الآيات في نفسك من أثر، الله سبحانه وتعالى نزل كتابه الكريم، وكتابه كتاب هداية، كتاب يعمل على أن يهديك بأي وسيلة, فهو هنا لا يتحدث لمجرد الحديث عن عظمة الله سبحانه وتعالى فقط، بل ليقول لك: أنا هكذا.. فبي فثق، وعليّ فتوكل، وإياي فارجوا وهكذا.
عندما يقول عن نفسه سبحانه وتعالى: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.. فهل نجيب عليها بأن نقول: صح, نعم!. نعم هي حق، لكن لنرجع إلى أنفسنا, نبحث عن كيف نجعل لهذه الآيات العظيمة – التي تتحدث عن عظمة الله سبحانه وتعالى – أثراً عظيماً في نفوسنا، كيف نجعل نفوسنا تشعر بعظمة الله، فيعظم الله فيها، فيصغر ما دونه أمامها.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (البقرة:117) مبتدعهما، أي هو لم يخلقهما على مخطط قدم له من جهة أخرى، أو عملهما على مثال عملته جهة أخرى، هو من ابتدعهما، هو من أوجدهما من حالة العدم على غير مثال احتذاه.
{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الأنعام:101) فأولئك الذين أدعو له ولداً, أو جعلوا أنفسهم أبناء له, اليهود والنصارى، اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، الله كفّرهم بأقوالهم هذه, وسخر منهم: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} كيف يمكن أن يكون له ولد {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} ليس له زوجة، هو ليس بحاجة إلى ولد، هو بديع السموات والأرض، هو من لا يمكن أن يلد أو أن يكون مولوداً, لا يمكن إطلاقاً، لا يمكن أبداً أن يكون مولوداً، ولا يمكن أبداً أن يلد, أن ينجب؛ لأن هذا هو شأن المخلوقات، شأن المحدثات، تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك.
فكان من يقولون بأن لله ولداً كاليهود والنصارى الله كَفّرهم, ولعنهم بقولهم بأن لـه ولداً. وما نزال نسمع من إذاعات المبشرين, التبشير بالنصرانية يتحدثون عن المسيح أنه ابن الله، يتحدثون عنه بأنه ابن الله ويقولون: أنه مع أمه ومع الله إله واحد، واحد في ثلاثة! هذا كفر وجهل بالله سبحانه وتعالى.
كثير من الناس حول هذه المسألة لا يتعقل ما فيها من سوء حتى يرى بأن عليه أن ينزه الله منها، فنحن متى ما نزهنا الله ينزهه الكثير من منطلق إيماني: بأنه هكذا نزه نفسه، فنحن ننزه نفسه. لهذا متى ما سمع كثير من العوام إذا ما قلت لهم: فلان يقول: أن الله يُرَى! بعضهم لا يستنكر، لا تثيره هذه القضية، إلا إذا كان قد تعلم وعرف معرفة لا بأس.
الله سبحانه وتعالى عندما ينزه نفسه عن مشابهة خلقه، عندما ينزه نفسه عن أن يكون لـه ولد، أو يكون مولوداً، أو يكون لـه صاحبة، ينزه نفسه؛ لأنه لو كان على هذا النحو لكانت فيه دلائل الحدوث، ولو كانت فيه دلائل الحدوث لكان ذلك يعني: أن هناك طرفاً ثانياً أحدثه على هذه الكيفية التي هو عليها، فيكون ناقصاً محتاجاً، ويكون غيره أكمل منه.
كما هو الحال بالنسبة لنا، أليست فينا دلائل الحدوث؟ مِن تركيبنا على كيفية معينة، ووجودنا بعد حالة عدم، وكوننا مولودين من بطون أمهاتنا. أليس ذلك يدل على أننا محتاجون، أن هناك طرفاً ثانياً عمل هذا بنا؟ فنحن ناقصون بالنسبة له، نحن محتاجون إليه.. إذاً هو أكمل منا.. أليس كذلك؟.
فإذا كان يلزم من هذا من أن يكون له ولد، أو يكون مولوداً، أو تكون له صاحبة أن يكون مُحْدَثاً، وأن يكون محتاجاً، ويكون ناقصاً، فهذا يعني: أن هناك غيره من هو أكمل منه هو من أولده من آخر، أو مَن جعله على كيفية معينة قابلة لأن يلد فينجب فيكون ناقصاً.
ونحن نقول – كما تكرر في القرآن الكريم في آيات كثيرة – : إن من أعظم ما يؤكد عليه القرآن الكريم ويعمل على ترسيخه في النفوس هو: الشعور بكمال الله المطلق, أي هو من لا يحتاج أبداً إلى غيره، هو الكامل، فعندما نصفه ونسميه كما سمى نفسه ((عليم)) فهو العليم الذي لا يجهل شيئاً, هو الذي أحاط علمه بكل شيء, هو عالم الغيب والشهادة.
ومتى ما سمعناه يسمي نفسه بأنه قدير فإنه يقول: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(فصلت: من الآية39) لا يعجزه شيء، والقرآن الكريم عمل على ترسيخ مبدأ الكمال، كمال الله سبحانه وتعالى, وهو المبدأ الذي استطاع أن ينسف الشرك من نفوس العرب, عندما جاء ليقول لهم: إن الإله يجب أن يكون كاملاً، الإله الذي يستحق العبادة يجب أن يكون كاملاً كمالاً مطلقاً، أما إذا كان ناقصاً محتاجاً فغيره أكمل منه، إذاً فغيره أولى بالعبادة له منه، فتحدث عن أصنامهم بأنها لا تنفع ولا تضر، لا تسمع, لا تبصر.. ألم يتحدث في القرآن الكريم عن هذا كثيراً؟.