كل الاحداث من حولنا فيها عبر وهي شواهد على آيات الله.
برنامج رجال الله
السيد حسين بدر الدين الحوثي
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى صـ2ـ3.
الإنسان المؤمن، الإنسان المسلم بمعنى الكلمة هو من يستفيد من كل شيء حوله، من متغيرات الحياة، من الأحداث المتجددة في الحياة، أي حادث في أي بقعة من الدنيا تأكد أن فيه شاهداً هو فيه آية، هو شاهد على آية وفيه آية، وفيه عبر كثيرة.. ألم تكن تلك الأحداث التي وقعت في الأمم الماضية، ألم يأت القرآن الكريم يقصها علينا وعلى النبي نفسه (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ليقول للجميع: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: من الآية111) لأولي الألباب: الناس الذين هم لديهم لب، أي لا ينظرون إلى الأشياء نظرات سطحية، هم يتفهمون الأشياء، هم يتأملونها وينظرون ما فيها من عبر فيستفيدوا منه.
قصصهم، ما هو القصص هنا؟ تلك الأحداث التي كانت تحصل.. ألم يعرض القرآن أحياناً كلمة يقولها كبار العشائر في أيام نوح، أو في أيام فرعون، أو في أيام صالح أو هود أو أي نبي من الأنبياء، حتى الكلمة الواحدة يسجلها هي حدث ومن وراءها عبرة، وتوحي بالشيء الكثير. مواقف الأنبياء أيضاً.
لأهمية هذه يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} (يوسف: من الآية111) عبرة يعني: دروس كثيرة جداً، والدروس لا يعني فقط هو مجرد المعرفة، أي عرفت أنه كان هناك نبي، وأنه كان يقول كذا، وقالت أمته له كذا، وانتهى الموضوع. لا، عبرة، فيها دروس كثيرة، تعرف من خلالها نفسية أهل الباطل, تعرف من خلالها ما الذي يحول بين الناس وبين أن يؤمنوا, تعرف من خلالها أيضاً لماذا كانوا ينطلقون بجد واجتهاد لمعارضة نبي من أنبياء الله، تعرف من خلالها كيف كان الأنبياء (صلوات الله عليهم) رحماء جداً بالأمم، ومخلصون وناصحون، وهم أيضاً أناس اصطفاهم الله وأكملهم.
ثم تستغرب أن كل أمة من الأمم ما سلم نبي من أنبياء الله، أي نبي يبعثه إلى أي أمة من الأمم ما سلم من أن يقولوا له أنه ساحر أو مجنون، مجنون، مجنون ذلك الشخص الذي اصطفاه الله وأكمله، ذلك الذي يتقطع قلبه أسفاً وألماً على الناس أن لا يهتدوا، ذلك الذي يبذل وقته كله لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يقابل بأن يقال له: مجنون شاعر كذاب مفتري ساحر، وإن أتى بكتاب من عند الله {قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (الفرقان:5).
العبر كثيرة جداً من خلال الأحداث سواء ما قصه الله في القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية؛ أو من الأحداث التي تطرأ في هذه الدنيا، سواء في تاريخنا القريب، تاريخ الأمة هذه الإسلامية، أو في عصرنا الحاضر، وما أكثر الأحداث والمتغيرات في هذا العصر الحاضر.
لكن يبدو أننا لا نرى فيها إلا أنها أحداث مجرد أحداث، خصومة وقعت بين دولتين هنا وهناك حصل ما حصل، ونتابع الأخبار لنعرف ماذا يحدث فقط، كل حدث فيه عبرة، كل حدث هو آية، هو شاهد على آية من آيات الله، هو شاهد على كل ما هو حق سواء كان في كتابه الكريم، أو أخبر به الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
هو شاهد على كل شيء، لا يغيب، هو شاهد، فهذه الأحداث التي تحدث هو يعلمها، وهو يعلم ما فيها من عبرة، وكثير منها, كثير منها هي لا تخرج عن سننه التي رسمها في هذه الحياة، تلك السنن التي تقضي بأنه إذا ما عملت أمة هكذا ستكون نتيجة عملها هكذا في هذه الدنيا.
{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(فصلت: من الآية53) فهو من سيريكم آياته في الآفاق وفي أنفسكم، حتى يتبين أن كلما ذكره في كتابه الكريم هو حق لا شك فيه.
أكرر.. نحن كمؤمنين أليس كذلك؟ ونرجو الله أن نكون مؤمنين حقاً، وأن نكون من الصادقين في إيماننا، إذا أردت أن تكون مؤمناً بمعنى الكلمة فخذ العبر من كل حدث تسمع عنه، أو تشاهده حتى في بلدك، حتى في سوقك، حتى داخل بيتك، كل شيء فيه دروس وفيه عبرة، ليزداد الإنسان بصيرة، يزداد إيماناً، يزداد وعياً.
والإنسان الذي يعرف يزداد إيمانه ووعيه؛ سيجنب نفسه الكثير من المزالق، سيدرك كيف ينبغي أن يعمل؛ لأنه من خلال تأملاته الكثيرة يعرف أن الأشياء أشبه بسنن في هذه الحياة، ولهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (العاقل من تدبر العواقب).
وكيف تستطيع أن تتدبر العواقب، أن تعرف أن أمراً كهذا تكون عاقبته هكذا إلا من خلال تأملاتك, وتدبرك للقرآن الكريم، ولصفحات هذا الكون في أحداثه المتجددة والكثيرة؟ ولهذا قال في كلام آخر: (العقل حفظ التجارب) التجارب هي الأحداث سواء تجارب تجريها أنت، أو أحداث تقع في الحياة، هي كلها لا تخرج عن سنن مكتوبة وراء كل عمل من الأعمال، أنه عملٌ ما يجر إلى نتيجة معينة، سواء كانت نتيجة سيئة أو نتيجة حسنة.
إذا عاش الإنسان في هذه الدنيا وهو لا يحاول أن يستفيد، أن يستفيد مما يحصل فإنه نفسه من سيكون معرضاً للكثير من المزالق، يتأثر بالإعلام المضلل، يتأثر بالدعاية، يتأثر بالوعود الكاذبة، يتأثر بزخارف القول، وهكذا يظل إنساناً في حياته مرتابا يهتز لا يستطيع أن يستقيم ولا يستطيع أن يثبت؛ ولأن الدنيا مليئة بالضلال، والباطل له دعاته الكثيرون، والباطل لديه إمكانياته الكبيرة والواسعة، يمتلك الباطل هنا في هذه الدنيا أكثر مما يمتلك الحق؛ له القنوات الفضائية، وله وسائل الإعلام بشتى أنواعها، بشتى أنواعها سواء التلفزيون أو الإذاعة أو الصحيفة أو أشخاص يتحركون في أوساط الناس يحملون أفكاراً ضالة، أو كلمات مضلة، يحملون زخارف من القول يضلون بها الناس.