أمريكا وخيار النزول الصعب الى الشاطئ اليمني
| متابعات وصحافة | تقرير/ إبراهيم الوادعي: على مدى عامين من العدوان السعودي الأمريكي لم تتعرض سفينة تجارية في باب المندب او قرب السواحل اليمنية ضمن خطوط الملاحة في البحر الأحمر الى أي اعتداءأو شكل الجانب اليمني مصدر قلق للسفن التجارية العابرة حتى التابعة منها لدول العدوان .
والحادثة الوحيدة في أكتوبر المنصرم ادعت فيها الامارات بان السفينة “سويف” التي استهدفت من قبل الجيش واللجان الشعبية قبالة ساحل المخا مطلع أكتوبر 2016هي سفينة مساعدات إنسانية كذبتها الأمم المتحدة، وأكدت بان السفينة غير مدنية، وتعمل لصالح الجيش الاماراتي الذي يخوض حربا في اليمن ضمن تحالف السعودية.
وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، «بان كي مون» فرحان حق خلال مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بعد أيام من الحادثة إن السفينة الإماراتية «لم تكن للمساعدات الإنسانية»، وزاد على ذلك بالقول بناء على ما تلقيناه من معلومات لا يبدو أن السفينة كانت في مهمة إنسانية”.
والسفينة سويفت هي سفينة إنزال وسيطرة يملكها الجيش الأمريكي واستأجرتها الامارات لقيادة قواتها البحرية العاملة ضمن التحالف العدواني على اليمن.
الى ما قبل الخامس والعشرين من مارس لم يكن أحد يتحدث عن تهديد محتمل لمضيق باب المندب سوى “إسرائيل” المتوجسة من علو نجم أنصار الله في اليمن وفرار الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي من البلاد، وقيادات عسكرية ومدنية وحزبية متواطئة الى الرياض كالجنرال علي محسن الأحمر الذي اقتحمت اللجان الشعبية مقر الفرقة الأولى مدرع التابعة له في 21 سبتمبر 2014م، لينتهي بذلك كابوس وتخرج اليمن من السيطرة السعودية لأول مرة منذ عقود.
وفيما كان وزير الخارجية السعودي الحالي عادل الجبير يطير الى واشنطن ليعلن من هناك عاصفة الحزم وتحالف الرياض المشئوم، باشرت السفن الحربية والزوارق العسكرية السعودية والامارتية والمصرية بدعم امريكي واسرائيلي مباشر بالانتشار على طول الساحل الغربي لليمن منذ صبيحة الخامس والعشرين من مارس 2015م أي نحو يوم كامل من إطلاق عاصفة الحزم التي جرى إعلانها من واشنطن في الثانية صباحا بتوقيت صنعاء يوم السادس والعشرين من مارس 2015م.
ومن بين الأهداف التي جرى إعلانها تأمين مضيق باب المندب وحركة الملاحة العالمية عبر البحر الأحمر وصولا الى قناة السويس الحيوية، وادعت السعودية ان قناة السويس مهددة أيضا من قبل أنصار الله “الحوثيين” فيما إذا اغلق مضيق باب المندب، وهو الهدف الذي سوقه داخليا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كغطاء لنهب الأموال “الأرز الخليجي” التي تقاضاها مقابل التحالف مع السعودية في الحرب على اليمن، نهب خلالها المليارات من الخزائن الخليجية والسعودية دون ان يقدم دعما ملموسا وعد به الرياض في بداية الحرب.
صنعاء ردت على اعلان عاصفة الحزم بالتأكيد على ان اليمن لأتحمل الشر لجيرانها، وان حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تحكمها القواعد الدولية المنظمة في هذا المجال، واتباعا للقول بالعمل لم يشهد الساحل الغربي لليمن اية عمليات عسكرية او استهداف للسفن التجارية والى الان.
وفي خطابه الأول بعد أيام من العدوان أكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن لا خطر على حركة الملاحة من جانب اليمنيين، ومضيق باب المندب محكوم بقواعد دولية، وللعرب والاعراب جدد التأكيد بان الخطر الذي يتهدد الملاحة وقناة السويس ومضيق باب المندب يأتي فقط من “إسرائيل” وقواعدها العسكرية قرب المضيق على الجزر الارتيرية.
بعد ثلاثة أشهر فقط من انطلاق عاصفة الحزم ومن هذه القواعد شنت الطائرات الصهيونية هجوما على مدينة العمال في المخا راح ضحيته ما يزيد عن 103 شهداء و150 جريحا، وعدته وكالة “اسوشيتد برس” الأمريكية، حينها بأنه “أعنف هجوم على المدنيين” منذ بدء العدوان السعودي على اليمن في مارس 2015″.
ارتبك التحالف السعودي حينها وأعلن بان طائراته لم تنفذ عمليات فوق المخا لكنه عاد واعترف وتحمل مسئولية الهجمات الجوية الدامية، ما وضع تساؤلا عن الجهة التي تقف خلف العملية الدامية والطائرات التي نفذت المجزرة، لم يكن في الجوار من قواعد طيران حربي سوى “الاسرائيلية” والامريكيون غضوا الطرف عنها في ظل حظر جوي ومراقبة أمريكية لصيقة للأجواء اليمنية.
وحتى لا نغرد خارج مسار التقرير، فإنه وبمعزل عن الأعمال الدفاعية المبررة في مواجهة البوارج والزوارق العسكرية التابعة لتحالف العدوان على اليمن، وبرغم حملة القصف الجوي المكثفة والتي قاربت حتى الان نصف مليون غارة، ظلت حركة الملاحة التجارية عبر مضيق باب المندب وقبالة السواحل اليمنية تنعم بالأمان، واطلقت السلطات اليمنية في نوفمبر الماضي وعقب استهداف سفينة الانزال الإماراتية العسكرية سويفت في أكتوبر من العام الماضي تعليمات لجميع السفن التجارية التي تضطر لعبور المياه الإقليمية اليمنية للتعريف بنفسها ،لضمان عدم وقوع خطأ غير مقصود ، وتأمينها.
كما وثق الاعلام الحربي صورا ومقاطع فيديو لجميع العمليات العسكرية التي نفذها الجيش اليمني قبالة السواحل الغربية لليمن، اكدت بلا مراء الطبيعة الدفاعية البحتة في جميع عمليات القوة البحرية اليمنية، واظهرت القطع العسكرية التي جرى استهدافها وهي قطع عسكرية كما هو حال الفرقاطة السعودية التي استهدفت أخيرا، كما أظهرت مقاطع الفيديو الموجودة على الانترنت واليوتيوب الدقة في الرصد والتحقق من الهدف العسكري المراد ضربه.
ما اصدره “المكتب الأمريكي للمخابرات البحرية” من رسائل إلى السفن التجارية محذراً إياها مما وصفها “اعتقاده ” بوجود مخاطر الغام زرعها الحوثيون في ميناء المخا في فبراير الماضي، يأتي في إطار حملة مثلت قراءة أمريكية مسبقة منذ الأيام الأولى لترنح “الرمح الذهبي “العملية العسكرية المهزوزة التي شنتها الامارات للسيطرة على الشريط الساحلي الغربي لليمن، وطالت خسائرها قيادات العملية من الجانبين الاماراتي والجنوبي المشارك كان اخرها مقتل نائب رئيس هيئة الأركان المعين من قبل قوات الاحتلال عبدالله سيف اليافعي.
السيطرة على مضيق باب المندب هو رغبة “اسرئيلية” أيضا، تدفع واشنطن للمغامرة، ولايمكن السيطرة على المضيق دون النزول على الجانب اليمني والسيطرة على شريط لا بأس به من السواحل الغربية لتامين السيطرة..
لكن التواجد العسكري الأمريكي المباشر في اليمن وعلى مضيق باب المندب ستكون قضية حساسة بالنسبة للمحور الروسي الصيني، ولابد من اختلاق ذريعة مناسبة”الالغام التائهة التي يزرعها الحوثيون”، ولطالما غلف الامريكيون نواياهم العسكرية بأسباب إنسانية.
ومن غير المستبعد ان تلجأ واشنطن الى تفجير احدى سفنها او سفينة للحلفاء، في نهاية حملة إعلامية متصاعدة لمواجهة ذريعة الألغام ، وفي مسار متسق ولافت بتوقيته وليس بعيدا عن هدف السيطرة على باب المندب تنفذ واشنطن عمليات عسكرية في العمق اليمني ضد ما تسميه القاعدة، وهي عمليات محدودة جدا لكنها تمنح الأمريكيين تقييما عمليا يسبق عمليات عسكرية كبيرة منتظرة في مواجهة أنصار الله وجها لوجه، وستكون حتما في الساحل الغربي حيث الأرض منبسطة ويعتقد الامريكيون انها ستوفر الخسائر البشرية الى حد ما.
سفينة الانزال المروحي الامريكية زارت المنطقة مطلع العام الحالي وعلى متنها أربعة الاف جندي امريكي، المدمرة الامريكية “يو اس اس كول” ترابط في باب المندب، وقاعدة عمليات عسكرية يجري تجهيزها في جزيرة ميون، وعمليات إنزال متكررة بدعوى مواجهة القاعدة، هذا يكشف كم ان الأمريكيين في عجلة من امرهم ولو استلزم الامر احراق اوراقهم في طبخة واحدة.
المقامرة بوجه الصين وروسيا هي الاخرى لا تترك خيارا للأميركيين، الذين يدركون بان معركة اليمن ستكون قاسية، وان حاملي شعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل يتوقعون مجىء القوات الامريكية،ولم يعد الوقت متاحا للوقوف والنظر اليهم من بعيد وهم يطورون من قدراتهم التسليحية والاستراتيجية ، كما لن تتاتى داخليا أمام المؤسسة الامريكية العميقة فرصة أفضل من وجود دونالد ترامب الرئيس عديم الخبرة والملياردير القادم من مواخير المال والنساء ، للولوج في حرب مباشرة في اليمن، والمرشح الافضل كذلك ليكون كبش الفداء في حال وقعت الهزيمة بما تعنيه من نصر جيواستراتيجي يمني سيغير وجه القدس والشرق الأوسط ويدفع الولايات المتحدة كدولة قائدة للعالم للتواري.
لقد حشر الامريكيون في الزاوية كما هو اليمن بجغرافيته.. وفرض الخيار الاصعب على الدولة العظمى، الان او لا ، والى الابد، بعيدا عن المنطقة،