لا يستطيع الأنسان بمفرده ان يرسم له طريق هداية.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
الدرس الثاني من سورة ال عمران صـ 1ـ2.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
قد يكون من مظاهر الضياع بالنسبة لنا كمسلمين، من مظاهر الضلال في نفوسنا أن يصبح الحديث عن قضايا مهمة جدا هي من صميم الدين، الحديث عن مشاكل كبيرة جداً وخطيرة جداً هي عامة لجميع المسلمين قد تبدو عند الكثير شيء ليس هناك حاجة للحديث عنه، أو شيء ليس هناك حاجة لمعرفته، شيء لا يهمنا عمله.
هذه الحالة النفسية في حد ذاتها ضلال كبير، وخطورة بالغة على الإنسان. يعود الواحد إلى تشغيل البرنامج المألوف لديه:[ما لنا حاجة با نصل ونصم، ونِلْهَم الله بين أموالنا].
إذا كانت هذه النظرة عند إنسان فليعرف بأنه في خطورة بالغة، ويعيش في حالة رهيبة من الجهل بدينه، وقد يكون فعلا سائر إلى طريق جهنم وهو يعتقد أنه هو الذي رسم لنفسه طريقا سليمة هادئة إلى الجنة، لكن محمدا(صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله احتاج إلى أن يسلك الطريق الشاقة إلى الجنة.. أليست هذه حماقة؟.
حماقة في النظرة إلى الدين، وفي النظرة إلى الجنة، في النظرة إلى الله سبحانه وتعالى، أن أتصور أنا، ومن أنا؟. أن باستطاعتي أن أرسم لنفسي طريقاً هادئة، طريقاً لا تشغلني عن أي شيء من أمور ديني، لا تشغلني عن أي شيء من أمور دنياي وأصل إلى الجنة بكل هدوء، لكن أولئك الأنبياء (صلوات الله عليهم) كانوا مساكين احتاجوا إلى أن يسلكوا الطريق الشاقة إلى الله.
سيد الأنبياء والمرسلين (صلوات الله عليه وعلى آله) الله يقول له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}(النساء: من الآية84) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}(هود: من الآية1121) {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}(الأحقاف: من الآية35) {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}(التحريم: من الآية9). رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو سيد المرسلين، وهو من هو في إيمانه بالله، وقربه من الله.
إذاً فالإنسان يقيس نفسه برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه لماذا ذلك الرجل العظيم الذي قال الله لنا في مقام النظرة إليه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).
أصبحت المأساة جداً لدى المسلمين أنه ليس فقط مجرد تقصير في قضية هم يؤمنون بأهميتها، ويؤمنون بأنها جزء مهم من دينهم: الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بأمر الدين، محاربة أعداء الله من اليهود والنصارى وعملائهم، لم يعد هناك شعور تقريباً عند كثير من الناس وخاصة داخلنا نحن الزيدية، من أصبحوا في أحط مستوى من الوعي.
قد نشعر بأن هذه القضية مهمة ولكن نبدو مقصرين فهذا لا بأس يمثل نقلة جيدة، بل أحياناً وعند الكثير، بل وعند بعض المتعبدين أيضاً تبدو قضايا لا أهمية لها، وأشياء خارج إطار ما يجب أن نهتم به من أمر ديننا، إذا كان هناك حالة مثل هذه تحصل عند أي شخص منا فلينظر إلى ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن رسوله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه هو كُلّف بأن يمشي ولو بمفرده في الطريق الشاقة.
الطرق الأخرى قد تكون كثيرة عند الناس، وقد ينطلق بعض الناس فيها بإعجاب أيضاً، بإعجاب بأنه قد رسم لنفسه طريق سلام من أحسن الطرق، ما الذي ينتج منها؟ ينتج منها تقصير في القضايا التي هي بالغة الأهمية عند الله، عدم شعور بأهميتها، وقد يرى نفسه في الأخير في وضعية سيئة جداً، بسبب تقصيره، قد يكون قد رسم لنفسه طريقاً ويرى نفسه أيضاً أنه مسلم، وقد يأتي الواقع فيكشف ولو لم يكن إلا يوم القيامة فيرى أنه كان قد كفر فعلاً، أصبحت تلك الطريقة التي رسمها لنفسه إنما هي طريق أبعدته عن الله، طريق جعلته بعيداً عن الجنة، طريق أدت به إلى النار.
من هذه الآيات نعرف هذا في قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
أمس وصلنا في الكلام حول هذه الآيات إلى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) وتأتي كلمة {يَعْتَصِمْ} و{اعْتَصِمُوْا} في هذه الآيات مرتين بالشكل الذي يوحي أن القضية خطيرة جداً جداً إلى درجة أنك يجب أن تبحث عمن تعتصم به، عمن تلتجئ إليه فيهديك، وينقذك، ويهديك إلى ما فيه خروجك من هذه الأزمة الشديدة، أم أنها لا تعتبر قضية كبيرة إذا كان الإنسان في الواقع قد يصل إلى أن يكون كافرا؟.
{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) كلمة {كَافِرِينَ} هل هي سهلة لدينا وعلى مسامعنا؟ ماذا تعني كافرين في الأخير؟ تعني ماذا؟ أذلاء في الدنيا، مقهورين في الدنيا، تعني في الأخير جهنم، جهنم، أيمكن أن يكون الإنسان من الكافرين وليس هو من كافري جهنم؟!.
ليست كلمة عابرة أن يقول: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100)؟ ليست كلمة عادية {كَافِرِينَ} يجب أن تَهُز ضمير كل شخص، أن تقشعر منها جلودنا، أن تملأ قلوبنا خوفاً ورعباً من أن هؤلاء قد يصلون بنا إلى حالة خطيرة جداً هي حالة الكفر، الكافرون أليس مثواهم جهنم؟ جهنم هل هي قضية عادية لا تمثل أي خطورة، لا تمثل أي شيء يثير الخوف في نفوسنا والقلق؟.
{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران: من الآية100) أي فتصبحوا من أهل جهنم، جهنم التي وصفها الله في القرآن الكريم بأوصاف رهيبة جداً {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(البقرة: من الآية24) بالنسبة للوقود، طعامها الزقوم، شرابها الحميم، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف:75-78).
جئناكم في الدنيا بوسيلة نجاتكم وهو الحق لكنكم كنتم كارهين للحق، فإلى ماذا أدت بهم كراهتهم للحق؟ أدت إلى أن يكونوا كافرين، فاسقين، ضالين، عاصين، تحت أي عنوان من هذه العناوين التي كلها تسير بأهلها إلى جهنم.
إذاً فالقضية من أساسها قضية يجب أن تبعث في نفوسنا حالة من الخوف؛ لأنها تحكي أننا في مواجهة مع طائفة تعمل دائماً على تَطْوِيْعِنا لنصبح كافرين، تطويعنا لما تريد أن تصل بنا إليه إلى أن نكون كافرين ونصبح كافرين.
فيجب أن يبحث الناس عمن يعتصمون به، عمن يلجئون إليه..الله يقول: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران: من الآية101) ليس هناك أي وسيلة للنجاة سوى الإعتصام بالله.
الإعتصام بالله يُقدم في ساحة المسلمين من زمان طويل أن معناه [العمل بكتاب الله وسنة رسوله] ما هكذا يقال؟ وهي آخر ما يمكن أن نتصور للمسألة باعتبارها هي هذه, لا يوجد غير هذا. هذه حق، لكن ما معنى {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} بالله؟.
وصلنا أمس إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً بديلاً عنه في علاقتنا به، وحتى القرآن الكريم ليس بديلاً عن الله إطلاقاً, بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله.
الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه، ولا يهمنا أمره، ما هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟ دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه, ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم هو لا يهمك أمره.
لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله، فتعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه.