نص كلمة السيد عبد الملك الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام زيد للعام 1438هـ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرت بنا في هذا الشهر، شهر محرم الحرام في العاشر منه ذكرى عاشورا، ذكرى استشهاد سبط رسول الله الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، ويأتي في الخامس والعشرين من هذا الشهر، يوم الغد، ذكرى استشهاد حفيده الإمام الشهيد زيد بن علي “زين العابدين” ابن الإمام الحسين ابن علي عليهم السلام وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله.
وهذه الذكرى لها شقان فيما تحمله من دروس وعبر، الأول منهما المأساة والمظلومية والثاني الحق بكل ما في الحق، وبكل ما يتعلق بالحق من روحية وقيم وتعليمات، ومنهج حياة، والمسؤولية، الحق هو المسؤولية، والإمام زيد عليه السلام هو رمز عظيم من رموز الإسلام يحظى بمكانة عظيمة لدى أبناء الإسلام وفي ذرية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، في العترة الطاهرة، ولدى الأمة بمختلف مذاهبها وأفكارها وتياراتها، يحظى بمكانته المرموقة والعظيمة، يحظى بإجلال وتقدير فيما كان عليه من عظيم الصفات وفيما كان عليه أيضا من كمال إيماني، وكذلك يحظى باعتبار دوره التاريخي والعظيم في الأمة الذي امتد أثره إلى اليوم.
الإمام زيد عليه السلام حينما تحرك كانت ثورته امتدادا لثورة جده الحسين عليه السلام، امتدادا لها في الموقف، امتدادا لها في المبدأ، امتدادا لها في الروحية، امتدادا لها في القضية، الكل انطلقوا من مبدأ واحد الذي كان عليه أهل البيت عليهم السلام هو نهج جدهم المصطفى محمد صلوات الله عليه وعلى آله، والتحرك الذي تحركوا به في أوساط الأمة كان له هدف واحد ومنطلق واحد وتوجه واحد وروحية واحدة وبدافع واحد، لم يكن لا أشرا ولا بطرا ولا تكبرا، كان بهدف إصلاح واقع الأمة والحفاظ على الأمة، في مبادئها وقيمها ودفع الظلم عنها وإحقاق الحق وإقامة العدل، ودفع الظلم والطغيان.
الإمام زيد عليه السلام من موقعه العظيم، من علماء الإسلام من هداة الأمة من رموز الأمة، فيما بلغه وفيما وصل إليه من مستوى عظيم في ارتباطه بالقرآن الكريم حتى كان يعرف بحليف القرآن، من موقعه العظيم في العترة الطاهرة تحرك في أوساط الأمة وهو يتحرك بنور القرآن، يتحرك بالهدى، بهدى الإسلام بهدى القرآن، يتحرك بين أوساط الأمة باذلا كل الجهد، ويسعى بكل ما يستطيع إلى تغيير واقعها المظلم، واقعها الممتلئ بالظلم والممتلئ بالظلام، ويسعى لمواجهة الطغيان الأموي بكل ما يمثله من خطوة كبيرة على الأمة، تلك الخطورة التي وصلت لدرجة أن اتخذوا عباد الله خولا، ودين الله دغلا، وماله دُولا.
الطغيان الأموي هو محطة سوداء مظلمة في تاريخ الأمة ولا زالت امتداداته السلبية إلى اليوم، وعندما نعود إلى التاريخ لنتعرف على حقيقة هذا الطغيان وما فعله بالأمة وما فعله في الأمة نجد رغم المأساة، ويتجلى لنا حقانية هذا التحرك العظيم للإمام زيد عليه السلام كما تحرك قبله جده سبط رسول الله الإمام الحسين عليه السلام.
الطغيان الأموي منذ بدايته كان مشروعا انقلابيا على الإسلام الحق بمبادئه الأصيلة، في قيمه الحقيقية، في أخلاقه الصادقة، انقلاب بكل ما تعنيه الكلمة، يتخذ دين الله دغلا، وأن يجعل أو يتخذ دين الله دغلا معناه عمل كبير وخطير جدا يحرف مفاهيم الإسلام، ويسعى إلى أن يأخذ من هذا الإسلام أو يفرغ من هذا الإسلام كل المضامين العظيمة وكل الأسس المهمة التي لها دور أساس في إصلاح الأمة، في بناء واقع الأمة في إقامة الحق وإقامة العدل في الحياة، فلا يبقى للإسلام إلا حالة شكلية ليس لها قيمة إيجابية في واقع الأمة، لا تحق حقا ولا تبطل باطلا ولا تدفع ظلما ولا تزيح منكرا، ولا تغير فسادا، ولا تزكي نفوسا، ولا تبني الأمة، لا تبني الإنسان المسلم البناء الذي أراده الإسلام في مشروعه التربوي، في مشروعه الحضاري، وتجعل من الأمة بكل ما تمتلكه الأمة من ثروتها البشرية ومن مقدراتها المالية، من إمكاناتها المتنوعة، تجعل منها كلها مغنما للطغاة، ومرتعا لهم، وتجعل منها خولا عبيدا لهم، وهذه مأساة حقيقية.
الطغيان الأموي سجل عنه التاريخ الصفحات السوداء القاتمة والمظلمة جدا في كل مراحله، منذ بدايته وهو يتحرك بحرب الإمام علي عليه السلام، حرب الإمام علي عليه السلام الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه”، فمنذ بداية الطغيان الأموي كانت فاتحة عهده وبداية مشواره بالحرب للإمام علي عليه السلام والعداء للإمام علي عليه السلام من حيث ما يمثله علي وما يحمله علي من امتداد حقيقي للإسلام، امتداد حقيقي لنهج رسول الله محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله، الحرب ضد الإمام علي عليه السلام والعداء الشديد للإمام علي عليه السلام والعمل على إعاقته والسعي ضده، في سعي الإمام علي عليه السلام لإقامة دين الإسلام والحفاظ عليه، وحكم الأمة على أساس تعالميه وشرائعه وأحكامه ومنهجه، تربية الأمة على أساس هديه ونوره، فما فعله في بداية المشوار من المجازر الرهيبة والقتل لأحياء الأمة، صفوة الأمة، من خيرة صحابة رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله كان عمار بن ياسر الذي مُلئ إيمانا والذي كان له منزلة محترمة، شهد له الرسول صلوات الله عليه وعلى آله بعِظَم المقام عند الله ومصداقية الإيمان عند الله سبحانه وتعالى، برفيع القدر في الإسلام، والآلاف من أخيار الأمة وصفوة الأمة مرورا بما ارتكبه الطغيان الأموي من جرائم رهيبة أمثال قتل العترة الطاهرة، الإمام الحسين عليه السلام وأولاده وأقربائه وأهل بيته وأنصاره، أمثال حرق الكعبة المشرفة، أمثال استباحة المدينة المنورة وقتل ما بقي فيها من بقية المهاجرين والأنصار واستباحة لمسجد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وقتل العشرات من المسلمين اللائذين به على قبر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم حتى أُغرق بدماء المسلمين الأبرياء المظلومين، واستباحة أعراض المسلمين في المدينة واستباحة أموالهم ونهب حتى منازلهم وبيوتهم، ومرورا بما ارتكبه بحق الأمة بمختلف أقطار الأمة من قتل جماعي من ظلم كبير مع ما فعله في مال الأمة وثروة الأمة ومقدرات الأمة من استئثار وتَمَلُّك وسيطرة، ثم بما ارتكبه بحق الأمة من إفساد للقيم من إبعاد للناس عن المبادئ المحقة والعظيمة، من تزييف للوعي في أوساط الأمة، من إفساد للنفوس، كان الطغيان الأموي يمثل كارثة كبيرة في واقع الأمة وعلى الأمة في كل ما هو مهم في هذه الأمة، في كل ما هو عظيم في هذه الأمة، في كل ما هو مقدس في هذه الأمة، مثَّل حالة من الإجرام ومثل حالة من الإفلاس الأخلاقي والإنساني والقيمي ومثّل حالة استهتار بالإسلام وبرموزه ومقدساته وبأمته، يصل هذا الاستهتار إلى درجة أن يقول الحاكم الأموي المعاصر للإمام زيد عليه السلام، هشام، أن يقول: “والله لا يأمرني أحد بتقوى الله إلا ضربت عنقه”، إلى هذا النموذج الذي يحكم الأمة الإسلامية ويتربع على عرش السلطة فيها، ثم هو بهذا القدر من الطغيان والكبر والتجبر والعناد والغرور ليس بينه وبين مبادئ هذه الأمة وقيمها وتعاليمها أي التقاء أبدا، انفصام عن مبادئ الأمة، عن قيم الأمة عن أخلاقها، عن مشروعها، عن مرجعيتها العظيمة، القرآن الكريم، الهدى القويم، عن التأسي بنبيها صلوات الله عليه وعلى آله، انفصام إلى درجة رهيبة جدا، هذا النموذج الذي يقول عنه القرآن الكريم: )وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ(، هذا النموذج الذي يتوعد من يأمره بتقوى الله، لأنه لا يعترف بتقوى الله سبحانه وتعالى، لا يرى لنفسه أن عليه أي ضوابط أو التزامات، أو أن أمامه أي حدود أبدا، ويرى لنفسه أن يستبيح كل شيء وأن يفعل ما يحلو له، وأن لا ينضبط بأي ضوابط، لا شرعية ولا أخلاقية ولا إنسانية ولا أي شيء، ويتعاطى باعتباره متسلطا وظالما وجبارا وطاغية، لا يرى نفسه متقيدا بأي قيود ولا بأي ضوابط ولا بأي التزامات أبدا، هذا النموذج الذي يصل الحال أن يُسب رسول الله في مجلسه وبحضرته وعلى سمعه ومرآه ثم لا يغضب ولا يشكل ذلك عنده أي مشكلة أبدا، لأنه لم يكن للرسول ولا للإسلام ولا لمقدسات الإسلام ولا لرموز الإسلام ولا لأي شيء له صلة بالإسلام أي قيمة لديه أبدا، وعندما غضب الإمام زيد عليه السلام وانتهر ذلك اليهودي الذي أساء إلى رسول الله وسب رسول الله في مجلس هشام، يقول هشام للإمام زيد عليه السلام: (مه، لا تؤذي جليسنا يا زيد)، يغضب، يغضب وينفعل وينزعج، ينزعج من الاعتراض على ذلك اليهودي الذي سب رسول الله، ولا ينزعج من سب اليهودي لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، عندما يكون من هو في موقع الحكم والسلطة على الأمة الإسلامية على المسلمين أناس من مثل هذه الشاكلة، حتى رسول الله ليس له أي احترام لديه، ولا اعتبار عنده ولا قدر، ولا شيء في الإسلام، الكعبة بنفسها أحرقت في عهدهم لمرتين، المدينة كذلك، فلا المقدسات ولا الرموز ولا الأمة، وليس هناك عندهم من ضوابط ولا التزامات أبدا، يعتبرون أنفسهم مخولين في أي تصرف مهما كان في بشاعته، مهما كان في مستوى الإجرام فيه، مهما كان منفلتا من كل الاعتبارات الإنسانية والشرعية والأخلاقية، فيمثل وجودهم في السلطة والحكم، يمثل خطورة كبيرة على الأمة من كل الجوانب، على الدين والمبادئ والقيم والأخلاق والمشروع الإسلامي بكل ما فيه، وبكل ما يقدمه للبشرية، كما يمثل أيضا واقعا مظلما تعاني فيه الأمة من التضليل وتعاني فيه الأمة من الظلم والاضطهاد والقهر والإهانة والإذلال والاستعباد، هم لم يتورعوا أبدا عن التعاطي مع الأمة من هذا المنطلق، من منطلق الاستعباد للأمة، فلم يروا في الأمة كلها إلا خولا، إلا عبيدا، الإمام زيد عليه السلام تحرك من موقع المسؤولية بكل ما يحمله من قيم ومبادئ، من موقع الهداية، هو رجل منتمٍ إلى العترة الطاهرة، ومرتبط بالقرآن الكريم، حليف القرآن، اهتدى بهذا القرآن فكان لهذا القرآن أثره العظيم، كان له أثره العظيم في روحيته، وفي فهمه للمسؤولية، في إحساسه بالمسؤولية، في اندفاعه للتحرك، في إشفاقه على الأمة، في إدراكه لخطورة الوضع القائم وما يمثله أولئك الطغاة والظالمون والمجرمون والمفسدون من خطورة كبيرة على الأمة، في إحساسه بمعاناة الأمة ومظلومية الأمة، تحرك الإمام زيد عليه السلام تحركا مسؤولا، مسؤولا من منطلق المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، المسؤولية التي تربى عليها واستوعبها من خلال القرآن الكريم، والتربية الإيمانية التي حظي بها لدى والده زين العابدين وسيد الساجدين، كذا أخيه الباقر عليهم السلام، وورثها أيضا في البيت الطاهر، تحرك الإمام تحركا مسؤولا بكل ما تعنيه الكلمة وهو الذي يقول: (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت)، يعني لا يسمح لي كتاب الله بالسكوت، بما في القرآن من تعليمات، ما في القرآن من توجيهات، ما فيه من مبادئ، ما فيه من قيم، ما فيه من أخلاق، بما فيه من أثر عظيم في تربيته وتزكيته لا يسمح لي أن أسكت أمام واقع كهذا الواقع بكل ما فيه من ضلال بكل ما فيه من ظلم بكل ما فيه من استعباد للأمة بكل ما يفعل فيه الطغاة والجبابرة والمفسدون والمضلون، ما يدعني كتاب الله أن أسكت، لا يسمح لي بالسكوت فتحرك تحركا مسؤولا هادفا واعيا على بصيرة من أمره وهو الذي كان يقول البصيرة البصيرة ثم الجهاد تحرك بناء على هذا الوعي.
لقراءة الكلمة وتنزيلها كاملاً اضغط الرابط التالي:-
نص كلمة السيد عبد الملك الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام زيد للعام 1438هـ