في انتهاك واضح لمعالم الاسلام السعودية تتجرّأ على الكعبة المشرّفة وتنوي تعديل معالمها
| متابعات | 27 اكتوبر/ الثقافة القرانية:- بالإضافة إلى فكرها الوهابيّ التكفيري الذي يهدّد جميع المسلمين، تعمل السعودية على تدمير ممنهج للمواقع التراثية المرتبطة بحقبة ظهور الإسلام والنبي محمد (ص)، طامسة بذلك المعالم التاريخية للإسلام. تجلّى آخر المخططات السعودية في ما كشفته صحيفة “الاندبندنت” البريطانية عن نية السلطات في المملكة تغيير الطابع التاريخي لأكثر الأماكن الإسلامية المقدّسة في العالم عبر بناء سقف قابل للسَحب فوق الكعبة المشرّفة في مكة المكرمة.
تدّعي السلطات السعودية من وراء الكواليس أن المشروع الجديد الذي يُعرف بـ”المظلة” يهدف إلى حماية الحجاج من الشمس الحارقة عند زيارة الكعبة المشرّفة.
وحول ذلك قال مدير مؤسسة أبحاث التراث الإسلامي عرفان العلوي لـ”الاندبندنت”: “لقد سافر المسلمون منذ قرون إلى موقع الحج والعمرة، ولم يشتكوا من ذلك.. لا أستطيع فهم لماذا سيُدمّر مهد الإسلام وكل تراثنا بهذه الطريقة؟”
وتابع العلوي: “لا شيء ينبغي أن يغطّي الكعبة من فوق لا سيما ان المسلمين يعتقدون بأن رحمة الله تنحدر من أعلى السماوات. تبدو هذه الخطة الشاملة كما لو أنها مركبة فضائية من فيلم هوليوودي”، وتساءل “هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يمكن للسلطات السعودية أن تفعلها لحماية الناس غير هذا السقف، إن أقرب مستشفى كبير يبعد أكثر من خمسة أميال من مكة المكرمة. لماذا لا نبني واحدة أقرب من تلك؟”، مردفًا “سجل السعوديين في رعاية المواقع التاريخية سيّء للغاية.. هم يؤمنون بالتجديد، لكن يدمّرون الكثير أثناء هذه العملية”.
تغيير ممنهج
يجري في مكة منذ ما يقارب الخمسة عقود عملية تغيير ممنهج لهوية المدينة، التي كانت على مر قرون قيمة روحية للمسلمين، لتتحول إلى مدينة عالمية! لقد صارت مكة المكرمة في ثوبها الجديد مدينة مزدوجة الهوية، والأسوأ، أن تسارع وتيرة البناء يُهدد بحسم ذلك الصراع الهوياتي لصالح العالمية والعولمة.
هذه الخطوة السعودية ليست سوى جزء من ذلك المخطط السعودي القديم، عملت فيه على تغيير معالم التاريخ الإسلامي، حيث لم تعن لهم الحضارة الإسلامية شيئا، فمنذ أن بسط آل سعود يد السيطرة على مكة في معارك الدولة الثانية في عشرينيات القرن الماضي، بعد أن أسقط العثمانيون الدولة الأولى في أوائل القرن التاسع عشر، تم تدمير القبة التاريخية التي كانت تميّز بيت النبي، ومن ثم تحويل مكان البيت لسوق للماشية! الأمر الذي أثار حمية أهل مكة فتم تحويل الموقع لمكتبة!
غير بيت النبي، أصدرت المملكة كُتيباً يبيح تسوية قبور النبي وبعض الصحابة بالأرض بحجة أنها لا تتطابق مع المفهوم الشرعي للمقابر في الإسلام. الكتيب كان بحق، المطرقة التي أتت على عدد من الآثار التاريخية المقدسة في مكة والمدينة حتى اليوم.
حالة الاندثار التي تواجه الهوية المكيّة اليوم، في معركتها الضارية مع الهوية الرأسمالية الاستهلاكية، لم تتوقف عند هدم الآثار الهوياتية التاريخية، بل بالإقدام على إعطاء هذا المكان المقدس طابع المدن الخليجية العالمية.
وعوضًا عن الحفاظ على الخصوصية الهوياتية الزمانية لمكة والحفاظ على آثار ديانة تأمر بالاعتدال وعدم الإسراف والمساواة بين الناس، نجد غرف شديدة الرفاهية لحجاج فاحشي الثراء؛ ولا مجال هنا لـ”لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”. من يملك أكثر يدفع أكثر ويهنأ أكثر في أبراج البيت السبعة الشاهقة.
منذ أن أحكم آل سعود قبضتهم على بلاد الحجاز برعاية المذهب الوهابي وحتى اليوم؛ أتت المملكة على هدم عشرات المعالم التاريخية والأثرية الإسلامية، ومهما كانت درجة الاحتجاج من اليونسكو أو الدول الإسلامية، لا شيء يفلت من مطرقة الهدم.
تطوير المعالم الوطنية بدقّة متناهية
في المقابل، وبينما تهدم المملكة التراث الإسلامي، تقوم السعودية بتطوير الدرعية -المدينة التي يراد لها أن تصير معلما وطنيا يحكي قصة نشأة المملكة بحس قومي ديني- بدقّة متناهية. والبجيري هو الحي الذي من المفترض له أن يستعرض تاريخ آل سعود الثقافي والسياسي! فبحسب المهندس عبد الله بن محمد الركبان، المسؤول عن تطوير الدرعية، في تصريح له، فإن “الخطة التنفيذية الشاملة لبرنامج تطوير الدرعية التاريخية تهدف إلى تحويل حي البجيري إلى بوابة ثقافية وخدمية للدرعية.”
الحي الثاني، الطريف، والذي أشار الركبان إليه كبوابة ثقافية وتاريخية هو الآخر، والذي سيتم تطويره وفقًا “لمقررات اليونسكو لتطوير الأماكن التراثية”. حيث أشار الركبان إلى: “أن حي الطريف التاريخي يُعد من أهم معالم الدرعية التاريخية؛ لاحتضانه المباني والقصور التاريخية، وضمّه معظم المباني الإدارية في عهد الدولة السعودية الأولى. وانطلاقًا من أهميته تلك، أعدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض منهجية تضع في الاعتبار تنفيذ محددات الحفاظ على التراث في مشاريع الترميم والتأهيل والاستخدام وبما يتماشى مع مقررات اليونسكو العالميّة لحماية مواقع التراث الثقافي.”
في الختام، سؤال يطرح نفسه، أليس حريًّا بالسعودية أن تحافظ على ما تبقّى من الحضارة الإسلامية بدل أن تنشر الفكر الوهابي التكفيري في العالم؟، ذلك الفكر المتحجّر الذي يقتل الناس باسم الدين والدفاع عن الحضارة الإسلامية. وإلى متى ستتمادى السعودية باستخفافها بالإسلام ومقدّساته؟ وهل ستتمادى أكثر وأكثر على الحضارة الإسلامية؟!