التدخلات الإلهية في الأحداث والمستجدات في كل زمان ومكان.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
معرفة الله عظمة الله الدرس السادس صـ5ـ 6.
التدخلات الإلهية في الأحداث والمستجدات في كل زمان ومكان.
بينما هو يذكِّرنا بأنه لم يغب، في قصة عجيبة في القرآن الكريم قصة الغنم التي رعت الزرع في أيام سليمان حينما قال: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الأنبياء:78) لا حظوا العبارة هذه: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} (الأنبياء: من الآية79)
فيأتي الآن مجتهدون وعلى طول تاريخ الإسلام ويتعاملون مع القضايا وكأن الله غائب, وكأنه ارتفع عن هذا العالم، وانقطع بانقطاع الوحي الاتصال به.
هو يذكر أن قضية بسيطة: قضية غنم رعت قليل زرع، داود وسليمان، داود نبي وسليمان ابنه قبل أن يكون نبي، لكنهم من المصطفين الأخيار، وهم يجول في أذهانهم أو يتراددون الكلام كيف يحكمون فيها، الله قال: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} ماذا؟ بالطبع بعد أن ترفع القضية إلى داود وسليمان بالطبع أن الذي يجول في خاطره هو: ما هو الحكم فيها؟ حتى وإن كان في قرارة نفسه مُربّى على أن ينتظر الوحي، هذا بالطبع يجول في نفسه، يتساءل كيف يكون الحكم فيها؟ هو نبي عن طريق الوحي يوحى إليه، وابنه سليمان من ورثة الكتاب هو ممن اصطُفي ليكون من ورثة الكتاب {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ألم يقل الله: أنه تدخل هنا؛ بأنه شاهد؟ تدخل في الحكم في قضية زرع، رعته أغنام شخص آخر على شخص، فَهَّم الحكم في هذه القضية سليمان، هو يوحي إلى داود وهو أيضاً يفهم سليمان، فهو يوحي إلى أنبيائه وهو يفهم أعلام دينه.
وهذا هو ما قاله [الإمام الناصر الأطروش] فيما حكى عنه شارح الأساس أنه يقول: ((أن الاجتهاد في القضايا هو من اختصاص أئمة أهل البيت)). وفعلاً، ولكن وفق الثقافة التي قُدمت في مجال معرفة الله قُدم غائباً، وارتفع عن هذا العالم، فحتى الإنسان يقوم هو يبحث حتى عن الله، حتى عن الله، كل واحد ينظر يدوِّر فين الله؟. كيف الله..الخ!!.
هل يمكن في قضية زرع بسيطة أن يقول الله بأنه كان شاهداً {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}، هو لا يغيب، وأن يتدخل فيها ففهمها سليمان وهناك أبوه داود نبي، ولم تُترك المسألة للاجتهاد من قِبل هذا أو هذا، على الرغم من أنه {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}، أليس هذا؟ بلغوا درجة الاجتهاد وزيادة، {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}، لكن لا، هو من يتدخل، ثم يهمل هذه الأمة وهي ستواجه قضايا كبرى ومستجدات كثيرة جداً وأحداث رهيبة، وأحداث كبيرة، يتركها وهي آخر الأمم، ويبعث إليها نبياً واحداً ثم يقول: هذا خاتم الأنبياء، وكتاباً واحداً ثم يقول: هذا آخر الكتب، ثم يقفل الملف، وينطلق الناس كل واحد يبحث عن إلهه وعن ما يتعبد به؟!.. يهمل الأمة وهو لم يهمل واحد فلسطيني أو ماذا أصله؟ رعت أغنام صاحبه عليه قليل زرع، فتدخل هو في القضية، وقال: أنه هو شاهد على حكمهم، وأنه فهّم سليمان كيف يكون الحكم؛ لأنه شاهد، وهذه قضية فرعية طبعاً.. فرعية هذه [كل واحد يقول فيها: يا أخي مسموح]، وإلا يقول واحد فيها أطرف واحد با يقول له: [أعط له قليل حب بدل الحب الذي أكل منها]، أو بعبارات من هذه.
فهو الشاهد، {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: من الآية53) الله في القرآن الكريم يؤكد لنا بأنه شاهد على كل شيء, وحاضر على كل شيء، ولو أنه ترسخ في ذهنيتنا ما رسخه القرآن الكريم لتفادينا كثيراً من الإشكالات, وكثيراً من هذا الانحطاط الذي وصلنا فيه؛ لأنه بسبب أننا لم نثق بالله؛ لأن الله لم يعد له حضور في نفوسنا، لم يترسخ في أنفسنا شهادته، شهادته وحضوره، وهو يقول في آيات كثيرة يرسخ أنه على كل شيء شهيد: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
وهو: {الْبَاطِنُ} سبحانه وتعالى فيما يتعلق بذاته فلا تدركه الحواس، ولا يمكن أن تقف الأذهان منه على كيفية، ولا يمكن أن يُرى، ولا يمكن أن يُحس، ولا يُجَس، ولا يُمس.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو باطن لكن لا يعني ذلك بأنه غائب عن الأشياء، لاحظ كيف تكرر هو ظاهر {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هو باطن فيما يتعلق بذاته سبحانه وتعالى, لا يمكن.. لا يمكن أن نتخيل له كيفية، ولا أن نقول بأن بإمكاننا أن نراه أو نلمسه أبداً.. أن نراه بأبصارنا {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:103) هو بكل شيء عليم.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الحديد: من الآية4) خلق السماوات والأرض، هذا العالم الكبير المترامي الأطراف – داخل هذا العالم – كما يقولون في هذا العصر وهم يقدرون المسافات ما بين الكواكب بملايين الأميال، ملايين الأميال المسافاتُ ما بين الكواكب داخل هذا العالم الواسع، {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} فيما يقدر بستة أيام من أيامنا، وإلا فليس هناك زمن، الزمن بالنسبة لنا في الأرض هو حركة الأرض التي يتألف معها الليل والنهار، حركة الليل والنهار، وحركة الأرض هذا هو الزمن.
فهو قادر على كل شيء، من خلق السموات والأرض في ستة أيام هو قادر على كل شيء، أفلا يكون قادراً على أن ينجز لأوليائه ما وعدهم به في الدنيا؟! لكن من الذي يثق؟. الذي يثق من يعش حضور الله في ذهنيته وشهادته على كل شيء، من يكرر تدبره في القرآن الكريم وتأمله في القرآن الكريم، ويلغي عبارات الآخرين القاصرة في مجال معرفته، اللهم إلا من كان أسلوبه يدور حول أسلوب القرآن الكريم كأئمة أهل البيت القدامى الذين لم يتأثروا بالمعتزلة ولا بغيرهم، كالإمام الهادي والإمام القاسم بن إبراهيم، وفي ما نجد في [نهج البلاغة] من فقرات جميلة جداً في الحديث في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى، هؤلاء هم من يَدُوْرُوا حول القرآن.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الآيات من أولها هي تتحدث عن ماذا؟ عن عظمة الله سبحانه وتعالى، عن مظاهر قدرته العجيبة، هو خلق السماوات والأرض تحدث عن خلقها عن تكوينها، أليست هذه آية عظيمة على قدرته؟ على حكمته؟ وأنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض؟.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} نأتي إلى الحديث عن كلمة: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بالمعنى الذي يقول الآخرون، أي: هناك عرش استوى عليه استواءً يليق بجلاله! انظر كيف ستهبط الآية إلى أحط مستوى؟ ما قيمة أن يقول الله لنا الله سبحانه وتعالى بأن هناك عرشاً هو يستوي عليه؟. ما قيمته بالنسبة لنا في مقام الدلالة على قدرته سبحانه وتعالى, على تدبيره، على حكمته، على عظمته وجلاله!. هل يمكن لأي شخص منا أن يتحدث بأن له سرير نوم [يرقد] عليه في بيته ما قيمة هذا؟ أن أقول: فلان عظيم وهو من أولياء الله وهو كذا وهو كذا ومعه أيضاً سرير في غرفته ينام عليه. هل لهذا الكلام قيمة؟. أو له كرسي في صالته يستوي عليه!.
القرآن الكريم كل مفردة داخله لها أهميتها {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} (هود: من الآية1) يتحدث عن خلق السماوات والأرض ويقول: ولـه أيضاً عرش يجلس عليه! ما قيمة هذه في مجال حكمته؟ في مجال قدرته؟ في مجال ماذا؟ بل قد تستوحي منها على هذا النحو: بأنه [ثم تعب ورجع يرتاح قليل على الكرسي حقه] هذا في منطقنا نحن نقول هذا: [عملتُ إلى بعد العصر وعدت إلى البيت لأستريح فألقيت بنفسي على الكرسي] ألسنا نقول هكذا؟ حينئذٍ يكون كلامك على الكرسي في مكانه صحيح؟ لكن في الدلالة على ماذا؟ على التعب، أنك قد تعبت.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} عندما يقولون: هناك عرش، يعني: سرير أو كرسي، فالله استوى عليه. ولكن قالوا: كيف استوى عليه؟ هل جلس كذا أو كذا؟ قالوا: استواء يليق به، لكن ما الذي قد ثبت في الصورة؟. هو أن هناك عرش، والله جاء فوقه، [لكن ما درينا كيف يكون استواؤه فوقه؟]. أليس هذا الذي يحصل في الذهنية؟. هناك عرش وهناك جلس فوقه، على حد عبارة من يقولون استواء يليق به.
كلمة: استوى على العرش تبين لك أن الله من حيث المبدأ خلق السماوات والأرض, كوّنها, لكن السماوات والأرض شؤونها واسعة، مملكة عظيمة، مملكة واسعة، شؤونها كثيرة جداً {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: من الآية29) {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} (السجدة: من الآية5) شؤون مملكته في اليوم الواحد ينجز فيها ما لا ينجز إلا في ألف سنة مما نعد، فهذا الكون الذي خلقه لم يخلقه ثم يرمي به هناك، خلقه ثم اتجه إلى تدبيره، إلى تدبير شئونه, تدبير شؤون هذا العالم الفسيح، وهذا هو ما يعبر عنه [بالعرش] الذي يعني: السلطان والمملكة.
الاستواء على العرش معناه: ثم اتجه نحو تدبير شؤونه, هو خلقه ثم دبره، وجاء صريحاً هذا في أول [سورة يونس]، ومعظم ما تأتي عبارة: [استوى على العرش] تأتي في مقام عرض لمظاهر قدرته سبحانه وتعالى ففي أول [سورة يونس] يقول تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} (يونس: من الآية3) يدبر الأمر.. وهم يقولون: [استواء يليق به، وفي الأثر: استواء يليق به!!] وأينما وصلنا عند: [استوى على العرش]: استواء يليق به!
فهم مغلوط للقرآن، بل حط، حط لعظمة القرآن وحكمته. أي: أنه خلق وعندما خلق هذا الكون الفسيح ذو الشؤون، ذو الشؤون الكثيرة لم يتخلّ عنه، هو وليه، هو ملكه، هو من يدبر أمره، هو حكيم، هو حكيم لا يخلق شيئاً هناك ثم يرم به، ثم ما عاد له حاجة منه.