كل موقف باطل يعمله الانسان في الدنيا سوف يحاسب عليه في الاخرة.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الـ15. صـ11 ـ12.
وعندما تقرأ في بعض التفاسير فيقول لك: هذه الآيات هي تتحدث عن كافرين، هي تتحدث عن مشركين فهي آيات تعني أولئك، أما نحن فلا، نحن حملنا اسم إسلام وسيشفع لنا رسول الله فاعرف أن هذا غرور، وأن هذا خداع، وسيكون واقع من يعتقدون هذه العقيدة كما حكى الله عن بني إسرائيل: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(آل عمران: من الآية24). هذه افتراءات افتروها أناس سابقون وقدموها لنا ونحن قبلناها منهم, وبالطبع لا ينفق شيء من الباطل إلا إذا ما حمل اسم [دين] وقدم إلينا باسم [دين] فيقال: عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، قال رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)! ويكون ذلك الحديث في بطون المجاميع الحديثية التي يعتبرونها هي مجاميع السنة، ألم يقدم الباطل باسم دين؟ هكذا {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
وكما أسلفنا: أن القرآن تحدث عن جهنم, ووصفها بشتى الأوصاف وكذلك تحدث عمن داخل جهنم سواء كان يحمل اسم [مسلم]، أو يحمل اسم [يهودي، أو نصراني، أو مشرك]. أو كيفما كان.
يقول الله سبحانه وتعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}(الصافات:62)، بعد أن ذكر ما أعد الله سبحانه وتعالى للمتقين من النعيم العظيم، قال بعده: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً – أي: ضيافة وإكراما – أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}(الصافات:68) كما تحدث عن الفاكهة الكثيرة التي ليست كما قال عنها: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ}(الواقعة:33) في الجنة فواكه كثيرة، العنب والرمان والتفاح، ومختلف الفواكه التي قد لا نعرف كثيرا منها.
هناك في النار أيضاً شجرة هي فاكهة أهل النار نفس اسمها بشع [زقوم] أليس اسما مزعجا؟ اسم غير مقبول، وهكذا بعض المفردات تكون هي غير مقبولة، حتى لو حاولت أن يكون اسمها لشيء جميل فالاسم لا يركب على هذا المسمى، اسمها بشع. وهي شجرة حقيقية، والله بقدرته سبحانه وتعالى هو القادر على أن يجعل في النار أشجارا تتغذى على النار، وتثمر نارا, وتورق نارا، ليس هناك ما يعجز الله سبحانه وتعالى، وإن كان الظالمون قد يجادلون في هذه.. كيف شجرة في جهنم ونحن نعلم أن النار تحرق الأشجار!.
من المعلوم أنه هنا في الدنيا يقال أن بعض الحيوانات جلودها غير قابلة للاحتراق هنا في الدنيا. النار ألم يجعلها الله سبحانه وتعالى بردا وسلاما على إبراهيم وهي نار قد ملئوا بها واديا تحرق الطير عندما يمر من فوقها، الله الذي خلق النار يستطيع وهو قادر على أن يجعلها بردا فلا تضر إبراهيم, ويستطيع أن يخلق أشجارا تنمو فعلا تتغذى على النار كما تتغذى أشجار الدنيا على التربة، والماء، والنور، والهواء.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} تخرج هي, تنبت، أليس كثيرا من الأشجار هنا في الدنيا الناس هم الذين يزرعونها، أهل النار غير مستعدين أن يزرعوا شجرة الزقوم، لكن هي تخرج رغما عنهم، تنبت لا تحتاج إلى مزارع، {تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}في نفس أرض الجحيم. {طَلْعُهَا}: ثمارها أيضا بشعة {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} كل شيء في جهنم عذاب، وعذاب حتى معنوي أن تكون ثمرة تلك الشجرة التي هو سيضطر إلى أكلها الجوع يكاد يميته فيضطر إلى أكل ثمار هذه الشجرة ثمرة بشعة طلعها كأنه رؤوس الشياطين. العرب أنفسهم يتخيلون رؤوس الشياطين بشعة، وإلا فنحن لا نشاهد رؤوس الشياطين, وقد تكون حقيقة رؤوس الشياطين شكلها بشع جدا.
{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} من شدة الجوع يأكل رغما عنه من هذه الشجرة الشديدة المرارة التي يقال كما روي في الأثر: أنه لو أن قطرة واحدة من هذه الشجرة شجرة الزقوم وقعت في الأرض لأمرت على أهل الأرض معائشهم، شديدة المرارة جدا، وهي أيضا نار هي تغلي في البطن، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} الإنسان هنا في الدنيا أليس يتعود على أن يشرب أثناء الطعام؟ يأكل زقوم ثم يشرب حميما بعده. كما قال أيضا في آية أخرى يذكر فيها هذه الشجرة أنها نار أيضا ثمرها نار: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ}(الدخان:45) – كالزيت المحترق تغلي في البطن – {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}(الدخان:46). كغلي الماء الساخن جدا.
لأنه هنا في الدنيا عادة ما يضل الإنسان, وما يصرفه عن طاعة الله, ويصرفه عن مواقف الحق، هو ما يقدم إليه من إغراءات من قبل الآخرين، والإغراءات طبعا قد يكون كثير منها متعلق بقضية الأكل والشراب، وعندما يكون الإنسان نفسه يريد أن يتوفر له الطعام الجيد والشراب الجيد والسكن الجيد ولو كان على حساب دينه فليعرف أنه سيرى تلك متعة قصيرة تنسى, عارضة في حياته ثم نُسِيت ثم سيكون له طعام من هذا النوع.
عندما يأتي حاكم من الحكام يحكم بالباطل عندما تقدم له[جالونا] من العسل عندما تقدم له خروفا، عندما تنقله إلى بيتك وتقدم له غداء دسماً فيتعاطف معك فيضيع حق الآخرين مقابل ما أعطيته, نقول له هنا: أنت أضعت الدين، أضعت الحق مقابل طعام وشراب، أنت ستلقى طعاما وشرابا سيئا، وإذا كانت تلك وجبة واحدة فإنك ستأكل من ذلك الطعام البشع في اسمه, البشع في منظره, الذي هو يحرق البطن, ستأكله دائما، دائما, وجبة واحدة تبيع بها الحق، وجبة واحدة دسمة تبيع بها دينك، وجبة واحدة تدخل في موقف باطل؛ لأنه هنا قدم لك غداء دسما وقدم لك عسلا. هناك في جهنم ما يجب أن تتأمله، هناك زقوم, وهناك صديد, وهناك حميم.
كأن الله يقول لنا: إذا آثرتم هذا الطعام في الدنيا, وبعتم به دينكم, فإنكم ستجدون طعاما سيئا تأكلون منه دائما، دائما لا ينقطع أكلكم منه، حينئذ يخاف الإنسان.
لأن الله لرحمته عندما يذكر هذه التفاصيل هو من أجل أن نقارن نحن في الدنيا فنخاف؛ لأنه لا يريد أن ندخل جهنم إلا إذا فرضنا أنفسنا على جهنم رغما عنها، الله لا يريد لعباده أن يدخلوا جهنم، يهديهم, يذكرهم، يخوفهم يعرض تفاصيل هذه النار لأجل أن تقارن بينما تسمع من تفاصيلها وبين ما يعرض لك في الدنيا، طعام وشراب هنا, هناك طعام وشراب, فقارن بينهما، حينئذ تجد بأن هذا الطعام والشراب الذي يقدم لك في الدنيا ليس أهلا لأن تبيع دينك به ثم يكون جزاؤك طعام وشراب من هذا الطعام والشراب السيئ في نار جهنم.
هو لا يذكر هذه الأشياء لمجرد حكاية مشاهد، قصة [حزية أو وسيلة] كما نقول, بل لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن في ذكر هذه التفاصيل إذا ما تأملناها ما يخيفنا وما يردعنا، وسنجدها تفاصيل ماثلة أمام أعيننا كلما عرض علينا شيء من حطام الدنيا.
نقول: لا، هذا الطعام لا أقبله لأن وراءه طعام الزقوم, هذا الشراب لا أقبله وإن كان عسلا مصفى لأن وراءه الصديد والحميم, هذا الثوب, هذه البذلة لا أقبلها لأن وراءها ثياب من نار, وراءها سرابيل من قطران، وهكذا تجد في تفاصيل جهنم إذا كنت واعيا ما يجعلك تقارن في كل مسيرة حياتك عندما تتعرض للإغراءات من قبل الآخرين التي هي عادة تتعلق بقضية الشراب والطعام.
ويقول الله سبحانه وتعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}(الزمر: من الآية16) أليست هذه مساكن؟ مساكن في النار على هذا النحو، السقف كله نار، والأرض كلها نار، وما حولهم كله نار. يتحدث حتى عن ما يشبه المساكن؛ لأن من يريد لنفسه مسكنا جميلا يريد قصورا فخمة ويكون طامعا فيها، قد يصل به طمعه إلى أن يحصل على مباني من هذه وإن كان مقابل دينه فيدخل في الباطل, ويؤيد الباطل, ويصبح صادا عن سبيل الله وحربا لأولياء الله؛ لأنه يريد مسكنا جميلا. فليتذكر بأنه هناك في جهنم سيكون بدلا من مسكنه {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ}(الزمر: من الآية16) الحديث عن ذلك هو لتخويف الله لعباده {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}(الزمر: من الآية16)، خافوا أن تكونوا ممن لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل.
متى ما اشتدت حرارة الشمس وهي من فوقنا وبعيدة جدا عنا ألسنا نهرب لنبحث عن الظل؟ أو تحمل (شمسية) أو أي شيء تقي به نفسك من حرارة الشمس، أما في جهنم ليس هناك ما تقي نفسك منه، حتى ما يبدو أمامك وأنت في جهنم وكأنه ظل هناك هو ظل خادع هو حميم، هو نار. يقال أنه حتى في جهنم يتجمع دخان ويتراء وكأنه ظلال, فينطلق وإذا كله نار, ذلك الذي يراه على شكل ظلال كله نار. {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}(الزمر: من الآية16) فهذا هو الذي يجب أن نخافه، يخوف الله وهو إلهنا، وهو ربنا، وهو الرحيم بنا؛ لأنه لا يريد أن نقع في هذا العذاب.
لاحظوا كيف يعمل ملوك الدنيا الذين لا رحمة لديهم, هم من يريدون أن يعذبونا، وليس أن يبعدونا عن العذاب فهم يخادعوننا حتى نقع في العذاب المهين. أليس كذلك؟.
عندما يأتي الأمريكيون إلى اليمن فيقولون: نحن نريد أن نساعدكم على مكافحة الإرهاب، الإرهاب أنتم ستعانون منه! وهم يريدون أن يتمكنوا، ليسيطروا علينا ويذلونا, فيوقعونا في الخزي وفي العذاب المهين.
أليست أمريكا دولة ولها رئيس؟ قل هو ملك ذلك الشعب. هكذا يعمل على أن يخادعك ليوقعك في العذاب المهين تحت وطأة قدمه، أما الله ربنا سبحانه وتعالى فهو الذي هو على كل شيء قدير فإنه رحيم بنا يعمل على أن يخوفنا من عذابه من أجل أن نبتعد مما يؤدي بنا إلى عذابه, هذا هو عمل الناصح, عمل الرحيم بعباده.
ولذلك تجد أهل النار في الأخير يرون أن الله سبحانه وتعالى لم يكن من جانبه أي تقصير، وأن كل من يدخل جهنم سيرى نفسه جديرا فعلا بأن يعذب فيها، وأن يصرخ بملئ فيه فيها، أما الله فلا تقصير عنده، سيعرف أن رحمته عرضت عليه في الدنيا، ويعلم أن الله خوفه في الدنيا، وأنه الذي كان يعرض عن تخويف الله، وأنه الذي كان يخاف ما لدى الآخرين أكثر مما عند الله، وهذه هي الحماقة أن نخاف ما عند الآخرين ولا نخاف ما عند الله.