الباطل لا ينتشر تلقائيا يحتاج الى اعلام ونشر وثقافات مغلوطة وباطلة.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
الدرس الأول من سورة ال عمران صـ7ـ 8.
[رحمن رحيم] عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة، وهذا في لغة العرب تستعمل على هذا النحو تكرير الصيغتين ذات جِذْرٍ واحد، بصيغتين مختلفتين في الظاهر واشتقاقهما واحد للمبالغة جملةً, الرحيم، الرحيم، الرحيم.. وكأنه يقول هكذا.
فأين رحمته – إن جَوّزنا عليه هذا – إن جوزنا عليه أن يهتم بسكان منطقة الجزيرة العربية خلال فترة ثلاثة وعشرين سنة، وأمام يهود مساكين مستضعفين [بدو]، لم يكونوا على هذه الخطورة العالية، ثم يموت نبيه فيغلق ملف هدايته ورحمته ولطفه، ثم يقول: هناك الجنة وهناك جهنم، جهنم يسعرها بعد أن أغلق ملف رحمته، وهدايته! هل هذا يليق بالله؟.
لا يليق بالله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن نعتقده، بدليل أن الأمة في واقعها بطبيعتها لا يمكن أن تتخلى عن هذا، حتى وهي تسير في طريق الباطل تحتاج إلى أعلام للباطل، ولن تتخلى، أنت لا تستطيع أن تعيش في ذهنيتك بدون علم، لا تستطيع, هل تعيش في ذهنيتك بدون أعلام؟ تعدل عن هذا لكنك ترجع تلقائياً إلى هذا، أليس هذا الذي يحصل؟.
متى ما جاء شخص كره [السادة] وخلاص مِن [السادة] فين بيرح؟ هو بيجلس عَطَلْ؟ تراه يميل إلى من؟. إلى [مقبل، الزنداني، ابن باز، ابن تيمية، بخاري, مسلم، أبو بكر، عمر، عثمان، عائشة]، ما هذا الذي بيحصل؟.
لا يوجد إنسان يجلس عطل, ما يمكن تجلس عطل نهائياً؛ لأنك في نهاية المطاف إما أن يكون الله هو مَن هو في ذهنك، الله هو الذي أمامك، أو يكون الشيطان. هل هناك شيء غير هذا؟.
من الذي يستطيع أن يجلس بعيداً عن أن يكون عَلَمُه هو الشيطان إذا لم يكن ماشياً على هدي الله؟ لا أحد. المسألة من أساسها سُنّة بشرية، فطرة بشرية لدى الإنسان يحتاج إلى أعلام سواء للباطل أو للحق، والحق أيضاً يحتاج إلى أعلام والباطل يحتاج إلى أعلام.
الباطل ما بينـتشر من الأشخاص الذين يكونون في الشوارع مساكين مدهجين وسبَّر حديث وافلته وجاءت الأمة تلتقطه ثم تعممه في مدارسها، هذا ما بيحصل.
ينتشر الباطل من داخل أعلام رموز هم من يَلُوا أمر الأمة، أو يكبَّروا كعلماء في وسط الأمة فيصبح [قاضي القضاة]، أو يكون له لقب من هذا النوع، أو [إمام المحدثين]، فيأتي من هنا التضليل، ويأتي من هنا الانحراف، ويأتي من هنا الكذب، فيأتي من هنا الباطل فيعمم على نطاق واسع؛ لأني تلقيت الباطل من عَلَم، فبقدر ما لهذا العلم في نفسي من مكانة بقدر ما هيئت نفسي لتقبل هذا الباطل من جانبه، ليس هناك باطل ينتشر من الناس المساكين الذين هم فلاحين الذين يكونون بين أموالهم أو في الشوارع مُتَخبِّطين، ما بيمشي الباطل من بينهم، التحريف الذي هو باطل كتحريف لمعاني القرآن أو بوضع ثقافة باطلة.
من الذي يستطيع أن يعمم ثقافة باطلة؟ أليست هي الدول؟ والدول بواسطة من؟ بواسطة علماء يخدمونها من صحابة أو من تابعين أو من غيرهم من بني البشر.
فالباطل نفسه يحتاج إلى أعلام، وما بين أيدينا من الباطل لم ينتشر تلقائياً، إنما عن طريق أعلام شدّونا نحوهم، ثم قالوا هذا هو دينهم, هذه هي عقيدتهم، هذه هي سيرتهم، هذا هو ما كانوا عليه، فالتزموا بما كانوا عليه، وقد أصبحوا يملئون أنفسنا.
هكذا يكون انتشار الباطل، ولا بد في نفس الوقت للحق أن يسري على هذا النحو.. يأتي الحق عن طريق أعلام لهم مكانة في نفوسنا، أعلام نجلّهم، أعلام نحترمهم، أعلام ندين بحبهم، أعلام نعرف تاريخهم المشرق، أعلام نعرف كيف كانوا يجسدون القيم الصالحة، كيف كانوا رحماء بالأمة، من خلال انشدادي لهؤلاء الأعلام وحبي لهم وإجلالي لهم أتحلى بما كانوا يتحلون به، أدين بما كانوا يدينون به، فمن هنا يأتي تقبل الحق.
نفس الشيء الذي أحيط به كل مصادر هداية الله سبحانه وتعالى بدءاً من القرآن الكريم، بدءاً منه هو سبحانه وتعالى، ألم يقدم نفسه كعظيم لدينا؟ كعظيم نعظمه، نُجِلُّه، نقدسه؛ ليملأ مشاعرنا لننطلق في التمسك بهديه، إذا كان الله لا قيمة له عندنا فمن الذي يتمسك بهدي من لا قيمة له عنده؟. أليس نسيان الله وهو على ما هو عليه, نسيانه هو يؤدي إلى أن ينسى الإنسان أن يهتدي بهديه {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(التوبة: من الآية67).
كذلك كتابه الكريم، ألم يثنِ الله في كتابه الكريم الثناء العظيم {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}(عبس:15-11) أليس هكذا تحدث عنها؟ يثني على القرآن الكريم بأنه كتاب حكيم، بأنه نزله من يعلم السر في السماوات والأرض، بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنه هدى، أنه نور، أنه شفاء، أنه موعظة، أنه.. أنه… لدرجة أن تملأ نفسك مشاعر الإجلال والنظرة إلى العظمة في هذا الكتاب فتهتدي بهديه.
إذا كنا نحن، ونحن شيعة لم نصل بعد إلى درجة أن نؤمن بما توحي به هذه الآية وتنص عليه كحاجة ماسة {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) وأنه يرشد إلى منهج وقدوة، أليس كذلك؟. يرشد إلى كتاب، ينزل من عنده، ورسول يصطفيه من عباده، رسول هو خاتم النبيين، فلا بد أن يكون هناك أعلام للأمة من بعده يسيرون بسيرته، وليكن في المسألة كفاية؛ لأن يكون من جهة الله وهو يرى أن فيها الكفاية للأمة.
وورثة من أهل بيت نبيه، هم لا يرقون بالطبع إلى درجة أنبياء، إنما هم ورثة لنبيه يسيرون بسيرته يهدون الأمة بهديه، يكونون هم أعلام دينه وأعلام هديه، تلتف الأمة حولهم.
تحتاج الأمة إلى أن تهتدي عن طريقه بالكتاب الذي نزل بلغتها، على الرغم من أنه نزل بلغتها، أو أنه نزل بلغة لا يفهمها إلا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. أم أنه بلسان عربي مبين. طيب ما نحتاج أحداً.. بلسان عربي مبين، نحن عرب لا نحتاج إلى أحد، مع السلامة، أنت وصلّت المكتوب والرسالة ومع السلامة، كما كان يقول الوهابيون، كانوا يثقفون بهذه الثقافة؛ ولهذا اضمحلت جداً عظمة رسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في نفوسهم.
قالوا: محمد هو رسول جاء برسالة وذهب، هكذا كانت عبارة معروفة لديهم، بدوي جاء برسالة، جاء بمكتوب من عند الله وراح {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ} (فصلت: من الآية6)، هو بشر جاء بمكتوب ومع السلامة راح، كانوا يقولون هذه العبارات يحكيها [دحلان] وغيره، هم كانوا يكرروا هذه.
نحن شيعة أهل البيت وبالذات نحن [الزيدية] هم من وُوجِهوا بحملات كثيرة ضد أهل البيت, كثير من الناس لا تشعر بأنه فعلاً أصبحت هذه القضية يؤمن بها فعلاً، مجرد احترام وتقدير وصداقة، لكن لو يدخل في مشكلة مع أحد بعضهم قد يقلب إلى عند الإمام علي. نحن لا ينبغي أن نكون بهذه العقول، بهذه النفوس الصغيرة نفهم دين الله.
كما قال الإمام الخميني: ((إن الإسلام أسمى مما نتصور)) هو شخص صعد عظيماً وهز الدنيا مع هذا كان يصيح بعظمة الإسلام، ويقول في نفس الوقت ((إن الإسلام أعظم وأسمى مما نتصور))، وفعلاً إذا بقيت الأمة وخاصة نحن [الزيدية] لم نؤمن بعد بهذه المسألة، أنه فعلاً ثقلين لا بد منهما ((كتاب الله وعترتي)) كما قال هنا: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) أليس المعنى واحد؟ والتعبير واحد؟.
ويمكن أيضاً أن نقول أننا مغبونين – إذا أردتم الصدق – أن الله يقول لأولئك الناس – وهم مجموعة من البشر وخلال ثلاثة وعشرين سنة – {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) تتنزل {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) سيد البشر موجود بينكم، ما عاد احنا مكلوسين قليل؟.
معنا كتاب الله تلقيناه ولا زال يواجه بالتشكيك بأنه إنما جُمِّع من خَزَف وأضْلاع وقراطيس وجمَّعها أبو بكر، لولا أبو بكر كان يمكن أن ينتهي القرآن، وفلان كان عنده آية وفلان نسي آية، وسورة كانت أطول من هذه.. فرق كبير بين من – لولا أن القرآن استطاع أن يدحض كل هذه المقولات – لكن فرق كبير بين من يرى محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو ينزل إليه الوحي ثم يستيقظ من وحيه فيقرأ عليه الآية، ما كل شيء طري؟.
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) وفيكم رسوله سيد البشر، من حكى الله عنه بأنه {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: من الآية128) وهو واحد عَلَم يرونه، أما نحن عترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أليست المسألة أقل؟ لكنها كافية، ونريد أن نتنكر للقليل الذي يكفي، فما هو البديل إذاً؟ ما هو البديل إذاً؟.