محاضرة الحساب والجزاء (5) – المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1439هـ
| محاضرات وخطابات السيد القائد | 7 رمضان 1439هـ/ الثقافة القرآنية:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الأخوة والأخوات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
حديثنا مستمر عن يوم القيامة، عن ذلك النبأ العظيم، والحدث المُهيب والمَهيل، الآتي والقادم لا محالة، يوم الحساب، يوم الفصل بين العباد، اليوم الذي هو البداية لعالم الآخرة وللحياة في الأخرى، الحياة الأخرى، الحياة الأبدية حياة الجزاء، وكما قلنا في حديثنا السابق فنُذُر الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم ومنها الإنذار بالآخرة، الإنذار بالحساب والجزاء، الإنذار بالعقوبة في الآخرة الهدف منها الدفع لنا إلى الاستقامة هنا في الدينا، إلى الانتباه هنا في الدنيا، إلى إدراك حجم المسؤولية وما يترتب عليها هنا في الدنيا، فعظم أحداث القيامة وهولها الكبير وكذلك عظم الجزاء يدل على مستوى أهمية المسؤولية، أهمية هذه الحياة، أهمية الدور الذي يقوم به الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فالهدف أن نستفيد، أن نأخذ العبرة، أن نتعظ قبل أن يصل الإنسان إلى تلك المقامات إلى دار الجزاء، إلى دار الحساب والجزاء ثم يكون غير مستعد غير جاهز، هناك لا يمكن أن يستعيض أبدا بفرصة جديدة فرصة أخرى ليعوض خسارته ويعوض ما فاته من الحياة الدنيا، فرصتنا هي اليوم، هي هذه الحياة التي لا نعلم متى تنتهي، فلذلك يفترض بالإنسان أن يحرص على المبادرة على المسارعة مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.
تقدم لنا في محاضرة الأمس بعضا من الآيات القرآنية التي تحدثنا على ضوئها عن أهوال القيامة وعن أحداث القيامة بدءا من الزلزال العظيم، زلزلة الساعة، وما يتبعها من أحداث هائلة جدا تفضي إلى دمار هذا العالم وخرابه وإعادة تسوية هذه الأرض من جديد للحساب عليها لتكون ساحة مهيأة معدة لاجتماع البشرية واجتماع الخلائق عليها لعملية الحساب كما قال الله عنها: (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا)، بالإضافة إلى آيات قرآنية أخرى تؤكد هذا النوع.
نتحدث اليوم عن مرحلة الحساب، تأتي النصوص القرآنية لتؤكد أن النفخة الثانية في الصور والصيحة الثانية التي هي لإحياء الخلق، لإحياء الأموات، لإحياء الناس بعد أن هلكوا وماتوا وفنوا، تأتي هذه النفخة الأخرى لتكون هي الخطوة الأولى في عملية البعث والحساب وفيها يعيد الله سبحانه وتعالى الحياة إلى الخلائق، ويخرجهم من حالة الموت إلى حالة الحياة، الواقع الذي يكون البشر قد وصلوا إليه هو بعد النفخة الأولى التي مات فيها من بقي من البشر أجمعين في ساحة الأرض وهلكوا بكلهم، والله أعلم كم هو الزمن الفاصل بين النفخة الأولى في الصور التي هلك فيها بقية الخلائق وبين النفخة الثانية، توحي الآيات القرآنية ويفهم منها أن المدة الزمنية طويلة، وأنها كبيرة بالذات قياسا إلى حياة البشر، قياسا إلى الزمن، زمن الحياة في الدنيا، ثم تأتي النفخة الثانية، ويتحدث القرآن الكريم عن إحياء البشر وإخراجهم من الأرض، فيقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)، يقول أيضا: (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)، يقول أيضا: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)، فخروجهم من الأرض ثم عودة الحياة فيهم الله أعلم ما إذا كانت عملية الخروج مترافقة مع النفخة الثانية أم أنها ضمن النفخة الأولى التي أخرجوا من الأرض كتراب، ثم أعيدت إليهم الحياة في النفخة الثانية، فالآية يفهم منها في قوله تعالى: (تشقق الأرض عنهم سراعا)، خروجهم من الأرض وعودة الحياة إليهم ونشرهم من بين أطباق الثرى فتعود إليهم الحياة فيخرجون بشكل سريع، هذه عبارة سراعا، توحي بخروجهم بشكل سريع، قوله تعالى: (فإذا هم قيام ينظرون) كذلك توحي بعودة الحياة إليهم بشكل عجيب، بقدرة الله الذي هو على كل شيء قدير، تعود إليهم الحياة فيخرجون وتعود إليهم حياتهم فإذا بهم في حالة القيام، قد نهضوا، تعود إليهم الحياة في ذلك الحال الذي ما إن تعود إليهم حتى نهضوا وقاموا، فإذا هم قيام ينظرون، ينظرون إلى ساحة الحشر، إلى ذلك الواقع العجيب الذي يشاهدونه واقعا جديدا قد تغيرت فيه معالم الحياة ومعالم الأرض بشكل تام، والجميع أو الكل، كل فرد ما إن ينهض ويقوم ويرى البشرية من حوله بأعدادها الهائلة وقد بعثت جميعا، مشهد رهيب، واجتماع كبير جدا في ساحة الحشر، الهدف من عملية الحساب في ترتيباتها كلها بعد عودة الحياة وتجميع البشرية، الهدف منها تجلي العدل الإلهي، هذا هدف أساسي في عملية الحشر والحساب، وإلا فالله سبحانه وتعالى يعلم واقع كل إنسان، كل أعماله، يحيط علما وخبرا بأعمال البشرية بكلها، بأعمال كل إنسان، كل شخص، رجل أو امرأة، ولكن تأتي عملية الحساب لإثبات وكشف هذه الأعمال وإثباتها وإصدار الحكم المترتب عليها بناء على ما قد سبق به الإنذار والبلاغ في الدنيا، حتى تتم حجة الله سبحانه وتعالى على عباده وتتجلى عدالة الله سبحانه وتعالى، هذا بالنسبة للأعمال كأعمال، ثم فيما يتعلق بالنزاعات والخلافات والصراعات، تأتي فيها أيضا عملية الفصل المحاسبة المحاكمة، والفصل بين العباد، كل هذا يتجلى فيه العدل الإلهي لأنه سيكون هو الأساس الذي بنيت عليه عملية الحساب، الحساب على الأعمال، والحساب فيما يتعلق بالنزاعات والخصومات والاختلافات، عملية النشر والبعث وعودة الحياة كأول خطوة في يوم القيامة في مرحلة البعث بعد النفخة الثانية، بعد الصيحة الثانية، فإذا هم قيام ينظرون، تعود الحياة إلى الإنسان، يدرك هذه المرحلة الجديدة، يرى نفسه حيا في ساحة القيامة، يرى الجميع من حوله كل البشرية، بل في يوم القيامة أكثر من ذلك، يعاين الإنسان المخلوقات الأخرى، ويشاهدها، تلك التي لم يكن يشاهدها في الدنيا، يشاهد الملائكة وهم بأعداد هائلة جدا ينزلون إلى ساحة المحشر، ولهم أدوار كبيرة ومهمة وأساسية في ذلك اليوم، ويرى أيضا الجان والشياطين، والمخلوقات والكائنات الأخرى، يراها أيضا يشاهدها ويدركها والجميع حضروا إلى ساحة الحساب، وهناك في عملية الحساب، هناك واقع مشترك بين الإنس والجن، واقع مشترك في عملية الحساب ستأتي بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن ذلك، حينما يعيد الله الحياة إلى الخليقة، إلى البشر الكائنات الأخرى التي لها علاقة بمسألة الحساب والجزاء، ويرى الإنسان نفسه في ذلك الجمع الكبير والهائل، الكل ما إن يتم حشرهم وبعثهم وإعادة الحياة إليهم، إلا واتجهوا بكل استجابة بكل خضوع، بكل خشوع منقادين لكل الترتيبات التي ستنضم من خلالها عملية الحساب، عملية التجميع والتنظيم للبشر، على الواقع البشري مثلا، الكل يتجه منقادين خاضعين، ما هناك أحد يمكن أن يتلكأ، وما هناك أحد لا بمستوى شخصي، ملك زعيم، أمير، قائد، بأي صفة كان في الدنيا، ولا بصفة كيان، أمة جماعة، دولة، جيش، فئة، أي صفة معينة أو مستوى معين مما كان يعبر عن تجمعات بشرية معينة يمكنه في ذلك اليوم أن يظهر في حالة من التمنع والتلكؤ أو حالة الاستقواء، لا، الكل في حالة من الخضوع التام، والاستجابة المطلقة، والكل يتجه منقادا ضمن تلك الترتيبات والإجراءات، بكل استسلام، بكل خضوع، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (مهطعين إلى الداع)، يقول أيضا: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)، يقول جل شأنه: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) ،تظنون آنذاك أنكم لم تلبثوا من بعد وفاتكم إلى حين بعثكم إلا مدة زمنية بسيطة، في بعض الآيات القرآنية يحكي عن بعض التقديرات بساعة، وبعضهم بأكثر وبضعهم بحسب يوم بعضهم بعشرة أيام إلى آخره.
لتصفح وقراءة المحاضرة بشكل كامل وتنزيلها اضغط على الرابط التالي:-
محاضرة الحساب والجزاء الجزء الخامس المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبد الملك بدرالدين الحوثي 1439هـ