محاضرة مواصفات المؤمنين (6) – المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1439هـ
| محاضرات وخطابات السيد القائد | 27 رمضان 1439هـ/ الثقافة القرآنية:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نواصل الحديث على ضوء الآيات المباركة في سورة الفرقان في مواصفات عباد الرحمن المتقين، ونستدرك في هذه المحاضرة مثالين على ضوء الآيات التي تلوناها في المحاضرات الماضية، كنا أشرنا في محاضرة من المحاضرات الماضية إلى قول الله سبحانه وتعالى: (واغضض من صوتك)، واحدة من الأخلاق المهمة والآداب العظيمة هو هذا الخلق، وهذا الأدب الرحيم، (واغضض من صوتك)، تحدثنا عن أمثلة فيما يتعلق بهذا الموضوع، ونستدرك مثالا واقعيا، عادة في المناسبات الاجتماعية لا سيما في الأعراس يستخدم الكثير مكبرات الصوت، وفي بعض الأحيان يستخدمونها في الليل، في حارة معينة، بالذات في المدن مثلا، وهذا يحصل في بعض المدن، حارة معينة، أو شارع معين، أو منطقة سكنية آهلة بالسكان، يستخدمون مكبرات الصوت بشكل قوي، يأتون بمكبرات صوت قوية يصل صدى صوتها إلى مدى بعيد، ثم خلال الليل يستمرون في احتفالهم بمناسبتهم التي هي عرس أو أي مناسبة أخرى، يستمرون طوال الليل سواء بالأناشيد أو الأهازيج أو بعضهم باللهو أو بغير ذلك، ويزعجون الناس على مستوى مثلا حارة معينة أو شارع معين، طوال الليل، مكبرات الصوت التي يصل صداها وإزعاجها إلى كل منزل، تؤذي الكثير من الناس، قد يكون هناك المريض، قد يكون هناك الإنسان المنشغل الذي إن أصيب بالأرق طيلة ليلته يذهب في اليوم الثاني إلى عمله وهو متعب، حالة الانزعاج والتأذي التي تسود تحول جو الآخرين المحيطين بأصحاب المناسبة إلى حالة من الانزعاج، بدلا من أن يشاركوهم الفرح، يتحولون إلى منزعجين.
يدخل في (واغضض من صوتك)، سواء الصوت بشكل مباشر أو بالوسائل المستخدمة لرفع الصوت، مثل مكبرات الصوت، أو على التعبير المحلي المكرفونات، فمهم أن يتعود الناس في مناسباتهم الاجتماعية أن يستخدموا إما سماعات داخلية أو أن يخفضوا أصوات مكبرات الصوت، بحيث تؤدي دورها مثلا في إسماع الحاضرين بالذات إذا كانت المسألة في المساء، في الليل، وبالذات إذا كانت في أوقات ستسبب إزعاجا للناس في غير ضرورة، لا يحتاج الإنسان إلى هذا، يزعج أهل حارة بأكملهم، أو أهل قرية بأكملهم طوال الليل مثلا، البعض باللهو، البعض بالأناشيد، ويمكن للإنسان أن يستخدم مثلا مكبرات صوت إما سماعات داخلية كما قلنا أو نحو منها، ويركز على أناشيد جيدة مفيدة وأهازيج لا يدخل في المحظور، على كل هذه ملاحظة لأن البعض من الناس في بعض المدن يستخدمون هذا الأسلوب المزعج للناس في مناسباتهم الاجتماعية، وسواء كانت مناسبات أفراح أو غير ذلك، يدخل في (واغضض من صوتك)، ملاحظة هذا الجانب بالذات في غير شهر رمضان وفي شهر رمضان ترعى حرمة شهر رمضان إلا بالمفيد والنافع، لكن حالة الازعاج غير مطلوبة يعني للناس بشكل يعود إلى مناسبات خاصة، مناسبات اجتماعية وما شاكل.
أيضا نستدرك فيما يتعلق بموضوع الإسراف، التنبيه على خطورة ما يعاني منه مجتمعنا المسلم وبالذات بالدرجة الأولى داخل المجتمع الإسلامي مناطقنا في المجتمع العربي، هناك إنفاق هائل جدا على التدخين، ويصل هذا الإنفاق سنويا إلى مليارات الدولارات، تخيلوا، في عالمنا العربي مجموع ما تنفقه شعوبنا على التدخين سواء في اليمن، في مصر، في دول متعددة، مجموع ما تنفقه هذه الشعوب على التدخين، تدخين السجائر تصل كلفته إلى مليارات الدولارات في العام الواحد، هذا أمر فظيع جدا، إنفاق هائل جدا على شيء يضر بالناس ولا يفيدهم، وتذهب تلك الأموال في النهاية إلى صالح الأعداء، شركات أمريكية للتبغ أو للسجائر شركات صهيونية، فيبيعون ما يضر بنا وما يضر بصحتنا، ما يجلب لنا الكوارث على المستوى الصحي، الكوارث الناجمة عن التدخين رهيبة جدا على المستوى الصحي، مثل السرطان مثل أمراض القلب، مثل أمراض خطيرة جدا، تدمير للرئتين، أمراض كثيرة يتحدثون عنها، وأضرار كثير مقطوع بها ومؤكدة، يؤكدها الأطباء يؤكدها المختصون ومشهورة ومعروفة ومعترف بها يعني، أن يصل الإنفاق على شيء مضر، على شيء مضر وليس مفيدا، بل مضر بكل ما تعنيه الكلمة سنويا إلى ما يعادل مليارات الدولارات، ويصل هذا المال في النهاية إلى أعدائنا الذين يستفيدون منه في محاربتنا، في التآمر على شعوبنا، في أن يكونوا أقوياء في التسلط علينا، هذه فيها كوارث ومآسي متعددة، مأساة الهدر لأموال كثيرة جدا، وفيما يضر ثانيا، هذه مأساة إضافية، وليس فقط في شيء اعتيادي لا يضر ولا ينفع، شيء طبيعي، بل يضر أيضا، وفيما يصل أيضا إلى أعدائنا، لو يأتي الإنسان ليقيم واقع الكثير من المدخنين كم سيصل إنفاقه السنوي خلال العام، البعض يصل إلى أموال كثيرة، يعني البعض لا هو أنفق في سبيل الله لدعم قضايا أمته وقضايا شعبه، ولا هو أنفق في سبل الخير الأخرى، لفقراء لمساكين، لصلة أرحام، ولا هو أنفق لأي شيء مهم له عائد إيجابي على دينه وعلى نفسه وعلى شعبه وعلى أمته بقدر ما أنفق على التدخين، على ذلك الدخان الذي يستنشقه إلى رئته ليضر بجسمه بكله ويدخل من خلاله السموم إلى جسده، ثم يذهب بما بقي منه دخانا يتطاير في الهواء، وهو ينفق عليه أكثر من أشياء كثيرة، القضايا الرئيسية، المسؤوليات المهمة التي هي في إطار المسؤولية، سيحاسبه الله إن لم ينفق فيها، المسؤوليات التي بلغت درجة التشجيع على الإنفاق فيها في القرآن الكريم إلى درجة أن يقول الله سبحانه وتعالى وهو الغني الذي له ملك السماوات والأرض والغني الحميد، والذي بيده خزائن السماوات والأرض: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ)، هل هناك عبارة أبلغ أعظم، أكبر في التشجيع لنا على الإنفاق في مسؤولياتنا من هذه العبارة، أن يقول الله لنا: (من ذا الذي يقرض الله)، اعتبرها قرضة اعتبره قرضة با يسلم لك الباقي، با يدفع لك أضعافا مضاعفة، هذا تشجيع كبير جدا، واللوم عظيم والوزر عظيم إن لم نتجاوب إن لم نستجب لله سبحانه وتعالى، بعد كل هذا الحق، بعد كل هذا الترغيب، أن يقول لنا: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، إن بخلتم عن الإنفاق في سبيل الله الذي هو حماية لكم، دفاع عنكم، دفع للخطر عنكم، دفع للشر عنكم، حماية لكم من الاستعباد والإذلال والقهر، والشر، إن بخلتم ألقيتم بأنفسكم إلى التهلكة بأيديكم الباخلة التي أمسكت عن الإنفاق.
هكذا نجد أن مجتمعنا بحاجة إلى أن يسترشد بكتاب الله، أن يهتدي بكتاب الله، بما يؤثر في سلوكه في أدائه في هذه الحياة، في اهتماماته، في أولوياته، فيما يرشد هذا المجتمع في كل تصرفاته ومنها في الإنفاق، نحن بحاجة إلى ترشيد النفقات وإلى الرشد في الإنفاق والتصرف المالي، ندخل في الآيات المباركة، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71))، في هذه الآيات المباركة أتى بما يتضمن أيضا النهي وبما يؤكد على أن من الصفات والالتزامات البارزة في سلوكيات وأعمال وتصرفات عباد الرحمن المتقين المؤمنين ثلاث قضايا يحذرونها ويتجنبوها ولا يتورطون فيها، وهي محرمة ويتضمن هذا نهيا إضافة إلى تقديمه ضمن التزاماتهم العملية، فيما يجتنبون وفيما يحذرون، الأعمال جانب نعمله وجانب نتركه ونحذره في التزاماتنا الإيمانية، (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر)، لا يألهون آلهة غير الله سبحانه وتعالى، لا في الشرك العقائدي الذي يعتقد فيها الإنسان أن هناك آلهة أخرى مثل ما عليه معظم البشر اليوم، اليوم معظم البشرية، المليارات من البشر لا يزالون يعتقدون عقائد وثنية، عقيدة الشرك، في دول كثير من العالم، وهذا الشرك العقائدي يعني هو يعتقد أن هناك تعدد في الإلهة حسب عقائدهم الباطلة، وأنه هناك آلهة غير الله سبحانه وتعالى تضاف في سلم الألوهية عندهم الذي جعلوه مراتب ومتعدد في ضلالهم الكبير جدا، طبعا هذا من أكبر الضلال، ويترتب عليه انصراف عن رسالة الله عن هدي الله، ولهذا الوثنيون والمشركون هم عادة يتنكرون برسالة الله بكلها، وينصرفون عنها كليا لأنهم لما كانوا مشركين لم يقبلوا بالرسالة الإلهية بكلها، ترتب على شركهم انصراف كامل عن هدي الله، وإعراض تام عن نهج الله، ورفض كامل لشرائع الله ودين الله، وهذه القضية خطيرة جدا، البعض الكبير جدا فيه تنكر لأكبر حقيقة وهي التوحيد لله سبحانه وتعالى الذي هو أكبر الحقائق، ثم فيه على المستوى الحياتي والعملي انصراف كامل وتنكر كامل لهدي الله ودين الله وكفر برسالته، فهم منزهون وهم مجتنبون بهذا الكفر وهذا الشرك العقائدي، ثم أيضا على المستوى العملي لا يُألهون آلهة أخرى، لأن هناك على المستوى العملي في خوفه في رجائه، في طاعته، من يخاف غير الله أكثر من الله، من يرجو غير الله أكثر من الله، من يجعل طاعة غير الله أقدم عنده وأوجب وأهم من طاعة الله سبحانه وتعالى، وهذا الشرك العملي يمكن أن يكون داخل أوساط حتى المسلمين، الشرك العملي، مثل حالة الرياء، حالة الرياء هي شرك عملي، وتأتي كخلل كبير في الواقع العملي، والإنسان من خلالها لا يزال محسوباً على الإسلام والمسلمين ومحسوب من المسلمين، يعني لا يحسب في معاملات الإسلام له على أنه مشرك حاله حال الوثني الخارج عن الملة، لا، يمكن أن يعيش الإنسان حالة الشرك العملي وهو منتسب للملة الإسلامية ملته ملة الإسلام، والأحكام والمعاملات تجري عليه ومعه كمسلم، لأنه عقائدياً هو يوحد الله و يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولكن مشكلته تأتي في هذه الحالة الإيمانية التي كان لديه فيها خلل كبير فاتجه يقول أشهد أن لا إله إلا الله مقتضى هذا أن يخاف من عذاب الله فوق كل شيء، أن يرجو الله فوق كل رجاء، وأن يستشعر عظمة الله فوق كل عظيم، وأن يتجه إلى الله بالطاعة ويجعل طاعة الله فوق كل طاعة، إذا هو لم يفعل ذلك بات عنده خلل إيماني كبير جداً قد يسبب له حالة من الانحراف الخطير في الواقع العملي الذي يوصله إلى النار والعياذ بالله، قد يتحول إلى منافق قد يتحول إلى فاسق قد يتحول إلى فاجر قد يتحول إلى خانع وخاضع للطغاة والمستكبرين فيما لا يبقى له في معاملته مع الله إلا بعضاً من الطقوس الدينية ثم يتجه في شؤون حياته كافة وفي إخضاع نفسه كلياً في مسار حياته لصالح الطاغوت وهذه قضية خطيرة جداً، المصير فيها إلى جهنم والعياذ بالله، لا ينجيه ما بقي له من طقوس دينية من عذاب الله في الآخرة.
لتصفح وقراءة وتنزل المحاضرة كاملة اضغط على الرابط التالي:-