البرنامج اليومي (القرآن الكريم هو في هذه المرحلة معرض لحرب شديدة، ونحن معرضون لثقافات مغلوطة متعددة.).
برنامج رجال الله اليومي.
الثقافة القرآنية صـ17ـ18.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
نحن سنهتم باللغة العربية، نهتم باللغة العربية، وعندما نهتم باللغة العربية نتعرف على أصل اللغة نفسها، نتعرف على أساليب العرب بشكل أكبر، نتعرف تَذَوّق العرب للكلام، ما هو الكلام الذي كانوا يعتبرونه راقياً، حتى نعرف لغة القرآن، وعندما نعرف لغة القرآن ستكون معرفتنا للقرآن أكثر واستفادتنا منه أكبر.
ليس صحيحاً بأنه متوقف على فنون أخرى كأصول الفقه. أصول الفقه هو فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية، يضرب القرآن ضربة شديدة، بل يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن، يضع مقاييس غير صحيحة تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر؛ ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن؛ لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا لـه، أمام اهتدائنا به، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه، وبالتالي موّتناه، وأصبحنا أمة ميتة، أصبحنا أمة ميتة، أسأنا إلى أنفسنا، وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا.
أذكر الإمام الخميني لـه كلمة قال: (أن الإنسان لو يجلس طول عمره ساجداً لله شكراً على هذا القرآن لما وفّى بحق شكر الله على هذه النعمة العظيمة).
هذا شرف عظيم جداً لنا، أن يكون توجهنا قرآنياً، ومهم جداً في هذه المرحلة بالذات؛ لأن أعداء الله يتوجهون أساساً إلى ضرب القرآن في نفوس الناس، إلى إقصاء الناس عن القرآن، إلى تغييب القرآن مهما أمكن، إلى خلق ثقافات تشكك حتى في القرآن الكريم، حرب شديدة ضد القرآن الكريم، لكنهم لا يستطيعون أن يمسوا نص القرآن بسوء، سيمسونا نحن بالسوء، سيفصلونا عنه، سيبعدونا عنه، سيشغلوا أذهاننا بأشياء تصرفنا عنه، وبالتالي يصبح القرآن بمعزل عن حياتنا، عن التفاتاتنا أمام أي إشكالية نعاني منها.
وفي الأخير فعلاً القرآن قد يتعرض إلى التغييب، التغييب لاحظوا حتى في المدارس، ألم يُشتت القرآن بشكل غير طبيعي، شُتِّتَ القرآن، سنين بعد سنين حتى تنتهي من معرفة القرآن وحفظ القرآن الكريم، بينما كانوا سابقاً ربما كان في سنة أو سنتين يستطيع الناس أن ينتهوا من تعلم القرآن الكريم.
قد يغيّبوا القرآن كما غيبوه في الاتحاد السوفيتي سابقاً، قد يشغلوا الناس بأشياء كثيرة، أفلام خليعة، ثقافات خليعة، رموز خليعين، رموز فن ورياضة وغيرها، وبالتالي يكون واقع الناس أسوأ بكثير كلما ابتعدوا عن القرآن، هذا الواقع الذي نتصوره سيئاً جداً، ربما عاد هناك احتمالات لأشياء أسوأ أكثر.
وكلما كان واقع الناس أسوأ في الدنيا سيكون أيضاً واقعهم أسوأ في الآخرة؛ لأن معنى السوء هنا هو ناتج عن ماذا؟ ناتج عن تقصيرنا، وكلما قصّر الناس في مرحلة تضاعفت المسؤوليات عليهم من جهة؛ لأنه كلما انتشر الفساد كلما اقترن معه بحكم الخطاب القرآني للناس مسؤوليات، منكر واحد أنت لم تنهَ عنه. جاء منكر آخر، تفرع عنه منكرات، ألم يتكرر عليك الواجب مع كل منكر؟. تتعاظم عليك المسؤولية مع كل فساد ينتشر، فيكون كلما انتشر الفساد كلما ماذا؟ تعاظمت المسؤولية علينا، وكلما رأينا السوء في حياتنا، وكلما رأينا أنفسنا لا نستطيع أن نؤدي شيئاً.
في الأخير إما أن نرى المهام الصعبة صعبة جداً، قد لا يصل إليها إلا البعض، قد لا يؤديها إلا البعض، قد لا يرتقي إلى أدائها إلا البعض، وتكون معظم الأمة هالكة، يهلك الناس في الدنيا، ويقدمون على الله هالكين يوم القيامة، ويهلكوا بدخول جهنم، نعوذ بالله من دخول جهنم.
فالقرآن الكريم هو في هذه المرحلة معرض لحرب شديدة، ونحن معرضون لثقافات متعددة، عندما تنـزل (ملزمة من وزارة الأوقاف) تثقف الناس حول طاعة ولي الأمر، تجمع كل تلك الأحاديث التي لا يقبلها حتى ولا الأمريكيون، لا يقبلها حتى ولا الأوربيون، بوجوب طاعة الحاكم وإن كان ظالماً، وإن كان غشوماً، وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة، وإن أخذ أموال الناس، وإن استبد بخيرات البلاد له ولأسرته، يجب أن تسمع وتطيع وتصبر وتسأل الله ما لك وأَدِّ ما عليك، أدّ زكاتك، وأدّ ضريبتك. وعندما تقول نريد كذا؟. لا. اسأل الله، ولا تعترض، ولا تنقد إلا إذا تمكنت أن تأخذ بيد الحاكم وتحادثه وتشاوره سراً، أما أن تنقد, أما أن تعترض، أما أن تهاجمه. لا، هذا يعتبر تشهير بالسلطان، لمن هو ظل الله في أرضه..
ملزمة تنـزل وتعمم، ويُراد منها أن يتثقف بها الخطباء والمرشدون؛ ليخاطبوا المجتمع بها، هذا شيء مما يُعد حرباً للقرآن نفسه، مما يُعد حرباً للقرآن نفسه، وتمهيداً لمن؟ تمهيداً لأن يسيطر علينا عملاء أمريكا، وتمهيداً لأن يحكمنا حتى اليهود أنفسهم.
من العجيب أن هذه الملزمة نفسها في آخرها لم يكتفِ بمسألة أن تسمع وتطيع للحاكم الظالم، بل وحتى وإن كان هناك كفر وهيمنة كفر، أنت يمكن أن تعيش في ظله وتكون ذمتك برية وتعيش وأنت مسلم في ظله!!، عندما ترى نفسك، عندما يرى الناس أنفسهم وهم لا يستطيعوا أن يزيلوا هذا الكفر، إذاً فليعيشوا وبسْ، ويكذبوا على الناس كذبه رهيبة جداً، وقد يُخدَع الناس بشكل كبير عندما لا يفهمون.
قالوا: (رسول الله هو عاش في ظل الكفر ثلاثة عشر سنة في مكة). أليست هذه من تقديم حياة رسول الله الجهادية، حياة وهو يصدع بما يؤمر، حياة وهو يباين أقاربه، ويباين قومه، حياة وهو يُعذَّب أصحابُه، وهو يلصق به أسوأ التهم، تارة يقولوا شاعر، وتارة يقولوا مفتري، كذاب، ساحر، ويقولون عن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين، وهو يتصارع مع أولئك تفسر في الأخـير أنها ماذا؟ أنها عيش في ظـل نظـام الكفر، فكمـا عاش ثلاثة عشـر عاماً – وهو النبي – إذاً ممكن كلنا نعيش في ظل الكفر. ماذا يعني هذا؟.
هذا يعني خطوة أولى تمهيداً لهيمنة اليهود علينا، فيكون لدى الناس قابلية؛ لأنه الآن هناك نظرة قائمة: إكبار لأمريكا وإسرائيل، حينها أي واحد سيقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً. أما إذا قد قُدِّمت على هذا النحو إذاً فبالإمكان أن تعيش ولا مسؤولية عليك في ظلهم!! أما إذا قالوا لك رسول الله هو كان هكذا، إذاً فالجنة مفتحة لك الأبواب، وإن كان الشر هو الذي يحكمك.
هذا شيء سيئ جداً، وسيئ جداً أن ينـزل من إدارة هي معنية بالوعظ والإرشاد في عموم الجمهورية كلها، وأن ينـزل ليس نزولاً تلقائياً إلى المكتبات، بل نزولاً في دورات تدريبية تأهيلية لمرشدين وخطباء لينطلقوا هم يثقفوا الناس هم بهذه الثقافة، أليس هذا إبعاداً للناس عن روح القرآن – الذي يأمر الناس في مواجهة أعداء الله، في مواجهة الكافرين، الظالمين، الفاسقين، أهل الكتاب – بأن يكونوا عمليين مجاهدين {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} (التوبة:29) يعطونها وهم يعترفون بأن أيديكم فوق أيديهم، يعترفون بصَغارهم تحت هيمنتكم، {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
عندما تخرج من قراءة تلك الملزمة، وعادةً القارئ يكون أقرب شيء ملاصقة لذهنه آخر ما يخرج به من كتاب معين من ملزمة معينة، فكان آخر ما تخرج به من تلك الملزمة هو ماذا؟ كلام (للفوزان وللألباني) – الذي كان عالم السنة قبل فترة، وعالم معتمد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها – عندهم – أنه قال و بالحرف الواحد (أنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره إطلاقاً) – بالعبارة هذه – عندما يكون الناس في وضعية يرون أنفسهم يرون أنفسهم أنهم لا يستطيعوا أن يزيلوا الكفر.
طيب.. كان ممكن أن تترك الكلام إلى هذه الدرجة، أما أن تقول فقد عاش رسول الله في ظل هيمنة الكفر ونظام الكفر ثلاثة عشر عاماً، هذا مسخ للحقيقة، وهذا إساءة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة، عما كان يعانيه من صراع مع الكافرين، مباين للكافرين، كيف يقال بأنه عاش في ظل نظامهم وهو يدعوهم بالحرف الواحد إلى أن يطيعوه؟!. هو رسول الله إذاً يجب عليهم أن يطيعوه، يجب أن يتخلوا عما هم عليه، لدرجة أنه لم يقبل منهم مجرد أن يكون حاكما عليهم على ما هم عليه. ألم يعرضوا عليه أن يحكمهم إذا أراد أن يكون ملكاً؟.
المسألة أرقى من أن يكون ملكاً، فكيف يقول هذا بأنه عاش في ظل هيمنتهم، وهم قد بلغ بهم الحال، أوصلهم هو إلى درجة أن يعرضوا عليه أن يكون ملكاً عليهم؟!. المسألة أرقى من هذه، هي أن يطيعوه نبياً يأتمروا بأمره، يهتدوا بهديه، يتخلوا عما هم عليه. أليس هذا قمّة الصراع؟.
مسألة أنه لم يدخل معهم في قتال ميداني؛ لأنه لم يتوفر له جنود، لم يتوفر له أنصار، وإلا فكان يفكر، وكان يعرض نفسه على القبائل من الذي سينصره، ما معنى (سينصره)؟ أن يقف في وجه الكافرين فيضربهم، فعلاً.
ثم يقال عنه في الأخير: كان يعيش في ظل هيمنة الكفر!. وهي عبارة ستخدع الناس؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفون سيرة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله). عاش في مكة ثلاثة عشر سنة ومازال الكفار في مكة.