المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد عبد الملك بدرالدين الحوثي 1440هـ
| محاضرات السيد القائد | 6 رمضان 1440هـ/ الثقافة القرآنية:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
استكمالا لحديثنا بالأمس عن المشاهد التي قدمها القرآن الكريم لواقع البشر في مرحلة الحساب في ساحة الحشر يوم القيامة مما يتجلى في ساحة الحشر في يوم القيامة في مرحلة الحساب، تتجلى أمور مهمة جدا وفي مقدمتها أهمية الأعمال، الإنسان في هذه الدنيا قد يكون مستهترا تجاه كثير من الأعمال إما كثير من أعمال الشر التي تشكل خطورة كبيرة عليه في عواقبها ونتائجها في الدنيا وفي جزائها الكبير في الآخرة، أو تجاه كثير من الأعمال المهمة من الأعمال الصالحة من أعمال الخير من المواقف المحسوبة له عند الله سبحانه وتعالى ولها أثرها الطيب وأثرها الإيجابي وأثرها المفيد في الدنيا وجزاءها العظيم عند الله في الآخرة ولذلك الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) يقول الله جل شأنه (إِنَّا نَحْنُ) الله ربنا عظيم الشأن المحيط بكل شيء علما أحصى أعمال هذا الإنسان أحصى أعمال كل منا وما قدمه كل واحد منا قد أحصاه الله بكل جزيئاته وتفاصيله ما قدم كلٌ منها ليس هذا فحسب بل والآثار لكل عمل كل عمل وله آثاره في هذه الحياة قد تكون آثار طيبة وقد تكون آثارا سلبية وسيئة وخطيرة والعمل الذي آثاره سيئة تبقى الآثار بنفسها محسوبة على الإنسان ويجازى عليها وفي كثير من الأعمال ستكون الآثار آثار الأعمال أكثر أهمية وأكبر من مستوى العمل بنفسه أثر العمل في كثير من الحالات أكبر من نفس العمل وهو الذي يجعل لذلك العمل أهمية معينة أو خطورة معينة ولذلك هذه المسألة مهمة جدا .
من أخطر الأشياء على الإنسان التقصير في أعمال أمر الله بها ودعا إليها وللتقصير فيها آثار خطيرة جدا مثلا عندما نقصر كمسلمين عندما نقصر في النهوض بمسؤولياتنا الكبيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة العدل وإحقاق الحق، التقصير في النهوض بهذه المسؤولية كم سيترتب عليه من كوارث في هذه الحياة من مظالم من جرائم من منكرات من باطل هذا يحسب هذا يحسب لأنه نتاج لتقصير في مسؤولية أمرنا الله بها إلزاما وأوجبها علينا حتما ثم فرطنا فيها وقصرنا فيها وكانت نتيجة هذا التقصير انتشار المنكرات بشكل كبير ما كانت لتنتشر لو نهضنا بمسؤولياتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انتشار الباطل على نحو ما كان لينتشر لو نهضنا بمسؤوليتنا لإحقاق الحق انتشار الجرائم والمظالم الرهيبة التي ما كانت لتنتشر لو نهضنا بمسؤوليتنا في إقامة العدل.
وفي واقع كذلك تتجلى فيه الآثار وتظهر فيه الفظائع للتقصير والآثار الخطيرة للأعمال يتحسر الكثير من الناس ويعبر القرآن عن ذلك التحسر لدى البعض وهم يقولون (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) بينما في الجانب الآخر من فاز بقيامه بواجباته ومسؤولياته واستقام على منهج الله سبحانه وتعالى يكون مبتهجا وحسبت له آثار عظيمة، آثار طيبة نتائج إيجابية فهو ذلك الذي يبادر بعد أن يستلم كتابه بيمنه فيقول (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) في حالة من الابتهاج والسرور الكبير جدا، والإدراك لقيمة تلك الأعمال لأهمية تلك الأعمال لأثر تلك المواقف فحسبت له بحساب الله الكريم العظيم الذي يدرك جل شأنه يعلم خبر هذا الإنسان وخبر كل عمل، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يدرك بمستوى وقيمة ومدى أهمية العمل فيحسب للعمل حسابه بمستواه أيضا من الأهمية وبآثاره.
مما يتجلى أيضا في يوم القيامة في حالتين مختلفتين تماما الحالة الأولى قبل كل ذلك عنوان الروابط فيما بين الناس تتجلى حقائق مهمة عن هذه الروابط في اتجاهين:
اتجاه الشتات وتقطع هذه الروابط وتحول هذه الروابط إلى حالة عداوات وذلك فيمن التأم شملهم في هذه الدنيا واجتمعت كلمتهم في طريق الباطل أو في معصية الله سبحانه وتعالى أو في مواقف ظالمة وباطلة وخاطئة في يوم القيامة تنتهي هذه الروابط وتتقطع هذه الأسباب والعلاقات وتبدأ الحالة حتى على مستوى الأسرة، الأسرة التي كانت ملتئمة الشمل في هذه الدنيا وفي هذه الحياة في صف الباطل أو في طريق الباطل أو في المواقف الظالمة أو في معصية الله سبحانه وتعالى يعبر القرآن عن هذه الحالة (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) حتى على هذا المستوى أو على هذه الحالة من الروابط التي كانت في الدنيا روابط أسرية أسرية الأخ مع أخيه الابن مع أبيه والأب مع ابنه والإنسان مع أمه وأبيه مع زوجته مع صاحبته تنتهي تلك الروابط وتتفكك وتتقطع تلك الأسباب ويتشتت الشمل شتاتا رهيبا وشتاتا أبديا لا يلتئم الشمل مرة أخرى.
في عالم الآخرة الخاسرون والهالكون والخائبون سيعيشون في وضع مفكك لا روابط فيه لا ينعمون بتلك الروابط التي كانت في الدنيا الإنسان بمفرده للأبد له خصومه مع الجميع وله عداوة مع الكل ويحس بأنه لوحده لم يعد بينه وبين أي أحد أي رابطة ولا أي علاقة على مستوى الأخلاء الذي كانوا في الدنيا تربطهم علاقة حميمة من الصداقة الوثيقة وكانت في إطار توجههم في صف الباطل أو في موقف الباطل أو على معصية الله سبحانه وتعالى تتحول إلى عداوة إلى كراهة شديدة جدا وتصل الحالة كما عبر عنه القرآن الكريم (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) إلى هذه الدرجة تصل إلى درجة العداء والكراهة الشديدة والبغض الشديد والنفور الشديد من بعضهم البعض على مستوى الأتباع والمتبوعين تصل الحال أيضا إلى التبرؤ من بعضهم البعض (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) فالمتبوعين لم يقدروا الجميل لأتباعهم الذين اتبعوهم في الباطل ناصروهم في هذه الدنيا في المواقف الظالمة والباطلة وقفوا معهم وفي صفهم أيدوهم وصفقوا لهم وناصروهم وعاضدوهم ومكنوهم لم يحسبوا لهم جميل ما فعلوه لهم في الدنيا وقد يكون كثيرا من الناس من الأتباع قاتل مع أولئك المتبوعين الطغاة الجائرين الظالمين المبطلين أيدهم في الدنيا في كل محفل في كل مقام في كل مكان بلسانه بكلماته ناصرهم غضب من أجلهم ضحى من أجلهم أنفق من أجلهم قدم الكثير معهم، لا يقدرون له جميل ذلك يتبرأون منه (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وحسرات شديدة لأولئك الأتباع الذين قد يكون الكثير منهم أيضا لم يستفد في هذه الدنيا إنما تحمل الكثير من الأعباء وقدم الكثير من التضحيات وتكبد الكثير من الخسائر وفي الأخير يتبرأون منه يوم القيامة (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ) يتمنى الكل أن لو أمكن لهم أن يعودوا إلى هذه الدنيا ويعود الوضع إلى سابقه ليتبرؤوا من أولئك المتبوعين ويتخلوا عنهم فيصلوا بهم إلى الخسارة لأنهم في الدنيا إنما اعتمدوا على نصرتهم ومعونتهم ومتابعتهم وتأييدهم فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من مكانة وسلطة أو نفوذ وتأثير في هذه الدنيا ولكن لم يبقى من ذلك إلا الحسرات.
في مشهد يوم القيامة يقدم القرآن الكريم موقفا لربما سيكون من أكبر المواقف تأثيرا (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا) الكل الأتباع والمتبوعين القادة وأنصارهم كل الذين ساروا في صف الباطل وهم كثير كثير، كم سيجتمع من قيادات وزعامات وملوك وأمراء وبكل المسميات وكم معهم من أتباع (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ) في ذلك المشهد الرهيب في ذلك المقام العظيم يتحسر بالدرجة الأولى وفي المقدمة من؟ الضعفاء نسبة كبيرة من أنصار الباطل ومن أنصار الطغاة وممن يتحرك الباطل بجهودهم وتضحياتهم في هذه الدنيا ويمكنون الطغاة والظالمين والجائرين والمستكبرين نسبة كبيرة من الجمهور والجنود من هم؟ الضعفاء. من الضعفاء لو تأتي إلى أي طاغية في هذه الدنيا إلى أي مجرم مستكبر إلى أي متفرعن متجبر تجد ما الذي مكنه أو تنظر ما الذي مكنه من ظلم عباد الله؟ ما الذي ساعده على نشر الباطل والضلال؟ ما الذي ساعده في السيطرة والتحكم برقاب عباد الله؟ أكثر جنوده من هم؟ أكثر جمهوره المشايعين له والمؤيدين له والمطبلين له والخاضعين له من هم؟ الضعفاء. الكثير من الناس شعوره بالضعف على مستوى القوة العسكرية أو على مستوى القوة المادية ضعيف الحال فقير، أو ضعيف النفس يشعر بالضعف العسكري أمام قوة الآخرين يؤثر عليه هذا الشعور فيريد أن يكون في صف أولئك الذين يرى فيهم أقوياء من الجبابرة من الطغاة يرى فيهم أقوياء القوة العسكرية أو القوة المادية، أصحاب ثروة وأموال فيحاول أن يلتحق بصفهم ليكون قويا معهم بقوتهم أو ليحصل على المال وسعة الحال من خلال ما يحصل عليه منهم يوم القيامة يتندم أولئك الضعفاء ويرون أنهم خسروا مرتين خسروا في الدنيا وخسروا في الآخرة (فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا)كنا لكم في الدنيا تبعاً وبتبعيتنا لكم ومناصرتنا لكم وتأييدنا لكم في القتال أو بالمقال أو بالتضحية بالمال وصلتم آنذاك إلى ما وصلتم إليه من قوة وقدرة وسلطه وغير ذلك وتأثير فهل ستقدرون لنا ذلك الجميل هنا؟ تغنون عنا من عذاب الله من شيء تخففون عنا من عذاب الله ولو القليل (قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ) حالة رهيبة جداً لا يغنون عنهم شيئاً ولا يدفعون عنهم شيئاً ولا يتحملون عنهم شيئاً ولا يقدرون لهم ذلك الجميل ويتبرأون منهم وتتحول الحالة إلى حالة من العداء والخصام والكراهية والألم والحسرات الشديدة، وهكذا حسرات كثيرة تحيط بأولئك كلهم وقد يكون والله أعلم من أعظم الحسرات يوم القيامة ومن أشد حالات الندم يوم القيامة هي حالة من؟ حالة المنافقين والمحسوبين على المسلمين.
المحسوبين من صف المؤمنين الذين كانت أتيحت لهم في هذه الدنيا فرصة أكثر من غيرهم للنجاة والفلاح والفوز عاشوا في جو الإسلام بما يتيح لهم فرصة الاهتداء والاستقامة ولكن خسروا خسروا، لأنهم اتجهوا في هذه الدنيا اتجاهات أخرى.
يقدم القرآن الكريم مشهداً؛ مشهداً مهماً جداً لخسارتهم وحسرتهم وندمهم والحالة التي يكونون عليها في يوم القيامة في ساحة المحشر الملائكة سيتجهون لإخراجهم إخراجهم من صف المسلمين وطردهم ومنعم من اللحاق بالمؤمنين وهم في تلك الحالة يحاولون بكل جهد أن يلحقوا بالمؤمنين وان يعودوا ليكونوا في صفهم وقد ميزوا منهم وأخرجوا عنهم وطردوا من بينهم، في تلك الحالة وقد منعوا ينادون ينادون أولئك المؤمنين ينادونهم ألم نكن معكم قد يكون البعض من أسرة واحدة وقد يكون البعض من قرية واحده وقد يكون البعض من حارة واحدة ولربما كانوا يلتقون في المسجد الواحد ولربما كانوا يلتقون في اليوم الواحد لمرات متعددة ويجلسون في بعض الحالات في المجلس الواحد وهم في تلك الحالة قد طردوا عنهم وفصلوا عنهم لإلحاقهم بمن؟ بالآخرين بالكافرين ينادونهم ألم نكن معكم؟ نداء بحسرة وبألم وبشدة وبكربه وبهم وبغم ألم نكن معكم؟ ألم نكن معكم في الدنيا مسلمين؟ نصلي ونصوم معكم في شهر رمضان وكنا في القرية تلك أو في تلك الحارة نلتقي ونجتمع محسوبين على أننا أمة واحدة؟ (قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) حالة رهيبة جداً كنا في الدنيا أمة واحدة أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل وسلم عليه وعلى أله في بيئة واحدة، مجتمع واحد، مجتمع واحد، ولكن كنتم في الدنيا تعانون من هذه المشاكل، ارتياب لا ثقة عندكم بالله وبنصره وبتأييده فلم تقفوا موقف الحق بجدية ومصداقية، اغترار بهذه الحياة، فكنتم تؤثرون مصالحكم الشخصية على حساب المواقف الحق والمواقف الصحيحة، ومع هذا الاغترار بالشيطان الذي كان يورطكم في إرضاء شهواتكم ورغباتكم على حساب الاستقامة الصادقة على منهج الله سبحانه وتعالى، فارتيابكم وتربصكم وأنتم تنتظرون ماذا ستكون نتائج الأحداث أبعدكم عن المواقف الحق التي هي جزء أساسي من الالتزام الديني والإيماني فانحرفتم في ولائكم وفي موقفكم، وتخليتم عن هذه الأمة وهي تعيش محنتها، مشاكلها وهمومها وصراعها، فاليوم ستلحقون بأولئك ولا تقبل منكم فدية مالية، ولا يمنكم أن تقدموا أي شيء، أنتم في الدنيا آثرتم مصالحكم الشخصية على حساب المواقف الحق، فلم تفدكم تلك المصالح في تلك الظروف.
حسرة شديدة لأولئك ويطردون وتكتمل عملية الفرز، في المقابل الذين كانوا في اتجاه الحق وعلى طاعة الله حالة مختلفة، لا يعيشون هذا الشتات وهذه العداوات على مستوى الأسرة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الأسرة التي اجتمعت كلمتها في الدنيا على طاعة الله وفي موقف الحق يلتئم شملها مجددا في الآخرة مع شعور بالفوز والراحة والسعادة، الذين كانت خلتهم في الدنيا وصداقتهم في الدنيا وأخوتهم في الدنيا وعلاقتهم في الدنيا قائمة على أساس التقوى يلتئم شملهم مجددا يوم القيامة، ولهذا عندما قال الله سبحانه: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)، فالمتقون من تكون علاقتهم في الآخرة بأعظم من علاقتهم في الدنيا، وإخاؤهم وودهم ومحبتهم فيما بينهم وصفاء نفوسهم على بعضهم البعض في الجنة وبدءا حتى من مشهد القيامة بأكثر مما كان في الدنيا بكثير على سرر إخوانا، فهم في حالة من الإخاء والمحبة والألفة والانسجام والتفاهم بأكثر مما كانوا عليه في الدنيا، الأتباع مع المتبوعين، المؤمنين الذين كانوا في هذه الدنيا اتبعوا أنبياء الله وأولياء الله والصديقين والصالحين من عباد الله يجتمعون بهم وهم في اغتباط وارتياح وسرور وابتهاج وقد اجتمع الشمل من جديد وتحرك الجميع في موقف من السعادة في جمع يسوده الألفة والارتياح والشعور بالفوز، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، تبقى تلك الرفقة وتتعزز ويجتمع الشمل الكبير، شمل الأنبياء جميعا والأولياء جميعا والصالحين جميعا ويجتمع الكل في جو عظيم، تكتمل عملية الفرز حتى كما قلنا فيما ذكره القرآن الكريم من داخل صف المسلمين يخرج الله بإرسالهم الملائكة لهذه المهمة، الفاسقين والمنافقين والمجرمين والفجار والعصاة، فيتم إخراجهم من صف المسلمين، تكتمل عملية الفرز إلى طيب وخبيث، يبقى الطيبون الذين كانوا مستقيمين وطابت أنفسهم وأخلاقهم وأعمالهم وسلوكياتهم واستقاموا على نهج الله وأنابوا إلى الله وإخراج الخبيث كل خبيث، الذين خبثوا في هذه الدنيا خبثت نفسياتهم بأعمالهم السيئة بانحرافاتهم بمواقفهم الباطلة، وكما قال الله سبحانه جل شأنه: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، يمتاز الخبيث ويجتمع بكله وينحاز إلى مساحة معينة إلى جهة معينة في ساحة المحشر والطيب يمتاز لحاله، تكتمل عملية الحساب والفصل بين العباد والمحاكمة فيما بينهم وتثبت الملفات التي أعدت لكل إنسان في صحيفة عمله وتكتمل العملية في الحساب ويكتمل الدوام، اكتمل الدوام والعمل، بقيت مرحلة الانتقال من ساحة الحساب حيث تقرب جهنم وتقرب الجنة، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، للمتقين، لنلحظ أهمية التقوى، غير بعيد، حتى لا يحتاجون إلى سفر، بعيد وتأخر كبير حتى يصلون إليها، لا.
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ) نتحدث عن انتقال أهل جهنم إلى جهنم على ضوء ما ورد في القرآن الكريم، تبدأ عملية النقل الإجباري من ساحة الحساب وآخر محطة في ساحة الحساب هي لخطاب يلقيه الشيطان لأتباعه، كل أتباعه، أتباعه كثر، العصاة الذين لم ينيبوا ولم يتوبوا ولم يرجعوا إلى الله، من كافرين ومنافقين وفاسقين ومجرمين بكل مسمياتهم المتنوعة والمتعددة، (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) اكتملت عملية الحساب لم يبق إلا الانتقال إلى جهنم (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ)، الله وعدكم في الدنيا وعدا حقا لا يخلفه أبدا، لو استجبتم له لفزتم ودخلتم الجنة (وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ)، وعدتكم وعودا كثيرة في الدنيا وأعطيتكم الأماني لمستقبل الآخرة ولكن لا يتم شيء من تلك الوعود وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ) أنا لم أجبركم لتستجيبوا لي، فقط دعوة، دعاكم الله ووعدكم، دعاكم الشيطان ووعدكم، الكثير الكثير استجابوا لدعوة الشيطان وتحركوا في الاتجاهات التي دعا إليها (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ)، يتبرأ منهم يحملهم المسؤولية، يوجه إليهم اللوم، يقول لهم فلا تلوموني ولوموا أنفسكم لأنكم أنتم من اندفعتم وبادرتم واستجبتم وتحركتم، وفعلتم كل ما فعلتم، أنتم الذين انطلقتم في ذلك، كم هي حسرتهم، وينادي الله سبحانه وتعالى تلك الأعداد الهائلة من البشر، المليارات، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)، كم ستكون الحسرات النفسية والعذاب النفسي، تبدأ عملية النقل الإجباري إلى جهنم لأنه لا رغبة لديهم في الذهاب إلى جهنم، تجلت عدالة الله سبحانه وتعالى، ثبتت الملفات، تجلى سوء الأعمال نتائجها الفظيعة جدا، آثارها السيئة للغاية، وتبدأ عملية النقل، يساقون سوقا إلى جنهم، يتم نقلهم الله أعلم كيف هي الطريقة كيف هي عملية النقل بالتحديد، ولكن هناك طريقة سينقلهم الله بها، جهة ستتولى عملية النقل، والملائكة الذين سيتحركون لنقلهم غصبا عنهم على حسب تعبيرنا المحلي.
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) نقلا بالقوة البعض يؤخذون بنواصيهم الناصية مقدمة شعر الرأس والبعض بأقدامهم سحبا (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا) يساقون سوقا ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون في عملية من التنظيم والدفع والسوق لهم حتى يصلون إلى مشارف جهنم تلك اللحظة التي يصلون فيها إلى مشارف جهنم وجهنم كما قال الله عنها (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا) حالة رهيبة من الخوف الشديد لو بقي موت لمات لماتوا من الخوف الشديد والحسرات والآلام والتغيظ والندم الشديد جدا لأن الإنسان يدرك أنهُ الذي أوصل نفسه بنفسه وبتفريطه وبعصيانه وأنها قد أُتيحت لهُ الفرصة اللازمة ليفوز لن يستغل تلك الفرصة وفرط هو وورط نفسهُ هو يندم ندما شديدا جدا.
عند الوصول إلى مشارف جهنم يحاولون أن ينكروا يحاولون أن يتهربوا من أعمالهم التي قد ثبتت عليهم حتى في ساحة المحشر عندها يأتي الشهود حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، تأتي أيضا هذه العملية من الأشهاد عليهم حتى من حواسهم وحتى بجوارحهم وأعضائهم تشهد عليهم حتى جلودهم (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ) وتنتهي كل الأعذار وكل الحجج لا يبقى للإنسان ما يقولهُ أبدا عند الوصول إلى بوابات جهنم وهي كما قال الله عنها (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) وهي دركات وكل جزء منهم سيتجه إلى جانب منها أو درك من دركاتها والعياذ بالله.
عند الوصول تتعجب منهم خزنة جهنم وملائكة جهنم الذين يديرون عملية التعذيب في جهنم وعندما تفتح أبوابها يقول لهم الخزنة (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ) قد أتت الرسل قد تليت الآيات قد بلغ ووصل النذير من هذا اليوم لكن الغفلة، اللا مبالاة، التجاهل (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) حالة رهيبة جدا وحالة خطيرة جدا الإنسان عندما يصل عندما تبدأ الترتيبات للعذاب والإلقاء بهِ في نار جهنم وأتى الأمر الإلهي (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) لأن جهنم هي سجن سجن الله الأكبر والسجن الأبدي الرهيب والفظيع جدا، الغل لليدين إلى الرقبة (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) يقيد الإنسان بالسلاسل والقيود الرهيبة جدا المخصصة لجهنم، ويدخل إلى عالم كل ما فيه عذاب، كل تفاصيل العذاب فيه عذاب، عذاب رهيب جدا حتى الملابس من العذاب عندما يدخل الإنسان إلى جهنم ما هي ملابسه في السجون تخصص أحيانا ملابس للسجناء، قُطعت لهم ثياب من نار، ثوب من النار مفصل تفصيل على الإنسان ويلبسه، أمر شنيع ورهيب ومؤلم جدا ويحترق الإنسان بهِ باستمرار، فوق الثوب مثلا في الدنيا مع الناس أكوات جواكت ملابس معينة ماذا سيضاف إلى ذلك؟ (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ) يفرز الجسم قطران مع الاحتراق حتى يتغطى طبقة من فوق ذلك من فوق الثوب الذي هو من النار يحترق الإنسان طبقة من القطران الشنيع الرائحة والقبيح المنظر، قبيح المنظر جدا ليست ثيابا جميلة مثلما يحلو للناس في الدنيا.
العطش الشديد جدا في جهنم في تلك البيئة الحارة التي كل ما فيها حار، حتى الأوكسجين بدل ما يقابل الأوكسجين في الدنيا الذي يحتاجون إليه هناك في الآخرة هو السموم (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) سموم حار جدا، يستنشقونه يدخل إلى داخلهم وهو كله حار للغاية، بيئة حارة كل ما فيها نار، يعطشون جدا عند العطش الشديد ماذا يقدم لهم (وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ) يُقدّم له الصديد الذي هو قبيح وقذر، رائحته قذرة منظره بشع وقذر، طعمه كذلك طعم شنيع لا يستساغ أبدا، حرارته عالية جدا، ( يَتَجَرَّعُهُ ) لا يشرب منه بهناء عندما يتجرعه جرعه جرعة من شدة العطش، لأنه يسلط عليهم العطش كعذاب شديد من أنواع العذاب في جهنم، (وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ) ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) يعني من شدة العطش ويطالبون بشدة يبقى الإنسان فترة طويلة وهو في حالة عطش شديد جدا يتعذب به ثم يستغيث ويستغيث ويصرخ ويطالب أن يقدم له ما يشربه ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) ليس نقيا ليس صافيا ولا مبردا (يَشْوِي الْوُجُوهَ ) إذا قُدِّم إليه ليشرب ما إن يقترب منه ليشرب منه حتى يشتوي الوجه من حرارته حرارته تلك التي تتبخر إلى الوجه، بئس الشراب ما أسوأه من شراب هو في شكله كالمهل كحثالة الزيت وفي نفس الوقت بحرارة شديدة يشتوي منه الوجه أما حينما يشربه فما هي الحال ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) الطعام ما هو؟ في الدنيا كان البعض يبيع دينه وموقفه ويعصي الله سبحانه وتعالى ليحصل على الوجبات الدسمة، ماهي تلك الوجبات؟ ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) الزقوم التي هي بشعة المنظر ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) وهي في مذاقها ذات مرارة رهيبة وشنيعة جدا وهي حارة للغاية لدرجة أنها تغلي في بطن الإنسان كالحميم الذي يغلى على النار، هي الطعام الذي لا يُشبع، ثم غير الطعام والشراب الاغتسال والاستحمام، البعض من المترفين الذين اتجهوا في هذه الدنيا في مواقف الباطل يذهب ليستحم ويتنظف ويخرج ثم يلبس الملابس الجميلة فماذا ستكون الحالة هناك؟ (خُذُوهُ) يقال لملائكة الله من خزنة جهنم (فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ) يؤخذ بعنف وبقوة إلى منطقة في جهنم (ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِۦ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ) هذه الترويشة داخل جهنم، أيضا يقول الله: (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) أما المساكن فماهي؟ قصور فيلات غرف فخمة وجميلة؟! ( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) حتى المساكن مساكن من النار ومن جمرها والعياذ بالله، حالة رهيبة جدا وجو كله حار، النيران في كل مكان مستعرة، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) يشاهدون ظلا في أماكن من جهنم فيفرحون به فإذا به ليس إلا من دخان جهنم ( لَا بَارِد ) إنما هو دخان من دخان جهنم (لَا بَارِد وَلَا كَرِيم ) حالة رهيبة جدا يبقى الإنسان فيها متعذبا وهم فيما بينهم في حالة خصام من أول لحظة يدخلون إلى جهنم ( كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ) حالة رهيبة جدا وحالة من الخصام والعذاب والألم والصراخ ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ) في حالة من الصراخ الدائم والتوجع الشديد والصياح بآلامهم (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) لأن المشكلة هي في العمل، (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) ما هناك استجابة يدعون الله يستغيثون يبكون، يتضرعون، يصرخون، ويصطرخون، عندما يأتيهم هذا الجواب (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) يتوسلون بالملائكة في جهنم ( ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) يطلبون تخفيفا إن لم يمكن الخروج فالتخفيف ولو ليوم واحد، لا استجابة أبدا، يطلبون الهلاك والموت (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) يحاولون أن يهربوا وأن يخرجوا ( وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا ) بتلك المقامع والضرب الشديد حتى يعودوا إلى أماكنهم (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).
إن الله جل شانه قدم كل هذه التفاصيل وأكثر منها بكثير في القرآن الكريم لكي نأخذ العبرة هنا ووجه نداءه لنا نحن الذين آمنوا، الله يقول لنا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) لكي نحذر هنا لكي نتقي الله هنا لكي نعمل الأعمال الصالحة هنا، هو جل شانه الذي قدّم لنا النذير في هذه الدنيا ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) فدعانا إلى مغفرته وجنته وحذرنا من عذابه وسخطه والعمل هو الذي يحدد مصير الإنسان، إما العمل الذي تكسب به مغفرة الله ورضوانه وإما العمل الذي يوصلك إلى جهنم، العمل والمواقف، فلنتق الله ولنحذر ولنجد ولننتبه، ولنغتنم الفرصة ولنتب إلى الله ولننب إلى الله، يحرص الإنسان عند كل زلة عند كل معصية أن يعود إلى الله أن يتوب إلى الله ويسعى بكل ما أمكن مع الدعاء مع التضرع مع الاستعانة بالله مع طلب التوفيق إلى الابتعاد عن المعاصي وعن المواقف الباطلة وليحذر من التقصير في المسؤوليات والأعمال العظيمة التي فيها الفوز والنجاة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا وأن يرحم شهدائنا الأبرار وأن يشفي جرحانا وأن يفرج عن أسرانا وأن يثبت المجاهدين ويؤيدهم وينصرهم إنه سميع الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته