دين الله نظام شامل للحياة حتى لو لم يكن ورائه لا جنة ولا نار.
يوميات من هدي القران الكريم.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
الاسلام وثقافة الاتباع صـ1.
الله سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) هذه الآية المهمة تعتبر دليلاً قوياً وشاهداً عظيماً على أن الله سبحانه وتعالى باعتباره إلهنا، وملكنا، وسيدنا، ومولانا، عمل على أن يكمل لنا هذا الدين. دين كامل لا نقص فيه، واسع بسعة شؤون الحياة، واسع بقدر ما يتاح للإنسان، أو ما يقدر للإنسان أن يحصل عليه من كمال، في زكاء نفسه، وسمو روحه، بل هو فعلاً، هذا الإسلام هو أوسع، وأشمل مما يمكن أن يتصور الإنسان سواء في واقع الحياة أو بالنسبة لنفسه.
{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} في الوقت الذي يسميه دينه هو يسميه أيضاً ديننا، هو ديننا، أضافه إلينا، ندين له سبحانه وتعالى به، نتعبد له سبحانه وتعالى به، نتعامل مع بعضنا بعض على أساس أحكامه، وتوجيهاته، ومبادئه، نعمر الحياة كلها على أساس توجيهاته، ومبادئه، ومنهجه وقيمه بشكل عام. هو دين كامل، هو دين لنا، نحن في أمس الحاجة إليه.
الله سبحانه وتعالى عندما شرع لنا هذا الدين؛ لأننا في أمس الحاجة إليه، إلى هذا الدين، حتى لو لم يكن وراءه جنة لكنا كما هو معلوم عن البشر أنهم يحتاجون إلى نُظُم، يحتاجون إلى قوانين، يحتاجون إلى دساتير، يحتاجون إلى شيء ينظم حياتهم كأمة، لكنا محتاجين إليه حاجة ماسة حتى ولو لم يكن هناك وراءه جنة.
أما وقد جعله سبحانه وتعالى أفضل نظام للحياة، أفضل نظام يسود المجتمع البشري، أفضل نظام يرعى حقوق الإنسان وكرامته، ومع ذلك تفضلاً منه سبحانه وتعالى يجعل من وراء تطبيقه، والالتزام به، والعمل به، الثواب العظيم، الجزاء العظيم، الجنة، والقرب منه سبحانه وتعالى. هذه هي النعمة العظيمة.
نحن نجد في الدنيا عندما تعمل الحكومات قوانين، تعمل دساتير، أليسوا يفتخرون أننا أنجزنا انجازات مهمة، وعملنا قوانين هي تساعد على الاستثمار الخارجي في داخل بلادنا، وعلى كذا وكذا. ولو نأتي إلى هذه القوانين، وهذه الدساتير نجدها تقف عند هذا الحد. هل وراء الدستور جنة؟ أو وراء القوانين الجنة، والقرب من الله سبحانه وتعالى، والزلفى لديه؟ لا، قانون مرتبط بالدنيا فقط، ينتهي عند تطبيقه.
ومع ذلك تجد تلك الدساتير ناقصة، تبدو تلك القوانين ناقصة، يظهر فيها جهل الإنسان، وقصوره. لا يمكن لأي طرف أن يشرِّع للإنسان نظاماً للحياة إلا من يعلم السر في السموات والأرض، من هو محيط علمه بكل شيء، وهو الله سبحانه وتعالى.
أما الإنسان مهما كان خالص النية، حسن النية، مخلص للناس، فإنه قاصر، هو ناقص، علمه محدود، إدراكه محدود، فهمه محدود؛ ولهذا نجد كم يعدِّلوا في القوانين، والدساتير! وكم يحولوا، ويبدلوا داخلها، بين حين وآخر نصوص بدل عن نصوص، فقرات بدل فقرات، وأحياناً قانون بأكمله يغير نسبة كبيرة منه!.
الله سبحانه وتعالى عندما جعل هذا الدين كاملاًً، هو وحده، وحده الذي يستطيع أن يضع ديناً كاملاًً، يوفق بين ضبط التعامل، تعامل الإنسان مع الإنسان، وتعامله مع الحياة بصورة عامة، وفي نفس الوقت بناء روحه، زكاء نفسه، طهرها، سموها، تكاملها.
عندما أقرأ دستور من الدساتير، عندما أقرأ قانوناً من القوانين لا أجد فيه ما يجعل نفسي زاكية، ما يجعل نفسي طاهرة، ما يجعلني أحس أنني أتدرج في مدارج الكمال. لا يمكن أن يحصل هذا. دين الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي هو على هذا النحو: يبني الإنسان من داخله، ويبني الحياة، يبني الأمة، تقوم عمارة الدنيا على أساسه، وتقوم عمارة النفوس على أساسه.
لا أحد من المخلوقات كلها، لا ملائكة الله، ولا أنبياء الله، ولا أحد من أوليائه، ولا أحد من العباقرة من خلقه يستطيع أن يشرع على هذا النحو؛ ولهذا رد الله سبحانه وتعالى على من حاولوا أن يلصقوا بالقرآن الكريم تهمة أنه افتراه فقال: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ).