البرنامج اليومي (الأثار السيئة التي يتركها الإيمان الناقص هي الجهل وضعف البصيرة عدم الوعي).
الأثار السيئة التي يتركها الإيمان الناقص هي الجهل وضعف البصيرة عدم الوعي.
برنامج رجال الله.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
في ضلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الأول صـ 4 ـ 7.
إذا كنا لا نزال نحتاج إلى من يوجهنا, من يدفعنا إلى أن تكون نفوسنا فيها ذرة من روح الجهاد الذي هو من أعظم ما تناوله القرآن الكريم من أعمال المؤمنين فنحتاج إلى من يدفعنا ويشجعنا ويوعينا ويفهمنا، ونحتاج إلى بعضنا البعض. أليس هذا يدل على أننا ما نزال هابطين كثيراً؟. أين نحن من درجة أن تكون هذه مسألة مفروغ منها عندنا؟ فنحن الذين ننطلق إلى الآخرين، ننطلق إليهم لنجعلهم هم من يحملون الروحية التي نحملها؟ ألسنا لا نزال بعيدين عن هذه؟.
ما أكثر المتوجسين فينا ممن لم يصل إلى درجة أن يقطع على نفسه إلزاماً بأن يثقف نفسه بثقافة القرآن بما فيها أن يحمل روحية الجهاد التي يريد القرآن منه أن يحملها! ما أستطيع – أنا واحد منكم – أن نقطع بأننا وصلنا إلى هذه الحالة.
إذا كان زين العابدين يمكن فعلاً أن تصدق عليه تلك الصفات التي ذكرها الله للمؤمنين بما فيها الجهاد في سبيل الله, وإن كان الواقع الذي عاش فيه واقعا مظلما, أمة هُزِمت وقُهِرت، وأُذلِّت تحت أقدام يزيد, وأشباه يزيد، لكنه هو من عمل الكثير الكثير وهو يوجه، وهو يعلِّم, وهو يربي، أليس الإمام زيد هو ابنه؟ من أين تخرج الإمام زيد؟ إلا من مدرسة أبيه زين العابدين.
إن الحالة التي كان فيها حالة فعلاً شديدة، بالغة الشدة النفوس مقهورة ومهزومة والأفواه مكممة، لكن زين العابدين من أولئك الذين يفهمون بأن المجالات دائماً لا تغلق أمام دين الله فانطلق هو ليعلم ويربي، ويصنع الرجال؛ لأنه يعلم أنه إن كان زمانه غير مهيأ لعمل ما فإن الزمان يتغير فسيصنع رجالاً للمستقبل. وصنع فعلاً وخرج الإمام زيد (عليه السلام) شاهراً سيفه في سبيل الله, وترك أمة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن.
هو عبرة للعلماء، قدوة للمعلمين الذين يرون بأن الأوضاع قد أطبقت، والناس لم يعودوا بالشكل الذي يمكن أن يؤثر فيهم كلام، أو يحركهم كلام، لينطلقوا في نصر الحق, ومقاومة الباطل وإزهاقه, فليسلكوا طريقة زين العابدين, الإمام علي بن الحسين, اجمع ولو خمسة من الطلاب تختارهم ثم علمهم، قدم لهم الدين كاملا، ابعث في نفوسهم الأمل، علمهم الأمل الذي يبعثه القرآن الكريم، لا تسمح بأن يكونوا عبارة عن نسخ للواقع الذي أنت فيه، لا تسمح أن تمتد هزيمتك النفسية إليهم، إلى أنفسهم، حاول دائما أن تعلمهم كيف يكونون رجالا, كيف يكونون جنداً لله, كيف يكونون من أنصار الله, كيف يعملون في سبيل الله لإعلاء كلمته ورفع رايته.
الكثير ممن يعلّمون لا ينطلقون هذا المنطلق, إما لأنه قد يرى أن بعض تلاميذه ليسوا ممن يثق بأن يكلمهم بكل شيء، إذاً فاختر لك تلاميذ خاصين، تلاميذ تختارهم ممن نفسياتهم قوية, ممن هم مؤهلون لحمل العلم، ممن هم مؤهلون لأن ينطلقوا للعمل في سبيل الله، فعلّمهم، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة أشخاص، وإن لم يكن إلا شخصا واحداً.
لا يجوز أن نمشي في حياتنا هكذا جيلا بعد جيل، ومساجدنا تكتظ بحلقات العلم، وكثير من منازل علمائنا أيضا تقام فيها حلقات العلم لكنها في معظمها حلقات باردة, لا تصنع أكثر من امتداد للواقع المظلم، وامتداد للهزيمة النفسية، نتوارثها جيلا بعد جيل، يتلقاها التلميذ من أستاذه، وعندما يصبح هذا التلميذ أستاذاً أيضا يحملها للآخرين ويلقنها للآخرين، ندرس فنوناً معينة, لا نتحدث بجدية عن مختلف المواضيع المهمة، حتى أصبح الواقع هو نسيان, هو نسيان ما يجب أن يتحرك الناس فيه.
وكلنا نعرف ذلك الظرف القاهر الذي كان يعيشه زين العابدين (صلوات الله عليه)، لكن ننظر ماذا عمل زين العابدين، بنى زيداً, وبنى الكثير من الرجال، الذين انطلقوا فيما بعد حركة زيدية جهادية جيلا بعد جيل على امتداد مئات السنين.
هو نفسه كان يقول: ((اللهم بلغ بإيماني أكمل الإيمان)) وقد يكون في واقعه ليس ممن رضي لنفسه تلك الحالة التي كان عليها، لكن ذلك هو أقصى ما يمكن أن يعمله، لا يستطيع أن يخرج هو فيعلن الدعوة إلى إعلاء كلمة الله ونصر دين الله، ليس لضعفه هو, أو لعدم كماله, وإنما رأى الناس من حوله كلهم مهزومين، كلهم مقهورين, فمن الذي يستطيع أن يحركهم؟.
وهذه أحيانا تحصل، تحدث وضعيات كهذه، لكنها وضعيات هي نتيجة تقصير من قبل الناس أنفسهم يوم تخاذلوا مع علي (عليه السلام) كانت نتيجة تخاذلهم قوة للباطل في جانب بني أمية، جعلت مواجهتهم لذلك الباطل في أيام الإمام الحسن صعبة جداً، تخاذلوا معه أيضاً, جعلت المواجهة في أيام الإمام الحسين أكثر صعوبة أيضا، وصل الحال إلى أن يصبح واقع الأمة في عصر زين العابدين هو الانكسار، الهزيمة المطلقة، هي الظروف الصعبة, هي الحالات السيئة التي يصنعها تخاذل الناس.
هي حالات يخلقها – أحياناً – ضعف وعي ممن ينطلقون للعمل، وإن كانوا تحت راية علي (عليه السلام) ويحملون اسم جند الله, وأنصار الله لكن وعيهم، لكن إيمانهم القاصر, إيمانهم الناقص أدى إلى أن يرتكبوا جناية على الأمة فضيعة.
أولئك [الخوارج]، الخوارج هم مجموعة من جند الإمام علي (عليه السلام) انشقوا عنه في أيام [صفين] بعد أن رفع معاوية وأصحابه المصاحف عندما أحسوا بالهزيمة وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله, فأولئك المتعبدون على جهل، الجنود الذين هم غير واعين تأثروا بتلك الدعاية! وهكذا سيحصل في كل عصر لأي فئة وإن انطلقوا تحت اسم أنهم جنود لله, وأنصار لله، إذا ما كان إيمانهم ناقصاً, سيجنون على العمل الذي انطلقوا فيه, سيجنون على الأمة التي يتحركون في أوساطها, سيجنون على الأجيال من بعدهم، وهم من انطلقوا باسم أنهم يريدون أن ينصروا الله, وأن يكونوا من جنده لكن إيمانهم ناقص، ووعيهم ناقص.
إذا كان ولابد كما هو الحال بالنسبة لواقعنا والأمة في مواجهة صريحة مع اليهود والنصارى، مع أمريكا وإسرائيل ونحن في زمنٍ التضليل فيه بلغ ذروته في أساليبه الماكرة، في وسائله الخبيثة، في خداعه الشديد، فإن المواجهة تتطلب جنداً يكونون على مستوى عال من الوعي. زين العابدين (عليه السلام) صاغ صحيفته بشكل دروس، في الوقت الذي هي دعاء، دروس وتوجيهات، دروس وتوجيهات وحقائق، صاغها بشكل دعاء.
هو من عرف ماذا صنع ذلك الإيمان الناقص، أولئك الجند الذين ينقصهم الكثير من الوعي, أيام جده علي بن أبي طالب، أيام الحسين بن علي, أيام الحسن, وأيام الحسين, كان أمامه تاريخ رأى فيه ما تركه الإيمان الناقص من أثر سيء، الجهل قلة البصيرة، ضعف البصيرة، عدم الوعي.
أتظنون أن انتصار الدولة الأموية, وتمكنها لتقهر الآخرين، ثم تمكنها لأن تصنع أمة أخرى غير الأمة التي أراد محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يبنيها من ذلك الزمان إلى الآن؟. أنه فقط قوتهم، بل تخاذل من هم يحملون اسم جند الحق، قلة إيمانهم، ضعف إيمانهم، ضعف وعيهم. لماذا انتهت معركة صفين دون هزيمة لمعاوية, وقد كانت مؤشرات الهزيمة بدأت؟ عندما تخاذل أولئك الجنود من صف الإمام علي وتحت رايته.
لماذا وقد تحرك الإمام الحسن ليواصل المسيرة, مسيرة والده الإمام علي فآل الحال إلى أن يقف مقهوراً ويأخذ ما يمكن من الشروط لتأمين مجتمع أهل العراق، عندما تخاذل أصحابه. الإمام الحسين آلت قضيته إلى أن يقتل في كربلاء, بسبب ماذا؟. تخاذل أصحابه، التخاذل الذي يصنعه ضعف الإيمان، قلة اليقين، انعدام الوعي.
وكان الإمام علي (عليه السلام) يحذِّر, وعندما كان يحذر كان يوجه تحذيره إلى جيشه, إلى أصحابه، وليس إلى أولئك إلى جيش معاوية، يقول لأهل العراق: ((والله إني لأخشى أن يدال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)). كان جيش معاوية يجتمعون تحت رايته لكن أصحاب الإمام علي كانوا يتخاذلون ويتثاقلون، والتفرق قائم بينهم, لا يتحركون إلا بعد عناء وتعب شديد وتحريض مستمر.
ما الذي جعلهم على هذا النحو؟ هو قلة إيمانهم فلهذا كان زين العابدين (عليه السلام) يوم صاغ هذا الدعاء [دعاء مكارم الأخلاق] صدّره بهذه الفقرة المهمة ((اللهم بلغ بإيماني أكمل الإيمان)) فأنا رأيت ما عمله في الأمة، ما عمله في الإسلام ضعف الإيمان، ما عمله الإيمان الناقص من آثار سيئة، عدم وعي إلى درجة رهيبة أن يكون أولئك الناس الذي بينهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، لكنهم كانوا عندما يرون أنفسهم لا يخافون عليا يأمنون جانبه، كان يكثر شقاقهم، ونفاقهم، وكلامهم، ومخالفاتهم، وتحليلاتهم وتمردهم، وأذيتهم.
هكذا يعمل الناس الذين وعيهم قليل, من لا يعرفون الرجال، من لا يقدرون القادة المهمين، لأني أنا آمن جانب علي لا أخاف أن يقتلني على التهمة أو الظِنة كما كان يعمل معاوية، لا أخاف أن يدبر لي اغتيالا، لا أخاف أن يصنع لي مشاكل، لا أخاف أن يوجد لي خصوماً يصنعهم من هنا أو من هنا فكانوا يأمنون جانبه.
وفعلا من الذي سيخاف من الإمام علي أن يمكر به، أو يخدعه، أو يضره، أو يؤلب عليه خصوما من هنا وهناك، كما يعمل الكثير من [المشايخ]؟ أليس الكثير من المشايخ يعملون هكذا؟ إذا لم تسر في طريقه يحاول أن يمسك عليك بعض وثائقك [بعض البصائر] ويحاول أن يوجد لك غريما من هناك وغريما من هنا؛ لترجع إليه راغما، الناس الذين وعيهم قاصر، إيمانهم ضعيف هم الذين يعيشون حالة كهذه، كلام كثير وتحدي وتحليلات وتثاقل وتثبيط، وهم في ظل شخص عظيم كعلي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ لأنهم يأمنونه.
انظر إلى شخص ذلك القائد العظيم، سترى نفسك آمنا في ظله، إذاً هو الشخص الذي يجب أن أكون وفياً معه، إن حالة الشعور نحوه بأنني آمن جانبه يعني أنه رجل عدل, رجل إيمان، رجل حكمة، فهذا هو الذي يجب أن أفي معه أن أقف بجانبه وأن أضحي تحت رايته بنفسي ومالي، هي الحالة التي لا يحصل عليها أتباع الطواغيت حتى أبناؤهم، حتى أسرهم، حتى أقرب المقربين إليهم لا يحصلون على هذه الحالة؛ لأنه يعرف ربما ابنه يخدعه،يمكر به ويأخذ السلطة، ربما قائده ذلك العظيم يخدعه ويمكر به ويأخذ السلطة, فهو يخطط له في الوقت الذي هو ينفذ مهامه، القائد يخاف، وهو يخاف، المستشار خائف منه، وهو خائف من مستشاره, هكذا، ومن يعرف الدول هكذا يكون حالهم.
الدول الطاغوتية هكذا يكون حال الناس فيها، وهكذا يخاف الناس حتى وهم يعملون لله. أليس هذا هو ما يحصل؟ في البلاد الإسلامية على طولها وعرضها، من هو ذلك المؤمن الذي يقول كلمة حق وهو لا يخاف, يخاف أولئك الذين هم من كان يجب أن يصدعوا بالحق، وأن يعلوا رأس هذه الأمة, وأن يرفعوا رايتها؟! لكن هكذا يصنع ضعف الإيمان. فمتى ما جاء لأهل العراق كصدام كالحجاج انقادوا وخضعوا وتجاوبوا وخرجوا بنصف كلمة، نصف كلمة يصدرها فيتجاوبون سريعاً!.
لكن الإمـام عليا (عليه السلام) كان يقول: ((قاتلكم الله يا أهل العراق لقد ملأتم صدري قيحاً)) وكان يوبخهم ((يا أشباه الرجال ولا رجال)) يوبخهم, لا يخرجون ولا يتحركون، إلا بعد الخطب البليغة, والكلمات الجزلة، والكلمات المعاتبة، والكلمات الموبخة، والكلمات المتوعدة بسخط الله، والمتوعدة بسوء العاقبة في الدنيا حتى يخرجوا، فإذا ما خرجوا خرجوا متثاقلين؛ لأنهم كانوا يأمنون جانبه.
هل هذا هو السلوك الصحيح لأمة يقودها مثل علي؟ ثم إذا ما قادها مثل الحجاج ومثل يزيد ومثل صدام تنقاد ويكفيها نصف كلمة!. ما هذا إلا ضعف الإيمان، ضعف الوعي، عدم البصيرة.
في ذلك الوقت الذي كانت تثير تلك الحالة دهشة القليل من أصحاب الإمام علي (عليه السلام), الذين كانوا يعرفون عظمة ذلك الرجل، ثم يندهشون وهم ينظرون إلى تلك المجاميع الكثيرة الشقاق والنفاق والتثبط والتراخي والكلمة المفسدة المثبطة من أطرف منافق فيهم تحطمهم وتجعلهم يتقاعدون، كان هناك مجموعة لكنها كانت قليلة.