المبادرة إلى الأعمال الصالحة من صفات المتقين
برنامج رجال الله.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
وسارعوا الى مغفرة من ربكم صـ 1 ـ 2.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}(آل عمران134-133) المسارعة معناها: المسابقة، عندما يقول: {سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} ليست المسارعة معناها نسابق، نسابق سبَق؛ أن المغفرة موجودة هناك، والجنة هناك مطروحة نسابق إليها!.
نسارع: أي: نبادر إلى الأعمال التي بها نستحق المغفرة، و بها نستحق الجنة. المبادرة إلى الأعمال الصالحة، يكون الإنسان سبَّاق، مبادر، ما يكون فيه تثاقل، وكل ما ذكر من صفات المتقين يوحي بأن هذه هي من صفات المتقين: المبادرة، المسارعة إلى الخيرات.
قضية المبادرة، قضية المسارعة هي شيء مهم في الإسلام، شيء مهم، وفي ميادين العمل للإسلام، والصراع في مواجهة أعداء الله، تجد المبادرة لها أهمية كبرى جداً؛ ولهذا جاء القرآن بعتاب شديد، وسخرية ممن يتثاقلون: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}(التوبة38) تباطؤ، زحزحة، وممكن يحصل التثاقل عند الناس في الأعمال الصالحة ولو عند واحد انه مستعد، سيقوم، سيعطي من ماله، سيسرح يجاهد، سيقوم بالعمل الفلاني، لكن ببطء، وتثاقل.
عندما يدعوهم إلى الجهاد، وكان العادة أن يعسكروا، أو يحدد مكاناً معيناً يجتمع الناس فيه لينطلقوا بعدما يجتمعوا، وقد يكون كثير من الناس عنده استعداد أنه يخرج [لكن بقي معي باقي عمل، عاد معي حاجة من عند فلان باحتاج اسرح لها، ومتى ما غد إنشاء الله با نرجع نجاهد] بطء، تثاقل، [وعاد معي باقي شغل في حديقة نخل، أو في مزرعة، أو عاد معه مسقاة يريد يكملها]!.
مع أنه قد حصل استنفار، والإستنفار معناه: الدعوة إلى الخروج بسرعة، مبادرة، {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} والقائل من هو؟ محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) رسول الله {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}(التوبة 38) {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً}(التوبة41).
أليس هذا أمر بالمبادرة، والمسارعة، هكذا؛ لأنه هذه الصفة مهمة جداً بالنسبة للمسلمين، هي الصفة التي تجعلهم هم السباقين، وهم سادة الأمم، تجعلهم هم أصحاب السبق في كل ميادين العلم، والمعرفة، في كل مجال من مجالات الصناعة، من مجالات الزراعة، وكل المجالات مثل: الطب، والهندسة، وغيرها، لكن مسألة التثاقل، التباطؤ، هي التي تؤخر الأمم، وتؤخر الناس ما يعرفوا أشياء كثيرة، فيسبقهم الآخرون.
فكان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كانت صفة المبادرة، المسارعة، من أبرز الصفات لديه، لا يوجد عنده تثاقل، ولا تردد، ولا ترجيحات، ولا [عسى ما بو خلة، عسى] كان لديه طبيعة المبادرة.
في غزوة [تبوك] استخدم هذا الجانب، جانب المبادرة، وكان جانب المبادرة هذا هو الذي جعل الرومان – وهم أكثر قوة، وأكثر عدداً – يتراجعون، ويقررون عدم المواجهة مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنه حرك الناس.
عندما بلغه بأنهم قد تجمعوا في الشام، يريدون أن يهجموا على بلاد الإسلام حرك الأمة، والقرآن حركهم أيضاً بآيات ساخنة، يخرجون حتى وإن كانوا[في وقت شدة]، حتى عندما صادف وقت شدة، وقت قلة ثمر، أو الثمر ما قد حصل. ما قال ننتظر حتى ينضج التمر، والثمار تحصل حتى يكون لدينا قدرة أننا نمول نفوسنا، ونخرج.
لا بد أن يخرجوا، وبادر هو بالزحف، وانطلق إلى تبوك، وبين تبوك وبين المدينة حوالي [750 كيلوا]! يعني: دخل هو إلى أقرب منطقة من المناطق في بلاد الشام، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومعه ثلاثين ألف، قد حشدهم من الناس جيد وفسل، هيا يخرجون.
هكذا كانت سيرة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً، رجل يتحرك بحركة القرآن، يجسد القرآن، يفهم معاني القرآن، وغايات القرآن، ومقاصده، وأساليبه، ومنهجه.
في قضية المال جربنا هذه، جربنا هذه مع المشاريع، والمساهمات، يكون كثير من الناس مستعد أن يدفع، لكن عنده سيدفع [بعد غد، أو إنشاء الله يوم الخميس سألقِّيه أو…] مجرَب، كان يضيع علينا أحيانا شهر كامل وواحد منتظر، أو شهرين حتى يتجمع المبلغ، وهم مستعدين، لكن التثاقل، التثاقل يضيِّع عليك وقت كثير، ويضيع فرص كثيرة أخرى [عسى برجع ألقاه يوم الخميس، أو برجع إنشاء الله أعطي فلان أو بقي معي أو…].
صفة المبادرة في كل شيء مهمة جداً، المبادرة إلى الأعمال الصالحة، حيث جعلها من صفات المتقين، ومن أهم ما أثنى بها على أوليائه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} (الأنبياء90) كانوا يسارعون في الخيرات، وفي آية أخرى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}(البقرة148).
بعد ما يقول في صفات المتقين، أول صفة مهمة، وصفة أيضاً ما لم تكن مطبوعة بطابع المسارعة أيضاً تفقد كثيراً من إيجابياتها، وثمارها، عندما قال: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} هي أيضاً توحي بأنهم ينطلقون في مجالات الإنفاق بمبادرة، بسرعة، لا يوجد فيهم تثاقل، [وساعة العون]؛لأن هذه القضية تفقد الأمة أشياء كثيرة.