التغيير نحو الأفضل يأتي عبر سنن إلهية ثابتة تبدأ من تغيير ما في النفوس
برنامج رجال الله.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
وسارعوا الى مغفرة من ربكم صـ 8 ـ 11.
[وجه الله سبحـانه وتعالى عباده المتقين إلى صفة] عالية أيضـاً: أن أكظم غيظي، ثـم أرد السيئة بالحسنة {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(فصلت34- 35) أليست هذه صفة أخرى لا تقم إلا على قاعدة المبادرة إلى كظم الغيظ؟ فأن تكظم غيظك صفة إيجابية مهمة، لكن أيضاً مطلوب منك كمتقي أن تنطلق الانطلاقة الأخرى، وهي: أن تدفع السيئة بالحسنة، أواجه ما يصدر منك من شيء يسيء إلي بالإحسان من جانبي بالكلمة الحسنة، بالموقف الحسن، بالعمل الحسن؛ لأن كلمة حسنة، وسيئة، تشتمل سواء كلمة، أو موقف، أو عمل، مهما كان شكله أرد عليه بكلام إحسان، بكلام لين.
وهذا الأسلوب هو مما لا يؤتاه إلا من كان ذو نصيب عظيم عند الله سبحانه وتعالى، ممن له حظ عظيم، في كمال نفسه، وزكاء روحه؛ ولهذا قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} ممن هو صابر، يستطيع أن يمسك أعصابه؛ لأن هذه الحالة هي نفسها تترك أثراً في الطرف الآخر….
تكف يديك أنت، يكف الناس أيديهم عما يؤدي إلى ظهور الفساد، وسيسبر الزمن! الفساد أحياناً لا يكون بالمعنى الذي نفهمه، بمعنى انتشار العادات السيئة، أو انتشار أشياء سيئة في المجتمع، ثم نرى أنفسنا بأننا ملتزمين، ما بين ننطلق فيها، ولا يوجد في مجتمعنا ظواهر سيئة منها.
لكن هناك أشياء كثيرة نحن نغفل عنها، يأتي الفساد بسبب غفلتنا عنها، وفي الأخير يتساءل الناس: [مدري مهلنا قد هذا زمان فسل، والناس قد تمحقوا، وكل شيء ما عاد فيه بركة، ولا عاد سبر حتى إذا مع واحد موقف حق ما عاد بيرضى يمشي، أو إنسان مطلبه حق ما عاد بيرضى يمشي له، والقلب بيمشي، يمشي الباطل يمشي القلب] والناس يتساءلون، أليس الناس يقولون؟ خاصة الكبار الشيبات الذين كان الزمن أفضل في زمنهم، أو عايشوا زمان أفضل من زماننا، يرون أنه قد تغيرت الأشياء. يقولون: [لا عاد هناك وفاء لا عاد هناك أمانة، ولا عاد هناك صدق بين الناس، والناس قد قلوبهم ملي حقد، وحسد، وقد تفرقت كلمتنا، والحق قد ضاع].
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}(طه124) والمعيشة الضنكا هي هذه: ترى كل شيء يتدهور، الزمان ينتشر الفساد فيه، ينتشر الضلال، والباطل له كلمته، والمظلوم يضيع، والظالم مستجاب، تجيبه دولة، يجيبه ناس، ومن موقفه حق ما بيرضى حتى بعضهم وقد بيدي رشوة، أحياناً ما بيرضى يمشي الحق. بعضهم يكونوا متشاجرين، وذاك يعطي رشوة، وذاك يعطي مثله، وما يرضى يمشي الحق، وقد هو بيدِّي مثل ذاك! أيضا ترى أنه ما بيمشي مثلما يمشي الباطل.
وسبب الأشياء هذه كلها الإعراض، في واقعنا نحن معرضين عن الإلتزام بهدي الله، الإلتزام بالقرآن الكريم، ولا بين نفهم الأمور على ما وجهنا الله سبحانه وتعالى إلى فهمها، منها هذه الغلطة، وهي غلطة كبيرة عند الناس، أنهم ما ينظرون لأنفسهم أن الخطأ من جانبنا نحن.
وقد يكون الخطأ أحياناً هو خطأ قلة وعي، قلة وعي بالأمور التي ليست زعم أنها أعمال سيئة بين نعملها، عدم وعي لدينا بالأمور، كيف يمكن أن تكون صحيحة، وكيف يمكن أن تكون سيئة، وكيف يمكن أن تكون عواقب الأشياء، سواء عواقب حسنة، أو عواقب سيئة.
منها هذه: أن يكون الناس منتظرين أن تسبر الأشياء تلقائياً، هذه هي غلطة عدم الوعي، أليست هذه تعود إلى وعينا؟ ولو ما هي زعم شيء نعمله، لكن الإنتظار للشيء أن يصلح من الجهة التي لا يمكن أن يصلح منها تلقائياً.. هذا بيؤدي بالناس إلى أنه ما يرجعوا يحاسبوا أنفسهم هل هناك خلل من جانبنا نحن، فإذا فهم الناس أنها سنة إلهية {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد11) أن التغيير يأتي من عندنا نحن، متى ما أصلحنا أنفسنا، متى ما فهمنا، متى ما وعينا، متى ما عرفنا الأمور كيف يمكن أن تكون صالحة، أو فاسدة، أو تؤدي إلى صلاح، أو تؤدي إلى فساد، كيف يمكن أن تكون عواقبها؟ متى أصبحنا على هذا النحو، لدينا وعي، فانطلقنا نغير من واقعنا، نغير من واقع أنفسنا، فسيستطيع الناس أن يغيروا هم.
ثم عندما ينطلقوا هم ليغيروا الله سبحانه وتعالى سيؤيدهم ولذلك قال: {لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فيحصل التغيير مشترك، من جانب الناس، بعدما يصلوا بأنفسهم إلى الدرجة التي تكون قابلة أن يغيروا نحو الأفضل، فالله سبحانه وتعالى حينئذ يتدخل في المسألة، ويغير معهم إلى الأفضل.
فهنا جاء بعبارة قاطعة، عبارة قاطعة تحكي سنة من سننه الإلهية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
إذاً فالناس بدل ما ينظروا إلى فوق لتأتي الأشياء تلقائياً، منتظرين للمجهول، أن يصلح الزمان من نفسه، ويسبر المسؤولين من أنفسهم، وتسبر الدنيا، وتعود بركاتها التي ضاعت، تسبر من نفسها. معنى هذا أنهم سيظلون جيلاً بعد جيل تائهين.
فمتى ما فهمنا – أن المسألة من جانبنا نحن – أن نعي، أن نفهم وسنعرف كيف تتغير الأشياء من الأسوأ إلى الأفضل، وإلا سيكونون قد ساروا على وفق السنة الإلهية؛ لأنه جاء بعبارة قاطعة: {لاَ يُغَيِّرُ} أليست هكذا عبارة قاطعة، ويأتينا بعبارة تُفهم بأنها سنة إلهية في كل الأمم، في كل المجتمعات {لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} قلوا أم كثروا {حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
أكثر ما يؤمن الناس خاصة من لديهم اهتمام نوعاً ما في نفوسهم، يعني: يتضايقوا من الباطل أن يروه، ويتضايقوا من ضياع الحق، يتضايقوا من الفساد أن ينتشر، يتضايقوا من أن يروا أخلاقيات المجتمع تذوب، وتتلاشى، تتفكك النفوس، وتضيع الوحدة فيما بين الناس، ويضيع الصدق، والأمانة، والوفاء، ويصبح الشاطر الذي يرى نفسه ذكياً أن يحارش بين الناس، أو يغش الناس، أو يخدع، يعتبر نفسه هو الذكي، والشاطر في المجتمع.
عندما يكون هناك من تؤلمه هذه الأشياء، من يتألم لمثل هذه الأشياء، هو يلمس أن الزمان يهبط، وأن كل سنة تأتي أسوأ من السنة التي قبلها، هذا شيء يلمسه كثير من الناس ممن يراقبون الأحداث، خاصة كبار السن، الذين عايشوا أزمنة أفضل من زماننا، يلمسون حتى أنها تتفكك القبائل فيما بينهم، وحتى القرية الواحدة، وحتى الأسرة الواحدة لم يعد فيما بينهم أخوة، ولا عاد هناك صدق، ولا وفاء، ولا التزام، ولا أمانة ولا نجدة فيما بين الناس في أي موقف من المواقف، وعلى ما قال الإمام علي (صلوات الله عليه): ((إذا فسد السلطان فسد الزمان)).
إذا جاء سلطان لا يهتم بالأمة؛ لأنه أحياناً قد يأتي السلطان فيكون همه هو أن يستقر حكمه، وهناك وسائل قريبة لاستقرار الحكم لكنها ليست لصالح الأمة هي: أن يرضي كبار الناس، زعماء القبائل، يرضي زعماء القبائل الكبار، ويتركهم يتدخلون في السلطة، ويتدخلون في القضايا، يتدخلون في شؤون المحاكم، يتدخلون في الشؤون الإدارية، فيكون هذا الشيخ من هنا، وهذا من هنا، وكل واحد يقطع من عنده، وحوالات يعطيهم، هذا مليون، وهذا أربع مائة ألف، وهذا خمس مائة ألف، وهذا مائة ألف، حوالات بشكل مستمر.
هنا تستقر وضعيته، لكن الأمة تتحطم، الأمة تدهور، وهذا ملموس في زماننا هذا، ملموس هذا في زماننا، مثلما كانوا في سياسة علي محمد الصليحي في أيامه، كان محمد الصليحي في أيامه هكذا، علي عبد الله عمل بسياسته ذلك اليوم، الكبار يتركهم يِدَّيْوَلُوا، وفلوس، ويتدخلوا في كل القضايا، كان بعض المشايخ يدخل إلى داخل المحكمة يضغط على الحاكم يحكم على طريقة معينة، أو يوقف حكم حق، قد با يمشي، يقول: ما شي، والا بايقرح راسه، يفجر بيته، والا سيارته، وهم ساكتين.
في الحالة هذه المجتمع يتضرر جداً، وفي الحالة هذه تغيب أشياء مهمة كان على الدولة أن تعملها، اهتمام بالناس أنفسهم، بالمجتمع نفسه، أن يربى تربية إسلامية، أن يربى تربية صالحة، أن تسود فيه القيم الصالحة، أن ينصف فيه للمظلوم من الظالم.
إذا كان الزمان على هذا النحو يصلح، وتصلح النفوس فعلاً، لكن إذا لم يكن على هذا النحو فتعتبر وضعية سيئة، في حالة الوضعية السيئة لا يمكن أن يغير الناس إلا من جانب أنفسهم هم، من جانب أنفسهم هم، أن يغيروا ما بأنفسهم، على أقل تقدير أن لا يتقبلوا، يقفلوا ءاذانهم أمام وسائل الإعلام التي تحاول أن تمسخ نفوس الناس، أن تمسخهم أخلاقياً، ودينياً، وتغير معتقداتهم، وتخلق لديهم ولاءات غير مشروعة، وعداوات، تصبح موالاة لأعداء الله، وعداوة لأولياء الله.
فإذا تأمل الإنسان فعلاً أكثر ما يعاني الناس من الأشياء، سواء كان سببها من عندهم تلقائياً، أو هم مشاركين في السبب، وأن وسائل أن يخرجوا من هذه الوضعية هي بأيديهم، وسائل بأيدي الناس، ويتهيأ في كل زمان أشياء عجيبة، يستطيع الناس أن يستغلوها بشكل كبير.
لاحظ إذا واحد نظر، إذا نظرنا لأنفسنا فيما بيننا أشياء كثيرة هي في متناولنا، نستطيع أن يكون تعاملنا مع بعضنا تعامل حسن. أليس هذا ممكن؟ خاصة إذا رجع الناس إلى القرآن، لو رجعوا إلى القرآن، وآمنوا بالقرآن، وخافوا من الله، من عذاب الله، من جهنم، وعملوا على أن يلتزموا بتوجيهات القرآن، وإرشاداته، فبالإمكان أن يتعاملوا فيما بينهم تعامل حسن، ما أحد سيقول لك: لماذا؟.
عندما يعفو بعضنا عن بعض، عندما نكظم غيظنا مع بعضنا بعض، عندما نلتزم بالصدق فيما بيننا، عندما نلتزم بالعدل فيما بيننا، إذا حصل من شخص خلاف مع شخص؛… يكون مستعد أي واحد منهم أن ينصف الآخر من نفسه، أو أن يحلـُّوا قضيتهم بسهوله، لا تتطور فتصبح قضية تؤدي إلى خلق عداوة، وبغضاء فيما بينهم، ثم فيما بين أسرهم، ثم على أوسع دائرة داخل مجتمعهم.
الناس يستطيعون أن يكونوا أوفياء مع بعضهم بعض، يبذلوا معروفهم لبعضهم بعض، لا أحد يجرح مشاعر الآخر بكلمة سيئة، أو يدخل في باطل فيعين طرف على طرف آخر لكونه يكره الطرف هذا الآخر، فيدخل في باطل، فيعين ظالم على ظلمه