التربية في فكر الشهيد القائد. بقلم/ حمود الأهنومي
| مقالات وكتابات | 26 رجب 1444هـ الثقافة القرآنية:
التربية في فكر الشهيد القائد.
بقلم/ حمود الأهنومي
تتصف مسيرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رحمه الله- بأنها حركة إحيائية غيّرت الواقع، وغيرت الفرد، والمجموع، وقدّمت نموذجاً مُلْهِما في التغيُّر والتغيير، واستطاعت تكوينَ مجتمَعٍ وأمةٍ موحَّدة باتجاهٍ واحد، وهذا يعودُ لعدَدٍ من العوامل، ولعلَّ أهمَّها عاملُ التربية والتعليم وسببيتُهما، وإذا كان عددُ مدرسي مدارسِ التربية والتعليم وصل إلى مئات الآلاف، وبلغ عدد أساتذة الجامعات اليمنية ما يقارب عشرة آلاف أستاذ، فأين هي مخرجات التربية والتعليم الأساسي والجامعي في مضمار حركة التغيُّر والتغيير؟ بينما استطاع شخصٌ واحدٌ مثل الشهيد القائد أن يُحْدِثَ كلَّ هذا التغييرِ في مدة زمنية قصيرة جدا؟
وهذا ما دفع إلى طرحِ عددٍ من الأسئلة؛ منها: ما مفهوم التربية عند الشهيد القائد؟ وما التربية الفضلى؟ وما مصادرُها؟ وكيف تمَّ تشخيص واقِعِها في اليمن والعالَم الإسلامي؟ وأين دور اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين فيها؟ وأين تقع التربية الوطنية منها؟ وكيف يجِبُ أن نؤسِّسَ لتربيةٍ فاعلةٍ ومؤثِّرة تصِلُ إلى الهدف وتحقِّقه؟ وأين الثقافة القرآنية من كلِّ هذا؟
ذلك هو مشكل هذا البحث الذي يحاول الإجابة عليه في هذه السلسلة من الحلقات التي سبق وأن نُشِرَت في كتيب صغير.
ومنهجي في البحث هو المنهج الوصفي، المتمثلُ في جَمْعِ عددٍ من المقولات التي وردت في بعض ملازم السيد، ووصفِها، وتصنيفِها، وتحليلِها، واستخلاصِ النتائج منها، وعرضِها على واقع الحركة. مُسْنِدا كلَّ معلومة إلى المحاضرة التي أُخِذَتْ المعلومةُ منها. مع شعوري بالحاجة إلى استخدام منهج المقارنة والتحليل لما طرحه السيد من أفكار في هذا الموضوع.
أهمية هذا البحث في أنه يطرق أهمّ المجالات والعوامل الحيوية في حياة الشعوب ونهضتها، وتطوُّرِها الحضاري، إنه التربية والتعليم، ويحاول شرْحَ مفهومِ التربية والتعليم لدى مؤسِّسِ حركة أنصارِ الله، وربما أعطى تفسيراً لهذا القبول الشعبي الواسع الذي حقّقته الحركة في أوساط المجتمع اليمني، وكيف انتقلت من مكانٍ صغير، هو عزلة مرَّان من مديرية حيدان محافظة صعدة، بدأ فيها الشهيدُ القائدُ مربياً، وانتهى فيها أيضاً شهيداً، إلى أن أصبحت تغطِّي مساحات واسعة من اليمن، وأصبحت اليوم حديثَ الإقليم والعالم، وتؤثر في مجريات التاريخ العالمي المعاصر.
كما تندُرُ المقالات والدراسات الجادَّة حول مشروع هذه الحركة، وكثيرٌ مما كُتِبَ حوله كان ينطلق من الحِقد والكره الذي لا يصل إلى الحقيقة البتة.
وتظهر أهميته أيضاً في أنه يشير إلى المستقبل الذي ستذهب إليه الحركة، فأيُّ حركةٍ لها موقفٌ إيجابيٌّ من التربية والتعليم فإنه بلا شك سينعكِس إيجابا على مستقبلِها، ويشير إلى أي نوع من أنواع المستقبل، والعكس هو الصحيح أيضا.
الجدير بالذكر أن أصل هذا البحث هو ورقة عمل شارك بها الباحث في ندوة (في رحاب الشهيد القائد) في العام الماضي 1437هـ، ثم تم مراجعته والإضافة فيه بالشكل الذي هو عليه الآن.
مفهوم التربية
من خلال الموارد التي وردت فيها التربية في محاضرات السيد حسين يمكن تعريف التربية لديه بأنها: «تنشِئةٌ نفسية وأخلاقية تساعِد الفردَ والمجتمعَ للوصول بالأمة إلى كمال الإيمان»، بحيث ينعكس وجداناً فياضاً بالشعورِ الإيماني، وبأهمية التحرُّك، وينعكس أفعالاً مبادِرة إلى التحرُّك الواسع في جميع المجالات المهمة في واقع الأمة.
وتتخذ التربية في فكره شكلا فلسفياً متجذِّراً، فالإنسان الذي هو هدفُ هذه العملية، هو محطُّ عناية الله أولاً؛ إذ هو الربُّ لجميع خلقه، والمربِّي لهم، وقد تناول الشهيدُ القائدُ هذه القضيةَ من منطَلَقِ حاجةِ الأمة التي شعَرَ بها في هذا المجال إلى الثقافة الدينية الإسلامية؛ بعد أن شخَّص افتقارَها إلى قضيةٍ أساسيةٍ في التربية وهي قضية الارتباط بالقرآن الكريم.
وضع الشهيد القائد جميع المعارف ولا سيما ما سماه (الثقافة القرآنية) في سياق الحركة الجادَّة والتحرُّك الفاعِل والمثمِر، وفي الاتجاه والدفْعِ الحثيث بالأمة إلى الكينونة المطلوبة، والقوة الكافية، على مستوى الفرد والمجتمع.
لقد أراد للأمة أن تتربّى التربية القرآنية، والتربية الفكرية والجهادية، تربية العزة والكرامة، والشجاعة والتضحية، وشدة التعلق بالله والخوف منه، والتي هي على حدِّ وصفه: «التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: (والله لابنُ أبي طالب آنَسُ بالموت من الطفل بثدي أمه)، لكنه كان وهو يتذكر اليومَ الآخِرِ، كان يتخشّب جسمُه خوفاً من الله، وخوفاً من اليوم الآخر».
الشهيد القائد تربوياً
تلقى الشهيد القائد علومه الدينية والشرعية على يد والده السيد العلامة فقيه القرآن بدر الدين الحوثي، وتخرّج السيد حسين بدر الدين الحوثي من كلية الآداب، في جامعة صنعاء، قسم علوم القرآن، ودرّس في عام 1987م في مدرسة خميس مران، كما أنه درّس في مراكز التعليم الديني وأشرف عليها وأدارها، وكانت التربية جزءا مُهِمًّا وأصيلا في مسارِ حياته وعطائه.
وفي محاضرة (الثقافة القرآنية) عرّف نفسَه بأنه من المعلمين، واعتبرها فرصة أن يكون الإنسان معلّماً أو متعلّماً، بل ونعمة عظيمة، حيث يقول: «هي نعمة عظيمة علينا جميعاً، علينا كمعلمين وعليكم كطلاب، أن يُتاح لنا جميعاً فرصة أن نُعَلِّم ونتعلَّم؛ ففي الحديث الشريف عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة)».
«ولمعرفة السيد حسين بأهمية التعليم والتثقيف في نهضة الأمة فقد دفع بالمجتمع إلى العلم والمعرفة، وتحرَّك وتابع من أجل الحصول على مدارسَ لكافة مراحل التعليم للبنين والبنات، وبنى عدداً من المدارس الدينية، وشجَّع التعليم بشكلٍ كبير، وحثَّ الآباءَ على الدفْعِ بأبنائهم ذكوراً وإناثاً إلى التعليم، وكان يتابع ما يجري في المدارس وخصوصاً في مرَّان، ويهتم ببناءِ الفردِ تربوياً وعلمياً …
وكان يحارب ظاهرة الغش المنتشرة في الكثير من المدارس في اليمن، ويعتبرها خطراً كبيراً على التعليم، فرفع من مستوى التعليم بشكلٍ كبير، وبرز على يديه طلابٌ كانوا على مستوىً عالٍ من التأهيل».
وأولى السيد حسين- رضوان الله عليه «أهمية كبيرة لتأهيل المرأة في مجتمع مران، حتى تقوم بدورها المنوط بها، حيث عمل على توعية المجتمع بتكريمها وعدم ظلمها، وإعطائها ما فرضه الله لها من المواريث والمهور وغيرها، وتعليمها وتهيئة الساحة لتقوم بدورها على أكمل وجه، ولحرصه على تعليم المرأة فقد عمل وتابع في سبيل توفير عددٍ من المدارس الحكومية للبنات في جبل مران، وتضمَّنت محاضراتُه الحديثَ الكثيرَ عن دور المرأة في بناء الحياة على أساسِ هدى الله سبحانه وتعالى».
وفي سبيل نشر التربية الصحية، اهتم بإنشاء مراكز صحية، و”بعث بمجاميع من البنين والبنات للدورات في المجال الصحي في صنعاء وصعدة”.
وعندما أطلق مشروعه النهضوي من خلال الثقافة القرآنية تحدَّث في محاضراته عن المنهج، والأساليب، والوسائل، والطرق، والتقويم، وعن مفرداتٍ كثيرة، يتداولُها عادةً علماءُ التربية، ولكنه حين تناول هذه القضية في محاضراته لم يتناولْها من منطلق أنه خبيرٌ تربوي، أو منظِّرٌ فيلسوف، بل تناولها من حيث أهمية تعزيز التربية وموادِّها ومناهجِها وأساليبِها وطرقِها بالقرآن الكريم، وأساليبِه، ومنهجيته، ووسائله، والانفعالِ الوجدانيِ به، وتحويلِ مفاهيمه وتعاليمه إلى واقعٍ وسلوكٍ ومواقف، وجعْلِ هذا ضمن توجيهاته التربوية الفاعلة والمؤثِّرة للأمة لكي تغادر مسارَ الجمود والغفلة واللامسؤولية إلى المسار الواعي والمتفاعل والمتحرك.