الدرس الخامس من البرنامج الرمضاني: الجنة تحتاج الى عمل والعمل هو بأيدينا والسنتنا واقلامنا واموالنا وجهادنا في سبيل الله
الدرس الخامس من البرنامج الرمضاني.
الجنة تحتاج الى عمل والعمل هو بأيدينا والسنتنا واقلامنا واموالنا وجهادنا في سبيل الله
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي
وانفقوا في سبيل الله صـ 1 ـ 4.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الإخوة والأبناء ورحمة الله وبركاته.
هنيئاً لكم ونبارك لكم حفلكم العظيم بمناسبة انتهاء الدورة، حفل وتكريم للمعلمين أولاً، وتكريم للطلاب، واعتراف بالعرفان لكل من أسهموا بجهودهم في تمويل هذه الدورة المباركة، لكل من أسهموا في إنشاء ذلك المركز الذي ضم هذه النخبة من المعلمين، وضم فلذات أكبادنا من هؤلاء الأبناء الصالحين إن شاء الله.
إنها نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله سبحانه وتعالى عليها، نعمة الهداية، نعمة الصلاح، نعمة الدين، نعمة الإستقامة، هذه هي النعمة الكبرى التي لأجلها عدَّ الله سبحانه وتعالى إرساله لرسوله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) نعمة امتن بها على عباده، فنحمدك اللهم على هذه النعم العظيمة ونصلي ونسلم على من أرسلته بهذا الذكر العظيم رحمة للعالمين.
نرى في هذا الحفل ثمرة لجهود من يبذلون أموالهم وليعلموا – وهو حديث نكرره دائماً في أي مركز نزوره – ليعلم أولئك الذين يسهمون بأموالهم، يسهمون بجهودهم، بالكلمة الطيبة في سبيل إنشاء مثل هذا العمل، مثل هذه المشاريع المباركة، نقول لهم: هذه ثمار جهودكم، هذه ثمار جهودكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلها منكم، وأن ينميها لكم، لتأتوا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بصحائف مملوءة بالحسنات، مملوءة بالفضيلة، مملوءة بالدرجات التي ترتقون بها في الجنة التي وُعِدَ بها المتقون، السباقون إلى الخير، السباقون إلى الفضيلة، السباقون إلى العمل الصالح.
إن القرآن الكريم – أيها الإخوة – تحدث، وكله حديث عن الناس، القرآن كله حديث عن الناس، وقسَّم الناس أقساماً متعددة، ترى بداخله يتحدث عن كافرين، ناس كافرين، ظالمين، فاسقين، منافقين، مرتابين، مرضى القلوب، وعندما تتصفح القرآن الكريم من أوله إلى آخره تجد فيه موقعاً واحداً هو الموقع الذي يحكم الله لمن هو فيه بالفلاح، بالنجاح، بالفوز، بالسعادة في الدنيا، بالنجاة يوم البعث يوم الحساب، بالفوز بالجنة، بالنجاة من النار، من هم أولئك؟ هم المؤمنون، يعبر عنهم تارة باسم مؤمنين، وتارة باسم متقين.
وهؤلاء لم يحكم عليهم بهذا الحكم مجرد محاباة، هو يتحدث لماذا كانوا مؤمنين، لماذا هم مفلحون وفائزون لماذا؟ لأنهم هكذا: يعملون الصالحات، سباقون إلى الخير، سباقون إلى كل فضيلة، سباقون إلى الأعمال الصالحة، الآخرين يقول عنهم بأنهم خاسرون {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة: من الآية16) يحكم على البشرية كلها، كلها بالخسران، لا يسلم منهم إلا من؟ إلا أولئك المؤمنون {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:3).كأنه يقول لنا يقول لكل فرد منا: هذه مواقع متعددة للإنسان في مسيرته في هذه الحياة، هناك من هو في موقع الكفر، في موقع النفاق، في موقع الفسق، في موقع الضلال، وهناك من هو في موقع الإيمان، يقول لنا ثانياً: أولئك الذين هم مؤمنون ليسوا من تلك النوعية التي يرى أنه مؤمن تلقائياً، وهذه كثيرة فينا، [هناك من الناس من يرى] أنه مؤمن تلقائياً، لكن، إنطلق إلى أعمال صالحة، لا يتحرك، وإلى مشروع خيري يحتاج إلى إسهام فيه، لا يمد يده، لدينا فقراء، نحتاج إلى التعاون معهم، لتزويجهم، لمعالجتهم، لا يمد يده، لدينا طلاب مجاميع من أبنائنا نريد أن نعلمهم، لا يمد يده، لدينا أعمال لمحاربة أعداء الله تحتاج إلى جهدك إلى مالك، لا يمد يده، وعندما تسأله: هل أنت مؤمن؟ يقول: الحمد لله مؤمن إن شاء الله أننا سندخل الجنة.
القرآن يقول لك، يقول لكل واحد، الإنسان إنما يستحق هذا الإسم، إنما يحكم له بذلك الفوز، وذلك النجاح وذلك الفلاح؛ لأنه هكذا: يسارعون في الخيرات، سباقون إلى الخيرات، يعملون الصالحات، يتواصون بالحق، يتواصون بالصبر {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (العصر:2) كل إنسان خاسر إلا من؟ إلا الذين آمنوا، من هم الذين آمنوا؟ الذي يتفق هو ونفسه بأنه مؤمن، وينكِّس رأسه، ولا يحاول أن يلتفت إلى أي عمل صالح ليسهم فيه بماله بلسانه بجهده؟ لا. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (العصر: من الآية3) عملوا، عمل {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (آل عمران: من الآية136) قال الله عن الجنة: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الجنة تحتاج إلى عمل، العمل هو بيدك، بلسانك، بقلمك، بمالك، بجهدك، وبما هو أرقى من ذلك، بكل مالك، وبروحك، بدمك {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (التوبة: من الآية111) الجنة التي نحن نُمنِّي أنفسنا بها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من أهلها، الله قال عنها: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
أريد بهذا القول أن نخرج جميعاً، لا أزكي نفسي، لنخرج جميعاً من قضية الحكم التلقائي لنفسي، أو أنت لنفسك، هو مؤمن ولا يريد أن يعمل إلا تلك الأعمال التي تتعلق بشؤون حياته التي من ورائها فلوس، شَغْل بين أمواله، بيع وشراء، وأشياء من هذه، هذا ليس عمل الجنة، هل تفهمون أن كل الأعمال الصالحة التي يتحدث عنها القرآن الكريم، ليست في الغالب، هي هذه الأعمال التي نتحرك فيها لمصالحنا الخاصة.
فهو عندما يأمر الناس بالإنفاق {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: من الآية195) هل معنى ذلك أنك تتصرف يوم السوق بخمسة آلاف بستة آلاف؟ تشتري [لحم كثير] تشتري مصاريف كثيرة لبيتك؟ لا، كل إنسان يتحدث عنه القرآن هو عادة، وغالباً ما يكون موجهاً إلى ما هو خارج عن دائرة ومحيط شخصيتك .. في سبيل الله .. مثل هذا العمل، مثل هذه المشاريع التي يتلقى فيها أبناؤنا علوم هذا الدين، الذي نحن جميعاً ملزمون به، الذي هو نعمة عظيمة من الله علينا الذي تتوقف عليه نجاتنا ونجاة أهلنا وأبنائنا يتعلمون كتاب الله الذي هو شرف لنا {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44).
الإنفاق في مثل هذه المشاريع هو واحد من مشاريع سبيل الله التي يقول الله لي ولك: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
هذا هو ما أريد أن أقوله في مقدمة الكلمة مباركة لجهود كل من عملوا، وجهود الطلاب أنفسهم الذين كانوا يستمعون باهتمام وإصغاء وإقبال، ويلتزمون ويتأدبون ويتوجهون بتوجيهات أساتذتهم. نقول للجميع: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا، وأن يبارك جهودنا جميعاً.
فإن كان لي من كلمة – أيها الإخوة – ترتبط بهذا المقام فإن أعظم الكلام هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي جعله الله هدى وشفاء وموعظة ونوراً ورحمة وبصائر، القرآن الكريم في الوقت الذي يتحدث فيه عن الأعمال الصالحة، هو لا يقول فقط كما يقول لك أي شخص عندما تأخذ لك نوعاً معيناً من بضاعة ما وتتحرك به إلى أي سوق من الأسواق فتحصل على كذا وكذا، الأعمال الصالحة من ورائها ماذا؟ من ورائها نجاة من عذاب الله، من ورائها فوز برضوان الله سبحانه وتعالى وجنته.
فما أحوجنا – أيها الإخوة – ما أحوجنا إلى مثقال ذرة من الخير، إلى مثقال ذرة من الأعمال الصالحة تحسب لنا في رصيد أعمالنا يوم نلقى الله سبحانه وتعالى؛ لأننا جميعاً صائرون إلى الله، جميعاً سنغادر هذه الدنيا، سنقدم على الله سبحانه وتعالى.
فمنذ أن يقبِل الموت على الإنسان هناك يتذكر يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: من الآية10) عندما يهجم الموت عليه أولاً وهو فوق فراشه أو في أي مكان في أي بقعة من هذه الدنيا بسرعة، بسرعة يتحسر – وهي أول حسرة – رب لو أنك تمهلني أسبوعا أسبوعين، يوم أو يومين، وأنا مستعد أن أتصدق وأكن من الصالحين، أليست هذه حسرة؟ ناهيك عن الحسرات يوم الفصل، يوم القيامة، عندما يقدم الإنسان وصحيفته خالية إلا من الأعمال السوداء، إلا من القبائح، إلا من الفضائح، إلا من الكفر بنعم الله، إلا من الصد عن سبيل الله، فيكون من يصيح عندما يؤتى كتابه بشماله، من وراء ظهره، يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} (الحاقة: من الآية25).
تحسر أول حسرة عندما شاهد الموت وعلامات الموت {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} هناك ينكشف للإنسان أنه ضيع حياته وضيع عمره، وهناك ينكشف للإنسان أنه شيء واحد فقط الذي كان لو اهتم به ووفره لنفسه لكان مرتاحاً عندما يأتيه الموت، فيرى بشارات النجاة بشارات السعادة، فيقال له لو عرض عليه أن يعود إلى أهله ويبقى لرفض، عندما يرى بشارات بما وعده الله سبحانه وتعالى به، وهو ما زال فوق فراشه، هناك يرى الإنسان عندما يتحسر أنه فقد الأعمال الصالحة، الأعمال الصالحة.
ولاحظوا هذه الآية التي هي تعبر عن الحسرة التي تواجه الإنسان عندما يرى ملائكة الموت، تحدثت عن الجانب المالي: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ليقول لنا نحن، تحدث عن ظاهرة هي فينا جميعاً [أنا مؤمن] لكن لا يمد يده، ليقول لنا هنا أيضاً: لا تتصور، لا تعتقد أنه من الممكن أن تكون مؤمناً صادق الإيمان ولا تعترف بأن المال يشكل المحك الرئيسي في قضية الإيمان، في صدق الإيمان، في صدق العبودية لله سبحانه وتعالى.
إذا أنت تقول لنفسك: أنت مؤمن، أو أقول أنا لنفسي: مؤمن، ولكني لا أبذل مالي، لا أعطي، لا أعطي في سبيل الله، لا أدعم الأعمال الصالحة، لا أدعم المشاريع الخيرة، فلست بمؤمن، لست بمؤمن، ما أكثر ما تحدث الله عن الجانب المالي في القرآن الكريم، ودليل واضح أن ذلك الميت الذي يتحسر تذكر جانب المال، ظهر له أنه يبدو أن المال كان يعتبر عنصراً مهماً في مسألة النجاة، في مسألة النجاة يوم يلقى الله.
ألم يتذكر هنا: {فَأَصَّدَّقَ} وهو من كان قبل لا يمد يده إلى جيبه، ولا يخرج ريالاً واحداً في سبيل الله، في دعم الأعمال الصالحة، في دعم المراكز الإسلامية، في العمل على إعلاء كلمة الله؟ تذكر هنا عندما يقول: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} يبدو أن المال كان مهماً، وفعلاً هو مهم.
وسورة بأكملها جاءت في الجانب المالي لوحده .. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل:1 – 3) ثلاثة أيمان، أليست ثلاثة أيمان؟ من الذي يُقْسِم هنا، من الذي يقسم؟ هو الله، لماذا يقسم، أليس هو أصدق القائلين؟ في الواقع إن قضية المال بالنسبة لنا، لو يحلف عشرة أيمان ما يهتز لواحد راس، يؤكد بثلاثة أيمان، وهو أصدق القائلين، وهو من لا يحتاج إلى أن يقسم {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أقسم بكل مخلوقاته {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (الليل:4) عملكم في هذه الدنيا مختلف متنوع، وكل عمل له غاية، وكل سائر على طريق له نهاية، إما إلى الجنة وإما إلى النار {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) أعطى ماذا؟ أليس هذا حديثاً عن المال؟ بعد أن ذكر أن أعمالنا مختلفة، وتحدث من بداية العمل إلى غايته، ابتدأ في الحديث عن المال {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أعطى ماله واتقى الله، أعطى في سبيل الله ابتغاء وجه الله {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل:6).
وما أعجب هذه الآية، عودنا القرآن الكريم أن يقدم دائماً كلمة: {اتَّقُوا اللَّهَ} أليس هذا هو منطق القرآن؟ لكن هنا قدم الجانب المالي على كلمة {وَاتَّقَى} ليكشف لنا أهمية العطاء في تحقيق التقوى، في تحقيق الإيمان، في تحقيق أو الوصول إلى الغاية المهمة، الغاية التي هي فوز وفلاح ونجاة {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بجزاء الله.