الدرس الرابع عشر للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الإمام الحسن عليهما السلام 1444هـ
| محاضرات السيد القائد | 21 ذو الحجة 1444هـ الثقافة القرآنية:
الدرس الرابع عشر للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي من وصية الإمام علي لابنه الإمام الحسن عليهما السلام 21-12-1444هـ 09-07-2023م
الاحد 21 ذو الحجة 1444هـ – 9 يوليو 2023م
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
كان من آخر ما تحدثنا عنه بالأمس، على ضوء ما ورد في وصية أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، هو حديثه عن خطورة الإخلاد إلى الدنيا، وكذلك خطورة الاغترار بأهل الدنيا، الذين أخلدوا إليها واطمأنوا إليها، وجعلوا منها غايةً يتجهون إليها بكل اهتمامهم، بكل أعمالهم، ووجهوا كل سعيهم لها، وكل عملهم من أجلها، كانت كل عداواتهم، وولائهم، وبغضهم، وحربهم، وسلمهم، ومواقفهم كلها مرتبطة بذلك، بإخلادهم إلى هذه الدنيا.
والإنسان قد يميل ويتأثر بأولئك، خصوصًا عندما يشاهد ما لديهم من إمكانات، ما لديهم من تَرَف، من مظاهر البذخ في هذه الحياة، قد تميل به رغباته وأهواء نفسه، فليأخذ العبرة مما ذكره اللّٰه في القرآن الكريم، ومما هو موجود من وقائع وأحداث في هذه الحياة، مما فيه العبرة الكبيرة، والموعظة الكافية.
اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يونس: 7-8]، فهم لا يرجون لقاء اللّٰه، ولا يحسبون حساب الرجوع إلى اللّٰه، وما في الآخرة، رضوا بالحياة الدنيا، واطمأنوا بها، واتجهوا إليها اتجاهًا تامًا، كل كسبهم، كل أعمالهم، بما يدخل في ذلك من المآثم، من الجرائم، من المظالم، من المفاسد، إلى غير ذلك، لتحقيق أهدافهم في هذه الحياة ورغباتهم، وشهواتهم، وآمالهم، وطموحاتهم، النتيجة هي: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ}.
تنتهي هذه الدنيا بما فيها، تنتهي حياتهم الدنيا، بكل ما قد وصلوا إليه ونالوه، من رغبات، من لذات، من شهوات، من إمكانات، انتهى كل شيء، وكأنه كانت طرفة عين، كان شيئًا يسيرًا جدًّا، ثم يكون مأواهم وعودتهم ومصيرهم إلى جهنم، إلى النار- والعياذ باللّٰه، في أشد العذاب، وخسروا الجنة، وخسروا رضوان اللّٰه، وخسروا السعادة الأبدية، وخسروا النعيم العظيم.
فالإنسان إذا نظر في الصالح الحقيقي لنفسه، بحساب ما يرغب فيه، بحساب الماديات، بحساب الشهوات، بحساب النعيم، بكل ما يهواه الناس في هذه الدنيا، بأنواع ما يهوونه، ويرغبون فيه من متطلبات حياتهم، فذلك موجودٌ في الجنة بأرقى مستوى، تنال ما تناله في هذه الحياة، بكرامة، بالرزق الحلال، بالبعد عن الحرام والمآثم، والمساوئ، والمظالم، والمفاسد، والمخازي، والمساوئ، تعيش بكرامة، بعزة، بشرف، بقيَم، تصبر على ما فات، على ما نقص، ولديك ذلك الأمل فيما عند اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما وعد اللّٰه به، الذي لا مثيل له في هذه الدنيا، بما اقتناه في هذه الدنيا وحصل عليه كل الذين تمكنوا في هذه الحياة الدنيا، ووصلوا إلى الثراء، ووصلوا إلى المادة، ووصلوا إلى السلطة، والوجاهة، والإمكانات، وغير ذلك، بمجموع كل ما قد حصَّلوه وتوفر لهم، لا يساوي نعيم أحدٍ من أهل الجنة، حتى من أقل أهل الجنة مرتبةً، ومكانةً، وجزاءً، لا يساوي مثلًا مستوى عمله، مجموع ما حصل عليه الذين أخلدوا إلى الدنيا، بكل مستوياتهم، وفئاتهم، من ملوك، وفراعنة، وزعماء، وأباطرة، وقادة، وتجار، وأثرياء، ووجهاء، كل الذين تمكنوا، وأثروا، ووصلوا إلى مستويات مادية ضخمة، أو إمكانات ضخمة، كل الذين تنعَّموا في هذه الحياة، وتوفرت لهم الرغبات، والشهوات في هذه الدنيا، بكل مجموعه لا يساوي ما يحصل عليه أبسط أهل الجنة في الجنة. نعيم الجنة نعيمٌ عظيم، عظيمٌ جدًّا.
ومع ذلك هناك إقبال ضعيف، في السعي للوصول إلى ذلك النعيم العظيم، وما أجمل قول أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((أَلا وإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، ولَا كَالنَّار نَامَ هَارِبُهَا))، غفلة، وزهد في أعظم نعيم، الذي ينبغي أن يتجه الإنسان إليه بطموحه، برغباته.
عندما يتصفح القرآن الكريم، ويقرأ آيات اللّٰه، ويتلو تلك الآيات التي تصف أنواع النعيم في الجنة، لماذا لا تتجه طموحاته، ورغباته، وأعماله الكبيرة، إلى ما هناك، وهو النعيم الخالص، الذي لا يشوبه أي منغص، والباقي للأبد، ويعيش الإنسان فيه، في نعيم متجدد، لا يسأم ولا يمل.
أما حال أهل الدنيا فهم يغرقون، ويضيعون، ويتيهون في نِعم محددة، شابها الكثير من المنغصات والكدر، ثم فارقوا كل شيء، واتجهوا إلى النار؛ لأنهم لم يحسبوا حساب مستقبلهم في الآخرة.
يقول اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد : 20]، فما في هذه الدنيا، مما يحصل عليه من أخلد إليها، واتجهوا بكل اهتمامهم، وآمالهم، وأعمالهم نحوها، ونسوا آخرتهم، هو لعب، هو لهو، تفاخر، تكاثر في الأموال والأولاد، سُرعان ما ينتهي؛ لفترة مؤقتة، متاع قليل، ثم ينتهي، وفق ذلك المثال {كَمَثَلِ غَيْثٍ}، أتى مطر غزير، نبت بعده نبات، يعجب الكفار، منظره بهيّ، لكنه يهيج، لا يلبث بعد فترة بسيطة أن يهيج، فيصفرّ، ثم ييبس ويتحطم وينتهي، فهو في خضرته، وبهائه، وجماله، حالة عارضة، مؤقتة، انتهت وتلاشت.
أما الآخرة فعذابها شديدٌ خالص ومؤبد، ونعيمها عظيمٌ خالص ومؤبد، ولذلك يفترض أن تكون هي الأساس، فنحوِّل هذه الدنيا إلى مزرعة للآخرة، فنسعى في هذه الحياة بما نؤمِّن به مستقبلنا في الآخرة، نحوِّل سعينا حتى في شؤون حياتنا هذه، ليكون سعيًا لمستقبلنا في الآخرة عند اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
وصلنا إلى قوله “عَلَيهِ السَّلَامُ”: ((وَاعْلَمْ يَقِينًا، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ، ولَيسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ)).
((وَاعْلَمْ يَقِينًا))، الإنسان تجاه بعض الحقائق المهمة، المؤثرة عليه في نفسه، في اهتماماته، في أعماله، يحتاج إلى أن يعيها بالشكل المطلوب، أن يستوعبها، أن يكون على يقينٍ منها. الناس يسمعون الكثير من الحقائق، ولكنهم لا يتنبَّهون لها بالشكل المطلوب، ولا يستوعبونها، إلى درجة اليقين، فلذلك في واقعهم العملي، تبقى التأثيرات عليهم وكأنهم لم يسمعوا تلك الحقائق، أو لم يعرفوا بها أصلًا، ولهذا تجاه هذه الحقيقة المهمة، التي تجعل الإنسان ينطلق، في طلب المعيشة، آخذًا بالأسباب في ذلك بشكلٍ متوازن، بشكلٍ صحيح، بشكلٍ يلتزم فيه بالضوابط الأخلاقية والشرعية، وبشكلٍ لا يطغى على اهتماماته الأخرى، ولا يضيع فيه كل أوقاته وكل عمره.
((وَاعْلَمْ يَقِينًا، أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ))، آمال الإنسان واسعة ومتجددة وطويلة، من أمل إلى أمل، فيما يبتغيه، فيما يريده، فيما يتمنى الحصول عليه. طموحات الإنسان طموحات كبيرة، وتكبر معه، الإنسان في مسيرة حياته، طموحاته وهو طفل: طموحات طفولية، طموحاته وهو في بداية الشباب: تكون في المتطلبات العاجلة، يريد أن يتزوج، يريد أن يحصل على المسكن، يريد أن.. وهكذا، طموحات معينة. كلما كبر، كبرت طموحاته وآماله، فلا تنتهي، وهو لن يصل من خلال إمكاناته، ولا من خلال عمره، ولا من خلال ظروفه، إلى مستوى طموحاته. ومشكلة البعض أيضًا أن طموحاتهم خيالية، لبعض من الناس طموحات خيالية، لا يمكن أن يصل إليها، لا بحسب الواقع، ولا السنن الكونية، ولا الظروف الواقعية، ولا من خلال مثلًا وسائل معينة مشروعة.
الإنسان بحاجة إلى أن تكون طموحاته المتعلقة بأموره الشخصية والمعيشية: متوازنة، لا بأس أن يكون لنا آمال في أمر ديننا، في مسؤولياتنا الكبرى، فيما يتعلق بالحق، والعدل، والخير، طموحات وأهداف كبيرة، واللّٰه رسم لنا في ذلك أهدافًا كبيرة في مستوى تلك المسؤوليات العظيمة، ولكن إيجابيتها أننا نعلِّق الأمل فيها على اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، على وعده الصادق الذي لا يتغير، ولا يتبدل، وندرك من خلال القرآن الكريم، وهداية اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما قدّمه الرسول “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، ومن خلال سيرته، الأسباب العملية التي علينا أن نأخذ بها.
أما في أمور المعيشة، في الرغبات الشخصية، في الطموحات المتعلقة بشؤون الإنسان الشخصية، فينبغي أن تكون أولًا متوازنة؛ لأنها إن كانت غير متوازنة أتعبته، البعض يتعب حتى نفسيًا من بعض طموحاته، يتألم؛ لماذا لا يتحقق لي لذلك؟! لماذا لا امتلك كذا؟! لماذا لا أحصل على كذا؟! البعض يكاد أن يُجنّ، لماذا لا يحصل على سيارة آخر موديل مثلًا، أو لماذا لا يتوفر له كذا، وكذا، وكذا، طموحات كثيرة. ولو توفر له طموح ما، أو رغبة ما، فهناك المزيد والمزيد، بسرعة يأتي أمل آخر، طموح آخر، رغبة أخرى، وهكذا.
واقع الإنسان في طموحاته، في آماله، في رغباته، هو على هذا النحو، تتجدد كل ما تحققت آمال، تجددت آمال، كلما وصل إلى تحقيق طموح معين، أو رغبة معينة كلما برز أمامه طموح أو رغبة أخرى، فلن تستطيع أن تصل إلى مستوى طموحك، ولا إلى مستوى أملك الذي يكبر؛ كلما تحقق شيءٌ أتى غيره، وهكذا.
((وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ))، والأجل أمامك، الأجل لا يمكن أن تتجاوزه، وحتى الطموحات هي فوق مستوى عمر الإنسان، أحيانًا مستوى عمر الإنسان لا يتسع لها، ولا الإمكانات، ولا الظروف الواقعية، ولذلك لا داعي لأنْ يعذب الإنسان نفسه على كثير من طموحاته، لماذا لا تتحقق، خصوصًا عندما لا يكون لها واقع، وعوامل مساعدة على تحقيقها، ولا أسباب تصل به، أسباب مشروعة، أسباب صحيحة سليمة، تصل به إلى تحقيقها. لا يتحول واقعه إلى واقع عذاب نفسي، أو يبني على ذلك مثلًا سلوكيات، وتعاملات سيئة مع الناس، البعض هكذا تتغير نفسيته، تفسد أخلاقه، يسيء في معاملاته، يتحول إلى إنسان مُعقّد، لماذا؟ لأن لديه طموحات معينة، آمال معينة لم تتحقق، فيتعقّد حتى على الناس، والبعض يكون مفترِضًا من الناس أن يلبُّوا له هم تلك الآمال، تلك الطموحات، تلك الرغبات.
أجلك آتٍ، قد تضيع عمرك، وتضيع وقتك، وأنت تلهث وراء السراب، وراء طموحات خيالية، لا يصل بك إليها عاملٌ مساعد، ولا ظروفٌ واقعية، ولا أسباب عملية صحيحة، إنما أنت تُمنِّي نفسك، وتشغل نفسك، وتلهث وراء ذلك السراب على حساب الأشياء المهمة التي كان ينبغي أن توجه إليها اهتمامك، أن تسخر فيها جهدك، أن تتحرك فيها عمليًا، فأنت أضعتها، وانشغلت وراء تلك الطموحات الخيالية، ثم يأتي الأجل فيُنهي عليك الأمل، وهذا حال الناس،
نؤمل آمالًا ونرجو سلامةً فتدرِكُنا آجالُنا فنموت
وما هو مكتوبٌ عليك فكائنٌ وما هو مكتوبٌ فليس يفوتُ
((وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ))، مثل الذين كانوا قبلك من الناس، أتت آجالهم، فكان بإتيانها نهاية آمالهم، لم تتحقق آمالهم، يأتي الأجل قبل أن يتحقق الأمل. عندما يأتي الأجل والإنسان لا يزال لديه طموحات أن يحقق كذا، وأن يتوفر لديه كذا، وأن يصل إلى تحقيق كذا، وهكذا.
((فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ))، هذا تفريعٌ على ما سبق، طالما، ((أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ))، وحالك حال من قبلك من الناس، فيكون توجهك في هذه الحياة، في سعيك للرزق، وسعيك لتحقيق رغباتك الشخصية، ومطالب حياتك: سعيًا جميلًا، متوازنًا، خَفِّض في الطلب، يكون طلبك وسعيك العملي بشكل متوازن، لا يكون بشكل متهور ومبالغ فيه، أو سيئًا، يشوبهُ الكثير من الحرام، من المعاصي، من الذنوب، من المساوئ، من المعاملات غير المشروعة.
((فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ))، والسعي المتوازن مهمٌ للإنسان في حياته، أولًا لكي يبقى عنده اهتمام ببقية الأمور، اهتمام بأمور دينه، يعطيها جزءًا من وقته. البعض من الناس تكون طريقته في طلب المعيشة، طريقة تستغرق عليه كل وقته، ليله ونهاره، وكل أوقاته، ليس له فرصة أن يستريح ولا لبعضٍ من الوقت، ليس له فرصة أن يجلس مع أسرته ولا البعض من الوقت. البعض مثلًا من التجار، البعض من رجال المال والأعمال، البعض ممن يسعون في الكد والشغل والعمل، طريقتهم في ذلك أن يشغلوا أنفسهم ليلًا ونهارًا، وألا يبقى لهم وقت لا مع أهاليهم، ولا مع أسرتهم، ولا لأمور دينهم، ولا لأي شيء آخر، وهكذا بشكل مستمر، طول الوقت، يمر العام بكله، ويدخل العام الآخر، وهكذا، وهو ذلك الذي يستغرق كل وقته، كل جهده، كل اهتمامه، ولم يُبقِ لنفسه فرصة، لا مع أسرته، ولا مع دينه، ولا لأي شيءٍ آخر.
وهذه الحالة غير صحيحة، ولا سليمة، أن يستغرق الإنسان كل الوقت، وكل الجهد، ويشغل نفسه ليلًا ونهارًا. يمكن للإنسان أن يتوازن، وينظم أوقاته، ويسعى بشكل صحيح، يبقى له وقت مع اللّٰه، يبقى له وقت مع أسرته، يبقى له وقت للاهتمام بأمور دينه، وهكذا. لا يضيع كل الوقت في كدّ وعناء للدائم، يعني بشكل مستمر، بشكل مستمر. أو يتصرف في سبيل تحصيل العيش والمتطلبات في هذه الحياة بطريقة غير صحيحة، يُسيء، يغش، يخون، يظلم، يفسد، يرتكب المحرمات، البعض قد يتعامل بالربا مثلًا، البعض قد يبتاع ويشتري في الأشياء المحرمة كالمخدرات، وغير ذلك، وهكذا، يتورط في المآثم -والعياذ باللّٰه.
((فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ))، رُبّ طلب؛ مغامرة مجازفة، وجهد، واهتمام، بشكل جنوني في السعي وراء الحصول على المال، يؤدي إلى أن يخسر الإنسان رأس ماله وما بيده، وهذا يحصل للكثير من الناس، يتعاملون في طلب المال، والحصول على الربح، والحصول على الثروة بجنون، بتهور، بمجازفة، بانشداد عجيب، ويغامرون في ذلك، والكثير منهم قد يحصل على هذه النتيجة: أن يخسر حتى رأس ماله؛ بمجازفاته، وتهوره، وشدة انشداده للحصول على المال، قد يُخدع ببساطة، قد يغامر في مغامرة غير صحيحة، فيخسر ما قد توفر له أصلًا، يخسر رأس ماله.
((ولَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْروُمٍ))، وهذا يحصل للبعض من الناس، مع أنهم يستغرقون كل وقتهم، وكل جهدهم، وكل اهتمامهم، في طلب الرزق، مشغول أربعة وعشرين ساعة، يُضيع كل أوقاته، كل اهتمامه، كل عمله، مع ذلك يحصل على شيء محدود، بينما البعض ممن يسعى بإجمال، وهو مُجْمِل: يعني بشكل متوازن، وبشكل صحيح، يأخذ بأسباب الرزق، ولا يغفل عن الأسباب الأخرى: أسباب الخير، التقرب إلى اللّٰه، الأعمال الصالحة، التي هي أيضًا أسباب إضافية، مع الأسباب العملية في الطلب. فالمُجمِل- والكثير من الناس هو مُجمِل- لا يحتاج إلى أن يُضيع كل جهده، ولا أن يُحمِّل نفسه فوق طاقته، ولا أن يعمل بشكلٍ متهور، ولا أن يشتغل بطريقة تستغرق كل الجهد، وكل الوقت، وكل الاهتمام. بشكل منظم، وبشكل متوازن، ويأتيه رزقه، وهو ذلك الذي أعطى وقتًا لأسرته، أعطى اهتمامًا بالأمور الأخرى، وأعطى اهتمامًا بسعيه العملي لتحصيل الرزق، وأتى له ما كتب اللّٰه له من الرزق.
فهذا إرشادٌ مهم إلى الطريقة الصحيحة، في السعي لكسب الرزق؛ لأن هذه مسألة من أهم المسائل التي تؤثر على كل الناس، كل إنسان يهمه أمر معيشته، والطريقة المناسبة لكسب الرزق.
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات : 58]، وإذا سعى الإنسان بشكل صحيح لكسب الرزق، مع القناعة بما كتب اللّٰه له، وتورَّع عن الحرام والشبهات، واقتصد في معيشته، وبقي أمله في اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأخذ بأسباب الخير: من الإنفاق في سبيل اللّٰه، من الصدقة على الفقراء، بقدر إمكاناته، من القليل القليل ومن الكثير الكثير؛ بحسب ظروفه، فاللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الرزاق ذو القوة المتين. ولا يتجه الإنسان بكل طموحه ورغبته نحو أن يحصل على متطلبات هائلة، بطموحات كبيرة ضاغطة على نفسه؛ لأن البعض يضغط على نفسه، يبقى موسوسًا، ومفكرًا، ومنشدًّا نحو طموحات فوق مستوى إمكاناته، فوق مستوى ظروفه، ولو في تلك المرحلة، ليكن الإنسان واقعيًا تجاه ظروفه، وربما بعض الأمور قد تتحسن فيما بعد، فلا داعي لأنْ يغتمّ الإنسان، ويحزن، ويبقى متألمًا نفسيًا وراء طموحات معينة، لماذا لا أحصل على كذا، وكذا، وكذا؟ وإذا شاهد مع الآخرين شيئًا، شعر بعذاب نفسي، هو بذلك يُتعب نفسه، إذا بقيت اهتمامات الإنسان متوازنة، وبقي مهتمًا ومتجهًا نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما وعد اللّٰه به في الآخرة، وأخذ في هذه الحياة بالأسباب العملية بشكلٍ صحيح، وحرِص على أن يكون قنوعًا، فهذا سيخفف عن الإنسان الكثير من الغم، والهم، والحَزَن.
((وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ))، أكرِم نفسك، أول من يُعنىَ بالحفاظ على كرامتك هو أنت، الكثير من الناس قد يُستفز بشدة تجاه الآخرين؛ إما لأن أحدًا تكلم معه بكلمة فهِم منها أنها تنتقص من كرامته، أو تسيء إلى كرامته، فيُستفز ويغضب، البعض قد يقاتل من أجل ذلك، أو يعادي، أو يقاطع، ويباين، أو غير ذلك، ولكن ما أكثر من يُسيء إلى كرامة نفسه، بل إن الإنسان أكثر الناس إساءةً إلى كرامة نفسه هو، عن طريق تصرفاته السيئة، تعامله الدنيء، أعماله الدنيئة، هي التي تسيء إلى نفسك إساءةً لا مثيل لها، ما يأتيك من جانب الآخرين، مهما كان كلامًا جارحًا، أو مسيئًا، لكنه لا ينقِّص من قدرك الواقعي والحقيقي، أنت صاحب قدر، إساءة الناس إليك لا تُنزِّل من قدرك، يبقى قدرك، تبقى مكانتك، تبقى كرامتك، بما أنت أهل له من الكرامة، بالواقع الذي أنت فيه حقيقةً، بواقعك الحقيقي، لكن عندما تكون أنت من يسيء إلى نفسك بالأعمال الدنيئة، ومن ذلك: في سبيل تحصيل الأموال، أو الحصول على إمكانات معينة، أو الاستحواذ على ما ترغب به من الأشياء الأخرى، البعض من الناس إذا رغب بشيءٍ، سعى للحصول عليه، أو الاستحواذ عليه، حتى بالتعامل الدنيء، بالتصرفات الدنيئة، الحقيرة، المسيئة، غير اللائقة.
التعاملات الدنيئة هي على صنفين: قسمٌ منها كبير، يدخل في إطار المحرمات، الأعمال المحرمة، والتصرفات المحرمة.
وجزءٌ منها يسير وهو الأقل، يدخل في إطار ما لا يليق بالإنسان، وخصوصًا أن البعض مثلًا قد يكون له منزلة معينة، أو موقع معين، أو مكانة في نفوس الناس، فتصرُّفه الذي لا يليق بمكانته، بمقامه، في سبيل أن يحصل على شيء بطريقة دنيئة، غير لائقة، تشوهه، وتُسيء إليه، فيكون هو الذي حطّ من كرامة نفسه، هو بنفسه، مَن حط من كرامة نفسه، بينما هو قد يقاتل الآخرين؛ لأنهم قالوا له ما فهم منه أنه يحط من مكانة نفسه وكرامة نفسه. أنت المعنيّ بالدرجة الأولى أن تُكرِم نفسك: بتصرفاتك الراقية، بتعاملك الصحيح والسليم، بتجنبك للأشياء الدنيئة، والخسيسة، والسيئة، والمسيئة، وهذه مسألة مهمة.
فسواءً فيما يتعلق بالحصول على شيءٍ من هذه الدنيا، أو مما ترغب به: إمكانات معينة، أشياء معينة، معنوية أو مادية، مكانة، منصب، مال، إمكانات، لا تستخدم الطريقة التي هي دنيئة، تحط من قدرك، تحط من كرامة نفسك، من أجل الحصول عليها، اجتنب ذلك. ثم في تعاملك بشكلٍ عام، اجتنب الأمور الدنيئة التي تحط من كرامتك، تُشوِّهُك، يراك الناس بسببها أنك قد حططت من قدر نفسك، ومن مكانة نفسك، ونزلت عن مستواك اللائق بك، تصرفت تصرفًا دنيئًا.
((وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ))، ولو كانت وسيلة لتحقيق ما ترغب به، لكن طالما أن الطريقة دنيئة، تحط من كرامتك، من قدرك، تجنب ذلك، ((فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضًا))، إذا حصلت على ما ترغب به بوسيلة دنيئة، بطريقة دنيئة، فأنت خسرت ما هو أكبر، خسرت من الكرامة، والكرامة لا تعوض. ذلك الذي حصلت عليه مما ترغب به، إن كان مالًا، أو كان شيئًا من الإمكانات، شيئًا من أمور هذه الدنيا، شيئًا مما ترغب به نفسك، لكنه لا يساوي كرامتك التي أهدرتها وخسرتها، خسارتك أكبر، ((فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضًا))، مهما كان، مهما كان الذي حصلت عليه، وأنت حصلت عليه بأعمال دنيَّة، بأسلوب دنيء، بطريقة دنيَّة.
((وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ، وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرًّا))، من أعظم ما في الإسلام: أنه يحررنا عن العبودية لغير اللّٰه، فلا نكون عبيدًا إلا للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذا لا يوجد في غير رسالة اللّٰه. الخروج عن خط دين اللّٰه ونهج اللّٰه: هو تعبيدٌ للنفس لغير اللّٰه، تعبيدٌ للنفس للشيطان، والطاغوت، والمجرمين، والسيئين.
أما في طريق اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فأنت تُحقق لنفسك الحرية الحقيقية، فلن تكون عبدًا إلا للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه ربك، ملكك، خالقك، وليس في ذلك نقصٌ عليك، هذا هو الشرف، هذا هو الفخر بكله، أنك لست عبدًا إلا للّٰه، نعمة كبيرة، وشرف عظيم، ولذلك نجد اللّٰه في القرآن الكريم يقول: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: 80]، يعني لن تعبِّد نفسك حتى لملائكة اللّٰه، ولا لأحدٍ منهم، ولا لأحدٍ من أنبياء اللّٰه، وهم الأنبياء، علاقتك بهم ليست علاقة عبودية، علاقة إتباع، هم عبَّدوا أنفسهم للّٰه بأكثر منك، وهكذا الهداة من عباد اللّٰه؛ هم عبَّدوا أنفسهم للّٰه بأكثر من غيرهم، ومن يتبعهم هو لا يعبِّد نفسه لهم، فهم أعبد منه للّٰه، أكثر خضوعًا منه للّٰه، إنما يتجهون بك معهم نحو اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحو العبودية للّٰه وحده لا إله إلا هو.
أما الخروج عن ذلك الخط: فهو تعبيدٌ للنفس لغير اللّٰه، ويحصل هذا أحيانًا بدافع الأطماع والأهواء المادية، والمعنوية، البعض يُعبِّد نفسه للطغاة، للمجرمين؛ لأجل الحصول على المال، فيطيعهم في معصية اللّٰه، ويقف معهم في صف الباطل، ويتحوَّل حربًا على أولياء اللّٰه، وعلى عباد اللّٰه، وعلى المظلومين والمستضعفين من عباد اللّٰه، لماذا؟ من أجل أن يحصل على أموال، أو مناصب، أو مكاسب شخصية. البعض من الناس يرتبط بهم من أجل التافه اليسير، من أجل شيء بسيط للغاية، وهو من أخسر الخاسرين. البعض من الناس تكون ارتباطاته بالآخرين ولو لم تكن بدافع مادي، لكنها لما وصلت إلى درجة الخضوع لهم بالمطلق، الطاعة لهم في معصية اللّٰه، المخالفة لنهج اللّٰه من أجلهم، كانت تعبيدًا للنفس لهم.
في العلاقة الإيمانية، أجواء العلاقة نفسها، طريقة التعامل، كلها فيها تكريم، فيها احترام، فيها تقدير، الذي يحكم الجميع، ويخضع له الجميع: هو أمر اللّٰه، توجيه اللّٰه، هداية اللّٰه، فالكل يعيش بكرامة، يُحِس أنه فقط عبدٌ للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أنه عبدٌ للّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنه لا يُعبِّد نفسه لما ما سوى اللّٰه، أبدًا.
فلذلك كقاعدة عامة، لو أخذت بها شعوبنا، لتحررت من هيمنة الطاغوت والاستكبار، لما هيمنت عليه أمريكا، ولا أوروبا، ولا غيرها، على مستوى الأمم، والدول، قاعدة مهمة، وعلى المستوى الشخصي، أيضًا قاعدة مهمة: لا تُخضِع نفسك لأحدٍ أبدًا، لتكون خاضعًا له في إرادته ومشيئته، فيما يُخالف أمر اللّٰه، فيما يُخالف توجيهات اللّٰه، فيما يُصادر كرامتك وحريتك، ويجعلك مجرَّد خاضعٍ تابعٍ له بالمطلق، وليس لأمر اللّٰه، ولا لهدي اللّٰه، ولا لدين اللّٰه، هذه حالة خطيرة. فهي قاعدة مهمة على المستوى الشخصي، على مستوى الشعوب والأمم، أن تأخذ بها، وتعيَها، وتدرك قيمتها. ثم في الجانب المادي كذلك؛ لأن البعض يُخضع نفسه بسبب أطماعه إلى درجة العبودية، وهي حالة خطيرة.
((وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلّا بِشَرٍّ، ويُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلّا بِعُسْرٍ))، إذا كانت طموحاتك المادية والشخصية، لا تصل إليها إلا بالأشياء السيئة، إلا بالشر، إلا بالعُسر، إلا بما لا يليق بك، بما هو في إطار الأعمال الدنية، أو الوسائل والأساليب الدنية، فلا قيمة له؛ لأنه في واقع الأمر لم يعد خيرًا ولا يُسرًا.
((وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ))، الطمع حاله خطيرة على الناس، وهو يُورِد من سارع به وركبه: مطايا الطمع، المطايا أصلًا يُعبَّر بها عن الإبل التي يمتطيها الإنسان، يركبها وتسير به، ويسافر عليها، ثم يُعبَّر بها عن وسائل النقل التي تنتقل بالإنسان، ويسافر وينتقل عليها. الإنسان إذا كانت مسيرته على مطايا الطمع، جعل من الطمع قائدًا يقوده، ويتبعه، ويسير على أساس الاتباع له، فهو سيوصله إلى موارد الهلكة، الموارد: أصله ما يَردُه، ما يرده الناس لسقي إبلهم ومواشيهم، الماء الذي يريدونه. لكن الذي يرد بك الطمع إليه: هو الهلاك، المواقع، المواقف، الظروف التي تكون فيها هلكتك، هلكة دينك، وهلكتك أنت.
والطمع قضية خطيرة جدًّا على الإنسان؛ لأن الإنسان إذا سيطر عليه الطمع، لا يتورَّع عن شيءٍ من الحرام، يجازف، يرتكب المحرمات والمآثم من أجل الحصول على شيءٍ من الدنيا، فالطمع خطير، قد يُسارع بك إلى موارد الهلكة، ((أَنْ تُوجِفَ))، تُسرع بك إلى موارد الهلكة، وفعلًا الكثير من الناس يُسرع به إلى الهلكة طمعه، يُسارع به إليها.
((وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلّا يَكُونَ بَيْنَكَ بَيْنَ اللهِ ذُو نِعْمَة فَافْعَلْ))، لا تفرح بأن يكون للناس المِنَّة عليك، فأنت تستجدي هذا، وتطلب من ذاك، وتسعى عند ذاك، وتعود إلى ذاك، وهكذا، حتى يكثر المنَّانون عليك. اِسعَ بالدرجة الأولى أن تكون المنة للّٰه عليك، وأن تقنع بما قسم اللّٰه لك، وإذا اضطررت في إطار الأخذ بالأسباب، فليكن ذلك في إطار محدود، وبطريقة مشرِّفة، مثلاً: اضطر الإنسان أن يأخذ قرضًا، ولا تتجه إلى لئام الناس في ذلك. ((وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلّا يَكُونَ بَيْنَكَ بَيْنَ اللهِ ذُو نِعْمَة فَافْعَلْ))، لا تكن ممن يسعى ويتعرَّض، لأنْ يحصل من هذا، ومن هذا، ويستجدي من هنا، ومن هنا، ومن هنا، وهكذا.
((فإِنَّكَ مُدْرِكٌ قِسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ))، وربما يكون ذلك بنفس السبب لأنْ يوسع اللّٰه لك، عندما تتجه بكل آمالك نحو اللّٰه، وتحمل القناعة، وتسعى أن تُبعد نفسك عن الاستجداء من الناس، بكل ما تستطيع، قد يكون هذا سببًا من أسباب سعة رزقك، وأن يمُنَّ اللّٰه عليك، وأن يفرِّج عنك، وأن ييسر لك، وأن يفك عنك العسر، وتدرك ما قسم اللّٰه لك من الرزق، ((وَآخِذٌ سَهْمَكَ))، ما كتبه اللّٰه لك، سيصل إليك، بشرف وكرامة.
((وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ))؛ لأنك تحصل عليه بكرامة، بدون مِنَّة من الناس، بدون أن تشعر- حتى الشعور- بأنه أصبح لفلان عليك مِنَّة، وفلان عليك مِنَّة، وفلان الآخر كذلك، ((وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ))، يعني حتى ما يأتيك من خلقه أصله من اللّٰه، هو الذي منَّ به عليهم، وهو الذي هيأهم لأنْ يوصلوه إليك، فهم كالبريد.
((وَتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ، أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ))، في القرآن الكريم، وعن رسول اللّٰه “صَلَوَاتُ اللّٰهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”، وفي الحِكَم عن أمير المؤمنين “عَلَيهِ السَّلَامُ”، عن أهل البيت “عَلَيهِم السَّلَامُ”، عن الصالحين من أبناء الأمة، الكثير والكثير مما يؤكد، ويحُث، ويُنبِّه، وبتأكيد كبير على ضبط منطقك، على أن تسيطر على ما تقول، بضوابط الشرع والأخلاق والحكمة، وهذه مسألة مهمة؛ لأن من أكثر الظواهر في واقع الناس: قلة الانضباط في الكلام، من أكبر ما فيه خلل في واقع الناس، ومن أكبر ما يحصل فيه الخطأ، والتقصير، والمعاصي، والإساءات: هو الكلام؛ لأنه كما قلنا سابقًا الإنسان كثير الاستخدام للسانه، هو من أسهل الجوارح استخدامًا، لكن المسؤولية التي تتعلق به كبيرة، وحتى الذنوب التي ترتبط به كبيرة وخطيرة، فيأتي الحث على أن نسعى إلى أن ندرك مسؤوليتنا فيما نقول، وتجاه ما نقول، ويتبع ذلك ما نكتب؛ لأنه تابعٌ لقولنا، ما نكتبه.
هذا العصر حصلت الطامة الكبرى، مع وسائل الإعلام، مع مواقع التواصل الاجتماعي، مع كثرة الكلام، الناس في هذا العصر ربما يكثرون الكلام أكثر من أي عصرٍ قد مضى، يكثرون الكلام بإسهاب، في كل المواضيع، يأتي أي شخص ليتكلم في معظم المواضيع، حتى التي لا يمتلك تجاهها أي معرفة، ولا خلفية، ولا أي شيء، هو جاهز، سيصدر الأحكام ويقول أي شيء، وهي قضية خطيرة. علينا مسؤولية فيما نقول، مسؤولية كبيرة، إلى درجة أن رقابة اللّٰه علينا في ذلك رقابة عجيبة، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17-18]، الملائكة بجوارنا يحصون علينا ما نقول من خير أو شر، الكلام في واقع الناس له تأثير كبير، ما أكثر ما تسبب الكلام في كثيرٍ من الفتن، في كثيرٍ من العداوات، في كثيرٍ من المشاكل، في كثيرٍ من تقطُّع الأوصال، جفاء بين القرابات والأرحام، بُعد بين الأصدقاء والأصحاب والرفاق، تباين بين أبناء الأمة الواحدة، أشياء كثيرة تحصل. الكلام وراءه الكثير من الشر، ووراءه الكثير من الخير، ولذلك يحتاج الإنسان أن يدرك مستوى المسؤولية تجاه ما يقوله أمام اللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن كلامه جزء من عمله، محسوبٌ ومكتوب، ((وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِم فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ إَلَّا حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم)).
((وَتَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ))، الإنسان إذا جازف بالكلام، قد يتكلم بكلام؛ إما أنه كلام مسيء، أو كلام يكشف به سرًا لم يكن ينبغي أن يكشفه، أو كلام يُسيء إلى نفسه، كلام يترتب عليه تبعات، فإذا أراد أن يتلاحقه، أن يتلافاه، أن يتلافى تأثيره، صَعُبَ عليه ذلك، واحتاج ذلك إلى تأثير عليه. أما الصمت إذا كان الإنسان لا يتعجَّل بالكلام، ويحرص على أن يكون كلامه موزونًا بمعايير صحيحة، فلو فات عليه بعض الكلام يمكن أن يلحقه، يمكن أن يتكلم به فيما بعد، أن يستدرك ما فاته مما كان ينبغي أن يقوله ولم يقله، ممكن أن يتدارك ذلك، وأن يتكلم بذلك، لكن ما كان قد سبق منه من الكلام الذي لا ينبغي، وأراد أن يتداركه يَصعُب تداركه.
((وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ))، تحفظ كلامك من السقطات، والهفوات، والتعبير المسيء، والتعبير المُخزي، والتعبير الذي له تبعات سلبية، أن تحفظ نفسك من ذلك احفظ ذلك ((بِشَدِّ الْوِكَاءِ))، الوِكاء أصله: ما يُربط به فم القربة، وهو تمثيل، بمعنى: أن يكون لديك من الوعي، والشعور بالمسؤولية، والتوازن، والسيطرة على منطقك، ما يحفظ كلامك، ما تستطيع به أن تُسيطر على نفسك؛ لأن البعض من الناس يصل إلى درجة أن يفقد السيطرة على نفسه في الكلام، هذه حالة خطيرة جدًّا. البعض مثلًا: إذا غضب سيتكلم بأي شيء، فقدَ السيطرة على نفسه، أو في حالة الرضا فقدَ السيطرة على نفسه، سيتكلم بأي شيء، دون أن يكون كلامه موزونًا. فلْيحرص الإنسان على أن يتعلم السيطرة على نفسه تجاه ما يقول، ليكون ما يقوله موزونًا بالمعيار الصحيح، معيار الأخلاق والشرع، ومعيار القيم، ومعيار الحكمة أيضًا.
((وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ))، ((وَحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الكَفَافِ أَكْفَى لَكَ مِن الكَثِيرِ مَعَ الإِسْرَافِ))، هذا إرشاد إلى الاقتصاد في معيشتك، وإلى الحفاظ على ما في يدك، وإلى حسن التدبير في أمور المعيشة، أن تحذر في تدبير أمورك المعيشية، في صرفتك، ونفقاتك، واستهلاكك: أن تحذر الإسراف، أن تحذر التبذير، أن تحذر من الإهدار والعبث، الذي يحطم الأشياء، ويكلفك المزيد والمزيد.
إذا أخذ الإنسان بالاقتصاد في نفقاته، هذا ما يرشد إليه الإسلام، واللّٰه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَـمْ يُسْرِفُوا وَلَـمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان: 67]، ما تقوم به الحال، ما تتطلبه الحاجة الفعلية، مع حذر من الإسراف، حذر من التبذير، وحذر أيضًا من البُخل؛ لأن البخل أيضًا خطير جدًّا، لا تصل المسألة تحت عنوان الحفاظ على ما في يدك: أن تبخل بما في يدك. لا، البخل من مساوئ المعاصي، من أسوأ وأقبح المعاصي، البُخل خطير جدًّا؛ لأنه ناتج عن سوء الظن باللّٰه، وناتج عن فقدان الإنسان للكرم الذي هو من أهم الصفات الجود والكرم، من مكارم الأخلاق العظيمة والمهمة، إذا فقدها الإنسان كان سيئًا.
ولكن الاقتصاد مسألة أخرى: أن تحافظ على ما في يدك من إمكانات ووسائل، أنت تحتاج إليها في أمور معيشتك، تحافظ عليها من الهدر، من الضياع، من التحطم، تُحسِن استخدامها، تصونها، تحافظ عليها وأنت تستخدمها، هذا أمر يحتاج إلى أن يتعلمه الرجال والنساء، حتى في المطابخ؛ البعض من النساء في المطبخ قد تكون محطِّمة، كثيرة التحطيم لآلات المطبخ لما فيه من معدات، الرجال كذلك الكثير منهم قد يُحطِّم ما في يده من وسائل وإمكانات، وبالذات إذا كانت عهدة عنده وليست ملكًا له، فهو لا يُبالي بها، ولا يكترث لها.
الإنسان عليه أن يتعلم حُسن الحفاظ على ما في يده، وحُسن الاستخدام، هذه مسألة مهمة، وأن يتجنب الأسباب التي فيها الهدر، فيها الضياع، فيها التحطيم للأشياء، بحسن التدبير، فالحفاظ على ذلك؛ سيساعدك على أن تقتصد في عيشتك، وأن يتوفر لك من رزقك ما تلبي به احتياجاتك الأساسية، بل وتستطيع أن تقدم للأمور الأخرى: أن تنفق في سبيل اللّٰه، في سُبُل الخير التي أرشد إليها اللّٰه، وأن تستفيد لأشياء أخرى. لكن إذا كان الإنسان يعيش في واقعه حالة التبذير، الإسراف، الهدر، التحطيم، وإذا اجتمع ذلك من جانبه، من جانب أسرته، فستكون الكُلفة كبيرة جدًّا، شراء للأشياء بشكل مستمر، شُرِيَت أشياء؛ تحطمت، تكسرت، فُقدت، ضاعت، وهكذا، استنزاف، يعيش حالة استنزاف، يعيش حالة أعباء كبيرة في واقعه المعيشي.
البعض يشتري وسائل مهمة: سيارة، غرض آخر، سرعان ما يحطمه ويكلفه ذلك الكثير من المال، أو الكثير من الغرامة، سوء الاستخدام، عدم الإتقان، سوء التدبير: يمثل عاملًا من عوامل الاستنزاف في رزقك، في مالك، في معيشتك، ثم يمثل ضاغطًا عليك في واقعك المعيشي. والإسلام دين عظيم، يرتقي بالناس حتى في أساليب حياتهم، أساليب معيشتهم، طريقتهم في إدارة أمورهم المعيشية، هذا من ثمرات الإسلام، يُربي الإنسان على الرُشد، يكون إنسانًا راشدًا، سوىً رجلًا أو امرأة، شابًا أو كهلًا أو شيخًا، يكون راشدًا في تفكيره، في أسلوبه، في تصرفاته، ليس عبثيًا، ليس مستهترًا بالأمور، يعطي لكل شيء قيمته، ويدرك أهمية الأشياء الأخرى، يستفيد من الشيء لفترة طويلة، بقدر الواقع الطبيعي للشيء، فهناك فرق بين مسألة البُخل والتقتير، وبين مسألة الاقتصاد بمفهومه الصحيح.
الإنسان إذا لم يكن سلوكه صحيحًا؛ يصبح فعلًا يطلب ما في يدي غيره، يُتلف الأشياء، يخسر الأشياء، يستنزف واقعه، ثم يصبح يطلب هنا وهناك وهناك وهناك.
((وَحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الكَفَافِ أَكْفَى لَكَ مِن الكَثِيرِ مَعَ الإِسْرَافِ))، إذا كان هناك حُسن تدبير في أمورك المعيشية، رشد حتى في طريقة الشراء، في طريقة الاستخدام؛ فهذا يفيدك، ولو كانت الظروف صعبة، قد تتيسر لك الأمور بشكل أفضل. البعض بحسن تدبيره وظروفه متواضعة، لكنه يعيش بشكل أرقى من البعض؛ ممن لديهم إمكانات لكنهم يعيشون حالة الإسراف، ولهذا قال عن حسن التدبير: ((وَحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الكَفَافِ أَكْفَى لَكَ مِن الكَثِيرِ مَعَ الإِسْرَافِ))، فعلًا أكفى لك من الكثير، وأنت في حالة إسراف؛ لأن الإسراف يُضيع عليك، يُسبب لك الخسائر، يجعلك تعيش حالة الاستنزاف في إمكاناتك المادية والمعيشية، وهذا يؤثر عليك تأثيرًا سيئًا، ومن المهم: أن يتعود الناس وأن يتعلموا حُسن التدبير في أمورهم المعيشية، في منزله، حتى في تصميم منزله، إذا صمم منزلًا، في نفقاته المعيشية في مشترياته، يتعلم حُسن التدبير في ذلك.
((وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى لِئَامِ النَّاسِ))، أن تيأس من أن تحصل على الشيء، بكل ما لذلك من مرارة، هذا مُرّ على الإنسان: أن يكون راغبًا في شيء، ثم ييأس من الحصول عليه؛ لأنه لم يمتلك الإمكانات اللازمة للحصول عليه، لكن تلك المرارة (مرارة اليأس) هي خير لك من الطلب إلى لئام الناس، لا تذهب لتستجدي لئيمًا، لتحصل من خلاله على شيء، تطلب منه مثلًا قرضًا، أو أن يُعاونك، ليتعاون معك، أو أي شيء من هذا القبيل، أو تطلب منه الشيء مثلًا على أساس أن يصبر عليك إلى أن تُسدده، أو نحو ذلك، أي شكل من أشكال الطلب إلى لئام الناس، ليس في مصلحتك أبدًا، خيرٌ لك أن تيأس منهم، وأن تعيش مرارة اليأس من ذلك، فهي أهم وأحسن لك، وخيرٌ لك، وأفضل لك من العواقب السيئة في الطلب إلى لئام الناس.
الطلب إلى لئام الناس يترتب عليه الحط من كرامتك، اللئيم سيهينك، حتى في طريقة التقاضي لك، عندما يريد منك أن تُسدده مثلًا، أو التمنُّن عليك بطريقة مسيئة ومُهينة، أو التعامل المسيء، أو قد يردُّك بأسلوب مُهين وجارح، فالأفضل لك أن تقنع عنه أصلًا ابتداءً.
((وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ))، أن تصبر على الظروف الصعبة بعفَّة، وتأخذ بأسباب الرزق، ولو كانت متواضعة، ليس من ورائها دخل كبير، هو خيرٌ لك من الغنى مع الفجور، الغنى والذي تعتمد فيه على وسائل محرمة للحصول على المال، مثل ما يفعله البعض؛ تدفعه طموحاته المادية إلى الاتجار في المخدرات، في الحشيش: فجور، ذنب عظيم، جرم كبير، ودناءة في الوقت نفسه، وارتكاب لمحرمٍ من أبشع المحرمات، وهو يريد أن يحصل على الثروة. خيرٌ لك أن تعيش بعفة، ولو في ظروف صعبة، العفة: شرف، كرامة، أن تكون عفيفًا عن المحرمات، لا تمد يدك إلى خيانة، لا تمد يدك إلى مال حرام، لا تمد يدك إلى مالٍ بطريقة فيها إثم، أو دنية، أو خساسة، أو تورِّط نفسك في ارتكاب المآثم، العفة شرف كبير، وهو زينة الفقر: العفاف، واللّٰه سيفرج عنك، كثير من الناس تتغير أحوالهم فيما بعد، وأيضًا هناك الجنة أمامك.
نكتفي بهذا المقدار.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّــــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتـــُه؛؛؛