الدرس السابع والعشرون من البرنامج الرمضاني.
- الواقع الذي وصل اليه العرب لا يمكنهم من الصمود في مواجهة اليهود
- ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
- اليهود الحقيقيون
- الاعتصام بحبل الله
يقو ال السيد حسين سلام الله عليه :-
الآن اليمنيون أنفسهم – وهم واحد من الشعوب العربية وحالتهم مستوية – هل يمكن أن يصمدوا أسبوعاً واحداً في حرب مع إسرائيل؟. لا. أنا أقطع أنه ولا أسبوعاً واحداً يمكن أن يصمد اليمنيون؛ لأن كل موادنا الغذائية، كل أكلنا، كل لباسنا، كل معداتنا، كل شيء من الضروري والكمالي لنا كله يخضع لهيمنة أمريكا، وبقرار من أمريكا تستطيع أن تقطع كل شيء فيستسلم اليمنيون.
فلماذا يصيح أولئك الزعماء أحياناً ويظهرون أنفسهم كفرسان، وأنهم أعداء ألداء لإسرائيل، وهم يعرفون أنهم هم الذين أوصلوا هذه الأمة إلى درجة أنها لا تستطيع أن تقف أمام اليهود؟! لا يستطيع العرب الآن إطلاقاً أن يقفوا أمام اليهود إلا بأن يستأنفوا حياتهم من جديد، يستأنفوا حياتهم من جديد، ولن تستأنف حياتهم من جديد تحت الزعامات التي تحكمهم الآن؛ لأنهم هم الذين أهملوا كل الأراضي الزراعية.
تجد وزارة الزراعة في أي بلد عربي هي أحط الوزارات، وأقل الوزارات نشاطاً.. في اليمن نفسه كم من الأراضي في اليمن تصلح للزراعة, ونحن نستورد حتى العدس وحتى الفاصوليا والقمح والذرة من استراليا ومن الصين وغيرها؟ واليمن يكفي – لو زُرع – لليمن ولغير اليمن. لماذا يستورد اليمنيون كل شيء مما هو خاضع لهيمنة أمريكا وإسرائيل؟.
هل يمكن للعرب, هل يمكن للعرب أن يقاتلوا وقد أذلهم زعماؤهم، وأوصلوهم إلى هذه الحالة؟. كانت المواجهة عسكرية قبل خمسين سنه، أما الآن فقد أصبحت المواجهة حضارية، أصبحت المواجه حضارية.
لا بد أن تبرز قيادة تستطيع أن تبني الأمة من جديد كما استطاع الإمام الخميني، ولقد كان الإمام الخميني (رحمة الله عليه) رحمة من الله, وحجة على هذه الأمة العربية لو عرفت قدره، قائد عظيم، ورؤية صحيحة، وشعب قوي في ثرواته, في أعداده, وفي قوته، الإيرانيون معروفون بقوتهم في القتال، وشعب يمتلك ثروات هائلة، وقيادة حكيمة قوية، وتوجَّه نحو العداء لإسرائيل وأمريكا، وصرخ في العرب أنه مستعد.
لقد كان الإمام الخميني نعمة على العرب لو كانوا يريدون تحرراً من إسرائيل، ولكنهم بدلاً من أن يلتفوا حول الخميني, وحول إيران ليضربوا إسرائيل, ويحرروا أنفسهم من أمريكا ماذا عملوا؟ اتجهوا هم لأن يقفوا ضد إيران وضد الخميني ليشغلوه عن أن يضرب إسرائيل، لم يتركوه وشأنه حتى ليتجه ضد إسرائيل، ثم هاهم الآن يصرخون من إسرائيل، وهم الذين حموا إسرائيل من الخميني، هم الذين حموا أمريكا من الخميني، هم الذين حموا إسرائيل من إيران، هم الذين يصرخون الآن، هم الذين وقفوا لصالح إسرائيل يوم حربها ضد إيران، حرب لا مبرر لها وتحركوا بإشارة من أمريكا ليقف الجميع في خدمة أمريكا وإسرائيل لإيقاف الثورة الإسلامية، ولإيقاف الخميني حتى تبقى إسرائيل آمنة. وهاهي إسرائيل ترد عليهم بالجميل، ردت عليهم بالجميل تضربهم وتسخر منهم {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} (آل عمران: من الآية119) تحبونهم ولا يحبونكم {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً}(المائدة: من الآية58) يقول عن اليهود أنه مهما عملتهم لهم لن يحبوكم، لن يعزوكم، لن يجلوكم، لن يقدّروا لكم أي شيء، حتى أنتم أيها العملاء الذين تتولونهم.
نحن عرفنا ما حصل لعميل إسرائيل في جنوب لبنان [أنطوان لحد] ألم يَشْكِ هو, ألم يشك من إسرائيل؟ أنها تخلت عنه، أنها أهانته، الله قال للعرب في القرآن من قبل أن يتولوا اليهود والنصارى، لن يروا جميلاً لتوليكم لهم، إنهم يسخرون منكم. وفعلاً إن اليهود في إعلامهم وتثقيفهم في الغرب يزرعون في نفس الغربيين السخرية للعرب أنهم أمة بهيمية، أمة متخلفة، أمة حيوانية، أمة لا تفهم شيئاً، يسخرون منا، يسخرون منا ولا يحبونا.
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) أنت يا محمد الذي هم يعرفون أنك نبي كما يعرفون أبناءهم، فكيف يرضون عن أمتك، وهم لم يرضوا عنك {لن تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} حتى تدين بدينهم، وتصبح يهودياً مثلهم. وهم قالوا: بأنهم غير مستعدين أن يدعوا أحداً أن يكون يهودياً. ليس هناك من يصلح من العرب أن يحظى بمكانة أن يصبح يهودياً، لكن يريدون أن يضلوا الناس.
فلماذا, لماذا خسر العرب تلك الفرصة العظيمة؟ لماذا ضيع العرب حتى الفلسطينيون أنفسهم؟. كانت إيران دولة موالية لإسرائيل قبل قيام الإمام الخميني والثورة الإسلامية، كان هناك سفارة لإسرائيل في طهران حولها الإمام الخميني إلى سفارة لفلسطين قبل أن تنشأ دولة فلسطينية، وقبل أن ينشأ في أي بلد عربي آخر سفارة لفلسطين، كانت هناك فقط مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في مختلف العواصم.
أما الخميني فإنه حول سفارة إسرائيل إلى سفارة لفلسطين، وأعلن ووعد عرفات, وأكد لعرفات أنه سيقف مع الفلسطينيين، ومع ذلك كان يتجه عرفات إلى مبارك وإلى آخرين, ولم يهتم بما قاله الإمام الخميني، وهو يعرف أن إيران أقوى من مصر، الإيرانيون أقدر من المصريين وأثبت من المصريين وأكثر ولاء لقيادتهم، وفي ميادين القتال أقدر من المصريين، وإيران أغنى من مصر، وقيادة إيران أصدق من قيادة مصر، ومع ذلك كان يخرج من عند الخميني ويتجه إلى زعيم مصر إلى حسني مبارك.
العرب هم الذين أوصلوا أنفسهم إلى هذه الحالة، إلى هذه الذلة، إلى هذا الخزي؛ لأنهم ضيعوا أشياء كثيرة، ضيعوا فرصاً عظيمة.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً}(آل عمران: من الآية99) وعندما يعوج سبيل الله في حياة الناس أليست تعوج الحياة؟ أليست حياتنا الآن عوجاء؟ حياتنا الآن أصبحت تحت رحمة اليهود والنصارى؟ هل هناك عوج أسوأ من هذا؟ ليس عوجاً واحداً اعوجاج متعدد.
ثم يقول: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(آل عمران: من الآية99) ماذا عملت يا الله عندما قلت بأنك لست بغافل عنهم؟ ماذا عملت لنا؟ هل يمكن أن نقرأ قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ثم لا نجده قد هدى إلى كيف نواجه اليهود والنصارى؟. لقد هدى فقال في نفس هذه الآيات بعدها ثم قال: {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران:100- 101)
مما ضرب القرآن المفسرون الذين يجعلون كلمة: {هُدىَ} و{هَدَى} تنصرف إلى مجال العبادات البحتة، يعني إلى صيام, إلى صلاة. إن القرآن كتاب حياة، كتاب حياة شاملة، يهدي الناس في كل مجالات الحياة، يهدي الناس في كل شئون الحياة، وليس فقط إلى الجانب الإيماني العبادي الروحي، فجاء المفسرون ليقولوا عن (يهدي) يعني يهديك إلى طريق الجنة، أي إلى ما تعمل به لتصل إلى الجنة، كيف تسبح وكيف تصلى وانتهى الموضوع.
هنا يقول في مجال الحديث عن أهل الكتاب الأعداء في هذه الدنيا، أم أن أهل الكتاب سيكونون أعداء لنا في الآخرة، الآخرة ليست ميدان عداء من هنا وهنا.. سيكون الناس كلهم يقفون بين يدي الله ليحاسب الجميع، ليس هناك طوائف متعادية يقول هنا: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) الاعتصام بالله، الثقة بالله، والثقة بكتابه.. من الثقة بكتابه أن تعرف أن كتابه كتاب هداية، أن تعرف أن كتابه كتاب للحياة كلها، وليس فقط للجوانب الإيمانية التعبدية الروحية، الذي يقول يهديك إلى ما تحصل به على ثواب لتدخل الجنة.
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}في حياته في مواجهته لأعدائه، هذه الأمة إذا اعتصمت بالله، إذا اعتصمت قيادتها بالله ستُهْدَى إلى الصراط المستقيم في مواجهتها مع عدوها.
ثم يرشد إلى أن هذه الأمة لخطورة من تواجه… ومن العجيب، ومن العجيب أنه قال عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء، أي أن الله سبحانه وتعالى قد خفف كثيراً كثيراً كثيراً فاليهود والنصارى الذين نصارعهم الآن هم من بعد التخفيف, بعد التخفيظ، ومع هذا يغلبوننا!.
كيف لو كان اليهود لا يزالون غير مضروب عليهم ذلة ولا مسكنة؟ كيف لو كانوا لا يزالون غير محكوم عليهم بغضب الله؟. كيف لو كانوا لا يزالون لم يزرع بينهم العداوة والبغضاء.
الآن من العجيب أن يهزم المسلمون أمام اليهود بعد التخفيظ، بعد التخفيف, أي أنت الآن لا تواجه اليهودي الحقيقي المركّز.. بعد التخفيف، تخفيف.. تخفيف.. ضَربَ بذلة ثم مسكنة وباءوا بغضب، ثم ضرب بينهم عداوة وبغضاء، ثم.. ثم. ومع هذا يقهروننا، مع هذا يتغلبون علينا، هذا شيء يثير العجب، يثير الاستغراب، وهم على الرغم مما هم عليه من تفرق, وعداوة وبغضاء يقول للأمة لا بد أن تعتصم بالله، لا بد أن تتحِد كلمتها بالاعتصام بالله.
فيقول بعد هذه الآيات عن اليهود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران: من الآية102) أليس في سياق الحديث عن اليهود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) هذا من معاني الاعتصام بحبله والرجوع إليه وتحقيق العبودية له {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا لتكونوا بمستوى مواجهة هذه الطائفة التي تصد عن سبيل الله, وتبغي العوج لدين الله، هذه الطائفة التي تريد أن تكونوا كفاراً ضالين، هذه الطائفة التي لا تود لكم أي خير.
وكأنه قال لنا وأنا من جانبي قد خفظتهم كثيراً كثيراً كثيراً، فضربت عليهم الذلة والمسكنة، وحكمت عليهم بغضبي، وفرقت شملهم.. فعندما تجبنوا أمامهم, وعندما تصبحوا أذلاء هذا يشهد أن العرب, أن المسلمين في واقعهم مع دين الله أصبحوا أسوأ مما وصل إليه بنو إسرائيل.