في ميدي تزلزلت الأرض تحت أقدام الغزاة والمرتزقة. بقلم / عبدالرحمن الأهنومي.
هل سمعتم عن رمال تبتلع البشر…
في زيارتنا لميدي شاهدنا كيف أن رمال ميدي لم تبتلع البشر من الغزاة فحسب، بل وابتلعت معهم عشرات المدرعات والدبابات الحديثة.
التعويض إعلامياً عن انتكاسات عسكرية تلاحقهم على الأرض، تحولت إلى معادلة ثابتة لدى العدوان ومرتزقته بعد توالي الخسائر والهزائم في صفوفهم بصحراء وساحل ومدينة ميدي، والتي لم يستثنِ منها العدوان سياسة البحث والتنقيب عن صور وفيديوهات لا تمت للمكان، فتم نشرها وتداولها على أوسع نطاق في مواقع التواصل والمواقع الإخبارية والإعلامية التابعة والموالية للعدوان ومرتزقته، وهو ما برز في المواكبة الإعلامية لحدث الضربة الأقسى التي تلقاها العدوان في مديرية ميدي الحدودية الساحلية والصحراوية.
يشعر الزائر لميدي وهو يطوي صحراءها من جهة حرض بذكريات تسردها الأرض التي دفنت في ترابها مدرعات وأشلاء الغزاة ومرتزقتهم، ويحكيها الأبطال، وبين صحراء ميدي وسواحلها البحرية حقائق ما زالت تحكي عن بطولات ومعجزات اجترحها ويجترحها أبطال هم يصنعون البطولة ولا يتحدثون عنها، فالأرض تحكي جزء منها وما اخفته الأرض تذكر به الشواهد اليومية.
خمسة عشر يوماً هي المدة الفاصلة بين إعلان تحالف العدوان السيطرة على ميدي وما رافقه من ادعاءات وحرب نفسية وإعلامية، إلى رواية إعلام المرتزقة بأن شحة السلاح أسقطت ميدي بيد من يصفونهم بالحوثيين، ولكن الحقيقة غير ذلك كما تحكيها الأرض ويسردها رجال الإعلام الحربي عين الانتصارات وذاكرتها.
ففي شهر يناير 2016، أعلن العدوان سيطرته الكاملة على ميدي الحدودية، ليؤكد بأن ميدي باتت مركزاً ومنطلقاً لعمليات ما أسماها معركة تحرير محافظتي حجة والحديدة، سرعان ما تحول الوهم الى مأساة حقيقية للعدوان ومرتزقته ما زالت شواهدها قائمة حتى الآن.
وقبل الحديث عن تفاصيل المعركة كما يرويها الأبطال في ميدي وتعززها الشواهد الموجودة حيث ركام المدرعات والدبابات المدمرة تنتشر على الطريق الرئيسي بين مدينة ميدي ومدينة حرض، فإن طبيعة المعركة والجغرافيا والسلاح المتفوق الذي يمتلكه العدوان مقارنة بسلاح أبطال الجيش واللجان الشعبية، مقارنة بالنتائج التي تحققت تجعلنا نقف أمام معجزة حقيقية يقول عنها المجاهدون “التأييد الإلهي”.
قبل حاولي 2500 عام قال المفكر الصيني سون تسي في كتابه فن الحرب “إن أولئك الذين لا يعرفون أحوال الجبال والغابات والأودية الخطرة والسبخات والمستنقعات لا يمكنهم قيادة جيش” ، ومن حديث جانبي مع أحد أفراد المجاهدين تعرف الحقيقة ومن امتلك الأرض وعرفها، ومن جاء بشكله غازياً جاهلاً بكل الأحوال والظروف..
وفي الجغرافيا العسكرية فإن موقع مدينة ميدي بين ساحل بحري يمتد لكيلو مترات وصحراء رملية مترامية الأطراف عوامل قد تسهل للعدوان السيطرة عليها، لكنها ليست ذو أهمية حين يمتلك المدافع عن هذه الأرض المعرفة بطبيعتها وأحوالها ويمتلك الحق والقضية، وهذه المعادلة هي التي جعلت ميدي مقصلة للعدوان ومرتزقته.
العلاقة وثيقة بين الجغرافيا العسكرية والحرب، وبالنظر الى المعارك التي دارت في جبهات ميدي وحرض والحثيرة فإن المجاهدين استطاعوا أن يكونوا علاقة متناغمة ومتينة مع الأرض الصحراوية والساحلية، وعلى العكس فعل العدوان ومرتزقته، برغم ما يمتلكونه من قدرات وأسلحة برية وبحرية وغطاء جوي.
في بداية يناير من 2016م على ما أعتقد بدأت القوات الغازية بالزحف على ميدي وحرض من ثلاثة محاور، المحور الأول باتجاه الجمرك “جمرك حرض” ، والمحور الثاني من الموسم باتجاه ساحل ميدي وميناءها، والمحور الثالث من منطقة محاذية باتجاه صحراء ميدي، وكان الهدف من الهجوم باتجاه جمرك حرض هو الوصول إلى مدينة حرض وعزلها عن ميدي وبالتالي قطع خطوط الإمداد والتموين عن ميدي والتوجه نحو المثلث وما بعده وعبس والحديدة وتعز كما قيل حينها، وكان الهدف من الهجوم من المحور الآخر باتجاه صحراء ميدي أيضا فصل الخط الرئيسي بين ميدي وحرض وتشتيت المجاهدين في الصحراء لإشغالهم عن جمرك حرض وفرض حصار عليهم داخل المدينة، ويأتي الهجوم عبر المحور الثالث شنه من جهة الموسم باتجاه الساحل البحري بهدف استكمال الحصار والاستمرار في المعركة بخط مواز لهجومه من جمرك حرض وصحراء ميدي..
استدرج المجاهدون القوات الغازية إلى الطريق الرئيس من جهة الصحراء وصولاً إلى الطريق الرئيسي، ومن جهة الساحل تم استدراجهم إلى المدينة، وما إن وصلت مدرعات العدوان ومرتزقته إلى الخط الرئيس حتى باشرها رجال الله بهجمات متواصلة دمروا فيها عشرات المدرعات وقتلوا أعداداً كبيرة منهم، وبشكل متواز حدثت المعركة داخل المدينة وتحديداً حول القلعة التاريخية لميدي، يروي المجاهدون هناك أن مأساة حقيقية حلت بالقوات الغازية داخل المدينة وبالكاد استطاع من تبقى منهم الهرب والعودة إلى الموسم، ولم ينقشع غبار المعركة إلا ورجال الجيش واللجان الشعبية يقفون بجوار القوائم الحديدية الفاصلة بين حدودي اليمن ومملكة العدوان، ويروي المجاهدون في هذه المعركة أنهم حركوا عدداً من دبابات الجيش لملاحقة المرتزقة الذين فروا و”تطعفروا” في الصحراء يبحثون عن النجاة من القتل أو الأسر..
تحررت ميدي وانتكس العدوان ومرتزقته، واستمرت المعارك في جمرك حرض إلى أن تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية من دحر القوات الغازية واعادتها كيلو مترات إلى الوراء باتجاه الطوال، ووسع الأبطال سيطرتهم باتجاه ما تسمى بالحثيرة داخل جيزان.
وفيما كان المجاهدون يلاحقون فلول المرتزقة وقوات الغزو في صحراء وسواحل ميدي، كان إعلام العدوان يحشد الشعارات والتصريحات عن معركة ما بعد ميدي وحرض ومثلث عاهم الذي يبعد عشرات الكيلو مترات من المنطقة بكلها، وهكذا كلما أصيب بانتكاسة عسكرية في اليمن، بهدف التقليل من الوقع النفسي والمعنوي لحجم الخسائر والانتكاسات التي يتجرعها في عدوانه.
ولما كان العدوان يدرك أهمية التصويب الإعلامي نحو كل ما من شأنه أن يساهم بإشاحة النظر عن جوهر الحدث ودلالات انتكاسته في ميدي التي اعتبر وصول مرتزقته وقواته إلى أطرافها انتصاراً سيحرر من خلاله ثلاث محافظات، حاول حينها أن يضاعف جهوده الإعلامية والدعائية ضمن مساعيه لحجب هزيمته عن المتابعين، بنشر تسريبات من قبيل شحة السلاح ونقص الامكانات وامتلاك “الجيش واللجان الشعبية” لقذائف عنقودية تطلقها المدفعية، وأنه سلاح محرم يحظر استخدامه، واختراع كلام كبير عن الألغام واجرام حوثي في زرعها هههه.
ووسط الوضع الميداني الموجود حالياً فإن أي مغامرة للعدوان ومرتزقته تجاه ميدي ستدفنه في المدينة والصحراء، فالسلاح والرجال والتخطيط العسكري في تلك الجبهة قد تطورت كثيراً عن ما قبل، وهكذا زلزلت أقدام الغزاة ومرتزقتهم وتهاوت قواتهم في رمال وصحراء وسواحل ميدي.