أول (لا) نيابية في وجه آل سعود والأمريكان. بقلم/ علي المحطوري.
لو لم ينص الدستور اليمني على أن يتولى مجلس النواب مهام رئيس الجمهورية في حال شغور المنصب؛ لكانت هذه الأوضاع الاستثنائية – التي لم يمر بمثلها اليمن في تأريخه القديم والحديث والمعاصر – سببًا كافيا لأن ينهض ممثلو الشعب بمسؤوليتهم الوطنية بما يعزز صمود ناخبيهم في وجه العدوان.
هذا أولا..
ثانيا: أن يرفع مجلس النواب اليمني “لا” كبيرة في وجه آل سعود فتلك حسنة تجُبُّ ما سبقها من قصور اعتور أداء المجلس، وتجعلها *أول* “لا” نيابية في تاريخ المجلس يقولها بقوة في وجه الغطرسة السعودية وحتى الأمريكية، وتؤسس “لديمقراطية يمنية” متحررة من “الديمقراطية الأمريكية” والرجعية السعودية، والمنتظر هو المزيد من الخطوات التشريعية الكفيلة بعودة الحياة إلى مفاصل الدولة، وتعبيد الطريق أمام استعادة القرار السيادي والسياسي المستقل.
ثالثا: بمباركته إعلانَ المجلس السياسي الأعلى لإدارة شؤون البلاد وفقا لاتفاق (28 يوليو) الموقع بين أنصار الله والمؤتمر، يكون مجلس النواب -بناء على حقه الدستوري- قد أضفى شرعيته لمن يستحق من القوى الوطنية التي تصدت للعدوان، منتزعا من يد الخونة والمنافقين ما بأيديهم من “شرعية مزعومة” سقطت أصلا منذ أن تنازلوا عنها، وهربوا إلى الخارج تاركين البلاد في “جريمة فراغ” لا تغتفر.
رابعا: أن “جلسة السبت” قالت ضمنًا ما لم يقله المجلس علنا، وهو أن جثمان “المبادرة الخليجية” أصبح من أوجب الواجبات أن يدفن سريعا، وأن يسارع الجميع إلى إهالة التراب عليه؛ حتى لا تسبب “عفونته” في تسميم البيئة الوطنية مجددًا، وأي تعاطٍ مع تلك المبادرة هو إجهاضٌ للنتائج المترتبة على “جلسة السبت”، وتقزيمها بحصرها فقط حول ما عُقدت من أجله. على أن ما قالته الجلسة ضمنا، لا بد أن يؤكده “المجلس” بقرار واضح لا لبس فيه، وأن يعلن بشجاعة انتهاءَ “المبادرة الخليجية” لانتهاء مدتها، وتجاوز رُعاتها لها، وتحولهم إلى متزعمين للعدوان على اليمن. والمعادلة في ذلك أن من منح شرعية “للمبادرة الخليجية” عام 2011، له نفس الحق في استرداده ومنحه “لاتفاق سياسي آخر”، على أن هذا الآخر ذو بعد وطني معمّد بالدم في مواجهة عدوان اتخذ من “المبادرة الخليجية” مطية للسيطرة على اليمن.
خامسا: بحضور نواب من مختلف الأطياف السياسية، والمناطق شمالا وجنوبا – وفي هذا الظرف العصيب؛ تم إسقاط صورةٍ نمطيةٍ يعمل الإعلام الغربي على تكريسها بأن اليمن في “حرب أهلية”، وهذا ما انتفى تماما بعودة مجلس النواب إلى صدارة الأحداث، معطيا زخما سياسيا لما عليه البلاد من “معركة تحرر وطني” في مواجهة عدوان خارجي.
سادسا: بعودة مجلس النواب إلى ممارسة دوره المنصوص عليه في الدستور تكون “الهيئة التشريعية والرقابية” قد عادت للعمل، ومنحت الشعب ثقة بأنّ “جسم الدولة” لا زال حيا يقاوم، وهو في حالة جيدة تسمح لأن تتعافى كل أعضائه، وذلك من أهم ما ترتب من نتائج جلسة السبت.
سابعا: بجلسة السبت التي انعقدت لمباركة المجلس السياسي الأعلى، والجلسة التالية يوم الأحد بأداء الأخير (القَسَم الدستوري) تحت قبة البرلمان؛ لم يعد أي مبرر لإجراء أي حوار مع الخونة، وإنما هيبة ودستورية وموقعية مجلس النواب وعطفا عليه المجلس السياسي الأعلى تستدعي “نِدِّيَّة في الحوار” بين دولة ودولة، أي بين الجمهورية اليمنية كدولة من جهة، ومن جهة أخرى مملكة السعودية كرأس حربة لتحالف العدوان.
ثامنا: يبقى أن يدرك الجميع أن المستقبل أمام المجلس السياسي الأعلى ليس ورديا، وأنه في موقع لا يُحسد عليه، فالبلد مدمر وتحت الحصار، والاقتصاد هش، والعدوان مستمر، والمحيط معادٍ، والمجتمع الدولي لا يزال مضادًا للإرادة اليمنية، وأفق الصراع مفتوح على كل الاحتمالات، وتلك أثقالٌ تنوء بحملها الجبال، إلا أنه “بالوحدة الوطنية” وتماسك الجبهة الداخلية التي صمدت لأكثر من خمسمائة يوم، وعسكريا بإسناد الجبهات، وتصعيد القتال في جبهة الشمال (ما وراء الحدود)، وما أصبحت عليه المملكة من وضع حرج، وهي المستنزَّفة في اليمن وغير اليمن، واهتزاز مجتمعها من الداخل، ومؤشرات الاصطراع القائم بين التيار الوهابي المتطرف وتيار بن سلمان المنساق وراء برنامج إصلاح يرضي الغرب، كل ذلك يدفع لليقين بأن النصر حليفُ اليمن، وأن ثمن الصمود مهما تعاظم يظل ضئيلاً أمام ما سوف يكون عليه اليمن لو رفع الراية البيضاء! فحين يكون العدو مثل السعودية، ومعها جحافل من التكفيريين الانغماسيين، ووراءهم مَن وراءهم من أمريكان وصهاينة، وهذا واضح للعيان وليس تحليلا، فما من سبيل للنجاة سوى باقتحام العقبات، وركوبِ الخطر.
تاسعا وعاشرا: تحية للجنة الثورية العليا على ما قامت به من دور جسور وتأريخي بمحافظتها على مؤسسات الدولة، وانتقال (الأمانة) إلى عنق المجلس السياسي الأعلى لا يعني أن المد الثوري توقف عند ذلك الحد، بل هي الثورة يتصاعد وهجُها، ولن يخمُدَ أوارها حتى يسلم العالم بالجمهورية اليمنية دولةً لها رئيس يشكر الله ويخدم شعبَه، ويحاور الآخرين بشموخ جبال اليمن، وإباء شهدائه العظماء.