قادماً من الجبهة عائداً إليها. بقلم / صلاح الدكاك.
إلى مغاويرنا الأبطال في الجيش اليمني و اللجان الشعبية
عنك ولك أكتب؛ لا عن التوازنات الإقليمية والدولية وتباينات المواقف من الصراع في اليمن والعدوان عليه.
عنك ولك أكتب؛ لا عن ردات فعل العالم الجبان إزاء دم أطفالنا ونسائنا وعمالنا المسفوك بالغيلة ليل نهار..
عنك ولك أكتب، فأنت الفعل، وعن الملحمة البطولية الكبرى، لا عن صداها، وأنت الملحمة الكبرى..
عن إصبعك لا عن زناد البندقية أكتب، ففي البدء كانت إصبعك، ثم كان الزناد وكانت البندقية والكورنيت والآر بي جي.
وفي البدء كان جبينك المعفَّر بغبار الشموس والنيازك والأجرام، ثم كان سكود وتوشكا وزلزال وقاهر والصرخة.
وفي البدء كنت أنت، ثم كانت الرجولة والفروسية والنبل والنخوة وسخاء البذل وفدائية الوثبة وجرأة المنازلة وشرف المجابهة وقواعد الاشتباك.
واليوم تكون أنت ليكون الوطن، يا سيد كينونتنا الوطنية المتحولة من هوان الصفر إلى ندية الواحد، ومن رق الأحادية إلى مطلق الفرد الأحد، ومن سلبية الملعب إلى فاعلية اللاعب، ومن سغب الفاه والمعدة إلى كفاية الساعد العصامي وصلابة الزند الخلاق وكبرياء الجبهة الطامحة.
عنك ولك أكتب أيها المقاتل في جيشنا اليمني ولجاننا الشعبية، على امتداد مضامير وجبهات ملحمة الدفاع الوطني الكبرى، من ذوباب إلى الربوعة، ومن الوازعية ونهم إلى الحثيرة ووادي جارة، ومن عسيلان إلى الدخان..
عنك ولك أكتب أيها البطل الطالع من جرح الحسين وشمس كربلاء ونبوءات البردوني، صقيل الأهداب كذي فقار حيدرة وصمصامة عمرو بن معدي كرب..
أيها البطل الطالع من كتاب الأرض وفرقان الشعوب الحرة الثائرة، لا من هذر الإلياذة ويوميات السوبرمان والكاوبوي والشرعة الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
عنك ولك أكتب قادماً من الجبهة عائداً إليها قبل أن يرتد إلى زوجتك النبيلة المجاهدة طرفها، وتكمل طفلتك الراكضة إلى مدخل الحارة والقرية شهقة فرحتها، ويستدفئ طفلك الوليد بحضنك المشبوب كجمر المواقد في ليالي خنادق المجابهة، والفسيح كزرقة سمائنا، والمشرع برحابة كالبحرين الأحمر والعربي..
قادماً من الجبهة كث الشارب واللحية ينسدل شعر رأسك على وجهك وكتفيك كما ينسدل شلال وادي بنا على صخور منحدراته لحظة الدفق، فتتوحد ملامحك المواربة بملامح الوطن الذي يتخلق في أذهاننا من نار بندقيتك مهيباً سامقاً رحباً، وتغدو بخطوك الوئيد وأنت تشق زحام المارة في ظهيرة ميدان التحرير، كثيفاً، وكثيراً كشعب قوامه 27 مليوناً تنوء به قدماك.
تتضاءل وتبهت وتفقد جاذبيتها كل بدلات الماركات العالمية وأربطة العنق الفخمة، أمام سطوة وسحر بزتك الكاكية المدروزة بالثقوب وبقع الزيت المنقوع بغبار المعركة، وشراك حذائك العسكري.
قادماً من الجبهة تشق الزحام صوب منزلك، خاشعة أبصار المارة من حولك، تمعن فيك، تتصفحك، تتهجَّاك، ترتلك وتتلوك، فتعبر بسيطاً خفيض البصر، غافلاً عن نجوميتك، وعن جلال بندقيتك المعصوبة ماسورتها بالخرق، والتي باتت – حقيقة لا مجازاً – العمود الفقري لشعبنا في مهب العدوان الكوني ونفاق العالم.
قادماً من الجبهة يحدوك نداء الشوق لعائلتك وذويك، ولا تلبث عائداً إليها، يحدوك نداء الواجب الوطني والحنين الجارف لخندق هو وطن بأسره بالنسبة إليك، ورفاق سلاح هم العائلة والأسرة والقبيلة والشعب، ولموسيقى معركة أنت عازف كمنجاتها ومزاهرها وقياثرها وقوانينها، هي أبلغ أثراً وأبرع توزيعاً وسبكاً وجُمَلاً من كل الموسيقى والنوتات، وأعلى مقاماً من كل مقام فني.
عائداً إلى الجبهة، متجاوزاً خدر المكوث في كنف الأهل، إلى شظف الحياة في خنادق الكرامة، منغمساً في شرف اللحظة، ومتجاوزاً منطق العبارة الهجينة الغابرة (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، إلى سطوع وموضوعية العبارة الراهنة (لا صوت إلا صوت المعركة حتى التحرير والاستقلال) قولاً وعملاً.
تدير ظهرك للأهل، وتشرع صدرك للوطن، عائداً إلى الجبهة وفوهة بندقيتك بوصلة تشير في كل اتجاه يمليه الواجب الوطني، فأنت الجهات الأربع، وأنت الشواطئ والأودية والسفوح والذرى والفجاج والقيعان، وأنت دورتنا الدموية التي تنبع من الجرح لتضخ في القلب، وبين نبعها ومصبها تنعقد مشانق للطغاة والمستكبرين ومسوخ الغزو، وتصوب عن كل قطرة دمٍ سفكت، طلقة قصاص في جماجم وصدور الجبابرة والسفاحين من (قرن الشيطان) في الرياض، إلى وكر الشيطان في واشنطن..
بالأصالة عن كل الشعوب المستضعفة، تقاتل إذ تقاتل، في مجابهة كل القتلة والقراصنة الكونيين الذين يقتلون بالإنابة عن وحش السوق ومجارير النفط وجبروت الاحتكارات الكبرى الحربية وغير الحربية.
يحصد العالم المنافق الذهب والبرونز والفضة، منكفئاً على نزواته، متواطئاً على دمنا، وتحصد أنت رؤوس الشر والجريمة، ويعقد رشاشك أولمبياده منفرداً في سبيل سلام الكوكب وكرامة إنسانه وعدالة الأخذ من خيراته وتكافؤ فرص الحياة عليه، غير حافل بغفلة الكوكب عن دمك وبطولاتك، وخذلان كائناته لك..
عائداً إلى الجبهة، فأنت الرفض وسواك الإذعان، وأنت الحرية وسواك يافطات حرية، وأنت الحداثة في عريها وعمقها وعفويتها، وسواك بناطيل جينز وقبعات دانتيل وإكليشات عصرنة واكسسوارات حداثة براقة وفارغة.
المجد لك آدمياً قروياً قبيلياً بسيطاً ناصعاً وحاداً كالنصل في زمن العماء والزيف..
المجد لك أيها المغوار البطل في جيشنا اليمني ولجاننا الشعبية، وأنت تحرث بأظافرك صخر الواقع ليخصب كرامة.. المجد لك، وعنك أكتب قادماً من الجبهة عائداً إليها.