نص كلمة السيد عبد الملك الحوثي بمناسبة الهجرة النبوية 1438هـ.
عوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ..
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ..
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أن سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــد وعلى آل مُحَمَّــد، كما صليتَ وباركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجَبين وعن سائرِ عبادِكَ الصالحين.
شعبَنا الـيَـمَـني المسلم العزيز، أُمَّتَنا الإسْـلَامية كافة، أيها الإخوة والأخوات: والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.
بمناسبةِ قدومِ عامٍ هجري جديد وباعتبار المناسبة تذكرنا بحدث تأريخي عظيم ومهم، هو الهجرة النبوية التي ارتبط بها التأريخ الإسْـلَامي مستنداً إلى أهميتها الكبرى وكونها شكّلت خطوةً مهمةً ورئيسية في ميلاد الأُمَّـة الإسْـلَامية وفي نشوء الكيان الإسْـلَامي وبالطبع نتحدث عن هذه المناسبة المهمة ونحن في مرحلة من أَهم المراحل التي تمر بها أمتنا كافة ويمر بها شعبنا اليمني المسلم العزيز، في مرحلة نحن فيها بأمس الحاجة إلى كُلّ ما نستفيدُ منه، ما يدعم موقفنا الإنْسَاني المبدئي القيمي الأَخْلَاقي الديني في مواجهة التحدّيات الكبرى نحن في مرحلة نحتاج إلى ان نستلهم الدروس والعبر من كُلّ احداث التأريخ وأن نعود إلى تأريخنا المجيد والعظيم في سيرة نبينا محمّد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وفي حركة الرسل والأَنْبيَاء وفي تأريخ كُلّ المصلحين الذين كان لهم دورٌ في إصْلَاح البشرية وفي مواجهة حالات الانحراف وحالات الاستعباد وفي مواجهة الظالمين والمستكبرين وفي التصدّي لهيمنة الطاغوت بمناسبة الهجرة النبوية اعتمدت في الإسْـلَام وفي التأريخ بكل ما تعنيه هذه الدلالة بكل ما لها من أهمية أن يكون تأريخ المسلمين معتمداً على التأريخ الهجري على الهجرة النبوية وأن تكون الشهورُ الهجرية القمرية هي التي ترتبط بها الشعائر الدينية في الإسْـلَام كما هو الحال بالنسبة لصيام شهر رمضان كما هو الحال فيما يتعلق بفريضة الحج كما هو الحال في مناسبات متعددة.
ومع الأسف الشديد هناك في الوسط العام بين المسلمين هناك عزوفٌ كبير عن الاعتماد عن التأريخ الهجري، هناك اعتماد بشكل رئيسي على التواريخ الأُخْــرَى، التأريخ الميلادي وغيره، ولربما في كثير من بلدان العالم الإسْـلَامي، لولا أن هناك فرائضَ وشعائر دينية ارتبطت بالأشهر الهجرية والقمرية لربما والله أعلم لكان التأريخ الهجري بأسماء شهوره وتعداد سنواته قد انمحى واندرس بشكل نهائي.
من المهم ونذكَّرُ بهذا المقام أن نعيدَ إحياءَ الاعتماد على التأريخ الهجري وان تعودَ للمناسبات الدينية أهميتها على مستوى عام بين أَوْسَاطنا كمسلمين هذا هو الشيء الصحيح والشيء الذي ترتبط به الذاكرة التأريخية الأحداث، العِبَر، الدروس وما يرتبط بها من أُمُوْر مهمة وكثيرة كما هو الحال بالنسبة للشعائر والرسول صلوات الله عليه وعلى آله لهجرته من مكة إلى المدينة أَسْبَاب وعوامل ولمسألة الصراع الذي نشأ في مكة وادى إلى الانغلاق في ذلك المجتمع أَوْ في أكثرية ذلك المجتمع عن تقبل الرسالة والتصدّي لمشروع الرسالة الإلهية حتى كان هناك ضرورة للانتقال إلى مجتمع آخر وبيئة أُخْــرَى لهذا حكاية مهمة جداً هي حكاية كُلّ التأريخ وحكاية كُلّ الرسل وكل الأَنْبيَاء ولذلك ندخل في تمهيد عن الموضوع نتحدث فيه بشكل عام وما يواجهها من عوائق في واقع البشر.
اللهُ سبحانه وتعالى جعل رسالتَه إلى عباده من خلال رُسُله وكتبه وما يأتي به الرسل والأَنْبيَاء جعلها لعباده مشروع حرية ورحمة ومشروعاً إنقاذياً للعباد، الله سبحانه وتعالى أَرَادَ لعباده، أَرَادَ للناس ألا يستعبدهم احداً من دون الله ألا يكون الإنْسَانُ عبداً لأخيه الإنْسَان وأراد أن يحرر الإنْسَانُ من كُلّ أشكال الاستعباد وكل اشكال الاستغلال الظالم، ولذلك كانت الرسالة الإلهية بادئ ذي بدء تتجه إلى تخليص الإنْسَان من كُلّ أشكال العبودية لغير الله سبحانه وتعالى وغير الخالق الرب المالك والمقتدر والمنعم، فكانت القضية الأَسَاسية والجوهرية في حركة الأَنْبيَاء والرسل هي تخليص البشرية، تخليص الناس من كُلّ اشكال العبودية ومن كُلّ اشكال الاستغلال الظالم، والعمل على رعاية الدور الإنْسَاني وتوجيهه، الدور الإنْسَاني في الاستخلاف في الارض رعايته وتوجيهه على أَسَاس من المبادئ والقيم، وهذا ما تميّز به الإنْسَانُ كإنْسَان في طبيعة مسئوليته في الحياة ودوره الكبير في هذا الوجود كعنصر رئيسي، له مسئوليته الكبرى، له دوره الكبير، عليه الأمانة التي لم تحملها الجبال ولا السماوات ولا الارض، فيأتي هذا المشروع بناءً على هذا الأَسَاس؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ”؛ لأن الطاغوت هو حالة الاستعباد التي تتحكم بالناس وتستغلهم وتفرض هيمنتها المطلقة وتبعيتها العمياء عليهم، تدخل ضمن ذلك مظالم كبيرة مآسٍ كثيرة كوارث رهيبة في واقع البشرية، شقاء وهوان، انحطاط في القيمة الإنْسَانية والكرامة الإنْسَانية، فعلى مدى التأريخ كانت هذه قضية جوهرية في حركة الأَنْبيَاء، وفي حركة الرسل أَيْضاً، الرحمة بهذا الإنْسَان.
الرسالة الإلهية في كُلّ مضامينها في كُلّ تعاليمها في كُلّ توجيهاتها في كُلّ تفاصيلها هي تحقّق الرحمةَ، هي مصداقٌ لرحمة الله سبحانه وتعالى؛ لأنها تعاليم تسمو بهذا الإنْسَان، ترتقي بهذا الإنْسَان، تزكي هذا الإنْسَان، وفي نفس الوقت تعالجُ الكثيرَ من مشاكل الإنْسَان، بل وتَحُوْلُ دون الكثير والكثير من المشاكل فيما اذا تمسك بها الإنْسَان، وتضمن له في هذه الحياة الطبية بكل ما تعنيه مفردة حياة طيبة بكل جوانبها، وتؤسس في المجتمع الإنْسَاني الروابط والعلاقات القائمة على أسس سليمة وعلى أسس صحيحة.
وهكذا تمثّل رحمةً من كُلّ جوانب الرحمة فيما يدفع عن هذا الإنْسَان الكثير من المظالم، من المآسي، من الاضطهاد، من الامتهان، من الاذلال من القهر، فيما يحقّق لها العدالة في حياته والخير في حياته وخير الدنيا والآخرة، فيما ينقذه من تبعات انحرافاته ومظالمه وخروجهِ عن الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة من عذاب الله الأَكْبَر؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”، كذلك في الرسالة الإلهية غاية تتوجه رأساً إلى داخل الإنْسَان إلى أعماقه هذا الإنْسَان، يراد له أن يكون متميزاً بين سائر الموجودات والدواب على هذه الأرض، ان يكون إنْسَاناً مكرّماً كما كرمه الله في قلبه وكما كرمه الله في تدبير شئون حياته التكوينية، أَيْضاً في واقعه الحياتي العملي السلوكي الأَخْلَاقي، ان يكون راقياً أن يكون زاكياً أن يكون مهذباً أن يكون مستقيماً أن يكون طاهر القلب زكي النفس مستقيم السلوك، سليم اللسان راشداً في التفكير في التصور في الموقف في العمل، وهكذا أَرَادَ الله لهذا الإنْسَان وهذا ما تسعى له الرسالةُ الإلهية مع هذا الإنْسَان، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: “كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ”، فهي ترتقي بالإنْسَان تُعَلِّمُه، تزكيه، ترتقي به نحو الأعلى نحو السمو نحو الزكاة نحو الخير نحو الرشد نحو الفضائل نحو مكارم الأَخْلَاق.
هذا المشروع الإلهي بكل ما يهدفُ إليه ويسعى له يصطدم مع فئة من البشر ترى فيه مشكلة عليها وترى فيه خطراً يهدد ما تعتبره مصالح لها، هذه الفئة هي الفئة التي تسعى إلى التحكُّم بالناس إلى الاستعلاء عليهم، إلى الاستغلال لهم، إلى الاستئثار بخيراتهم، إلى فرض رغباتها وما تراه مناسباً فيما يحقق لها على وجه الخصوص ما تريده وما تسعى له ولو كان على حساب بقية البشر ولو كان بمضرة جميع الناس، لا مشكلة عندها.
هي تريدُ أن تفرضَ نفسَها ان تفرضَ إرادتها ان تفرضَ ما تراه لمصلحتها على كُلّ الناس هذه الفئة المستعلية والمستأثرة، هذه الفئة المتغطرسة هذه الفئة الظالمة هذه الفئة التي هي فئة أنانية يسميها القرآن الكريم بالمستكبرين “الذين استكبروا” هذه الفئة تصطدم بالشروع الإلهي بالرسالة الإلهية لأنها تريد أن تكون هي المتحكمة بالناس بينما رسالة الله هي لتحرير الناس من هيمنة كُلّ احد إلا الله سبحانه وتعالى الخالق والمالك هذه الفئة هي تريد أن تهيمن بظلمها وطغيانها وجبروتها وشهواتها واهوائها ورغباتها وهي تنطلق من الدافع الغريزي وليس من الدافع الإنْسَاني ولا من خلال الاحتكام والالتزام بالقيم والأَخْلَاق لا، هذه الفئة تتجه فوراً إلى التصدّي في المشروع الإلهي فواجهت الرسلَ وواجهت الأَنْبيَاء وواجهت وَرَثتَهم الحقيقيين الذين حملوا مشروعَهم في أَوْسَاط البشرية ينادون به ويعملون لإقامته ويدعون اليه، واجهوا على مر التأريخ، وهذا هو الحال معهم وهم كما قلنا فئة استعلائية استئثارية بغير حق تتحكم، يصفها القرآن الكريم بالمستكبرين، وأحياناً بالطاغوت، أول هذه الفئة كان هو إبليس، إبليس هو اول من استكبر واستعلى وجحد الحق ورفض الاذعان لله سبحانه وتعالى وذلك قال الله عنه عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا كلهم اذعاناً لأمر الله قال تعالى “إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ” ويحكي لنا القرآنُ الكريمُ في سورة الأعراف وفي سور أُخْــرَى كيف كان موقفُ الذين استكبروا من أقوام الأَنْبيَاء والرسل، الموقف الرافض للرسالة الإلهية المكذّب بها والمعادي لها، ويحكي بعد رسالة الأَنْبيَاء كيف تكونُ ردةُ فعل أُولئك “قال الملأ الذي استكبروا من قومه” وَ”قال الملأ الذين استكبروا من قومه”، “قال الملأ الذي كفروا من قومه” وهكذا كثيراً وكثيراً يحكي كذلك عن نموذج من نماذج الاستكبار متمثلاً بفرعون، ويقول سبحانه وتعالى “ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ” يتحرك هؤلاء المستكبرون في مواجهة رسالة الله بأشكال متنوعة، طبعاً البعض منهم التكذيب والجحود التام الإذعان والقبول عندَ الضرورة وعندما تفرض الأَوْضَاع نفسها عليهم وتغلب الرسالة الإلهية ثم يعملون من الداخل على التحريف للمفاهيم وعلى الاحتواء للمفاهيم وعلى السيطرة بشكل جديد والظهور بوجه آخر مختلف.
المستكبرون ينشطون يواجهون الرسالةَ الإلهية في مبادئها المهمة وقيمها العظيم وهدفها بتحرير الإنْسَان، إنقاذ الإنْسَان وتكريم الإنْسَان وتحقيق العدالة للبشرية، وبالطبع ينشطون بين أَوْسَاط الضعفاء بين أَوْسَاط بقية فئات المجتمع من حولهم؛ لأن المستكبرين لا يعيشون في واقعهم حالة انعزالية لا.. أَسَاساً الاستكبارُ عملية ترتبط ما بينهم وبين الآخرين، هم يستكبرون على الآخرين، يستكبرون على الضعفاء، يستكبرون على بقية فئات المجتمع من حولهم بهذه النزعة لديهم وتلك الغطرسة بذلك التحكم والطغيان بتلك الهيمنة بذلك الاستئثار والاستبداد، لديهم هذا التوجه، فهم يتجهون إلى المجتمعات من حولهم لضمان الهيمنة عليها بكل الوسائل والأَسَاليبِ.. فئةٌ واسعةٌ من أَبْنَاء المجتمع هي أَوْ الكثير منها يخضعُ لهم، يلبي رغبتهم الاستكبارية من خلال الاذعان والتقبل المطلق والتبعية العمياء لهيمنتهم وسيطرتهم هذه الفئة يسميها القرآن بالضعفاء، ولربما الكثير من المجتمعات والكثير من الناس أفراداً ينظر إلى واقعه فيعتبر نفسَه ضعيفاً؛ إما بضعف الإمْكَانيات كأن يكون فقيراً فيعتبر نفسَه ضعيفاً؛ لأنه لا مال له لا ثروة له، هو ضعيفٌ بالنسبة إلى ذوي الغنى والثروة أَوْ باعتبار أن أُولئك يشكّلون المستكبرين من موقعهم السلطوي والمادي وثرائهم وأخذهم بأَسْبَاب القوة، مظهر من مظاهر القوة فيرى الآخرون أنفسهم ضعافاً أمامهم أَوْ ضعفاء تجاههم فيعتبرون أنفسهم في حالة الضعف، الكثيرُ من هؤلاء الضعفاء الذي هو ضعيفٌ لفقره أَوْ ضعيفٌ لقدراته أَوْ لإمْكَاناته أَوْ لأي اعتبار آخر ينجذبُ نحوَ هؤلاء المستكبرين فيشكّل الضعفاء فئةً واسعةً وَأداة مهمة يعتمدُ عليها المستكبرون، المستكبرون دائماً هم أقلية ولكن لها جمهورٌ واسعٌ وعريض ولها قوة تعتمدُ عليها، وهذا من العجيب جداً، أَمّا الضعفاء ينظرون إلى المستكبرين كقوة والمستكبرون ما كانوا أَسَاساً أقوياء الا بالضعفاء وانظر في التأريخ في كُلّ التأريخ إلى كُلّ طاغية إلى كُلّ مستكبر تجد ان جيشَه وقوتَه وعتادَه وإمْكَاناته تعتمدُ في الأَسَاس من خلال ما سيطر عليه من خلال أَدَوَاته التي واحدة منها القدرة البشرية ما لديه من جيش ما لديه من أنصار وهم يشكلون في واقعهم العام وطبقتهم الساحقة من فئة الضعفاء، فالمستكبر قوي بالضعفاء والضعفاء انخدعوا ورأوا في المستكبر أنه يشكّلُ قوة فانجذبوا إليهِ بحكم إحساسهم بالضعف للانضواء تحتها إمَّا اذعاناً وأما رغبة وميلاً ولهذا يحكي القرآن الكريم هذه الحالة حالة الانجذاب لدى فئة واسعة من الضعفاء الانجذاب الذي يوصلهم إلى الذوبان إلى التبعية العمياء إلى الطاعة المطلقة إلى جعل أُولئك المستكبرين أنداداً من دون الله يطيعونهم أكثر من الله وفيما يعصي الله فيما هو معصية لله سبحانه وتعالى فيقول جل شأنه “ومن الناس مَن يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحُبّ الله” تصبحُ حالةُ الانجذاب انجذاباً بمحبة حتى وتصل حالةُ التبعية العمياء والطاعة المطلقة والاستسلام التام والخضوع المطلق إلى هذا المستوى الذي يسميه القرآن أنهم جعلوهم أنداداً من دون الله ارتبطوا بهم بطبيعة الارتباط الذي ينبغي ان يكونَ بينهم وبين الله سبحانه وتعالى ” يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ”. ونلاحظ هنا ان عاملَ القوة من خلال الآية القرآنية نلاحظ ان عامل القوة مثّل عامل انجذاب للبعض من الضعفاء إلى أُولئك المستكبرين لأنهم رأوا فيهم الأقوياء فأرادوا ان يستمدوا قوةً من قوتهم فانجذبوا إليهم بهذا العامل ثم يقول “إذ تبرأ الذين اتبعوا” هي علاقة تبعية كيف جعلوهم أنداداً؟، هل كانوا يصلون لهم صلوات كمثل الصلاة التي يصليها لله سبحانه وتعالى؟ لا، المسألةُ مسألةُ تبعية عمياء تبعية في كُلّ شيء في الحق والباطل والصحيح والغلط في الطغيان في الظلم تبعية عمياء لهذا قال “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا”؛ لأن هذه الحالة التي جعلوهم فيها انداداً من دون الله هي حالة تبعية عمياء ومطلقة فيوم القيامة تبرأوا منهم “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ” إلى آخر الآيات المباركة.
عاملٌ آخر من عامل الانجذاب هو الترَفُ، المال، الحرص على الحصول على شيء من حُطام هذه الدنيا، في العادة معظم هؤلاء المستكبرين الفئة المؤثرة الفئة السلطوية منهم التي لها تأثيرٌ كبير في واقع الناس وتحكم كبير، فئة تتمتع بقوة المال بقوة النفوذ بقوة السلطة ويمثل عاملَ المال عاملاً مؤثراً جداً، وهذه الفئة هي توصفُ في القرآن الكريم بالمترفين أَيْضاً، هؤلاء المترفون الذين لديهم استحواذ واستئثار وحرص على الجمع والادخار وعلى الثروة وعلى التوظيف لهذه الثروة بالاتجاه الخطأ ونزعة استعلائية ونزعة بطر ونزعة غرور بما لديهم من مال ونزعة استعلاء بما لديهم من ثروة هؤلاء هم أَسَاساً يشكلون النواة الرئيسية داخل فئة المستكبرين، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى “وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا” على مدى التأريخ كله في كُلّ زمن “إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا”، فكان لديهم النزعة الاستعلائية بما أنهم الأكثر مالاً الأكثر ثروة ان يكونوا هم فوق المجتمع بكله، المتحكمين بالمجتمع، النافذين في المجتمع المسيطرين على المجتمع الفارضين لرؤاهم ورغباتهم وأطماعهم وشهواتهم وأهوائهم بشكل عام عَلى المجتمع “وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ” وينشط المستكبرون لضمان استحواذهم على الناس وسيطرتهم ويسعون إلى الاستحواذ الكامل على الإنْسَان من حولهم على المجتمعات من حولهم التحكم بها في عقائدها في توجهاتها في مواقفها في سياساتها في كُلّ شئون حياتها وهذه حالة سيئة جداً هذه حالة استعباد حالة تضليل رهيبة جداً، والقرآن الكريم يحكي لنا كيف كان هذا من أَهم العوامل المؤثرة التي حالت بين الكثير من الضعفاء والمستضعفين من فئات المجتمع الأُخْــرَى وبين الاقبال إلى الحق، تقبل الحق الإيمان بالحق كيف كان هذا عاملاً مهماً ومؤثراً في التظليل بالناس فيقول الله سبحانه وتعالى “وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ “، لا إله الا الله في موقف القيامة موقف الحساب والجزاء، حيث الكل في مقام الاستسلام والاذعان لله بالعبودية والخضوع التام ورب العالمين “موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول”، يتجادلون ويتناقشون ويتخاصمون “يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ”، فالذين استضعفوا فخضعوا وتأثروا وأذعنوا واستسلموا للذين استكبروا فاطاعوهم واتبعوهم وخضعوا لهم يوم القيامة يرون أنفسهم في حالة الخسران والندم الشديد فيخاطبون المستكبرين يلقون باللائمة عليهم وهُم في حالة تغيض وغضب رأوا أنفسَهم قد خسروا كُلّ شيء لمصلحة أُولئك المستكبرين فكانوا خاسرين في الآخرة كما خسروا في الدنيا لولا أنتم لكنا مؤمنين “قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ”، هل علينا اللائمة هل علينا المسئولية أنتم قد وصل اليكم الهدى وصل اليكم صوت الحق وصلت اليكم رسالة الله لاستنقاذكم وخلاصكم وهدايتكم لم يكن دورنا على المستوى الذي يحول تماماً دون وصول الهدى إليكم وصل إليكم الهدى لكنكم لم تقبلوا به فاخترتم الاتجاه الآخر، اخترتم طريقتنا والسير معنا والخضوع لنا بل كنتم مجرمين كنتم أنتم منحرفين من أصلكم واخترتم طريق الإجرام لأنكم مجرمين (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا.. يلقون من جديد باللائمة عليهم أنهم بمكرهم بمساعيهم باستخدامهم كل الوسائل لتأثير والتضليل التي تنحرف بالإنسان لدرجة الكفر بالله سبحانه وتعالى، إلى درجة اتخاذ الأنداد من دون الله سبحانه وتعالى.
ولذلك نلحظ بأهمية المسألة، الأهمية الكبرى أنها هي كانت العامل الرئيس في الانحرافات الكبرى في واقع البشر لدرجة عجيبة جداً.
لو نأتي على مدى التأريخ إلى الأقوام والأمم التي كانت وثنية وعبدة الأصنام وعبدة الشمس أو القمر أو المخلوقات أو الأشجار أو المجسمات أو أي كان.. الأمم الوثنية هذه هل كانت إلى الأحجار إلى الأصنام إلى المجسمات الأخرى تنجذب من نفسها، فئات المجتمع، عامة المجتمعات، هل كانت تنجذب من نفسها نحو الصنم، لا.
الصنم الحجري الذي كان موجوداً في الواقع العربي والذي لا يزال موجوداً في أو كان موجوداً عبر التاريخ أقوام أخرى كحالة عجيبة جداً أن يتجه البشر ليصنعوا أحيانا هم أو يشتروا أحياناً أخرى صنماً حجرياً فيجعلون منه آلهة.
حالة غريبة، غريبة جداً، من أغرب الحالات في واقع البشرية، هل هي حالة انجذاب نحو الصنم؟ لأن الصنم الحجري أثر عليهم، أقنعهم، تحدث إليهم، أغراهم، خاطبهم، قدم لهم إغراءات معينة، قدم أشياء معينة أثرت عليهم، لا، لا يوجد أصلاً ما يمكن أن يعزز هذا الارتباط أو يصنع هذا التوجه الغريب جداً بعبادة جمادات، كائنات أخرى مخلوقة، الإنسان أرقى منه، الإنسان أرقى من الصنم وأرقى من الحجر وأرقى من الكائنات والجمادات الأخر، فكيف كان يحدث ذلك؟
هذا هو شغل المستكبرين، المضلين وهم كانوا يفعلون ذلك لأنهم يفرضون واقعاً معينا على الإنسان يضمن لهم التحكم التام بهذا الإنسان، والصرف له والإبعاد له عن كل ما يحرره من العبودية لهم، فنجد في حركة الرسل والأنبياء كيف كانوا يلحظون ذلك.. لأنها بالدرجة الأولى حالة انجذاب وحالة تبعية.
نبي الله ابراهيم عليه السلام يخاطب قومه فيقول لهم: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا)، بفعل هذا الارتباط، بحكم هذه الروابط والعلاقات والتبعية التي أثرت لهذه الدرجة، بهذا المستوى، فاتخذوا من دون الله أوثاناً نتيجة هذا الانجذاب، هذه المودة، هذا الحب الغبي، الجاهل.
“مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين”.
نبي الله نوح عليه السلام وهو يشكو الله سبحانه وتعالى بعد 950 عاما من جهوده في هداية قومه: (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) – هذه مشكلتهم، اتبعوا أولئك المستكبرين من ذوي الثروة والجاه والسلطة والتأثير من ذلك الموقع.. موقع السلطة الثروة والاقتدار المادي،ـ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا.. ومكروا مكراً كبارا، وقالوا – أولئك- لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ونسرا وقد أضلوا كثيراً”، كان هذا إضلالاً منهم..
في حركة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما واجهه مع تلك الفئة المستكبرة، يقول الله سبحانه وتعالى: (وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشي يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الأخرة إن هذا إلا اختلاق، أأنزل عليه الذكر من بيننا – انطلق الملأ منهم، الفئة المستكبرة، الملأ، تحركوا هم، ولو تركوا المجتمع ولم يحاولوا أن يضغطوا عليه وأن يؤثروا فيه لكان أقرب بكل تأكيد إلى الاستجابة، ولكن لا يعني ذلك أنه لا لوم على المجتمع.. ولا لوم على المستضعفين، المستضعفين لا مبرر لهم في هذا الانجذاب الأعمى، الضعفاء الذين انجذبوا بفقرهم إلى أولئك ليخدموهم، ليخضعوا أنفسهم لهم، ليكونوا معهم في كل شيء حتى، في الباطل، حتى في الظلم، حتى في الفساد، حتى في الطغيان، الذين انجذبوا بدافع القوة أو نحو القوة، رأوا في أولئك أقوياء، لا مبرر لهم.. لأنهم إنما استقووا بهم، استقووا بثرواتهم وهذا من أهم المسائل التي يجب أن يلتفت إليها الضعفاء والمستضعفون الذين هم يشكلون الفئة الواسعة في المجتمعات، أن أولئك كانوا مستأثرين بثروتكم أيها الضعفاء وكانوا أقوياء عسكرياً وسلطوياً حينما يجعلون منكم أنتم جيوشاً لهم، أذرعة لهم، أيادي لهم، يبطشون بكم، ويظلمون بواسطتكم، فلو تحرر المستضعفون لكانوا هم أقوياء؛ لأن أولئك إنما استقووا بهم ولكانوا هم الذين ينعمون بثرواتهم التي استأثر بها أولئك عليهم وهذا ما يحدث في كل زمان حتى في زماننا هذا، إئت إلى الأنظمة المستكبرة، إئت إلى أمريكا إلى اسرائيل إئت إلى الأنظمة المستكبرة في واقعنا العربية والإسلامي، نفس المسألة، استثأروا بثروة الأمة، فرأى فيهم الكثير من الفقراء أنهم أغنياء بما حازوه من ثروة، أخذوا فيها الكثير والكثير على الضعفاء وعلى حقوقهم وعلى حسابهم، وإئت إلى قوتهم العسكرية كيف شكّلونها من المجتمعات.. تسعون بالمائة أو قد يكون 99 % منهم من الضعفاء أو أن الكثير من الأغنياء يذهب ليتجند لا.
حالة الاستقطاب دائما ما تكون نشطة بين هذه الفئة الواسعة، فئة الضعفاء، هذه الفئة ترى خسارتها كبيرة يوم القيامة؛ لأنها ترى أن أولئك نعموا، عندما تذهب حالة العمى، عندما يستفيقون الضعفاء الذين أتبعوا المستكبرين، عندما يستفيقون يوم القيامة من غفلتهم يدركون أن أولئك إن ما كانوا أقويات وتمتعوا بما تمتعوا به في الدنيا من ثرواتهم وبهم، أما هم فكانوا خاسرين.
يقول الله عز وجل حاكياً عن مشهد القيامة: (وبرزوا لله جميعاً، -برزوا في ساحة الحساب، في موقف الحساب، في عرصة القيامة، برزوا لله جميعاً للحساب والسؤال، حينها أدرك الضعفاء خسارتهم، خسروا كل شيء لصالح ما متع به المستكبرون.
وبرزوا لله جميعاً، فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً – كنا في الدنيا لكم تبعاً- وتبعيتنا هذه العمياء، تبعيتنا لكم في الباطل في الظلم في الغلط في الاستكبار، تبعيتنا لكم التي شكلت مصدر قوة لكم، ساعدتكم على الهيمنة، وعلى الظلم، وعلى الطغيان، وعلى التحكم بعباد الله وعلى التحكم بالناس، كانت خسارتنا كبيرة، كان ذنبنا، كان سبب هلاكنا.
اليوم ما الذي ستقدمونه لنا في الآخرة في مقابل ما قدمتوه لنا في الدنيا.. قاتلنا من أجلكم في الدنيا، تمكنا من ظلم الناس والهيمنة عليهم ونهب خيراتهم وثرواتهم.. اليوم ما الذي ستقدمونه في المقابل. (إنا كنا لكم تبعاً، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء.. ولو بعضاً من العذاب، قالوا لو هدانا الله لهديناكم، قالوا ليس بإمكاننا اليوم أن نقدم لكم أي شيء.. الشيء الذي يمكن أن يفيدنا ويفيدكم جميعاً في الدنيا، كان هو الهدى الذي جاء من الله، كان هو رسالة الله، توجيهات الله، تعليمات الله، التي أرادت لهذا الإنسان الحرية من الاستعباد والحرية من الاستغلال الظالم والحرية من الاستبداد والحرية من الامتهان وأرادت وقدمت مشروع العدل في الحياة.. سواء عليهم أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص.
يوم أتى بالأجنبي إلى بلده، ويوم رأى نفسَه لا يستطيع أن يتخذَ أي قرار إلا بعد موافقة ذلك الأجنبي، قد يرى نفسَه أنه عبقري في ذلك، ليس عبقرياً، أن تبيع نفسك، أن تبيع أرضك، أن تبيع ثروتك، والله إن الذي يعطونكم من الفلوس لا يساوي شَيئاً بجانب ما يأخذونه ويريدونه من الثروات على مدى المستقبل، أُولئك القوم حسبوا حسابَ المستقبل، يا قوم، اعرفوا ما هو الذي تقدمونه لهم، إنكم تخسرون، إن الذي يعطونكم هو القليل من الأموال، لكن الذي يريدونه هو الكثير الكثير المختزنة في باطن الأرض في حضرموت وفي شبوة، وهو ما يمكن أن تكسبوه أنتم لو كنتم أحراراً واخترتم لأنفسكم سبيلَ الحرية، لَكنتم أنتم من تستفيدون من هذه الثروة، لا أن تعطوها لهم مقابلَ القليل القليل.
كان بالإمْكَان أن تكونوا أحراراً، وأن تكونوا مع بقية وطنكم، من يستفيد من كُلّ ما هنالك من ثروات وامتيازات تسابق عليها أُولئك؟، لم يأتوا وهم يتسابقون خدمةً لكم، حناناً عليكم، اهتماما بكم، وتزاحموا عليكم، كُلٌّ يريد منهم أن يكونَ هو الذي يخدمكم، لا، الأمريكي يحتاج أن يتدخلَ ليوزع الأدوار من المزاحمة، هل تظنون أنهم يتزاحمون أيهم يقدم لكم خدمة أكثر؟، ما بين السعودي وما بين الإماراتي وغيرهم، لا، ليس الأمر كذلك، هم يتزاحمون على موانئكم؛ لأنها استراتيجية ومهمة يمكن أن تشكّل لهم ثروة مهمة في المستقبل، على المناطق التي لديهم عنها هم معرفة استكشافية بما فيها من المخزون الهائل النفطي الواعد في المستقبل، لماذا لا تحسبون حساباتكم بالشكل الصحيح؟ حتى بَعيداً عن المبادئ، بَعيداً عن القيم، بَعيداً عن الأَخْلَاق، بحساب الدنيا أنتم خسرتم، بحساب المصالح العمياء والأطماع أنتم خسرتم، واللهِ لم تربحوا لا بحساب الدين ولا المبادئ ولا الأَخْلَاق ولا الإنْسَانية ولا بحساب الدنيا والأطماع، بعتم الكثير الكثير، والمهم والأهم، وحصلتم على القليل التافه، اليسير، بيع بخس، بخس، وغبن، وبنتم بشكل كبير جداً، في المناطق الشرقية كذلك هو الحال، المناطق الشرقية السعودي يطمع فيها، الأمريكي يطمع كذلك وعن طريق السعودي يشغله، وشركات أمريكية حاولت في الماضي، والسعودية كان لها دور كبير في منع أيّ نشاط في بعض المناطق الشرقية، الجوف السعودية منعت لمرات متعددة أن يكون هناك نشاط لاستخراج النفط في الجوف، حتى تضمن أن يكون هي أول من يستفيد من، وتريد كذلك في مناطق أُخْــرَى، في المناطق الشرقية، لها هذه الأطماع، وكان بالإمْكَان للطامعين هناك من الأغبياء الذين باعوا أنفسهم بالثمن البخس، وباعوا أوطانهم بالثمن البخس كذلك أن يفكروا حتى بحساب الدنيا، وبحساب الربح والمصلحة، وبحساب الطمع والجشع بطريقة صحيحة.
يا قومُ كونوا عقلانيين حتى بحساباتكم القائمة على الطمع والهلع، ولا تنطلقوا من منطلق الخسران، الرخص الدناءة، ولكن البعض، البعض مفلس، مفلس إنْسَانياً، دنيء النفس، دنيء النفس، لا يثق بنفسه، لا يثق بشعبه، لا يثق بمجتمعه، لا يرى في مجتمعه اليمني بكله إلا أنه مجتمع يؤدي هذا الدور، اليوم ماذا أصبحتم؟ كلكم، من عبدربه إلى أصغر واحد، أصبحتم مجرد مأُمُوْرين ومرتزِقة، الأمريكي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور، الإماراتي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور، السعودي لا يقبل لكم إلا بهذا الدور، للأسف نحن نأسى لحالكم أن تقبلوا انتم لأنفسكم أن يكون هذا كُلّ ما تحصلون عليه، مأُمُوْرين، تنتظرون الأوامر والتوجيهات من السعودي وهو ينتظرها من الأمريكي، من الإماراتي وهو ينتظرها من الأمريكي، خسئتم بهذا الحال، فكروا، لكن بقية الشعب اليمني ليس حاله كحالكم، الكثير الكثير من أَبْنَاء هذا الشعب ليسوا دنيئون كما أنتم، لا يرضون لأنفسهم بهذا الواقع الذي رضيتموه لأنفسكم، لا يقبلون إلا أن يكونوا أحرارا، وأن يكونوا أعزاء وأن يكونوا شرفاء، بالإنْسَانية، بالفطرة وبالدين والإيمان، بالانتماء وبالهوية، أنتم لم يعد لديكم مبالاة بالهوية، البعض منكم أصبح يمجد النظام السعودي أكثر من شعبه بصراحة، البعض حاضر، إنما السعودي محرج وإلا البعض قالوا له، يا أخي شل بلدنا، شل حضرموت واحسبها لك، نحن نريد الانضمام تحت لواء التوحيد، البعض منكم عمل هذا، يعني ناس مفلسين، البعض في المناطق الشرقية هكذا، ليس عنده مانع، البعض والله لو قتل السعودي، النظام السعودي، أَوْ الأمريكي أَوْ أياً كان لو قتلوا أمه وأباه وأخاه لما استثاروا فيه أيَّ حمية ولا ضمير، هم يقتلون الآلافَ من الأطفال والنساء في مجتمعه ولا يبالي، متبلد الإحساس، لم يعد لديه حتى إنْسَانية، لكن هذا الشعب، فيها الكثير الكثير، فيه الأغلبية الساحقة، من أُولئك الذين وجدناهم حتى مع هذا الحصار الاقتصادي وهذه الحرب الاقتصادية، رأينا الكبير في السن، الطاعن في السن رجالاً ونساء، شيبة وعجوزاً يخرج ليتبرع للبنك المركزي مما يملك وهو يملك القليل القليل من أقصى الظروف، رأينا الطفل وهو يقدم جعالته، رأينا رب الأسرة وهو يُخرج من قُوت أسرته، يتبرع للبنك المركزي، ورأينا البعضَ من التجار الشرفاء وهو يذهب ليودعَ من أمواله، هذا هو الشعبُ اليمني الذي شاهدناه في التلفاز معطاءً وكريماً وسخياً، وهو الذي شهدناه أَيْضاً في ميدان الشرف، في ميدان البطولة، رأينا رجاله وتصب عليهم آلاف القذائف، آلاف الصواريخ، آلاف القنابل التي هي من أعتى وأفتك أنواع الأسلحة المصنعة حديثا بكل أشكالها وأنواعها، فلا يبرحون الأرض إلا شهداء، وحينما تصل جثامينهم الطاهرة إلى مناطقهم يستقبلهم أهاليهم وتستقبلهم أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم ليزفوهم وكأنهم في مقام عرس ومناسبة عرس بكل عزة بكل إباء بكل شموخ، ونرى دائماً الصبر، الأسر الكثيرة التي قدمت معظم رجالها وهي صابرة شامخة ثابتة، لم تهن، ولم تضعف مع كُلّ المعاناة، لكن صبر، صُبُر عند الحرب، صُدُق عند اللقاء، هكذا كانوا كما كان آباؤهم وأوائلهم تحت راية رسول الله، هم اليوم كذلك تحت راية الإسْـلَام في مواجهة قرن الشيطان، إن الرسول هو الذي سماه قرن الشيطان ويجب أن نسميه بهذه التسمية وأن نتحدث عنه بهذا التوصيف، لأنه يمثل لعنة تأريخية له بكل ما يرتكب من ظلم وإجرام وطغيان يتودد به إلى أمريكا، وغريب حالهم.
والله إن حالَ كُلّ العملاء في مختلف فئاتهم غريباً جداً، الذي يجازيه به الأمريكي هو المزيد من الابتزاز، والمزيد من الابتزاز، وهكذا، كلما تودد أكثر، كلما قدم خدمات أكثر، كلما ابتزه أكثر، وكلما استحوذ عليه وطمع فيه أكثر وأكثر، والحال واحدة عند الإماراتي وعند السعودي، عند السعودي أكثر.
القانون الذي أصدرته أمريكا، هذا القانون هو قانون سيء، وخطير على كل بلدان العالم الإسلامي، ولكن الخسارة فيه أكبر على عملاء أمريكا، الآخرون لا جديد بالنسبة لهم، أمريكا تعاديهم، أمريكا تستهدفهم، أمريكا وإسرائيل تستنهض كُلّ العالم ضدهم، لكن العملاء، هكذا تقابلكم أمريكا رغم كُلّ ما عملتم، راجعوا حساباتكم، صححوا توجهكم.
أما لشعبنا اليمني فأقول، في مواجهة كُلّ هذه التحدّيات، وفي مواجهة التحدّي الاقتصادي نتيجة الحصار، نتيجة التدمير، نتيجة المؤامرات والمكائد، نتيجة نقص الوعي عند البعض من رجال المال والأعمال، نتيجة تراكمات، التي هي تراكمات لعقود من الزمن، نتيجة الاستهداف والمكائد التي لها أشكال وألوان، نحن اليوم معنيون بالثبات والثبات، وبالصبر وبالتضامن وبالتعاون وبالتوحد، وبتضافر الجهود، ونحن اليوم أمام فرصة تأريخية لأن يكون مخاضُ هذه التحدّيات وهذه المعاناة ولادةً جديدةً لشعبنا اليمني، ولادة وتحركاً وانطلاقاً نحو المستقبل، من مخاض كُلّ هذه الآلام والمعاناة، تحركاً عظيما وفاعلا قويا، بأبهة وعظمة وقوة، وبزهو ومقام وشرف ذلك التحرك الذي تحرك به الأنصار، من مخاض آلام وأوجاع ومعاناة وتضحية وتقدمة من النفس والمال تحت راية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اليوم في مواجهة قرن الشيطان، في مواجهة التحدّيات، نتيجة العدوان الأمريكي السعودي، نتيجة كُلّ هذه الحرب الشاملة على كُلّ المستويات، نحن معنيون بالتحرك الجاد نخباً وجماهير، وعلى النخب اليوم مسؤولية وأنا أقول للنخب، هناك البعض جاد ومهتم وعملي، لكن الحالة السائدة لدى الأغلب، لم يصل البعض إلى مستوى المسؤولية ولا إلى مستوى التحدّي ولا إلى مستوى الواقع، الذي تفرضه علينا المسؤولية أكثر والذي بمقدوركم أكثر، كونوا عند مستوى ما يمكن أن تقدموه، وفي مستوى ما يؤمل منكم.
في كُلّ المجالات، الأكاديميون اليوم معنيون بمختلف فئاتهم، توجهاتهم، مجالاتهم، أن يتحركوا، بقية الفئات، بقية التكوينات الاجتماعية معنية أن تتحرك، كما يتحرك كُلّ أُولئك الجماهير، الله تتحرك وتبذل الشيء العظيم، وأنتم رأيتم كيف كان تجاوبهم في موضوع البنك والتعاون مع البنك، نحن معنيون اليوم أن نتحرك جميعا، خيارنا هو الثبات، هو العمل الجاد، هناك الكثير من الأمم تحركت حتى غير مسلمة كما قلنا في كلمة سابقة، وولدت من مخاض أحداث كبرى، وأوجاع كبرى، وحتى من مجاعات وقتل وحروب وواقع أسوأ مما نحن فيه، وُلدت أمما كبيرة في الأرض، لا حاجة لي إلى ذلك الأمثلة، أنا أخاطب الأكاديميين أن ينشطوا حتى في حلقات، وكذلك في التلفزيون، في الصحف، في النشاط الميداني بين أَوْسَاط المجتمع، ووفق رؤية مدروسة وتحرك واضح، ليقدموا الدروس، العبر، الأمثلة، الشواهد للأمم الأُخْــرَى، ولكن نقول أن الهجرة النبوية، أن نشاط الإسْـلَام الأولى تمثل درسا مهما، إن الله قال: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين)، كُلّ الأَنْبيَاء كان لديهم أعداء، كُلّ نبي مع ما عليه النبي من عظمة من أَخْلَاق من قيمة إنْسَانية، من مقام إيماني، من مقام الرسالة العظيم، له أعداء يعادونه، يقفون في وجهه، يتحدونه، يواجهونه بكل المشاكل، فكيف ذلك؟ هل كان الأَنْبيَاء يخسرون بذلك؟ أم أن رسالة الله كانت تقوى بذلك، والمستضعفون الذين يحملون رسالة الله كانوا يقوون بذلك، ويدخلون التأريخ من أوسع أبوابه، (وكفى بربك هادياً ونصيراً).
اليوم المؤسسات الحكومية والمجلس السياسي الأعلى الذي منحه البرلمان الثقة وحمله المسؤولية، عليه اليوم مسؤولية كبيرة، وعلى كُلّ أعضائه، وأخاطب أعضاء المجلس السياسي فردا فردا، من رئيسه إلى آخر فرد فيه، عليكم اليوم مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام هذا الشعب، على المؤسسات الحكومية مسؤولية كبيرة، اهتموا بالجانب الاقتصادي، اهتموا بالجانب الإيرادي، اهتموا بكل المجالات، كونوا في مستوى المسؤولية وفي مستوى التحدّي، وفي مستوى الأمل الذي علقه فيكم شعبكم، لا تؤثر على عملكم أية مؤثرات أُخْــرَى، ولا تصدكم أي أُمُوْر أُخْــرَى أَوْ شواغل ثانوية أَوْ هامشية، مسؤوليتكم كبيرة أمام الله، وأمام هذا الشعب، وبالمناسبة، المجلس السياسي الأعلى الذي منحه البرلمان الثقة وحمله المسؤولية، على دول العالم مسؤولية كبيرة، وهي اليوم أمام امتحان، أمام اختبار، دائما تعلقون موقفكم السياسي باعتبارات دستورية واعتبارات قانونية وعلى هذا المسمى، البرلمان اعترف بهذا المجلس، حمله المسؤولية، كلفه، هو نتاج توافق وطني، اليوم نقول للعالم كله، لدول العالم، أنتم مفضوحون اليوم، لا يهمكم دساتير، لا يهمكم قوانين، لا يهمكم أنظمة، كله كلام في كلام، أنتم لديكم اعتبارات أُخْــرَى، تتعاملون مع الشعوب على ضوئها، الشعوب الحرة يمكن أن تكون متفهمة، البعض منها مضغوط وخانع وخاضع.
أقول لشعبنا وللجيش أَيْضاً فرصة، فرصة، وعلينا مسؤولية وأمامنا نموذج جاهز، حاضر، قائم في أَوْسَاطنا، هو القوة الصاروخية، أقول لكل مؤسّسات الجيش، وكل الذين في الجيش، بمختلف مكونات الجيش، والأمن، ولمختلف فئات الشعب، أنظروا إلى القوة الصاروخية، هي تحركت، رغم كُلّ الصعوبات وكل العوائق وكل هذا الحصار، وكل هذه السيطرة على الأجواء، وصنعت الشيء العظيم العظيم، لو ندرس، لو نقدم هذا معني به الجيش، وهذا معني به البعض في الجيش أن يتحدثوا أن يشرحوا للشعب، كيف كان حال القوة الصاروخية ما قبل العدوان، كان هناك من المعوقات ومن المعاناة ومن المحبطات الإشكالات الكثيرة، العوائق الكثيرة، ما يصنف به الاستفادة من القوة الصاروخية الموجودة على أنه في قائمة المستحيلات، لكن بفعل الرجال وصبرهم بثباتهم، بعنائهم، بتضحيتهم بعملهم، عمل، شغل، جد، واجتهاد وصبر، وسعي دؤوب في الليل والنهار، وقيادة للقوة الصاروخية، قيادة حرة، قيادة وطنية، قيادة مسؤولة، أمكن أن نرى القوة الصاروخية ضاربة وفي طليعة الموقف في البلد، يدا طويلة وقوية وحديدة وضاربة إلى عمق أُولئك المعتدين، وأصبحوا يخافون منها ويحسبون لها ألف ألف حساب، وأصبحت منتجة بالرغم من كُلّ الحصار وكل المعاناة، منتجة مطورة، مبدعة مبتكرة، هذا ممكن في كُلّ المجالات، وفي كُلّ الاتجاهات، ما علينا إلا أن نعمل أن نسعى، لا يجوز للبعض الذين يختارون لأنفسهم إضاعة الوقت في هذه المرحلة الحساسة والاستثنائية والتأريخية والمهمة جدا، إضاعة الوقت، إما يرقدوا، ولا هدرة كذا، كلام كلام كلام من دون نتيجة، الوقت وقت عمل، الوقت وقت تحرك، الوقت وقت لبذل الجهود على أرقى مستوى، المسؤولية أمام الله، المسؤولية أمام أُولئك الآلاف من الأطفال الذين مُزِّقوا إلى أشلاء، أمام صرخات النساء، وأمام المعاناة التي يعانيها شعب بأكمله، والأوجاع التي يعاني منها شعب بأكمله، المسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التأريخ وأمام هذا الشعب، أقول للجميع، تحركوا، اعملوا، ثقوا بالله، والله إنها فرصة إن تحركنا فيها نبتكر، نبدع، ننتج، نوجد البدائل، نواجه كُلّ التحدّيات، وكل ما سعينا إلى مواجهة تحد اقتصادي أَوْ عسكري أَوْ أمني، نبتكر، نبدع، نوجد البدائل، نرتقي فنبتني البناء الصحيح، الأمم العظيمة هي التي تحت ضغط التحدّيات، فتحولت إلى أمم قوية وفاعلة، اقروا التأريخ في الماضي والحاضر.
نسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يرحَمَ شهداءنا الأبرار، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي جرحانا ويفك أسرانا وينصر شعبنا المظلوم.
والسلامُ عَليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.
[الله أكبر, الموت لأمريكا ,الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود , النصر للإسلام]