مطامع امريكا في البحر الأحمر وباب المندب.
تقرير/ إبراهيم السراجي.
بدأت الولايات المتحدة خطواتها العملية لاستهداف باب المندب والسعي إلى السيطرة على السواحل اليمنية منذ شهر مايو الماضي عندما أعلنت عن مناورات بحرية مع عدة دول في البحرين، وتم الإعلان عن أسباب تلك المناورات بأنها للتدريب على مكافحة القرصنة البحرية، محددةً باب المندب على رأس أولوياتها.
بعد ذلك كشفت الحوادث الوهمية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة في باب المندب أن واشنطن بدأت تمارس بشكل عملي سياسة الذرائع الكاذبة التي استخدمتها لغزو العراق، بحجة أسلحة الدمار الشامل، التي تم الكشف لاحقاً عن عدم وجودها، وهذه المرة تسعى الآلة الاستعمارية الأمريكية بشكلها الحديث أن تسيطر على مضيق باب المندب والمياه الإقليمية اليمنية بحجة حماية بوارجها وحماية السفن التجارية من أعمال القرصنة.
ومنذ عملية الجيش واللجان الشعبية النوعية في الأول من أكتوبر الماضي التي أدت لتدمير بارجة حربية تابعة للقوات الإماراتية تسمى (سويفت)، بدأت الولايات المتحدة تشعر بقلق أكثر من أي وقت مضى من القدرات التي أظهر الجيش واللجان امتلاكها على ذلك النحو، وكان واضحاً توالي البيانات الصادرة عن البنتاغون التي تزعم بتعرض البارجة الأمريكية (ماسون) لقصف صاروخي دون أن تقدم أي دليل على ذلك، بالتزامن مع اهتمام إعلامي أمريكي عن وجود أخطار تواجه الملاحة الدولية على ذات النحو الذي فعلته أمريكا في فيتنام وبنما والعراق وغيرها.
انتظرت الولايات المتحدة عدة أيام بعد تدمير السفينة الحربية الإماراتية، لتعلن لأول مرة في 10 أكتوبر الماضي عبر وزارة الدفاع (البنتاغون) التي قالت إن المدمرة (يو إس إس ماسون) تعرضت لهجوم صاروخي (فاشل) في البحر الأحمر، ثم عادت وزارة الدفاع الأمريكية في مناسبتين لاحقتين بعد أيام من الإعلان الأول لتقول إن المدرة ذاتها تعرضت لهجومين آخرين، وقالت أيضاً أن الهجومين فشلا كسابقهما.
وفيما تؤكد قيادة الجيش واللجان الشعبية أنها ستستهدف أي سفينة حربية تدخل إلى المياه اليمنية، دون أخذ إذن مسبق، فإنها أكدت أنه لم يتم استهداف البارجة الأمريكية المتواجدة في المياه الدولية.
في حينه، قال الناطق باسم الجيش العميد شرف لقمان إن مزاعم استهداف مدمرة أمريكية قبالة السواحل اليمنية، تأتي في إطار الحرب الإعلامية والتغطية على الجريمة البشعة التي ارتكبها طيران تحالف العدوان بقصف صالة عزاء بالعاصمة صنعاء وأسفرت عن استشهاد وجرح أكثر من 700 شخص.
بعد الهجوم المزعوم الأول بأسبوع كشفت الولايات المتحدة عن تخبطها وفشلها في حبك الذرائع التي تسعى من ورائها لاحتلال باب المندب والسواحل اليمنية حيث رفضت وزارة الدفاع الأمريكية تأكيد ما إذا كانت المدمرة الأمريكية (ماسون) استهدفتها عدة صواريخ أطلقت من اليمن مثلما كان يُعتقد في بادئ الأمر قائلة إن مراجعة تجري للوقوف على ما حدث.
ورغم أن الولايات المتحدة كانت قد نفذت اعتداء مباشر على الأراضي اليمنية عندما قالت إن بارجتها أطلقت صواريخ على منطقة إطلاق الصواريخ المزعومة في اليمن إلا أنها عادت لتقول إنها ما تزال تجري مراجعات، حيث قال بيان الدفاع الأمريكية “لا نزال نقيم الوضع، لا يزال هناك بعض الأوجه لهذا (الحادث) التي نحاول أن نستوضحها بالنظر إلى التهديد المحتمل لشعبنا”، وهنا يظهر سؤالٌ وجيهٌ عن سبب إقدام الولايات المتحدة على الاعتداء على الأراضي اليمنية إذا لم تكن قد أصبحت واثقة من حقيقة الهجوم؟
لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية أي دليل يثبت تعرض بارجتها للهجمات المزعومة في البحر الأحمر، رغم أن البوارج والسفن الكبيرة تحتوي على كاميرات وأجهزة رصد ومراقبة يمكن من خلالها توثيق الهجوم، غير أن واشنطن كانت تريد أن تختلق الذريعة وتخلق لها هالة إعلامية كبيرة تثير الحديث عن تزايد الخطر على الملاحة الدولية، وهو أسلوب أصبح مكشوفاً للعالم كله وبات الأمريكيون يعترفون به فيما يخص عملياتهم واحتلالهم للممرات المائية في الماضي بعد رفع السرية عن تلك المعلومات.
ولأن المخطط الأمريكي يأتي وفق خطوات منظمة فكان الواجب أن يتم تنويع الهجمات المزعومة وعدم اقتصارها على اتهام الجيش واللجان الشعبية، ليتم الإعلان في 26 أكتوبر الماضي عن تعرض سفينة تجارية لهجوم قراصنة في باب المندب.
وقالت وكالة رويترز أن مسؤولين بقطاعي الأمن الشحن من مجموعة “تيكاي” للشحن قالوا إن مهاجمين مجهولين هاجموا ناقلة غاز قبالة سواحل اليمن قرب مضيق باب المندب.
وسارعت الوكالة إلى إلحاق الغاية من الإعلان عن الهجوم عندما وصفت الهجوم المزعوم أنه “إثارة جديدة للتوتر بمنطقة يمر منها الكثير من النفط للأسواق العالمية”.
وفي وقت متأخر من ليل الجمعة الماضية عادت وكالة رويترز لتثير قضية تعرض السفينة التجارية للهجوم المزعوم، وهذه المرة بشكل أوسع ركزت بشكل كبير على إثارة القلق العالمي حول وضع الملاحة الدولية عندما ذكرت أن الشركة المالكة للسفينة قالت إن المهاجمين المجهولين الذين فتحوا النار على الناقلة الأسبوع الماضي قبالة الساحل اليمني كانوا يحملون أيضاً “كمية كبيرة من المتفجرات”، وقال مصدر بالملاحة البحرية إنها ربما كانت محاولة لتنفيذ هجوم انتحاري.
ولم توضح الشركة كيف حصلت على تلك المعلومات التي ترجح أن المهاجمين كانوا يحملون متفجرات، كما لم يوضح المصدر الذي تحدثت عنه رويترز عن المعطيات التي رجحت أن الهجوم كان محاولة انتحارية؟.
هذه الحوادث بما فيها مزاعم شركة الغاز أن سفينتها تعرضت لهجوم فتحت باب التساؤلات عن كيفية عدم تطرق تحالف العدوان أو إعلانه عن تلك الهجمات ولا كيف حصلت رغم أن السفن الحربية التابعة للعدوان تفرض حصاراً بحرياً على اليمن منذ مارس 2015 وعادة ما يتم استهداف كل زوارق الصيد اليمنية بحجة أنها كانت تحمل أسلحة وراح ضحيتها عشرات الشهداء، لكن العدوان هذه المرة يبدو أنه لم يكن موجوداً هناك عندما يتعلق الأمر بالهجمات الغامضة؟
وللوصول نحو الهدف الذي تريد الولايات المتحدة أن يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي تمهيداً لتحرك دولي لاحتلال باب المندب ووضعه تحت إدارة دولية، كما حدث في الماضي في أكثر من دولة، سعت واشنطن للسيطرة عليها وسبقها حوادث مشابهة جرى بعدها تهويل الأمور، لإطلاق الحديث بعد ذلك عن ضرورة التدخل الدولي.
وفي هذا السياق، تنقل وكالة رويترز عن خبراء أمنيين لم تحدد الجهة التي يتبعونها، كما أنها لم تحدد أي مصدر من الذين نقلت عنهم المعلومات السابقة، وهؤلاء الخبراء الأمنيون يخبرون رويترز “إن التفاصيل الجديدة التي ظهرت بشأن الحادث الذي وقع في 25 أكتوبر ستزيد من المخاوف على الملاحة في مضيق باب المندب الذي يمر فيه الكثير من النفط إلى الأسواق العالمية”.
إلى جانب رويترز كانت الوكالات الدولية والصحف الغربية المرتبطة بالمخابرات الأمريكية تحذو ذات الحذو في إثارة المخاوف حول الملاحة الدولية، واهتمت بشكل غير مسبوق بتلك الهجمات المزعومة على ذات النحو الذي دعمت فيه مزاعم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش “الابن” وحليفه توني بلير في تسويق مزاعمهم بوجود أسلحة دمار شامل في العراق تمهيداً لاحتلاله في عام 2003 قبل أن يتبين أن تلك الأسلحة لم تكن موجودة ولم يمتلكها العراق، وإنما تم اتخاذها ذريعة للقيام بعملية الغزو.
ولم يكن غزو العراق هو الحادثة الأولى التي تختلق فيها الولايات المتحدة ذريعة للقيام بعمل عسكري بل جاء الغزو بعد سلسلة استمرت لعشرات السنين في المنطقة وفي أمريكا اللاتينية وآسيا ولعل اختلاق واشنطن لحادثة تعرض سفينة لهجوم في فيتنام كان أحد الذرائع المشابهة لما تعد له أمريكا في اليمن.