(رجال الله) يجب على الإنسان أن يفهم بأنه لا يمكن أن يكون ذكياً أمام الله.
برنامج رجال الله اليومي
السيد حسين بدر الدين الحوثي
الدرس العاشر من دروس رمضان صـ14ــ15.
في موضوع الجهاد، يحكي قصة فيمن جبنوا، وخرجوا من ديارهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}(البقرة: من الآية243). وهم ألوف! خرجوا من ديارهم، الله أعلم في أي أمة، يقول البعض: بأنه كان هؤلاء من بني إسرائيل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}(البقرة: من الآية243). قد تكون هذه أحياهم هم ليأخذوا عبرة من هذه، أو أحيا تلك الأمة مثلاً جيلاً من بعدهم {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}(البقرة: من الآية243). وهذه لها علاقة بالآية السابقة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية216).
لاحظ هؤلاء أليسوا وقعوا في مصيبة؟ هم خائفون من الموت، وقعوا في الموت. بل هذه تبدو أنها قضية لها علاقة بالناس الذين يتراجعون عن القتال في سبيل الله بدافع الخوف، والحرص على الحياة، يعرّضون أعمارهم لأن تقصف سريعاً! هذه آية من الآيات.
وآية أخرى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ}(الأحزاب: من الآية16). {وإذاً} لاحظ هنا {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). ليست قضية سهلة هذه أعني: أنت عندما تكون حريصاً على حياتك، وعندك ما زال عمرك ثلاثين، أو أربعين، أو عشرين، أو خمسة وعشرين، يكون عندك أنك عندما تنطلق في قتال أنك ستخسر ما تبقى من عمرك، ربما تقتل، وما زال متبقي من عمرك مثلاً، ما زال عندك أمل ربما أربعين سنة، ربما لا.
هذه الآيات هي بمعنى ماذا؟ تلك، عملية التحيل على الله، لذا نقول دائماً: أنه يجب على الإنسان أن يفهم بأنه لا يمكن أن يكون ذكياً أمام الله، أنت عندما تجبن، وتخاف من أجل أنك حريص على حياتك تقصف حياتك {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). قد تموت بعد سنة، أو سنتين أي: تخسر فعلاً ربما لو انطلقت تقاتل في سبيل الله قد لا تقتل، إن قتلت كانت شهادة، وحياة أطول من الحياة التي أنت حريص عليها، أليست أطول؟ نقلك إلى حياة حتى فيها فارق كبير جداً لأن الشهيد يعيش حالة طمأنينة وهو في حياته، يعلم أنه قد صار في موضع آمن، أنه في موضع آمن في الحياة بعد أن يتحول إلى حي.
ويبدو أن الشهيد لا يموت نهائياً، قد صارت هي الموتة الواحدة، حتى ولا يوم القيامة مع زلزلة الأشياء لأنه في آيات أخرى يقول الله فيها: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}(الزمر: من الآية68). إلا من شاء الله هنا في عملية استثناء، فكأن هؤلاء الشهداء هم فعلاً يذهبون إلى الجنة، الجسم ذلك عبارة عن [بذلة] خلعها فقط.
إذاً فإذا أنت حريص على حياتك، من خلال القتال في سبيل الله لو قتلت أنت ستدخل إلى الحياة الأبدية بسرعة أفضل من أن تحرص على عدد من السنين، هي في ذهنيتك، وأنت لا تستطيع أن تضمن نفسك لا تستطيع أن تضمن بأنك ستعمر إلى سن ثمانين، أو خمسة وسبعين سنة.
هذه الآيات نفسها هي تدل على أنه قد تقصف فعلاً {وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(الأحزاب: من الآية16). لأن هؤلاء ربما قد يكونون رأوا أن القتال كره لهم تركوا ديارهم وخرجوا، أليسوا هم وقعوا في شر؟ {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}.لهذا الإمام علي له كلمة معروفة عنه قال: ((بقية السيف أبقى ولدا وأنمى عدداً)). إذاً فهذه هي قضية خطيرة جداً يجب أن نتنبه لها أي: عندما تتذكر بشكل كامل تجد بأنه تعتبر خاسراً عندما تجبن عن القتال في سبيل الله، وأنك تعرض نفسك لأن يقصف عمرك فتخسر الحياة الأولى والحياة الأخرى.
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:244). لاحظ كم تكرر في سورة واحدة موضوع القتال في سبيل الله لأنها قضية هامة جداً، ثم التأكيد على أن يكون {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} في سبيل الله هذه قضية يجب أن يكون الناس متأكدين منها، أن تكون نواياهم كلها وهم ينطلقون، أنه في سبيل الله، ومعنى في سبيل الله: أن يكون توجهك أنه لله، واستجابة لله، وفي سبيله، في نفس الطريق التي رسمها لأن تقاتل فيها، نفس الطريق التي رسمها أن تسير عليها وأنت تقاتل هي تعني: الموضوعين، هذه قضية هامة.
ثم بين من الناحية العملية الإيجابية الكبيرة لمن انطلقوا مقاتلين في سبيل الله، ثم قال بعد هذه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:244). هو يسمعك ويعلم بنواياك، ولا يغفل عن أحد.
لأهمية الإنفاق جاءت الآية بشكل آخر قال في آية سابقة: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}(البقرة: من الآية195). لأهمية الإنفاق هنا قدمه بعبارة لا تقل أهمية عن العبارة الأولى، وعبارة توحي أيضاً بخطورة في التهاون بهذا الموضوع: الإنفاق في سبيل الله، هنا قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(البقرة:245). بعدما ذكر القتال قدم المسألة وكأنه هو يستقرض! هذه توحي بأهمية الموضوع ذلك بشكل رهيب جداً، عندما يأتي الله سبحانه وتعالى بهذه العبارة التي قد يقولها أي واحد منا عندما يحتاج إلى قرضة من الآخرين [من الذي عنده لي ألف ريال قرضة] أليس الواحد منا يقول هكذا؟.
لأن القتال في سبيل الله يحتاج إلى تمويل، يحتاج إلى إنفاق وأن الله سيعتبر ما يقدمه الإنسان وكأنه قرض له، فيضاعفه له أضعافاً كثيرة، يرد عليك بأكثر مما أعطيت بأضعاف كثيرة إضافة إلى الأجر المرصود لك في الآخرة. هذه الآية نفسها توحي بأنه بعد أن يستقرض الله عباده ليمولوا موضوعاً هو خير لهم فيحصل إهمال، ويحصل إمساك للأيدي أن بعدها غضبة، يأتي بعدها غضبة شديدة من الله، لأن هذه العبارة تعتبر – لكن لا يمكن أحياناً نعبر فيما يتعلق بالله ببعض العبارات – معناه: عندما آتي أنا أمارس هذا الموضوع أنني حطيت نفسيتي أمامك أقول عندك [من الذي سيقرضني ألف ريال؟] أليس هذا مثل قولك عندما تدخل مجلساً وتقول: [يا جماعة من الذي عنده لي ألف ريال أحاسب فلان] صاحب سيارة مثلاً، أو أي شيء، أليست حالة وما كأن في المجلس شخص معين أنت معتمد عليه أن يقدم لك هو، أو تأخذ من جيبه؟ كيف ستكون أنت عندما تخرج من مجلس وقد قلت هذه العبارة التي تعتبر – نوعاً ما – فيها حط لنفسيتك. أليس فيها حط لنفسيتك؟ ستقول: [في هذا المجلس فيه كم ناس ولا واحد منهم أقرضني] ألست تعتبرهم أناساً سيئين، ستعتبرهم أناساً لا يعتمد عليهم.
الله عندما يأتي بالعبارة هذه قد توحي بغضب شديد بعدها إذا ما هناك إنطلاقة من الناس أن ينفقوا في سبيله، قد استقرضهم وهو غني لكن يبين من خلال هذه أهمية الموضوع، وأنه عندما لم تعد تثق به في قرضة! معناها في الأخير أي: لم نعد نثق بالله في قرضة، لم نعد نتعامل معه كما نتعامل مع أي واحد منا عندما يأتي شخص يستقرض منك ألست قد تعطيه قرضة؟ الله يقول اعتبرها عندي قرضة، أليس هكذا يقول؟ ولن يرد لك نفس المبلغ سيرد لك بأضعاف مضاعفة. إذاً ماذا وراء هذه؟ وراءها كما نقول نحن في تعبيرنا: [قلبت وجه خطيرة]. حقيقة، وراءها غضب شديد لأن معناه: أنه لم يعد أحد يثق بالباري، ولا أنه يقرضه مائة ريال ما معنى هذا؟ بأنه كفر بالله، وما لله في أنفسنا أي شعور بإجلال، أو عظمة، أو حب، أو إكبار له.