رسول الله كان قائداً لديه معرفة عالية ويعتمد عليه بشكل كبير في ميدان المواجهة.
برنامج رجال الله اليومي
السيد حسين بدر الدين الحوثي
الدرس السادس عشر من دروس رمضان صـ1ــ2.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
هذه الآيات التي سمعناها فيها، أو معظمها، ما هو استكمال لغزوة [أحد] وتقديم ما فيها من دروس وعبر للمسلمين الذين كانوا في هذه الغزوة، ومن بعدهم، وتركزت على كثير من القضايا الهامة التي الناس بحاجة إلى فهمها، فيما يتعلق بالعمل لإعلاء كلمة الله ومواجهة أعدائه، ما كان منها متعلق بقضية الثقة بالله سبحانه وتعالى، وما كان منها عبارة عن توجيهات هامة في مواجهة العدو وتوجيه كيف يجب أن يكون منطق الناس كيف يكون كلامهم ما هي الأشياء التي يبتعدون عنها تماماً، باعتبار الكلام فيها جزافاً أو باعتبار الكلام فيها مما يسر العدو ويرفع معنويات العدو فيؤثر تأثيراً سلبياً بالنسبة للمسلمين بالنسبة للمجاهدين.
نرى أيضاً في ضمن هذه الآيات فيها ما يشخص لنا شخصية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وفعلا ً- كما نقول – أن القرآن الكريم هو أهم مصدر لمعرفة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) معرفة سيرته معرفة شخصيته معرفة عظمته أو جوانب من عظمته، ما يمكن أن نعرفها بالنسبة له (صلوات الله عليه وعلى آله) وكذلك بالنسبة لأنبياء الله الآخرين، ونحن بحاجة ماسة إلى هذه القضية أيضاً، إلى معرفة الأنبياء وإلى معرفة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بالذات معرفة كافية.
عرفنا كيف أنه كان قائداً لديه معرفة عالية ويعتمد عليه بشكل كبير في ميدان المواجهة {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}(آل عمران: من الآية121) كذلك بالنسبة لنفسيته أخلاقه العالية سعة صدره التي تجعله يعرف كيف يتعامل مع الآخرين في الظروف الصعبة في الظروف التي عادة تؤدي إلى اختلاف بين الناس، اختلاف بين المجتمع اختلاف فيما بين القيادة والجنود {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران:159) عندما نسمع توجيهات كهذه فيها ما هو حكاية عما هو عليه فعلاً {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: من الآية 159) أو نسمع توجيهات له وتراها ذات قيمة عالية وهامة جداً، خاصة في وضعية كهذه التي مر بها المسلمون بعد معركة أحد {فَاعْفُ عَنْهُم}(آل عمران:159) وتجد داخل الآيات التي تذكر أحداث معركة أحد وتلك الهزيمة، كم ظهر فيها من كلمات {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}(آل عمران: من الآية155) {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ}(آل عمران: من الآية152) وهكذا فيوجه رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أيضاً بأن يعفو عنهم {فَاعْفُ عَنْهُم}(آل عمران:من الآية 159) العفو قد يكون التغاضي عن المؤاخذة التغاضي عن كثير من التأنيب والتوبيخ، العفو يختلف عن المغفرة ويكون له مجال خاص غير موضوع المغفرة، ولهذا يأتي في بعض الآيات يجمع بين العفو والمغفرة.
{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}(آل عمران:من الآية 159) واستغفر لهم بأن تطلب من الله المغفرة لهم {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(آل عمران:من الآية 159) لأنه في حالة كهذه عندما يتجه لأن يشاورهم هذه فيها نوع من الأنس، أعني يلمسون بأنه ما تزال نظرته إليهم جيدة وما يزال قريباً منهم، الإنسان الذي تتجه لمشاورته يعني ماذا؟ أن نفسك قريبة منه؛ لأنه – عادة – الهزيمة تترك أثراً كبيراً في النفوس خاصة، وهم عندما انهزموا في أحد تركوا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في الميدان وكانت قضية كبيرة هذه، فكان هذا شيئاً طبيعياً أن يستحي كل شخص منهم ويخجل ويكون يحاول أن لا يراه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فإذا ما اتجه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إليهم وشاورهم وتحدث معهم يحسون بنوع من الأنس، فهذه لها أثر كبير في النفوس.
وعندما ينطلق رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يتعامل على هذا النحو من منطلق معرفته للناس كبشر يعرف الناس كناس ويعرف الوضعية أنه ليس صحيحاً أو ليس أسلوباً صحيحاً أن يتجه إلى توبيخ ومقاطعة لهم ونفور منهم هذا سيزيد من ماذا؟ من ارتياح العدو؛ لأنه أوجد هزيمة جعلت هذا المجتمع يتفكك تماماً وكل إنسان هو وإن زل قد يكون قريباً إلا نوعيه منهم تحدث عنهم: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}(آل عمران: من الآية154) هذه نوعية ثانية لكن آخرين قد تكون أحياناً متى ما زلّ زلة كل واحد يعرف زلته، وكل واحد يكون لزلته أثر في نفسه وبالإمكان إذا ما تزال نفسيته صالحة يكون قابلاً لأن يوجه أكثر ويتفهم أكثر ويأخذ دروساً وعبراً مما حدث فيكون فيما بعد على مستوى أفضل.
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(آل عمران: من الآية159) أي يقول هنا في توجيهات {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(آل عمران: من الآية159) توجيهات هامة جداً وبالتأكيد أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان على مستوى العمل بهذه التوجيهات.
إذاً فهنا تعرف شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قد تكون في كتب السير تاريخاً يعرض فقط أحداثاً معينة مؤرخة ونكتب فيها أرقاماً معينة، لكن التحليل لشخصيته قضية ثانية، التحليل لمنطلقاته في عمله في تكتيكه العسكري في اختياره للقادة في اختياره للموقع وأشياء من هذه لا تتناولها معظم السير فعلاً، وهي قضية هامة، أي ليس المطلوب فقط من السير أو من التاريخ أن نعرف متى وقعت الغزوة الفلانية وكم كان عدد المسلمين وكم كان عدد الكافرين وانتهى الموضوع، المطلوب أن نعرف كيف كان – بطريقة تحليلية – كيف كان تفكير النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف كان تخطيطه كيف كانت مشاعره كيف كان تقييمه كيف كانت الوضعية بشكل عام، وضعية جانب المسلمين ووضعية الآخرين الكافرين الوضعية بشكل عام، وضعية العالم في ذلك الزمن بشكل عام حتى يكون التاريخ له أثر في النفوس ويعطي دروساً مهمة ويعطي عبرة وتعرف من خلاله النفسيات.
لاحظ هنا في معركة [أحد] كم حصل من خلالها من غربلة، غربلة كما قال بعد: {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا}(آل عمران: من الآية166-167) وسابقاً يقول: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}(آل عمران:141) {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}(آل عمران: من الآية140) {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}(آل عمران: من الآية142).
وهكذا؛ لأن الأحداث مهمة جداً في غربلة النفوس، أعني مهمة حتى بالنسبة لك أنت شخصياً بالنسبة لأي واحد منا من خلال الأحداث قد يتلمس هو ما لديه من نقاط ضعف ما لديه من رؤى قد تكون غير صحيحة، فيصلح نفسيته هو ويحاول أن يصحح وضعيته. إضافة إلى تقييم الناس لبعضهم بعض تقييم المجتمع وغربلته من خلال الأحداث لأن مستقبل الأمة، أي أمة تستفيد من الأحداث على هذا النحو تكون خططاً قائمة على معرفة خططاً واعية قائمة على معرفة تعرف أن هذا الإنسان كذا وهذا كذا وهذا كذا وتلك القبيلة كذا وسكان تلك القرية كذا وهكذا تستطيع أن تعرف فتكون خططك بالشكل الذي لا يكون فيها أخطاء متكررة، قد توكل مهمة إلى شخص أو إلى مجموعة من الناس هم في الواقع غير جديرين بأن يقوموا بتلك المهمة وهكذا.
معرفة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قضية هامة – كما أسلفنا – في أن يعرف الناس فعلاً أنه نعمة عظيمة من الله ولهذا قال بعد: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(آل عمران: من الآية164) وفي نفس الوقت يستوحي الناس من سيرته، يستلهمون من حركته كيف يتحركون وكيف يعملون. في نفس الوقت أيضاً لا يعتبر أن الأشياء كانت مجرد معجزات خارقة في كل الحركة الله سبحانه وتعالى هو على كل شيء قدير، ولكنه حكيم تكون الأشياء تسير وفق ترتيبات دقيقة، رسوله حكيم لم تكن أعماله عشوائية، أعماله تسير وفق ترتيبات دقيقة وخطط محكمة ورؤى صحيحة ومعرفة حقيقية؛ لأن الفارق فيما إذا كنا نتصور أن كل ما كان يحصل كان عبارة عن معجزات خارقة معجزات، معجزات إلى آخرها يقول الناس من بعد: [إذاً محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) قد التحق بالله وما معنا شخص تأتي على يديه معجزات خارقة، خارقة… إلى آخره، إذاً ما نستطيع نعمل شيئا] عندما تعرف بأنه كانت تلك الحركة تقوم على خطط محكمة ورؤية حكيمة وترتيبات حكيمة وأنها مما هدى الله رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) إليه ومن خلال القرآن الكريم، ولهذا ألم يقل في القرآن الكريم بأنه: كتاب حكيم {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}(هود: من الآية1).