الدرس العاشر من البرنامج الرمضاني.
علاقتنا بالقران ( اتبعوه واتقوا )
السيد حسين بدر الدين الحوثي
اشتروا بآيات الله ثمناً قليلا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم َصِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد, نبي الأمة، رسول القرآن، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ليتلو عليهم آياته, ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
والصلاة والسلام على أهل بيت رسول الله الذين ساروا بسيرته، وتمسكوا بالثقلين من بعده, ونهجوا نهجه, فوقفوا في وجه الظالمين والكافرين والمستكبرين في كل العصور.
السلام عليكم – أيها الإخوة – ورحمة الله وبركاته
هذه هي الجلسة الثالثة، وفي البداية نقدر لكم حضوركم الكبير، ونبارك لكم الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى على مشاركتكم في اجتماعات نتناول فيها جميعاً ما يهمنا كمسلمين، نتناول فيها جميعاً ما يهمنا كمؤمنين من أتباع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والقرآن الكريم, وعترة المصطفى (صلوات الله عليه وعليهم).
وكما أسلفنا في الجلسة السابقة ما تمتاز به مثل هذه الاجتماعات هو: أن نتناول فيها القضايا من واقع الشعور بالمسئولية بجدية واهتمام وعمل؛ إن كنا صادقين في التمسك بالقرآن الكريم والرسول وأهل بيته (صلوات الله عليه وعليهم). فالقرآن الكريم كتاب عملي، كتاب يتحرك، كتاب يواكب كل الأحداث, والمتغيرات في هذه الدنيا.
والرسول (صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين) كان كذلك نبياً عظيماً يتحرك بحركة القرآن، يتحرك بحركة الوحي الذي يتنزل عليه بين حين وآخر، يتحرك والوحي بعد لم يكتمل إنزاله إليه، فإن كنا من أتباع أهل البيت الذين رأسهم الإمام علي (عليه السلام) الذي قال له الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((ستقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)). من قال فيه: ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)). فكان علي يتحرك بحركة القرآن، بل كان في حياته قرآنا ناطقاً، وكذلك الأئمة الصادقون من أولاده ممن ساروا بسيرته.
لنقل لأنفسنا وللناس جميعاً من حولنا: يجب أن نستشعر أن علينا أن نستأنف حياة جديدة، وأن نقول لزمن اللامبالاة، زمن اللاإهتمام، اللاشعور بمسئولية: يجب أن يولي.
نحن – أيها الإخوة – لو سألنا أنفسنا، وسألنا كل واحد منا: هل أنت مسلم؟ هل أنت مؤمن؟ هل أنت مؤمن بالله وبرسوله وبكتابه؟ هل أنت مؤمن بهذا القرآن العظيم؟ لأجاب كل واحد منا: نعم. ولما رضي أي واحد منا لنفسه أن يقال بأنه غير مؤمن بهذا كله.
فإذا كانت هذه حقيقة نحن نقر بها فإنها ميثاق بيننا وبين الله سبحانه وتعالى: {وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}(المائدة: من الآية7) هل أحد منا يمكن أن يقول: سمعنا وعصينا؟. لا. كلنا نقول, وكلنا نشهد على أنفسنا بأننا لا نستطيع أن نقول إلا سمعنا وأطعنا.
إذاً بين أيدينا الكتاب الكريم, القرآن الكريم، وبين أيدينا في واقع الحياة أحداث كثيرة، هذا الكتاب الكريم يكشف عن حقائقها، ويكشف عن واقعها؛ لأنه كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيه: ((فيه نبأ ما قبلكم, وخبر ما بعدكم)).
ونحن عندما نجلس في مثل هذا الاجتماع لنتحدث عن أحداث كثيرة من حولنا في هذا العالم إنما لنناقشها على ضوء القرآن الكريم، بعد أن نكون قد قطعنا على أنفسنا عهداً بأن نلتزم به, وأن نثق به ككتاب من عند الله سبحانه وتعالى، من عند الله {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان: من الآية6) الذي يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا، الذي يعلم الغيب والشهادة، أنه كتاب هدى، أنه نور، أنه بيان، أنه شفاء لما في الصدور.
لنعود بجدية إلى التمسك بالقرآن الكريم كما يريد الله سبحانه وتعالى منا إذ يقول: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام:155) لننظر هل القرآن الكريم له نظرة حول ما يحدث؟ هل له موقف حول ما يجري في هذا العالم؟ هل يريد منا أن نتحمل مسئولية ما؟ هل يريد منا أن نعمل عملاً ما؟ هل يريد أن يكون لنا موقف من كل ما يجري؟ من كل ما يحدث؟.
كل ذلك في إطار قاعدة نريد أن نسير عليها جميعاً هي: أن نهتدي بالقرآن، وأن نثقف أنفسنا بثقافة القرآن الكريم، لنبحث الهدى من خلاله، ولندعو إليه، ولنسير على هداه باستقامة وثبات.
وقبل أن نتحدث عن ما جرى خلال هذا الأسبوع ينبغي أن نقف معكم قليلاً حول موضوع: [علاقتنا بالقرآن الكريم].
القرآن الكريم فيه رسم الله سبحانه وتعالى لعباده الطريق التي توصلهم إلى رضاه وجنته، وفيه أبان أيضاً, وأوضح الطريق التي يستوجب بها الناس سخطه وعذابه في الدنيا والآخرة، فعندما يقول في كتابه الكريم: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام:155) نجد في هذه الآية المباركة أنه وصف هذا الكتاب أنه هو الذي أنزله, هو الذي أنزله.. رحمة منه بنا، هداية منه لنا، رعاية منه بنا.. وأن هذا الكتاب كتاب كامل، فيه الهدى الكامل، فيه النور الكامل، لا ينقصه شيء، وأنه مبارك، مبارك من يسير عليه، مبارك من يهتدي به، مبارك من يتمسك به، مبارك في أثره في النفوس، وأثره في الحياة.. كل ما تعنيه كلمة: {مُبَارَكٌ} هي في القرآن الكريم، ومن خلال القرآن الكريم، ولمن يسيرون على نهجه تتحقق على أعلى وأرقى مستوى.
{فَاتَّبِعُوهُ}؛ لأن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل هذا الكتاب الكريم هو الملك, من له ملك السماوات والأرض، من له ما في السماوات والأرض، من يدبر شئون السماوات والأرض، وشئون عباده من الجن والإنس، من يعلم بما يمكن أن يجري في هذه الحياة، من يعلم خصائص النفس الإنسانية، وما يمكن أن ينبع منها، وما يمكن أن يحدث على يديها من فساد في هذه الأرض. فلأن الله هو الملك، هو الإله تجد القرآن الكريم يتحدث عن الله سبحانه وتعالى بأنه إله قيوم حي أي – إن صح التعبير – عملي، يعمل, يدبر, يخلق, يسيّر، يهيئ، يثيب، يعاقب.
كيف يمكن أن يكون هناك ملك للسماوات والأرض, ومن له ملك السماوات والأرض, وملك عباده, ثم يقف من الجميع موقف اللامبالاة، إنما تجمَّل فيهم أن ينزل إليهم كتاباً لمجرد التلاوة، ومجرد الترفيه على أنفسهم في أوقات الشدة! لا. إن من هو المدبر لما في السماوات وما في الأرض، من قال عن نفسه سبحانه وتعالى في سعة تدبيره: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) في اليوم الواحد يدبر ما لا يدبر العباد مثله إلا في ألف سنة، في اليوم الواحد.
إذاً فهذا الكتاب الذي أنزله من عنده سبحانه وتعالى هو نزل من عند ملك، إله، مدبر، حي، قيوم، عليم، حكيم، سميع، بصير، رحيم. وهو كتاب عملي، كتاب عملي للحياة يتحرك بحركة الحياة. فأن تجمد أمة بين يديها القرآن الكريم هي ليست جديرة بحمله، هي أمة لا تتخلق بأخلاقه, هي أمة تنبذ القرآن وراء ظهرها، هي أمة تهجر القرآن، هي أمة جديرة بأن تعيش منحطة ذليلة مقهورة.
فعندما يقول الله سبحانه وتعالى لنا: {فَاتَّبِعُوهُ}؛ لأن فيه ما نحن بحاجة إلى اتباعه، نحن لا نجد في سواه ما يمكن أن يجعلنا نثق به في اتباعنا له. هو كتاب عملي َاتَّبِعُوهُ. لا تستطيع أن تقول: ماذا نتبع فيه؟. ماذا؟ ما الذي فيه؟.
{وَاتَّقُوا} وتأتي كلمة {اتَّقُوا} في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، في حالات التحذير عن التفريط مما ألزم به سبحانه وتعالى، فبعد أن قال: {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا}: أحذروا أن تفرطوا في اتباعكم له، أحذروا أن تبتعدوا عن اتباعكم له.
ثم بعد أن نكون قد اتبعناه، واتقينا الله في أن لا نفرط في اتباعنا له, {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عسى أن ترحموا، هذا الجزء من هذه الآية المباركة قول الله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عسى أن ترحموا، رجاء أن ترحموا؛ ليوحي للناس أن من لا يتبعون القرآن ما أبعدهم عن رحمته، أن من لا يتقون الله في تفريطهم في اتباع القرآن ما أبعدهم عن رحمته، وأين رحمته؟ وأين مستقر رحمته؟ رحمته في الدنيا، ومستقر رحمته في الآخرة وهي الجنة، أليس في هذا نوع من التهديد؟ أليس في هذا إيحاء بخطورة الموقف؟.
ونجد شبيها بمثل قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} مع النبي (صلوات الله وسلامه عليه): {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (الفتح:2) {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(محمد: من الآية19) في أكثر من آية يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يستغفر لذنبه، وهو من كان يتحرك بحركة القرآن, لكن ربما في علم الله أن القرآن الكريم في عمقه، في وسعه، هو أوسع، أوسع من أن يطيق بشر مهما كان كاملا كإنسان أن يكون محيطا بدائرة سعة القرآن الكريم في حركته العامة في الحياة.
الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) لم يأل جهداً، ولم يقصر، ولم يتوانَ، هو من وصفه الله سبحانه وتعالى بحرصه الشديد على هداية الأمة، بتألمه الشديد أن لا تهتدي الأمة، أسفه البالغ أن يرى قومه معرضين عن ذكر الله وهديه، لما يعلمه (صلوات الله وسلامه عليه) من خطورة موقف الأمة في ما يتعلق بإلهها يوم تقف بين يديه يوم القيامة، ولعلمه (صلوات الله عليه وعلى آله) بعظم هذا القرآن الذي أنزل عليه، وبحاجة الأمة الماسة إليه وإلى الاهتداء به، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عسى أن ترحموا، رجاء أن ترحموا.
فنحن يا من نسمي أنفسنا مسلمين، نسمي أنفسنا مؤمنين، نسمي أنفسنا أتباعا للرسول وللقرآن ولأهل البيت أين نحن من هذه الآية؟ كل واحد منا يرجو أن يرحم، متى ترجو أن ترحم؟ بعد أن تتبع القرآن وتكون متقياً لله في أن تفرط في اتباعك للقرآن، هناك يمكن لك أن ترجو الرحمة من ربك. ما أكثر ما نقول, ويقول الناس جميعاً: [الله غفور رحيم، رحمة الله واسعة، عسى الله يرحمنا] ما هذه العبارات التي نرددها كثيراً؟ هنا يقول لنا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام:155). رجاء أن ترحموا.
نحن لو سألنا أنفسنا هل هناك خيار آخر غير هذا لنحصل من خلاله على الرحمة من الله سبحانه وتعالى؟ نحن في هذه الحياة ليس بين أيدينا سوى القرآن الكريم هو ما يمكن من خلاله أن تتحقق لنا الرحمة من الله سبحانه وتعالى أو أن نرجو رحمته، هل هناك خيار آخر؟ هل هناك سبيل آخر؟ هل هناك كتاب آخر؟ هل هناك نبي آخر؟ هل هناك خيار أن لا نقف بين يدي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؟ فإذا ما وقفنا بين يديه يوم القيامة، ماذا يكون الناس هناك ينتظرون؟ أليس كل واحد منهم يرى نفسه في أمس الحاجة إلى رحمة ربه؟ وهو يرى جهنم أمامه لها زفير وشهيق.
لقد أرشدنا الله – هنا في الدنيا – أنه لا خيار سوى هذا: {فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أن نأتي يوم القيامة ونحن نريد من الله الرحمة، سيقال لنا: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ}(المؤمنون: من الآية105)؟ {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}(غافر: من الآية50)؟ هو الجواب في المحشر, والجواب حتى عند خزنة جهنم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا}(غافر: من الآية50) نحن لا نستجيز أن ندعو لكم، حرام ندعو لكم، الدعاء للظالم لا يجوز حتى مع أهل جهنم, مع خزنة جهنم, فادعوا أنتم.