برنامج رجال الله اليومي.
قضية هدى الله وضرورة التعاطي معها كنعمه
السيد حسين بدر الدين الحوثي
في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني صـ11ــ13.
الشيء المؤسف أنها – فيما يبدو – نفسية عربية عند العرب جميعا أنهم لا يحسبون أي حساب للخطر المقبل عليهم إلا بعد أن يطأهم ويقصم ظهورهم.. لكن أولئك هم إذا ما رأوا أن شيئا فيه خطورة عليهم محتملة احتمالا ولو واحد في المائة, ولو بعد مائة عام, هم من سينطلقون للقضاء على منابع ذلك الخطر.
ألسنا نسمع تهديد أمريكا؟ ومن المحتمل جدا أن تضرب السعودية, وتستولي على الحرمين كما استولوا على القدس.. فهل نحن منتظرون حتى يعملوا عملهم هذا ثم حينها سنصيح ونقول شيئا؟! ربما لو صرخ المسلمون من الآن – فيما أعتقد – لو صرخ المسلمون من الآن وارتفعت شعارات السخط التي توحي بسخطهم على أمريكا وإسرائيل من الآن لتوقفت أمريكا, وتوقفت إسرائيل عن أن ينفذوا الخطة التي يريدونها سواء ضد الحرمين, أو ضد أي شعب آخر.
هذه الصرخة وحدها التي نريد أن نرفعها, وأن تنتشر في أي مناطق أخرى وحدها تنبئ عن سخط شديد، ومن يرفعونها يستطيعون أن يضربوا أمريكا, يضربوها اقتصاديا قبل أن تضربهم عسكريا، والاقتصاد عند الأمريكيين مهم يحسبوا ألف حساب للدولار الواحد.
إن هؤلاء بإمكانهم أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية, أو منتجات الشركات التي لها علاقة بالأمريكيين, وباليهود أو بالحكومة الأمريكية نفسها, وحينئذ سيرون كم سيخسرون؛ لأن من أصبح ممتلئا سخطا ضد أمريكا وضد إسرائيل أليس هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية؟ والمقاطعة الاقتصادية منهكة جدا.
بإمكاننا مثلا أن نستعيض بدل التدخين السجائر هذه – وكم يستهلك الناس من أموال كثيرة في السجائر – يمكننا أن نترك التدخين نهائيا, أو أن نستعيض عنها [بالتتن] ونعود إلى [المدايع] من جديد, ونترك التدخين تماما.. وكم سيخسرون فيما لو ترك الناس التدخين بمفرده. احسب كم سيستهلك أبناء هذه المنطقة من أموال في الشهر الواحد في التدخين وحده؛ لتعرف فيما بعد وأنت أمام سلعة واحدة من منتجاتهم كيف ستكون خسارتهم من منطقة واحدة.
هم يحسبون ألف حساب لهذه.. فلو رفع الناس الصرخة هذه في كل بلد فعلا لتوقفت أمريكا وإسرائيل عما تريد أن تعمله. لكنهم يهيئوننا نفسيا ليعرفوا ماذا سيحصل على مستوى الدول, وعلى مستوى الأفراد.
ضربوا أفغانستان ليعرفوا ماذا ستقول الدول الإسلامية.. لم يصنعوا شيئا، اللهم إلا استنكار لما يحصل على المدنيين استنكارا باردا، لكن هل هناك موقف؟.. لا, ضربوا العراق لم يحصل شيء, ضربوا فلسطين, الدولة الفلسطينية هذه, أو لم يكن العرب جميعا يبدون أكثر اهتماما بقضية فلسطين والدولة الفلسطينية؟ ضربوها هي!. ألم يضربوها ضربة قاضية؟ فلم يحصل شيء من جانب الدول.
اتجهوا إلى الشعوب أنفسها ليتجلى لهم واقع هذه الشعوب عن طريق زعماء هذه الشعوب أن اسكتوا, هنا إرهابيين, وهناك إرهابيين, وفي هذا البلد إرهابيين, وهنا إرهابيين! ولنمسك إرهابيين هنا, وإرهابيين في ذلك البلد! لنرى ماذا سيقول المواطنون, هل سيغضبون على الأفراد عندما يمسكون باسم أنهم إرهابيين ضد أمريكا؟. فإذا عرفوا بأنه لم يحصل غضب, ولم يرتفع صوت يصرخ في وجوههم, حينئذ سيطمئنون أنه لا حكومات, ولا شعوب ستقف في وجوههم. وبالتالي سيعملون ما يريدون, ويضربون أينما شاءوا.
أوليس هذا هو الذي حصل؟ يقال في اليمن: حدث أن مسكوا كثيرا من الإرهابيين, وفي مصر إرهابيين انطلقوا ليمسكوهم, وفي الأردن, وفي السعودية, وهنا وهنا وهناك، وإيران تتهم بأن لديها إرهابيين, إنه احتمال أفراد من تنظيم القاعدة تسربوا إلى إيران. هم يريدون أن يعرفوا, يجسوا نبض المواطن الإيراني نفسه ليعرفوا هل سيصرخ فيما لو حصل واكتشف أن هناك أحد.
بل يحتمل أن يصل أحد من عملائهم إلى داخل إيران من تنظيم القاعدة ليقال فعلا هناك إرهابيين داخل إيران. إذاً سيسلمون, يكون في ذلك جس نبض للمواطن الإيراني نفسه, حينها سيكونون قد اطمأنوا بأن المواطنين في كل بلد لم يصرخوا في وجوهنا عندما مسكنا بعضهم تحت اسم الإرهاب, أنهم إرهابيون ضد أمريكا.
عندما يتهمون البعض بأنه إرهابي ضد أمريكا، أليس هذا هو أكثر ما يمكن أن يثير سخطك؟. أن يمسك شخص يقال بأنه شديد في مواجهة عدوك، هل هذا هو مما يثير سخطك؟.
إذاً ليس هناك أي عنوان آخر يمكن أن يثير سخطنا إذا كنا لا نسخط.. إذا كنا لا نغضب.. إذا كنا لا نستنكر ولا نندد ولا نرفع شعار: الموت لأمريكا وإسرائيل، إذا ما مسك أشخاص تحت عنوان إرهابي ضد أمريكا فمتى ستصرخ؟ ومتى سيكون لك موقف؟.
هكذا يعملون بكل خبث على أن يجسوا نبض الدول ونبض الأفراد داخل كل شعب. ثم بغبائنا نحن بعد أن عرفنا في أيام الثورة الإسلامية في إيران أن هذا الشعار كان له أثره الكبير، بعد أن عرفنا أن هذا الشعار كان له أثره الكبير عندما كان يرفعه الإيرانيون في الحج, وكان ينظم معهم كثير من المسلمين ليرفعوا هذا الشعار، ثم نحن لا نرفعه!.
فمن هو عالم, من هو معلم, من يحمل اسم أستاذ داخل مركز هنا أو هناك ونحن لم نعي بعد أهمية أن نرفع شعارا كهذا فنحن ما نزال ناقصين فيما يتعلق بإيماننا ووعينا وفهمنا.
المؤمن يكون دائما يقضا, دائما مهتما, يبعثه اهتمامه على أن يعرف ماذا يخطط أعداؤه.. ماذا يعمل أعداء الأمة، ويعرف هو أيضا ما الذي بإمكانه هو والآخرين أن يعملوا ضد أعداء الدين، وضد أعداء الأمة، فأي مؤمن لا يعيش هذه الروحية فإيمانه ناقص, ووعيه ناقص.
إذاً فنحن بحاجة إلى أن نربي أنفسنا كيف نكون مؤمنين, ونكرر أن نعتمد بشكل كبير على الثقلين: القرآن والعترة.
ومن الضروري أيضا جداً أن نرفض تلك الفنون التي عرفنا, وكشفنا, واكتشف لنا بأنها كانت وراء كثير من السلبيات التي نحن عليها: [أصول الفقه] [وعلم الكلام] الذي على منطق المعتزلة, وبأساليب المعتزلة.. هذا شيء يجب أن نلغيه من داخلنا، وأن لا نلتفت إليه أبدا؛ لأنه هو الذي صرفنا عن الثقلين، هو الذي أعطانا النظرة المغلوطة عن الحياة, وعن الدين, وحتى عن الله سبحانه وتعالى.. فعلا, وحتى عن الله حصل لدينا نظرة قاصرة عن الله, وعن الدين, وعن علاقة الدين بالحياة، وربى كل فرد منا تربية فردية، جزّء ديننا, ثم جزّء أفرادنا، هذين الفنين.
في مجال التربية الإيمانية يجب أن نعود إلى القرآن الكريم, وإلى العترة, وعلى النحو الذي ذكر الإمام الهادي (صلوات الله عليه) ونحن نتحرك فيما بين القرآن والعترة على هذا النحو: القرآن يدل على العترة, والعترة تدل على القرآن.. وإلا فسنكون أيضاً شاهداً – ولو شاهداً مغلوطاً في واقعه – على أن الإسلام يقبل الهزيمة, وأن الإسلام لا يمكن أن يقف في وجوه أعدائه.
الزيدية لحد الآن أليسوا هم الذين يدعون بأنهم على حق، وأنهم الطائفة المحقة؟. إذا وقفوا مهزومين في نفسياتهم، إذا وقفوا ساكتين عن أن يكون لهم موقف ضد أعداء الله، أي موقف يكون باستطاعتهم أن يعملوه فإنهم من يشهدون على أنفسهم بأن ادعاءهم أنهم على الحق ادعاء غير صحيح.
أنه وإن كان ما يدعونه في واقعه كمبادئ حق لكنهم في أنفسهم ليست تربيتهم تربية تقوم على أساس ذلك الحق.
ولنواصل الحديث حول بعض فقرات هذا الدعاء المهم, دعاء [مكارم الأخلاق] للإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) يقول (عليه السلام): ((اللهم صل على محمد وآل محمد ومتعني بهدى صالح لا أستبدل به, وطريقة حق لا أزيغ عنها, ونية رشد لا أشك فيها)). قضية الهدى قضية مهمة, وهي نفس المسألة التي نتعامل معها ببرودة، والكثير من الناس لا يهمه قضية أن يبحث عن كيف يهتدي، وأن يعرف من نفسه أنه يسير على طريق هدي الله، وأنه يتعلم هدى الله، وأنه يربي نفسه على أساس من هدى الله سبحانه وتعالى.
الإمام زين العابدين يدعو الله أن يمتعه؛ لأنها متعة فعلا أن تجد من نفسك أنك على هدى, وأنك على حق في اعتقاداتك, ومواقفك, تجد في نفسك طمأنينة هي السعادة بكلها، هي العزة, هي متعة, حتى متعة الحياة. ((متعني)) هيئ لي أن أتمتع بهدى صالح لا أستبدل به, كيف يكون قضية أن تتمتع بهدى صالح لا تستبدل به؟ عندما يكون هدى تحرص عليه, هدى تكون واعيا وأنت تتمتع به، فلا تتعرض لأن تستبدل به غيره, وهل هناك غير الهدى إلا الضلال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}(يونس: من الآية32) لا أستبدل به شيئا من الدنيا, لا أستبدل به شيئا من دعاوى الضلال التي تقدم تحت اسم هدى, تحت اسم دعوة إلى التوحيد.
أنا أريد منك يا الله أنت أن توفقني إلى هدى صالح لا أستبدل به، فلا أستبدل به شيئا من الدنيا، فيكون الإنسان كما حكى الله عن بني إسرائيل {يشترون بآيات الله ثمنا قليلا} {يشترون بعهد الله ثمنا قليلا} وآيات الله هي هداه، وعهد الله هو هداه فيما عهد به إليهم، فأن تستبدل بهدي الله شيئا من الدنيا، أن تستبدل بهدي الله شيئا من المكانة المعنوية: شهادة جامعة، شهادة ثانوية، شهادة تقدير، وظيفة في أي مكان كنت, كلها تعتبر قليلا؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم وهو يتحدث عن بني إسرائيل: {يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}(آل عمران: من الآية77) يقول: دائما قليلا. قليلا.. كلما تحدث عن ما جعلوه بدلا عن الدين من الدنيا يقول عنه: ثمنا قليلا, والدنيا بكلها هي ثمن قليل، أن تستبدل بها تجعلها بدلا عن دينك، تجعلها بدلا عن الهدى الذي متعك الله به، ومنحك إياه.
فالإنسان فيما إذا ما تمتع بالهدى هو بحاجة أيضاً إلى أن يكون حريصا على ذلك الهدى؛ لأنه فيما إذا وقع الضلال سيكون ممن يقع في الضلال بعد المعرفة في الضلال بعد العلم، في الضلال بعد الهدى, وهذا أسوأ أنواع الضلال, وأشد الضلال عاقبة على صاحبه: أن يضل بعد هدى، سواء أن يستبدل ثقافة أخرى، عقائد أخرى منهجا آخر، أو يستبدل بهداه شيئا من الدنيا, والدنيا بكلها مادياتها, ومعنوياتها تعتبر ثمنا قليلا لدينك؛ لأنها ثمن في الواقع لنفسك, وهل ترضى لنفسك أن تكون الدنيا كلها ثمنا لنفسك؟ وتكون عاقبتك جهنم.
من الذي يرضى؟. أليس المجرم – كما حكى الله عنه – سيتمنى يوم القيامة لو أن الدنيا كلها وهي ذهب له لافتدى بها يوم القيامة؟ فالإنسان يتمنى أن لو يملك أي شيء، الدنيا كلها بل أقاربه أيضا فيجعلهم فداء لنفسه ولا يدخل جهنم؟ ((إنه ليس لأنفسكم ثمنا إلا الجنة)). فمن يستبدل بالهدى شيئا من الدنيا فإنه باع نفسه فأوبق نفسه، أوبق نفسه – أهلكها – والكثير الكثير يبيعون أنفسهم! ومن هو ذلك الذي قد باع دينه بالدنيا كلها هل أحد عمل هذه؟ البعض يبيع دينه, ويبيع هداه بأقل القليل, بالشيء البسيط, وهذا مما يكشف – وللأسف الكبير – أنه ليس للهدى.. ليس للإيمان.. ليس للدين أهمية عند الكثير منا إذا ما كان مستعدا أن يبيعه بأتفه الأشياء. إنك من يجب أن تحرص على الهدى, وأن لا تستبدل به غيره حتى ولو كان ذلك الشيء هو الدنيا بكلها.
((وطريقة حق لا أزيغ عنها)) في ميدان العمل أن أسلك طريقة حق، وأن أستقيم عليها, وأن أثبت عليها، فلا أزيغ عنها أبدا، هذا يعني: أن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) يرى أن الإنسان فيما إذا وفق لأن يسير على طريقة حق أنه أصبح في نعمة عظيمة، أن عليه أن يشكر الله عليها، أن عليه أن يستقيم ويثبت عليها.
الإمام زين العابدين وغيره من أئمة أهل البيت وهكذا أولياء الله الصالحون لا يرون أنفسهم أنهم وقعوا في ورطة, أو في مهلكة أذا ما أصبحوا على طريقة حق، وإن كانت تبدو هذه الطريقة لدى الكثير شاقة فيرون أنفسهم بأنهم تورطوا, وأنهم أصبحوا معرضين للخطر فيصبحون قلقين يحاولون بأي طريقة أن يتخلصوا من هذه الطريقة التي هم عليها.. لا. إنها نعمة عظيمة, أو لم يقل الله عن نبيه موسى (صلوات الله عليه) يذكر ما قال نبيه موسى: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}(القصص: من الآية17).
فإذا ما رأيت نفسك على طريقة حق، في مواقف حق، في عمل حق, وإن كان يبدو أمامك أنه شاق, أو أنه يثير الخوف فإنه بمقدار ما يكون هكذا أمامك فإن ذلك يعني: أن هذا هو الحق الذي لا بد منه، وهو الحق الضائع الذي الأمة في أمس الحاجة إلى أن تسير على طريقه، فاعتبر نفسك في نعمة عظيمة، أنك أصبحت تسير على هذه الطريق، لا تعتبر نفسك في مهلكة, أو في ورطة، أو في شقاء بل أدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء زين العابدين: ومتعني بطريقة حق لا أزيغ عنها, لا أزيغ: لا أميل, لا من منطلق شعور بضعف داخل نفسي, ولا من باب التحيل عن كيف أزيغ عن هذه الطريقة, وأبحث لنفسي عن المبررات المصبوغة بصبغة دينية، سؤال عند هذا العالم, أو عند ذاك, ولا بأي شيء.
من يصنع هذا هو من لا يرى أن ما هو فيه من السير على طريق الحق نعمة، الذي لا يرى أن ذلك نعمة هو من يبحث عن كيف يتخلص, وكيف يزيغ عن طريقة الحق.