الانسان بحاجة الى تنزيه الله في كل الحالات التي تمر به في حياته.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
معنى التسبيح صـ5ـ6.
الله يعلم أن كثيراً من عباده سينسبون إليه مالا يليق به فأوضح لنا نحن خطورة المسألة على أنفسنا في نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى، خطورة المسألة على أنفسنا فيما يتعلق بواقع الحياة، فأبان لنا في القرآن الكريم الآيات التي تدل على ماذا؟ على أن قضية تنـزيهه قضية مهمة استنفر لها كل مخلوقاته: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(الجمعة: من الآية1) أليس هذا استنفاراً عاماً لكل المخلوقات؟ طبعها بأن تسبحه, ما كان منها بلسان المقال, وما كان منها بلسان الحال، فهو يشهد بأنه – فيما هو عليه – يشهد بنـزاهة الله.
التنـزيه لله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد حكم ببراءته من كذا، عندما نقول في صلاتنا أثناء الركوع: (سبحان الله العظيم وبحمده) ألسنا نقول:(وبحمده)؟ التنـزيه الذي يجب أن ينطلق منا نحو الله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد التبرئة وإصدار حكم ببراءته من كذا، بل التنـزيه المتلبس بالثناء عليه.
وكمثال على هذا أنت تجد من الناس من إذا نسب إليه أنه عمل عملاً سيئاً، ولكن لم تثبت إدانته فحكمنا ببراءته فقط, قلنا: هو بريء. هل في هذا ثناء عليه؟ هو بريء، لكن أن ينسب ذلك الفعل إلى شخص أنت تعرفه بالتقوى، بالعبادة، بالصلاح، بزكاء نفسه، بطهارة روحه، وتعرفه عمره لم يحدث منه مثل هذا الشيء، كيف ستقول أنت؟ ستقول: أبداً هذا ما يمكن أن يحصل منه كذا وهو كذا, وهو كذا, ونحن نعرفه أنه كذا، وهو من أولياء الله، وهو.. وهو.. إلى آخره. ألسنا سنقول هكذا؟ هذا هو التنـزيه المتلبس بالثناء, أي مترافق بالثناء، والذي يقدم في ماذا؟ في صيغ متلبسة بالثناء. تقول: أبداً ما يمكن يحصل منه هذا، نحن نعرفه إنسان ولي من أولياء الله، وإنسان متدين وعاقل و..و..إلى آخره.
فنعرف الفرق بين مجرد البراءة ومطلق البراءة، التبرئة, وبين التبرئة المتلبسة بالثناء أيهما أفضل؟ التبرئة المتلبسة بالثناء. فنحن نقول: (سبحان الله العظيم) نسبحه: ننـزهه (وبحمده) بالثناء عليه ننـزهه؛ لأنه إنما يستحق الثناء من هو منـزه.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2) أليست هذه أول سورة الفاتحة؟ بعد: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1- 2) أول آية بعد البسملة تُصدَّر بالثناء على الله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أن يكون هو أهل للثناء عليه، أن يكون هو من يستحق الثناء عليه، فأن يثني على نفسه, ويثني عليه عباده يعني ذلك أنه منـزه، أنه الكامل الذي لا يليق به، لا يليق بكماله، لا يليق بجلاله أن يصدر منه هذا الشيء, أو هذا الشيء، أو أن يكون على هذا النحو في ذاته، أو أن يصدر منه هذا الفعل السيئ، هذا معنى: (سبحان الله العظيم وبحمده.. سبحان الله الأعلى وبحمده) الحمد معناه: الثناء على الله سبحانه وتعالى.
فأنت تنـزه الله في كل حالاتك، وأنت تحمده في كل حالاتك، تثني عليه في كل حالاتك, في حالة القيام, في حالة الركوع، في حالة السجود، فيما قد توحي به هذه الحالات الثلاث داخل الصلاة من حالات في واقع حياتك تمر بها أنت.
أليس الإنسان يمر في حياته بأحوال فيرى نفسه مرتاحاً، بخير، متوفر له حاجياته، لا يوجد عنده مشكلة، قد يحصل له مواقف تركِّعه، قد تحصل له مواقف أكبر أو مشاكل، هل الإنسان يبقى منتصباً في حياته دائماً؟ يمر بمشاكل. العرب كانوا يمثلون للمصائب الكبيرة بالدواهي، أو بقاصمة الظهر، أو يقولون: تثقل الكاهل. بعبارات من هذه تصوير للإنسان, وكأنه فيما إذا وقعت عليه مشكلة, أو مصيبة أو عانى معاناة من مرض في بدنه, أو مرض بأحد من أصدقائه، أو أفراد أسرته.. يتبادر إلى الذهن وكأنه شيء يثقل كاهله وسيحنيه.
أنت في كل حالاتك كن مسبحاً لله، كن واثقاً بالله، وفي كل الحالات يكون همك هو رضى الله، متى ما عرفت أن المعاناة التي أنت فيها هي في سبيله، المعاناة التي أنت فيها ليست خنوعاً لأعدائه، ليست ذلاً تحت وطأة أعدائه تحمَّل واصبر.. وهذا هو المطلوب من المؤمن أن يتجلد, أن يكون لديه حالة من الجلد، التجلد والتصبر.
هذا النوع من المؤمنين هو الذي يستطيع أن يقف المواقف المهمة في سبيل إعلاء كلمة الله، أما الذي يسقط من أول شدة يتعرض لها، سواء تحصل له شدائد في نفسه… بعض الناس قد يرى نفسه متى ما توجه توجهاً إيمانياً ثم مرض أحد من أقاربه, ثم حصل بَرَد على أمواله، ثم حصل كذا.. وهو يتجه هذا الإتجاه.. فيحاول أن يتخذ قراراً آخر بأنه يبطِّل، فيدعو الله فلا يرى أنها استجيبت دعوته، يرجع ينفر في الله: [كم ادّعينا وما جوَّب، ما هو نافع إلا يقم واحد هو يدوِّر, يتحرك هو].
هذه كلها تدل على جهل شديد، جهل شديد بالله سبحانه وتعالى، جهل بالحياة، جهل بقصورنا أننا قاصرون, أننا ناقصون.
أنت تعيش في حالة تمنن على الله سبحانه وتعالى عندما ترى بأنك – الحمد لله – أصبحت تتجه باتجاه الفئة الفلانية، أو نحن – الحمد لله – أصبحنا الآن اتجاهنا متدينين – كما يقال – ثم قد أنت منتظر من بعد.. ولا عاد ولا أي شيء يمَسَّك, قد أنت منتظر إنك ما عاد تلقى أي مصيبة. [ها ما عاد نشتي يحصل أي حاجة]!.
قد تأتي أشياء أخرى هي بما كسبت يدك، أو أشياء أخرى هي بما كسبت أيدي الآخرين من المجرمين, ثم تغضب على الله؛ لأنك لم تعرف بأنك لا تزال قاصراً وناقصاً أنت.
نحن قلنا في محاضرة يوم الخميس حول قول الله تعالى لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الإنسان الكامل, رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الكامل في إيمانه، في تقواه، في طهارة نفسه، في حرصه على هداية عباد الله. عندما يقول الله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(محمد: من الآية19) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}(الفتح: من الآية2).
فأنا عندما أرى نفسي بأنني أصبحت لا ذنب لي، ماذا يعني هذا؟ أصبحت وكأنه ليس هناك أي ذنب لدي إطلاقاً، ما عاد باقي إلا أن أنتظر، قد القضية عليك أنت يا ألله اما الآن.. أنا… قالوا كما قال الرئيس عندما اجتمع بالعلماء قال: نحن الأمراء أصلحنا نفوسنا, الباقي أنتم تصلحوا نفوسكم، أنتم تقولون أنه فئتان من الناس إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء, أو السلاطين والعلماء. نحن صلحنا إذاً أنتم اصلحوا.
هكذا قد تكون أنت مع الله تقول: [إحنا خلاص استقمنا! إحنا ما عاد بعدنا] باقي أن تفي أنت بما وعدت به، باقي أنت يا الله تنـزل البركات، وتعطينا كل شيء بسرعة!.
هل أنت ارتقيت إلى درجة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أم أنك قد أصبحت تجعل لنفسك مقاماً هو أعلى من مقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقول الله له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أين هي الذنوب التي قد نتصورها نحن بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لكن مهما ارتقيت، مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً وناقصاً ومقصراً أمام الله سبحانه وتعالى، ما تزال ناقصاً, ما تزال مقصراً، لا تستطيع أن تحيط علماً بكل الدائرة من حولك أنها قد أصبحت كلها طاهرة بنسبة مائة في المائة في كل تصرفاتك، كل أفعالك، كل أقوالك، كل آرائك، كل نظراتك، كل مواقفك، ثم تقول بعد: [ما عاد بعدنا] فإذا لم تر الأشياء تتحقق على ما تريد تسخط على الله سبحانه وتعالى! هذه جهالة.
الإنسان المؤمن يجب أن يكون دائماً مستشعراً للتقصير أمام الله، الله وصف المتقين بأنهم كما قال عنهم: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران: من الآية17) مستغفرين دائماً حتى في تلك الأوقات التي عادة ينهض فيها العبّاد المنقطعون في العبادة. هم عندما ينهضون في الثلث الأخير من الليل، وفي السحر قبيل الفجر هم لا ينظرون إلى أنفسهم بأنهم قد أصبحوا [ما شاء الله]، ولا عاد بقي لديهم أي تقصير، وأنه ما بقي لديهم أي ذنب، يستغفرون الله دائماً {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}, {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}.
اعتقد بالنسبة لقضية التسبيح قد تكون واضحة بالنسبة لنا معناها.. لكن كيف نعمل على أن نرسخها في نفوسنا وفي مشاعرنا؟.
من خلال التكرير الواعي لكلمة: (سبحان الله) عندما تسبح الله داخل الصلاة أو خارج الصلاة في أي وقت من الأوقات.
ثم أن تتلمس دلائل نزاهة الله سبحانه وتعالى, وقدسيته وجلاله وعظمته من خلال آيات القرآن الكريم، ومن خلال صفحات هذا الكون، وآيات هذا الكون الذي بين يديك، هذا العالم؛ لتترسخ في نفوسنا معاني نزاهة الله؛ لأن المؤمن بحاجة إليها دائماً.
ولو أن الناس انطلقوا من هذه القاعدة لكانت الدنيا بخير، ولكان وجه الدنيا على خلاف ما هو عليه الآن.. من قاعدة تنـزيه الله، لكن أصبح وللأسف بدلاً من أن تمتلئ القلوب بمشاعر تنـزيه الله ملئت القلوب بعقائد نسبت القبائح والنقص إلى الله في ذاته وأفعاله وتشريعاته، من أولئك الذين يحملون القرآن بين جنوبهم, في صدورهم، من أولئك الذين يقرأون كتاب الله سبحانه وتعالى فيرون فيه كم كرر الحديث عن تسبيحه والأمر بتسبيحه, واستنفار كل الخلائق لتسبيحه. لماذا لم يجدِ هذا في نفوسهم؟ مع أن بعضهم لهم أوراد ولهم رواتب، قد يطلق في اليوم الواحد ألف تسبيحة، مسابح طولها ألف حبة كان تحصل عند بعض الصوفية, وهم ممن يعتقدون عقائد كهذه.