(الجهاد في سبيل الله تكليف فردي ومسؤولية جماعية) بقلم/ محمد بدر الدين
| مقالات | 31 اكتوبر/ الثقافة القرانية:- مفهوم الجهاد في سبيل الله:
الجهاد دائرة واسعة تشمل كل المجالات التي تعد نصرا لدين الله, بالنفس والمال والكلمة والموقف…الخ. وبهذا نجد الكثير من المجالات التي يستطيع الإنسان أن يساهم فيها ولو بمفرده , كما أن هناك مجالات أخرى لا بد أن تكون النظرة إليها والانطلاق فيها من منطلق جماعي كما سنوضحه لاحقا, وللسيد حسين بدر الدين الحوثي كلام واسع حول مفهوم الجهاد وشموليته وأهمية معرفة مجالاته.. يقول رضوان الله عليه:
((الإنسان المسلم المؤمن يكون أمام عينه {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} قد تكون قوة معنوية هي بيدك تؤثر جدًا على العدو يجب أن تستخدمها، حرب نفسية، هو يستخدم حربا نفسية هو، العدو الذي يمتلك أفتك الأسلحة يرى بأنه ليس مستغنيا بل مضطراً إلى أن يسلك الوسائل الأخرى في الحرب، الحرب الثقافية، الإعلامية، الحرب النفسية، أليس هذا شيئا واضحاً؟ فكيف أصبحنا لم نعد نفهم حتى الصراع ما هو، أصبحنا لم نعد نفهم الجهاد ما هو!. بالتأكيد المجاهدون ليس عندهم فكرة.. ـ لأن البعض يحاول يقدم تفسيراً لمعنى الجهاد أن الجهاد بالكلمة هو الجهاد وفقط, أو آخر يقول: الجهاد بالسيف هو الجهاد فقط ! ـ لا، الجهاد {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} هنا قدم كل قوة بما فيها القوة المعنوية {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ})).
ويضيف في فقرة أخرى: ((الجهاد معناه: بذل الجهد في كل المجالات لإقامة دين الله، لم يعد يعتبر الموقف من العدو نفسه إلا موضوعاً من مواضيع إقامة دين الله الذي يبدأ من داخل الناس أنفسهم هم، استقامتهم فيما بينهم، ألم نتحدث عن هذا سابقا؟ القضايا الأساسية لأمة تتحرك لأن تجاهد أن تقدم نفسها نموذجا فعلا في التعامل فيما بينهم، في صدقهم مع بعضهم بعض، في إخائهم، في تآلفهم، في قوتهم، في منطقهم، في حكمتهم. بمعنى: العمل لإقامة دين الله، هذا هو الجهاد في سبيله، يشمل الكلمة، ويشمل القلم، ويشمل أشياء كثيرة جداً، ويشمل السلاح بمختلف أنواعه، فالجهاد هو هذه القائمة الواسعة، تتحرك فيها لا تنظر إلى مجال دون مجال، لا تنظر إلى مجال الكلمة، وتنسى موضوع إعداد القوة، قوة السلاح؛ لأنك ستخسر، كلمتك تتبخر في الأخير، لا تركز فقط على موضوع إعداد السلاح دون أن تعرف القضايا الأخرى التي يجب أن تعدها، القضايا النفسية، والمعنوية، والتربوية، والثقافية.. إلى آخره، هذا هو الجهاد في سبيل الله، لا أن تقول: الجهاد كذا، أو الجهاد كذا)).
ويضيف حول الآية الكريمة:{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} ((لماذا لم يقل: يقاتلون هنا؟ نقول فعلاً: أن الآية تتحدث عن هذا الزمن؛ لأن القرآن هو للناس وللحياة كلها، الجهاد يعبر عن حالة الصراع، وسعة الصراع وميدانه أوسع من كلمة: {يقاتلون} أي سيتحرك في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، ويقتضي العمل بإيجابية أن يكون مؤثراً على العدو فيتحرك فيه، بذل الجهد، سواءً في موضوع ثقافي، اقتصادي، عسكري، سياسي، إعلامي، في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، حرب نفسية، والحرب النفسية من أبرز مظاهر الصراع في هذا الزمن، الحرب النفسية؛ ولهذا يقول: {يجاهدون في سبيل الله} يعني: يبذلون جهداً في كل المجالات، وفعلاً ترى بأنه الفئة السابقة: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} في خسارتهم تبرز أشياء هي سهلة جداً وهي جهاد فلا يعد يتوفق أن يصل إليها، شعار يرفعه، أو بضاعة أمريكية وإسرائيلية يقاطعها، لا يعملها، يشتري قمحاً أمريكياً وهناك قمح آخر أمامه! أليست هذه خسارة، يتوقف أن يرفع شعاراً في مسجده، لا يحتاج يخسر من أجله ولا ريالاً واحداً، أليست هذه تعتبر خسارة؟ منتظر أن معنى يجاهدون: يقاتلون [متى ما قاتلوا]!. [الدرس 22 من دروس رمضان]
التكليف الفردي في الإعداد وبذل المستطاع:
قد يظن الفرد أنه غير ملزم (شخصياً) بالعمل لإعلاء كلمة الله لكونه فردا لا يقدر أن يقدم شيئا بمفرده, دون أن يفكر في أي وسيلة للقيام بالواجب من دعوة الناس وحثهم على الجهاد وإعداد العدة لبناء أمة مجاهدة, بل قد يصل البعض إلى مستوى الاعتقاد بأن النية تكفيه كما يقول السيد العالم المجاهد بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه:
((ومن الناس من يقول: لو كان جهاد لجاهدت، ويظن أن نيته لذلك تكفيه دون أن يعمل لتحصيل الأنصار والقوة؛ بل يكتفي بانتظار اجتماع جيش ذي عدة, ولعل الآخرين مثله، كل منهم ينتظر وينوي أن يجاهد إذا جاء جهاد.
ولعل كثيراً من الناس لو علم وجوب الجهاد وإعداد القوة لاستعد للجهاد ولكن الناس لا يذكرون له الجهاد ولا يأمرونه بالإعداد، فهل الجهاد يأتي الناس وهم قاعدون لا يدعو إليه أحد ولا يستعد له أحدٌ كما يأتيهم شهر رمضان، وشهر الحج، وأوقات الصلاة!!
إذاً فانتظار الجهاد كانتظار الصلاة، أما إذا كان الجهاد لا يكون إلا بالإجتماع له والإعداد له والتداعي إليه والتواصي به والحث عليه والتخويف من الإتكال على الأعذار فإنه يلزم الذين يريدون امتثال أمر الله والقيام بفرضه تحصيل ما لا يتم إلا به، والتماس الأنصار والقوة، والعمل على جلب المحبة والإخاء وتأليف القلوب للقيام بالواجب، وأن يحذروا أن يكونوا كمن أمر بطلوع السطح فقال لا أستطيع ليس عندي سلّم؛ وهو يستطيع التماس السلم والصعود عليه، وليعتبروا بالإمام القاسم بن محمد عليهم السلام في جهاده وصبره ومصابرته حتى انتصر، وكذلك الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وكذلك الناصر الأطروش، وغيرهم من أئمة الهدى عليهم السلام الذين باعوا أنفسهم من الله صادقين)).
إن المسؤولية الجهادية مجالاتها شاملة لما كان داخلا في إطار القدرة لدى الفرد أو الجماعة, فلا بد من بذل الجهد في كل مجال يستطيع الإنسان أن يقدم ما فيه نصرة لدين الله, دون الاكتفاء ببعض طالما وهو قادر على البعض الآخر, فالقرآن الكريم يأمر ببذل النفس والمال والكلمة وكل ما كان بمقدور الإنسان.
وهذا ما أشار إليه أيضا السيد بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في تفسير قوله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ..الآية} [البقرة 216 ] يقول في كتاب التيسير في التفسير: ((وهذه الآية وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} ترد على من يمنّي نفسه أن قد قام بفريضة الجهاد؛ لأنه يجاهد نفسه وهو الجهاد الأكبر، أو لأنه يجاهد بقلمه، ويحتج فيما يكتب على بطلان أقوال الكفار، ويدافع عن الإسلام بقلمه ولسانه، وهذا كله وإن كان جهاداً فهو لا يكفي عن بذل النفس في سبيل الله، وإذا صدق في جهاد نفسه فمنه: بيعها من الله وحملها على القتال في سبيل الله، وتعريضها للقتل أو الغلبة؛ للقيام بما فرض الله عليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111])).
ضرورة امتلاك الروحية الجهادية لدى كل فرد في الأمة
الإنسان المؤمن حقا لا بد أن يمتلك الروحية الجهادية وأن يسعى لتنميتها وترسيخها في كيانه, بحيث يصل إلى مستوى الإستعداد الدائم والتأهب المستمر, وحتى في الظروف العادية التي تكون السلطة فيها للمؤمنين ومقاليد الأمور بأيديهم, باعتبارنا أمة مستهدفة لما نحمله من مبادئ وقيم ومنهج يرى فيه الطغاة والمستكبرون خطورة عليهم كونه يهدد مصالحهم ومطامحهم في السيطرة على الأمة ومقدراتها, إذاً.. فامتلاك الروحية الجهادية المبادرة الوثابة الطموحة المرتبطة بالله وهديه أمر ملازم للإيمان, وبدون ذلك يكون الإيمان شكليا بعيدا عن الحقيقة, وفي هذ الصدد يقول السيد الشهيد القائد(رضوان الله عليه):
(( يجب أن تكونوا معدين أنفسكم دائماً ، تكونوا معدين أنفسكم دائماً، لهذا نقول: أنه فيما يتعلق بالتوعية الجهادية، فيما يتعلق بتوجيه الإنسان على أساس القرآن، أن يكون لديه روح جهادية، ليست قضية جديدة، أو قضية غريبة أو قضية فقط ترتبط بوقت من الأوقات، إنها تربية قرآنية دائمة يجب أن يكون المسلمون عليها دائماً، دائماً في أي وضعية كانوا، وفي ظل أي دولة كانوا، في ظل دولة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، يجب أن تكون عندك روح جهادية عالية، في ظل دولة الإمام علي، في ظل أي وضعية كانت، أنها روح دائماً يجب أن تكون موجودة لدى كل فرد في الأمة، لأن الأمة هذه لها أعداء، والأعداء الله أخبر عنهم هكذا{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: من الآية217).[ الدرس 10 من دروس رمضان]
الجهاد مسؤولية جماعية
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 35]
كثير هي المفاهيم المغلوطة التي رسخت في واقع الأمة حول موضوع الجهاد في سبيل الله, وكثير هي التعقيدات والشروط والعلل التي وضعت في طريق الجهاد حتى وصلت الأمة – بما تملكه اليوم من قدرات وطاقات وعدد وعدة – وصلت إلى مستوى القناعة باستحالة الجهاد ضد أعدائها الذين يسومونها سوء العذاب! كل ذلك نتيجة للبعد عن المنهج الرباني وتحكيم الرؤى والاجتهادات البعيدة عن ذلك المنهج مما أنتجه علماء السوء ووعاظ السلاطين, أو ضعفاء النفوس والمهزومون نفسيا الذين انعكس ضعفهم على فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم..
وما أجمل ما تناوله الشهيد القائد(رضوان الله عليه) في هذا المجال حيث يقول:
(( تلاحظ في موضوع الجهاد، موضوع إقامة الدين ألم يقل هناك: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}؟ ترى الحديد من أكثر الأشياء توفراً في الأرض بالقياس إلى المعادن الأخرى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}(الحديد: من الآية25). فعندما يقول: {كُونُوا أَنْصَارَاً لِلَّهِ}(الصف: من الآية14) ثم يكون المطلوب في أن تحقق نصراً لله هو أن تبحث عن زئبق أحمر، أو تبحث عن أشياء نادرة جداً جداً! قال هنا: الحديد، والحديد ملان الأرض، وهكذا تقيس عليه الأشياء الأخرى.
هذه نفسها تنسف المفاهيم المغلوطة حول المقدمات لأداء الأوامر الإلهية، العبادات بكلها، لاحظ في الجهاد أليسوا يقدمون لك قائمة من النادرات [ما معنا.. ولا جهدنا.. ولا.. ولا..] إلى آخره؟ أشياء كثيرة، لكن الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الأنفال: من الآية60) ما استطعتم من قوة: ما كان في متناولك، أنت معك لسان عندك قدرة تتكلم تكلم، والكلام، الإعلام، المنطق يعتبر وسيلة هامة جداً من وسائل القوة، أنت عندك إمكانية أن تقاطع امتنع، لا تشتر. هل هي قضية صعبة أنك لا تشتري بضاعة أمريكية أو إسرائيلية؟ الحديد متوفر وفي الغالب تكون المعارك تراها ليست متوقفة على نوع واحد بل أرقى ما وصل إليه الإنسان لحد الآن هي: الأسلحة الذرية، جُمِّدت ما هي جمدت هناك؟ حصل تسابق إلى أن أدى في الأخير إلى تجميدها مكانها)) [الدرس18 رمضان]
وحول الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}(البقرة: من الآية169) ووسائل الشيطان في صرف الناس عن الجهاد بطريقة ماكرة وخبيثة.. يضيف الشهيد القائد: (( الشيطان عدو لله سبحانه وتعالى عدو لبني آدم عداوة شديدة مجانب تماماً لطريق الله لا يمتلك إلا شراً لا يمتلك إلا سوءاً، ليس لديه إلا سوء وفحشاء، ليس لديه إلا ضلال {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ} كل ما يأمركم به هو سوء، حتى أحياناً عندما يوسوس لك حالة معينة، يقول لك هو: صلِّ وصم ولا تتدخل في شيء، ألا يمكن أن الشيطان يوسوس بهذه؟ لكن أمره لك، عملية أمره لك، عملية وسوسته لك، هو يوسوس لك بسوء وإن كان يبدو في الصورة وكأنه يقول لك: صلِّ؛ لأنه هل سيقول لك صلِّ فقط؟ يصرفك عن قضية لا تصبح صلاتك مقبولة وأنت تارك لها.
قد يقولون أحياناً الشيطان قد يوسوس لواحد بحاجة هي من الدين! إذا كانت هذه هو يعرف أنها لا تعطي قيمتها، الشيطان يعرف، هذه ستقعدك عن العملية الهامة عن العمل الهام الذي لا يحول بينك وبين أن تؤدي هذه العبادة.
هل العمل في سبيل الله يحول بينك وبين أن تصلي؟ أبداً لا يحول بينك وبين أن تصلي، عندما يأتي الشيطان يقول لك: صلِّ فقط ولا تتدخل في شيء من بيتك إلى مسجدك ولا دخل لك واهتم بأعمالك وأشغالك، إنه هنا يأمرك بسوء، أي يأمرك بما هو في الأخير وبال عليك وشر عليك، لما يجعل صلاتك هذه لا قيمة لها عند الله، لما يجعلك في الأخير عاصيا لله وأنت تقعد عن عمل هو سنام دينه، الجهاد في سبيله هو ذروة الدين.
إذاً عندما يقول لك تصلي فما المعنى أنه يأمرك لأنه حريص على أنك تصلي ويعجبه أنك تصلي وتتعبد لله! لا، هو يصرفك عن قضية هامة يكون مثلاً كما يقولون: رمى عصفورين بحجر، أول شيء عارف أن صلاتك لم يعد لها قيمة، وثاني شيء صرفك عن أن تنطلق في ذلك العمل الذي هو هام جداً في إقامة دين الله، ولك أنت شخصياً هو العمل الذي يجعل لصلاتك قيمة وله قيمة، للعمل نفسه تكسب أجراً منه ومن صلاتك.))[الدرس 8 رمضان].
المسؤولية.. والنظرة الفردية وآثارها السلبية
قلنا قبل قليل: إن كل فرد في الأمة لا بد أن يعلم بأنه مكلف بالجهاد في سبيل الله والعمل لإعلاء كلمة الله بقدر طاقته, إلا أن هذا لا يعني أن ينطلق لخوض غمار الحرب بمفرده بل إن عليه إعداد العدة والسعي لإيجاد متطلبات ذلك, كما أن هناك الكثير من الأعمال الممكنة فرديا, فليسع بما أمكنه فرديًّا ولينضم إلى الجماعة للقيام بالواجب والمسؤولية الجماعية, فلا بد من تقدير الأمور بمقاديرها, كل هذا تفاديا للوقوع في الفهم الخاطئ الذي سقط فيه الكثير من المتدينين وهو أحد أمرين: إما تصور أن عليه القيام بما هو متعلق بالجماعة فيتملكه اليأس باعتبار أن الواجب قد سقط عنه لعدم الاستطاعة.. أو تصور أنه كفرد لا يمكن أن يعمل شيئا وإنما عليه انتظار المجهول حتى يمهد له الطريق, فيتنصل عن ما يمكنه القيام به في الإطار الفردي.
ولقد حصلت أخطاء كبيرة في النظرة لهذا الجانب من قبل الكثير الفقهاء والمفسرين ممن خلطوا بين الجانبين, ورأوا أن الواجب الجهادي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب فري بحت, دونما نظر إلى المسألة من منظورها القرآني الصحيح, مما ولد اليأس لدي الفرد المسلم أن بمقدوره أن يكون له أي تأثير في الواقع, وهذا ما تناوله الشهيد القائد في كثير من محاضراته موضحا خطأ هذه النظرة وانعكاساتها السلبية على واقع الأمة فيقول: (( حَوَّلوا المسألة إلى مسألة فردية: [أنت يجب عليك شخصياً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر], متى؟ قال: [متى ما امتلكت القدرة أو ظنيت التأثير! ما لم فما عليك].
فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى في الأخير نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً هو، فيقول: إذاً ارتفع الوجوب عني، إذاً أنا لا أستطيع، والثاني مثلي، والثالث مثلي، والرابع مثلي، وهكذا.
ناسين أن القرآن, أن الله سبحانه وتعالى يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى – وهو الشيء الطبيعي والغالب – إلا بأن يكون الناس يتحركون بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة قادرة حينئذٍ عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحداً، عندما يكون منهجهم قائماً على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر.
لكن وتعال فيما بعد طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد تقول له: واجب عليك إذا استطعت، ما تستطيع أنت شخصياً ما عليك.. فعزلت أنت هذا ثم تعزل الثاني بعده والثالث بعده حتى تخرج من آخر الصف وما أحد يستطيع ستجد كل واحد يقول: والله أنا ما أستطيع أنا خلاص ارتفع الوجوب عني ولي عذري عند الله!…))
نعم.. نحن اليوم في مواجهة عدوان غاشم ظالم, والجهاد اليوم قائم, ويستطيع كل فرد منا أن يقدم شيئا فكل شيء مطلوب ومقبول مهما كان, لو لم يمتلك الإنسان إلا اللسان فليتكلم, كما أن الدورات بمختلف أنواعها قائمة في المجال الثقافي والعسكري وغير ذلك, فلم يبق هناك عذر لأحد في القيام بالواجب, كما أن العدوان بطبيعته ووحشيته وهمجيته فيه ما يستفز الإنسان ويحرك فيه الحمية والنخوة والعزة ويهز الضمير ويدفع للانطلاق والتحرك. نسأل الله أن يوفقنا للجهاد في سبيله, وأن ينصرنا على أعداء الإسلام والمسلمين.. والحمد لله رب العالمين.