نص: محاضرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – المولد النبوي الشريف 7 ربيع اول 1439هـ – المحاضرة الأولى.
| محاضرات السيد القائد| 7 ربيع اول/ الثقافة القرانية:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمن المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن في هذا الشهر الهجري، شهر ربيع الأول، تقدم علينا بعد أيام الذكرى العظيمة والمناسبة المجيدة، ذكرى مولد خاتم أنباء الله ورسله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، تأتي هذه الذكرى العظيمة والمهمة وأمتنا الإسلامية سيما في المنطقة العربية في مرحلة من أكثر المراحل حساسية وخطورة، وتشهد مخاضا كبيرا وعسيرا في خضم الكثير من الأحداث والحروب والفتن والصراعات والمشاكل، إضافة إلى ما تعيشه الأمة من أزمات ثقافية وفكرية وأخلاقية وسياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية إلى آخره، في شتى مناحي الحياة، يضاف إلى ذلك الواقع العالمي المأزوم فعلا، بفعل هيمنة قوى الطاغوت والاستكبار التي خرجت عن نهج الأنبياء وعن قيم الأنبياء وعن مبادئ الأنبياء، وتحركت في الساحة العالمية، في واقع الناس، في واقع البشر، في الأرض، تحركت بمشاريعها وأجندتها الاستكبارية الشيطانية، الشيطانية بما تعنيه الكلمة، فكان حضورها الطاغي في الواقع البشري حضورا للظلم وتحركا بالإفساد في كل مناحي الحياة، فإذا البشرية اليوم تعاني ولم تستفد مما وصلت إليه في مرحلة وفي عصر ربما هو من أزهى عصور الدنيا، لم تنعم البشرية بما وصلت إليه من تقدم حضاري بما يتعلق بالإمكانات المادية، فهذا التقدم المادي الذي لم تحتضنه مبادئ الأنبياء وقيم الأنبياء وتعاليم الله في رسالته إلى عباده، واستحوذت عليه قوى الطاغوت والاستكبار التي تتحرك طبق الأجندة الشيطانية، تحول إلى مصدر شر على البشرية ولم تنعم به، تقدم مادي وُظف للظلم والجبروت والطغيان والفتك بالمستضعفين قتلا وسفكا لدمائهم وكذلك للسعي بالإفساد في الأرض في كل مناحي الحياة، وصولا للإفساد حتى للبيئة حتى للمناخ، فأصبحت البشرية تئن وترزح تحت هذا الظلم وتحت وطأة هذا الجبروت، وتعاني من تفاقم مشاكلها يوما إثر يوم، وهذا أمر معترف به حاليا، معترف به.
من الواضح اليوم أن العالم، والواقع البشري تحت السيطرة الأمريكية وتحت سيطرة قوى الاستكبار في الساحة العالمية اليوم، إنما يئن ويصرخ من أزماته ومن معاناته، وإنما يصيح من حجم مشاكلها المتفاقمة في كل مناحي الحياة، في كل الجوانب والمجالات، نجد أنفسنا بحاجة ملحة كمسلمين في المقدمة، ونحن في مقدمة المعانين من أبناء البشر، وللأسف الشديد أننا لا ننعم بإسلامنا هذا في مبادئه، في قيمه، في أخلاقه، في تعالميه الإلهية العظيمة، لا ننعم به، ونستفيد منه بالحجم المطلوب والشكل المطلوب والمستوى المطلوب، لا في واقعنا ولا في أن نفيد البشرية من حولنا، لأن كثيرا من أبناء الأمة، من القوى البارزة في ساحة الأمة، بعض الأنظمة وبعض الكيانات أصبحت جزءا لا يتجزأ مرتبطا بقوى الطاغوت والاستكبار الشيطانية الشاذة عن منهج الأنبياء وعن قيم الأنبياء وعن تعاليم الأنبياء التي أتوا بها من الله سبحانه وتعالى، فإذا بها تلعب من داخل ساحة الأمة، من داخل واقع الأمة الدور السلبي الشيطاني، وتشتغل لتنفيذ الأجندة الاستكبارية، وتضرب الأمة من داخل الأمة وتعبث وتسعى بالإضرار للأمة حتى تحت العناوين الإسلامية، والعناوين الرسالية، فزادت على المصيبة مصيبة، وزادت على المشكلة مشكلة، فكانت مشكلة إضافية في الواقع الإسلامي والساحة الإسلامية في أوساط المسلمين، وعلى المستوى العالي الذي لم يعد يستفيد كما ينبغي من الإسلام والمسلمين، بقدم ما يرى فيهم الكثير، مشكلة إضافية مرتبطة بنفس المشكل الأمريكي والمشكل الإسرائيلي، يعني كارثة ومصيبة كبيرة جدا.
نجد أنفسنا اليوم في أمس الحاجة إلى الاستفادة من هذه الذكرى العظيمة كمحطة نتزود منها نور الله وهدايته، نتزود منها كل ما يمكن أن تعطينا من طاقة معنوية وإيمانية، نعود إلى أنبياء الله وحلقة الوصل فيما بيننا وبين أنبياء الله هو خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، والوثيقة الإلهية المضمونة المأمونة الموثوقة التي وثقت لنا أهم ما نحتاج إليه ونستفيده عن أنبياء الله هي القرآن الكريم، كتاب الله، الذي هو أيضا الخلاصة الكاملة لكل كتب الله وهديه في تعالميها المهمة وهدايتها التي تحتاج إليها البشرية، نحتاج اليوم إلى أن نعود إلى الأنبياء لأنه كل ما غاب الأنبياء في تعاليمهم، في قيمهم، في رمزيتهم عن ساحتنا البشرية كان البديل عن ذلك هو الحضور الطاغي لقوى الاستكبار، لقوى الطاغوت، لقوى الكفر والضلال والفساد والإجرام التي كلما حضرت في ساحتنا البشرية كلما ملأتها ظلما وكلما أعتمت فيها بالظلمات، وكلما مارست الإجرام تعذبت البشرية وأصبحت البشرية تعاني الويلات والآفات والنكبات، من هذا الحضور الطاغي لقوى الاستكبار، اليوم يجب أن نزيح عنا هذا الحضور في كل امتداداته، امتدادته السياسية، امتداداته الفكرية، امتدادته الثقافية، امتدادته الاقتصادية، كل امتدادات هذا الطاغوت الذي هو بلاء كبير علينا وعلى أمتنا وعلى البشرية جمعاء، نسعى لإزالة هذا الحضور، ونسعى لتعزيز حضور الأنبياء، حضور الأنبياء في ساحتنا، حضور رمزيتهم، حضورهم في موقع القدوة والأسوة، حضور تعاليمهم، حضور روحيتهم، حضور أخلاقهم، حضور مبادئهم كي نتمسك بها، نستهدي بها، نسترشد بها، ننتفع بها، نتخلق بها، نتهذب ونتزكى بها، نتحرك على أساسها وبنورها في كل مناحي الحياة، حتى ننعم بتلك التعاليم، وحتى نسموا بتلك القيم والأخلاق وحتى نكرم بتلك المبادئ التي تعزز من كرامتنا الإنسانية، وتستعيد لنا كرامتنا الإنسانية وشرفنا الإنساني الذي أفقدناه أولئك الطواغيت، أولئك الضالون، أولئك المجرمون، أولئك الظلاميون، أولئك المجرمون، أولئك المستكبرون.
نحتاج اليوم إلى أن يكون مسعانا في استحضار الأنبياء في استحضار سيرهم، استحضار رمزيتهم وتعزيز الارتباط الوثيق القوي بهم لأنهم صلة ما بينا وبين الله سبحانه وتعالى أن يكون مسعى حثيثا، لأنه لا نجاة لنا ولا فلاح لنا، ولا فوز لنا ولا خلاص لنا إلا بهذا، كانت طريقة الله سبحانه وتعالى في خلاص عباده على مر التاريخ بكله بالأنبياء، بالأنبياء، وبما يأتي مع الأنبياء من هدي، من نور، من تعاليم تصلح واقع البشرية، تنقذ البشرية من جهالتها، وجاهليتها، وتنقذ البشرية من غفلتها، وتخلص البشرية من طاغوتها، وتأخذ بيد البشرية في الصراط المستقيم كي يكون وجودها في هذه الحياة وجودا هادفا، وجودا مقدسا، ومسار حياتها مسارا مسؤولا ومصونا وأخلاقيا وقيميا وعادلا فتتخلص البشرية من كل ما يحدث نتيجة هذا الابتعاد من ظلم وظلام، من جهل وطغيان وإجرام، من كوارث تطال كل شؤون حياتها، تطغى على كل واقع حياتها، فالمسألة اليوم مرتبطة بالواقع، هذه النقطة التي أتمنى أن نستوعبها جيدا، حينما نتحدث اليوم وحينما نطلب من الجميع التركيز الكبير على هذا الجانب، إنما من واقع حاجتنا إلى هذا لأن فيها الإنقاذ اليوم، الإنقاذ الحقيقي للبشرية، لينقذكم، فأنقذكم، الإنقاذ اليوم من النار، الإنقاذ اليوم من الهوان، الإنقاذ اليوم من مآسي ونكبات البشرية، الإنقاذ هو بالعودة إلى الأنبياء وإلى خاتم الأنبياء، حلقة الوصل لكل أنبياء الله خاتمهم محمد صلوات الله عليه وعلى آله، ونحن أيضا في واقعنا في البلد، في شعبنا اليمني نرتاح كثيرا لأنه عادة الاحتفال عندنا بهذه الذكرى والتفاعل بهذه الذكرى هو على نحو مميز من حيث الأنشطة الثقافية، من حيث إظهار السرور والابتهاج وكذلك القيام بعدد من الأنشطة العملية المعبرة عن هذا السرور عن هذا الاعتداد بالنعمة الإلهية من حيث تكثيف الأنشطة التثقيفية والمحاضرات، من حيث الفعالية الكبيرة التي تأتي في الثامن عشر الذي عند كثير من المؤرخين وأصحاب السير أنه اليوم الذي ولد فيها الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، يتفق معظم المؤرخون معظم أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ولد في شهر ربيع الأول وإن كان هناك بعض الاختلاف في أي يوم أو في أي منه ولد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، يذهب الكثير منهم إلى اعتماد الثاني عشر من الشهر.
فإذاً شعبنا قد تفاعل مع هذه الذكرى يحتفي بها على نحو متميز، يبتهج بها، يجتمع اجتماعا حاشدا وكبيرا جدا في يوم الثاني عشر، وحتى في ظل هذا العدوان على ما مضى في فعاليات العام الماضي وما قبل العام الماضي والأمل أيضا في هذا العام بالرغم من كل المعاناة الكبيرة إثر العدوان السعودي الأمريكي الغاشم، ولكن مع كل ما هناك من معاناة تمسك شعبنا بتفاعله مع هذه الذكرى، بالرغم أيضا من انزعاج القوى التكفيرية والظلامية التي يجن جنونها من الاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، لأنه ليس من آل سعود ولا من آل نهيان، وليس من تلك الأطراف التي ارتباطها بها ويكن لها كل شيء، ما في حقها أي بدعة، أما رسول الله فكل شيء بدعة تتعلق به، على كل شعبنا العزيز غير غريب عليه هذا الارتباط، هذا التفاعل، هذه المحبة، هذا التعلق الحميمي والوجداني والشعوري، غير غريب على أحفاد الأنصار، أنتم يا شعبنا العزيز، أنتم أحفاد الأنصار، أنتم الذين أعطاكم الله شرفا عظيما في تاريخ هذا الإسلام وفي سيرة هذا النبي صلوات الله عليه وعلى آله، أن جعلكم ذخرا لنصرته في قادم التاريخ وفي آخر التاريخ، في قادم التاريخ كان الأوس والخزرج القبيلتان اليمانيتان ذخرا لنصرة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، والمؤرخون يذكرون في التاريخ أنه حينما ذهب تُبَع، تبع اليماني، ذهب ووصل إلى تلك المنطقة، التي وردت آثار في آثار الأنبياء السابقين أنها مُهَاجر خاتم الأنبياء، أنها مهاجر خاتم الأنبياء، ما بين عير وأحد جبلان، تلك البقعة ما بين هذين الجبلين أنها مهاجر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، تحكي الآثار ويحكي التاريخ أن تبع عندما وصل إلى هذه المنطقة خلف فيها هاتين القبيلتين ليبقيا في ذلك المكان ويسكنا فيه، ويستقرا فيه، ويرابطا فيه، ويبقيا حتى يأتي هذا النبي ويهاجر إلى هذا المهاجر، إلى تلك البقعة فيكونان نصرة له، يكونان أنصارا له، وفعلا بقي الأوس والخزرج واستوطن الأوس والخزرج تلك البقعة وعمروها وسكنوا فيها واستقروا فيها جيلا بعد جيل، حتى أتى الوعد الإلهي وحتى أتى خاتم الأنبياء رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فكانوا هم الأنصار الذين استجابوا بكل رغبة، كان انتماؤهم للإسلام، انتماء الإيمان وانتماء النصرة والجهاد ورفع راية الإسلام والإيواء لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، فكانوا كما قال الله عنهم في كتابه الكريم:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كانوا هم الذين تبوءوا الدار، سكنوا تلك البقعة وسبقوا إليها منذ القدم منذ زمن بعيد، منذ أجيال بعيدة، سبقوا إليها وتواجدوا هناك ليكونوا ذخرا للنصرة وحين أتى الموعد كانوا هم الأوفياء مع الوعد الإلهي والمستجيبين بشكل مسارع والدور الداعم والإيمان وما أعظم هذه العبارة، استوطنوا الإيمان كما استوطنوا الدار، إيمان راسخ، إيمان ثابت، إيمان عظيم، من قبلهم قال للمهاجرين الآخرين، قال عنهم أيضا في عبارة مهمة وعظيمة في كتاب الله الكريم، وهو يحكي ما قبل هجرة النبي إليهم، يحكي عن تعنت الكافرين في مكة، عن تعنت قريش حينما قال: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) فمن هم هؤلاء الموكلون من هم هؤلاء الذين كانوا ذخراً إلهياً جعلهم الله سبحانه وتعالى معدين لهذه المسئولية ولهذا الدور وللاضطلاع بهذه المسؤولية وللتحمل لهذه المسؤولية العظيمة ولنيل هذا الشرف لنيل هذا الشرف الكبير، الأنصار الأوس والخزرج القبيلتان اليمانيتان، فهنئياً لك ياشعبنا العظيم هنيئاً لك هذا الشرف وهنيئاً لك أن تستمر وتحذو حذو هؤلاء الأنصار في نصرتهم للإسلام في تمسكك بمبادئ هذا الإسلام بقيم هذا الإسلام بأخلاق هذا الإسلام في ارتباطك الحميمي والوجداني ومحبتك العظيمة لنبي الإسلام وتمسكك بعزة هذا الإسلام وحرية هذا الإسلام الذي يجعل منك شعباً مستقلاً لا تقبل أبداً بالتبعية للمنافقين بالتبعية لمن عبّدوا أنفسهم لأمريكا ولإسرائيل من أعداء البشرية وأعداء الإنسانية وأعداء الإسلام وأعداء المسلمين، هنيئاً لك هذا الاستمرار على النهج وإن كان فيه تضحية وإن كان فيه عناء وإن كان له ثمن ولكنه شرف والذي لو حِدْتَ عنه خسرتَ الدنيا وخسرت الآخرة.
لتصفح وتنزيل المحاضرة كاملة اضغط على الرابط التالي:-
نص محاضرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – المولد النبوي الشريف 7 ربيع اول 1439هـ – المحاضرة الأولى.