نص: محاضرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – المولد النبوي ـ 8 ربيع اول 1439هـ – المحاضرة الثانية.
| محاضرات السيد القائد | 8 ربيع اول/ الثقافة القرانية:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثنا اليوم مستمر في سياق الموضوع الرئيسي الذي بدأناه بالأمس وهو حديثنا بشأن الأنبياء والرسل والنبوة والرسالة، وحديثنا اليوم هو عرض عام عن مسألة الرسالة والنبوة، ونحن نحرص على أن دائما نربط حديثنا هذا بالواقع الذي نعيشه وتعيشه الأمة من حولنا، وتعيشه البشرية جمعاء، باعتبار هذا الموضوع في غاية الأهمية، ليكون منطلقا لصلاح واقعنا، ولمواجهة التحديات التي نعاني منها في هذا الزمن، نحن عندنا نأتي لنتأمل في الساحة من حولنا، ونلحظ ما ألحقته قوى الطاغوت والاستكبار وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل من عناء وشقاء بالبشرية، وفي ساحتنا العربية والإسلامية، يجب أن نتطلع إلى الرسالة الإلهية باعتبارها الملاذ الآمن والمنقذ الحقيقي بما فيها من هداية، بما فيها من نور، بما فيها من تعليمات، بما فيها من توجيهات، هي أتت أساسا لإنقاذ المجتمع الإنساني، ولربطه بالله سبحانه وتعالى حتى يكون على صلة بالله جل شأنه، يرعاه ويعينه ويهديه وينصره ويوفقه، ويأخذ بيده لاستنقاذه مما هو فيه من عناء وشقاء، ويجب أن نعي جيدا أنه ما من مخرج وما من ملاذ، لا لأمتنا الإسلامية، ولا للبشرية من حولنا يخرجها من المأزق الكبير الذي أوقعتها فيه قوى الطاغوت والاستكبار الشيطانية إلا الرسالة الإلهية، وإلا العودة من جديد إلى اتباع الرسل والأنبياء وإلى التمسك بنهجهم ومن خلال حلقة الوصل بهم المتمثلة في خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطبيين الطاهرين، والتمسك بالوثيقة الإلهية الربانية التي هي خلاصة لكل كتب الله السابقة، فعندما ننظر من هذه النظرة أو من هذه الزاوية إلى الرسالة الإلهية بما فيها من تعليمات وتوجيهات، ونرى فيها الحل الجذري لكل مشاكلنا، ما كان منها مشاكل اجتماعية، ما كان منها مشاكل اقتصادية، ما كان منها أزمات سياسية، ما كان، كل أنواع المشاكل التي يعاني منها البشر في كل أقطار الأرض، هذا هو السبيل للخروج منها والحل لها بشكل صحيح، والبشرية كلما تجاهلت هذا الأمر، وكلما بحثت هنا وهناك هل من مناص، لا تصل إلى حلول صحيحة ولا إلى حلول سليمة، لا بد لها من الالتفات إلى دعوة الله سبحانه وتعالى، كما أنه لا مبرر للتهرب من رسالة الله، ولا مبرر أبدا لهذا الجفاء الكبير ما بين البشر وبين رسل الله وأنبيائه ولهذه الفجوة الهائلة القائمة في واقع البشرية، باستثناء حالات محدودة وفي نطاق محدود للبعض من البشر، فهذه المسألة مهمة.
حديثنا ليس حديثا ترفيا أبدا، بل هو حديث هادف، على صلة بهذا الواقع الذي نعيشه، وإذا عدنا إلى الموضوع من أساسه، موضوع الرسالة والنبوة فهو موضوع أساسي في ديننا الإسلامي، في دين الله سبحانه وتعالى، في رسالته لكل أنبيائه، مرتبط بالله سبحانه وتعالى، وذو صلة أساسية بوجود الإنسان، الوجود الهادف والمسؤول، هذا أول دلالة للرسالة الإلهية، أن وجود الإنسان في هذه الحياة وجود هادف ومسؤول، وليس عبثيا، وهنا تختلف النظرة بالنسبة للأقوام والأمم والفئات التي كفرت برسل الله وأنكرت الرسالة الإلهية، أو لم تنظر إليها من حيث قدمت نفسها كما هي فيما قدمت نفسها عليه، البعض يرون في الوجود الإنساني في هذه الحياة وجودا عبثيا وحيوانيا، وأن الدور لهذا الإنسان في هذه الحياة لا يختلف عن دور أي حيوان غريزي يعمل أو كما يقال يأكل ليعيش ويعيش ليأكل وخلاص، ليس هناك اعتبارات أخرى، وليس هناك أهداف أخرى لهذا الوجود ولا أي شيء، هذه النظرة الضالة هي تقلل من كرامة هذا الإنسان، وهي نظرة استهتار إلى هذا الوجود بكله، على هذا الكون بكله، بكل ما فيه، لأن هذا العالم العجيب، هذا الكون العظيم والكبير بكل ما فيه من دلائل على حكمة الله وقدرة الله جل شأنه لم يأت عبثا، والوجود الإنساني في ظل هذا الكون بما ارتبط بهذا الإنسان فيه، وما هيئ له فيه وما مكن له فيه، وما سخر له فيه، وهذا الدور البارز للإنسان في هذا الكون وفي هذه الحياة، لم يكن عبثيا أبدا، لو كان عبثيا لكان في هذا الانتقاص لحكمة الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال جل شأنه: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡحَقُّ)، يقول الله جل شأنه أيضا في كتابه الكريم: (وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَٰطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
الله سبحانه وتعالى حين خلق هذا الكون وخلق الإنسان مستخلفا في هذه الأرض وليكون له دور بارز ومسؤولية كبيرة سخر له فيها ما في السموات وما في الأرض، فالإنسان كائن في هذه الحياة وموجود في هذه الحياة على أساس من المسؤولية، ارتبطت به مسؤوليات كبيرة، ومسؤول عن تصرفاته وعن أعماله، وهذه المسؤولية حددها الله سبحانه وتعالى، ورسم معالمها لهذا الإنسان، الإنسان مسؤول بقدر ما حمله الله من مسؤولية، ومسؤول على أساس من التعليمات التي قدمها الله سبحانه وتعالى إليه، ومسؤول على أساس البرنامج الإلهي الذي يحدد لهذا الإنسان في هذه الحياة ما له وما عليه، هذه هي المسؤولية بالنسبة للإنسان، والله جل شأنه قال في كتابه الكريم: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)، لأن الإنسان في إطار مسؤولياته هذه إما أن يكون محسنا وإما أن يكون مسيئا، فيترتب على هذا جزاؤه، كلما نجحت قوى الطاغوت والاستكبار، القوى الظلامية لإبعاد الإنسان عن هذه العقيدة تجاه وجوده وتجاه دوره وتجاه مسؤولياته في هذه الحياة، وتجاه علاقته الله سبحانه وتعالى في إطار هذه المسؤولية كلما جعلوا الإنسان مستهترا في هذه الحياة وعبثيا وضائعا وتائها ومنفلتا لا تضبطه ضوابط، ولا تحده قيم وحدود في تصرفاته وأعماله، فتعظم وتكثر جنايته على نفسه وعلى البشر من حوله، وكلما تمكن أكثر مع هذه الحالة من الانفلات كلما كانت سلبياته في هذه الحياة أكثر وكلما كان دوره السلبي أفظع وأكثر، ولهذا لرسالة الله جدوائية كبيرة في صلاح حياة الناس في صلاح حياة البشر، لأن الإنسان كلما أحس بأنه مسؤول وآمن بأنه مسؤول كلما انضبط أكثر في تصرفاته، كلما كان ميزان تصرفاته التعليمات الإلهية والتوجيهات الإلهية الحكيمة والصالحة والنافعة التي هي من الله سبحانه وتعالى الملك القدوس العزيز الحكيم العظيم الرحيم الكريم العليم الحكيم، وبالتالي يتحرك على نحو مسؤول في واقع هذه الحياة ويتحرك بهداية إلهية.
لتصفح وتنزيل المحاضرة كاملاً اضغط على الرابط التالي:-
نص محاضرة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – المولد النبوي ـ 8 ربيع اول 1439هـ – المحاضرة الثانية.