الله سبحانه وتعالى قد منح الشهيد الحياة الأبدية منذ أن تفارق روحه جسده.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
محياي ومماتي لله صـ5ـ6.
الله سبحانه وتعالى يريد منا – لأنه رحيم بنا – أن نفهم بأنه يجب أن ننذر حياتنا له، فمتى ما نذرت حياتك لله خاصة وأنت تعرف النهج الذي تسير عليه وتعرف الصراط المستقيم الذي يجسد ما أنت عليه من أنك قد نذرت حياتك لله سبحانه وتعالى وحينئذ لن تسير على طريق آخر، لن تجعل حياتك في خدمة الطغيان لن تجعل حياتك في خدمة أعداء الله سبحانه وتعالى.
إذا كنت أيضاً قد نذرت موتك لله فأنت من سينطلق في سبيل إعلاء كلمة الله في نصر دين الله في دفع أعداء الله في محاربة أعداء الله؛ لأنك لم يعد لديك خوف من الموت, أنت قد اتخذت لنفسك قراراً أن تستثمر موتك، وأنك قد نذرت موتك لله.
وهذه القضية إذا تأملها الإنسان سيرى بأنها قضية من الحماقة أن لا تحصل لدى أي إنسان منا, من الحماقة أن لا يكون أي مؤمن قد نذر موته لله لماذا؟ لأن الموت قضية لا بد منها أليس كذلك؟ الموت قضية لا بد منها, وستموت إما بالموت الطبيعي أو تموت على يد أعداء الله إذا كان الأمر على [هذا النحو فقد يكون الخوف لدى] بعض الناس ليس لتصوير الألم، ليس لاستشعار أن هناك ألم، وإنما لاستشعار أنه يريد أن يبقى حيا، يتشبث بالحياة، يحس بالحياة، لا يريد أن يدخل في غيبوبة مطلقة.
فالمسألة إذاً: الله سبحانه وتعالى قد منح الشهيد الحياة الأبدية منذ أن تفارق روحه جسده عندما قال سبحانه وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169).
إذاً فالخسارة الحقيقة هي: أن يكون الإنسان متهرباً من الحياة الأبدية، إذا كنت تخاف من الموت؛ فإن المفترض منك هو أن تكون ممن يحرص على أن يكون حياً فلا يدخل في غيبوبة مطلقة من بعد أن تفارق روحه جسده، ستكون حياً.
من هذا نخلص إلى قضية باعتبارنا طلاب علم، وأن طالب العلم إذا لم يكن يريد من وراء طلب العلم هو أن يكون على هذا النحو: أن تكون صلاته وأن يكون نسكه وأن تكون حياته وأن يكون موته لله رب العالمين فلا فائدة في علمه، لا فائدة في حياته، لا فائدة من موته، لا فائدة في عبادته.
أنت كطالب علم يجب أن تضع هذا نصب عينيك: لماذا أريد أن أطلب العلم؟ أنا أريد أن تكون عبادتي لله، وأن تكون حياتي لله، وأن يكون مماتي لله. علم آخر يصرفك عن هذا فليس العلم الذي هو عبادة لله، ليس العلم الذي تفرش الملائكة أجنحتها لطالبه، ليس العلم الذي من سلكه سلك طريقاً إلى الجنة.. هذه طريق الجنة التي أُمرَ بها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي أمرنا بأن نقتدي به، وأن نقتفي آثاره، وأن نسير على نهجه، ونسير بسيرته، ونتحلى بأخلاقه، هذه قضية.
القضية الثانية: لا يجوز أن يكون هَمُّ الإنسان من وراء التعلم هو أن يكون له مكانة رفيعة عند هذا أو عند ذاك أو عند هؤلاء الناس أو عند أولئك، هذه من الحماقة أيضاً.. أهم ما يجب أن تطلبه وأهم رفعة يجب أن تطلبها وتنشدها وأعظم علوّ يجب أن تنشده وتطلبه وتعمل على أن ترتقي بنفسك إليه هو: أن تحظى بالقرب من الله. أرفع الناس أعلى الناس أعظم الناس هو أقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولا قيمة لأي رفعة إذا كان الإنسان منحطاً عند الله، إذا كان الإنسان لا كرامة له عند الله.
ومن الإستهتار بالله وبعظمته أن لا يكون في نفسك شعور بأن عظمته، بأن القرب منه بأن الرفعة في القرب منه بأن العلو والسمو في القرب منه هو أعظم وأهم من الرفعة عند الناس، ومن العلو عند الناس، ومن المكانة عند الناس.. استهتار بالله أن تنشد الرفعة عند الناس، ولا يكون همك أن تكون مقرباً عند الله؛ لأنك حينئذ قد جعلت للناس في نفسك مكانة أعظم من مكانة الله، وجعلت الناس أعظم عندك من الله، فأصبح القرب منهم أصبحت المكانة عندهم أصبحت الرفعة لديهم هي عندك أغنى وأهم، إلى درجة أنك لا تلتفت إلى قضية الرفعة عند الله والعلو عنده والقرب منه، هذا هو من الاستهتار بعظمة الله سبحانه وتعالى ومن الجهل بالله ومما ينسف أعمال الإنسان كلها.
يجب أن تحرص على أن تكون مقرباً من الله، ويجب أن تعمل على أن تعلي كلمة الله لا أن تعلي شخصيتك، أن ترفع راية الإسلام لا أن ترفع رأسك، أن ترفع الأمة وأن تعلي الأمة لا أن تهتم بشخصيتك أنت، يكفيك شرفا أن تشعر أنك تسير في طريق هي لله رضى، وأنك تسير في سلّم القرب من الله سبحانه وتعالى هذا هو الشرف العظيم، ثم اعمل على أن ترفع كلمة الله على أن تعلي كلمة الله على أن ترفع الأمة وأن تعمل في رفعة الأمة من هذه الوضعية المنحطة التي تعاني منها.
هل يمكن أن يحصل لدى أي شخص منا الشعور بهذا؟ أو قد يكون كل واحد منا يقول: ماذا يمكن أن أعمل لهذه الأمة؟ من أنا حتى أعمل على رفعة هذه الأمة! قد يقول واحد منا هذه لأننا أصبحنا كمسلمين بابتعادنا عن القرآن الكريم بابتعادنا عن الله، ولأننا لم نعد نعتد بقدرة الله بجبروت الله بأنه هو القاهر فوق عباده، لم نعد نعتد بمعيته، أن معيته قوة، أن معيته نصر، أن معيته تأييد، إذا ما كان معنا.
أصبحنا مهزومين نفسياً لما فقدنا هذه الأشياء أصبحنا مهزومين نفسياً، وأصبح كل واحد منا تقريبا يرى بأنه لا يمكن أن يكون له دور في إنقاذ الأمة من هذه الوضعية التي تعاني منها! لكن أنت لو ترجع إلى أمثلة كثيرة في واقع الحياة ستجد وعلى طول التاريخ أن إنقاذ عباد الله جاء في أغلب حالاته من حيث لا تحتسب الأمة، وعلى أيدي من لم تكن الأمة تقدر أنه ممكن أن يعملوا شيئا في تاريخها وفي حياتها.
[الخميني] خرج وهو رجل فقير مهاجر من قرية تسمى [خُمَين] لو لقي رجلا آخر وقيل له: إن هذا سيعمل في المستقبل عملا عظيما وسيقيم دولة إسلامية ربما لأقسم – هذا الأخير – أن هذا مستحيل، لأقسم أن هذا مستحيل، لكن تحقق هذا وهكذا أمثلة كثيرة.
فالإنسان يعرف أنه يجب ونحن تحدثنا معكم في جلسة سابقة فيما يتعلق بالقرآن الكريم: أن عليك وأنت تعلم القرآن الكريم أن تقدمه للناس وكأنك تعد جنداً لله؛ تتحدث عن آيات الوحدة على أرقى مستوى، عن آيات الجهاد، عن آيات الإنفاق، عن الأمر بأن يكون الناس أنصاراً لله، عن أن يكونوا أمة واحدة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، عن كل ما هو من هذا القبيل تقدمه وكأنك تعد جيلاً مجاهداً هذا هو منطق القرآن، لا تحاول أن تعكس نفسيتك وهزيمتك النفسية على طلابك وعلى القرآن الكريم فتقدمه هزيلا.
أيضا أنت كطالب علم عندما تقرأ القرآن الكريم لا تدخل إلى القرآن بنفسيتك المهزومة، أدخل إلى القرآن بعد أن تكون قد نذرت حياتك لله ونذرت موتك لله وجعلت من نفسك جنديا لله؛ إلتزاماً بقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) فاقرأ القرآن حينئذ وتأمله لتعرف كيف تؤهل نفسك كجندي من جنود الله، لكن أن تقرأ القرآن أو تقرأ علوما أخرى لتدخل إلى القرآن بعد فتمر بآيات من هذا النوع فتحاول أن تجمدها مكانها فاعرف أن هذا هو الشقاء، وهذا هو الذي يجعل الإنسان فعلا لا يقدم ولا يؤخر للأمة بل يضر بالأمة بل يضر بالدين بل يضر بنفسه.
عندما يصل إلى مثل آية: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّه} سيقول: [هذه آية محلها حقيقة بس من ذي جهده؟] عند آية: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104) يقول: [هذا صح لكن من ذي جهده؟ الناس ما منهم شيء والناس ما هم طايعين].
وهكذا عندما يدخل الإنسان بهذه الروحية لن يعمل شيئا لن يحقق شيئا ويكون في واقعه لا يصح أن يطلق عليه اسم عالم. العالم هو من يجب أن يستفيد علمه من القرآن الكريم، وأن يكون علمه بالشكل الذي يجعل القرآن حياًّ في واقع الحياة، وحياًّ في نفسه، يجعل القرآن حياًّ في نفسه وفي واقع الحياة، أما أن يقرأ يقرأ لينتهي في الأخير إلى أن يجمد كل هذه الآيات مكانها فهو ليس بحاجة إلى أن يقرأ حتى يجمدها.
إن الله يريد من الناس أن يتعلموا ليعملوا، لا أن يتعلموا ليتحيلوا على كيف يجمدون أوامره ونواهيه، وهو سبحانه وتعالى عندما يأمرنا لا يأمرنا بشيء إلا وقد رسم الطرق المتعددة التي يمكن أن توصل بالناس إلى أداء ما أمروا به.