خطورة التقصير في هدى الله تجعلنا عرضة لسخط الله.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي
ال عمران الدرس الثاني صـ7 ـ 8 .
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب – لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله), لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من بدر إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التي كانت تمثل القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن في استطاعتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات [غزوة تبوك]؛ لأنه كان رجلاً قرآنياً (صلوات الله عليه وعلى آله) يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلاً مراكز صيفية، نقول: [لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا، أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك] تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام، ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولاً ما يدعوهم إليه الله، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
وهكذا تأتي آيات كثيرة تتحدث عن صراط الله بأنه صراط مستقيم بما تعنيه الكلمة من أنه قيِّم، وفيما تعنيه الكلمة من أنه يستطيع أن يجعل السائرين عليه قادرين أن يستقلوا بأنفسهم، وأن يقفوا على أقدامهم فلا يعتمدوا على هذا ولا على هذا, دينا قَيِّماً {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً}.
نعود إلى أصل الموضوع ولأن الآيات من أولها {يَا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوْا…} بل الآيات التي تسبقها في أهل الكتاب توحي بأن القضية بالغة الخطورة وأن القضية هامة جداً جداً عند الله سبحانه وتعالى فيقول للناس ويذكرهم بإيمانهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)
القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط, القضية مهمة جداً جداً، هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة، وبقدر ما تكون هامة لديه، وبالغة الخطورة أي أنه سيكون عقابه شديداً جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، وهامة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، لن يسمح لمن يفرط، لن يسمح لمن يهمل.
وهكذا تأتي عبارات: {اتَّقُوا اللَّهَ} في القرآن الكريم في مقامات كثيرة، في مقدمة كل قضية هامة ليوحي للناس بأن المسألة هامة لديه، فلينطلقوا من منطلق الحذر من الله من أن يقصروا في هذه القضية سيضربهم هو، سيكون عقابه شديداً عليهم، سيكون غضبه شديداً عليهم كما في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}(الأنفال: من الآية1).
وهكذا تأتي في القرآن الكريم مكررة في معظم المقامات المهمة؛ لينطلق الناس من منطلق أن هذه قضية مهمة لدى الله سبحانه وتعالى، وهي في واقعها بالغة الخطورة فأي تقصير من جانبنا نحوها سيجعلنا عُرضة لسخط الله ونعوذ بالله من سخطه.
فقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أنتم في مواجهة مع طرف يمكن أن يصل بكم إلى أن تكونوا كافرين، أنا لا أريد أن تكونوا كافرين، أن تكونوا كافرين يعني أن تصبحوا من أهل جهنم، أن تتحولوا إلى أطراف، تهملوا فتصبحوا فعلاً في واقعكم كافرين، أي أن تضيِّعوا الرسالة التي حُمِّلْتُمُوها من جانب الله سبحانه وتعالى. أليس هذا الذي حصل بالنسبة للعرب؟ العرب ألم يُذِلِّوا الإسلام بذلتهم؟ ألم يقهروا الإسلام بقهرهم؟ ألم يضيِّعوا كتاب الله بضياعهم؟ لأنهم فرطوا في الرسالة، فرطوا في الرسالة، إذاً فكانت القضية فعلاً بالغة الخطورة.
وتقوى الله سبحانه وتعالى معناها الحذر منه، تكون دائماً تعيش حالة الحذر من جانبه فيما إذا حصل منك تقصير فيما يوجهك إليه، وفيما يرشدك إليه، وفيما يأمرك به وينهاك عنه، ليست سواء, القضايا ليست سواء أن تشرب [كوب] شاهي على واحد آخر ما هذا حرام؟ لكن لا يقال لك في هذا المقام: اتق الله حق تقاته, حرام واتق الله لا تأخذ هذا.
لكن مقامات مهمة جداً، مقامات مهمة جداً أي تفريط من جانبك فيها هي قضايا عند الله بالغة الخطورة يعلم سوء آثارها على دينه، وعلى عباده وأنت وهذا وذاك أنتم يا هؤلاء هذه الأمة بكلها هي المعنية بأن تكون هي الطرف الذي يَدْرَأ هذا الخطر، ويدفع هذا الفساد، ويعلي هذه الكلمة.. أليس هذا هو الطرف المسئول؟.
إذاً فانطلقوا من منطلق الحذر؛ لأن مسئوليتكم كبيرة، وأن القضية خطيرة يجب أن تتقوا الله أبلغ درجات التقوى، أي أن تخافوه وتحذروه هو لن يسمح إطلاقاً.
وهذا فعلا شواهده قائمة، شواهده قائمة أنه غضب غضباً شديداً على الأمة أن جعلها تحت أقدام من قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وجعلها أمة تائهة، تمتلك الأموال الكثيرة، تمتلك الخيرات الكثيرة ومع ذلك لا تزال أمة جاهلة، ما تزال تبعث منح دراسية إلى الخارج، منح دراسية، منح دراسية، وخبراء جايين من هناك وناس رايحين يدرسوا هناك، الخبراء بيروحوا ولم ينفعوا بشيء، والطلاب يعودون إلى هنا ولا يعملون شيئاً بل يعودون حرباً لأمتهم الكثير منهم, حالة من الضياع، حالة توحي بأن الأمة تواجه ضربة قاضية من الله سبحانه وتعالى، غضبة شديدة من جانبه.
لأن الله سبحانه وتعالى هو رحمن، هو رحيم يهمه أمرنا، لا يريد أن نُظْلم، لا يريد أن نكون كافرين فنستحق جهنم، هو عندما وعد بجهنم للمجرمين لم يقل: تلك جهنم فأي مجرم، أو واحد يريد أن يضل فمصيره جهنم، لا يهمه أمره, هو يهدي الناس، ويرشدهم إلى كيف يبعدهم عن مقتضى سخطه، وعقابه، كيف يبعدهم عن طريق جهنم، عن الوقوع في جهنم، هو رحيم بالناس، هو رحيم بعباده.
دينه هذا الذي هو لا يساوي عند الكثير منا [الدخان الذي نعمره يومياً]، لا يساوي الاهتمام به الاهتمام بالدخان الذي يتحول من نقود إلى دخان في الهواء. أمره عظيم عند الله، هو يعلم أنه نعمة عظيمة لعباده، يعلم أنه متى ما ضاع في وسطهم سيضيعون هم، ويهلكون هم، متى ما ضاعوا هم، متى ما هلكوا سيضيعون هداه لعباده, للبشر كلهم.
كم صعدت أصوات تقول: [يجب أن نلحق بركاب الغرب] من قبل مائة سنة بدأت من مصر، ومن بلدان أخرى [يجب أن نتثقف بثقافة الغرب، يجب أن نلحق بركاب الغرب، يجب أن نعمل على كيف نتطور مع الغرب].طيب نساء العرب [تخلْوَسِنْ] وأصبحن يقلدن الغرب تماماً هل تطوروا؟ هل وصلوا إلى ما وصل إليه الغربيون؟. لا، لا؛ لأنهم يتصورون أن المسألة هي أن بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون، ونحن العرب، نحن العرب من لدينا مسئولية مهمة كان بالإمكان أن تجعلنا – لو نهضنا بها – فوق أولئك الآخرين ويكونون هم من يفكرون في اللحاق بركابنا، فالمسألة لا تتأتى، لن تحصل.
فمازال المصريون الذين انفتحوا على دول الغرب قبل أن ينفتح الصين عليها، وبعثوا بطلاب إلى الغرب قبل أن يبعث الصينيون بطلاب إليها، أصبحت الصين دولة عظمى صناعية، والمصريون مازالوا شغالين في التمثيل قطاع التمثيل مجبر مازالوا يبعثون بطلاب إلى الغرب، طلاب على طول، منح دراسية يرجع قد هو فرنسيا بتفكيره يكون حربا لأمته، لدرجة أن من يرسلوا ويعودوا يتحولون إلى ساخرين من أمتهم.
أي أن الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط، الوضعية التي يعيش فيها المسلمون وضعية سخط من الله لماذا؟ لأنهم أضاعوا دينه الذي فيه ذكرهم، وفيه شرفهم، وفيه عزتهم فلا يمكن أن يتحقق لهم شيء إلا بعد أن يعودوا هم، ومتى ما عادوا سيصبحون هم سادة الدنيا، سيصبحون هم من يفكر الآخرون باللحاق بهم، بالاهتداء بهم، بالتقليد لهم، بالتـثقف بثقافتهم، بالتحلي بأخلاقهم، فيعم الهدى الدنيا كلها.