الاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة.
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
الدرس الأول من سورة ال عمران صـ3 ـ 4.
اليهود لديهم [خِبرَة دينية]، ماذا يعني خبرة دينية؟ هم يعرفون أن هذا الدين حق، ويعرفون أن المؤمنين متى أصبحوا مؤمنين لا يمكن أن يقهروهم، لا يمكن أن يقهروهم أبداً متى ما أصبح الناس مؤمنين حقاً. فمن منطلق البحث عن تَدْجِين الأمة وبتكلفة أقل، تصور قد يقال – بالعقلية العربية عقلية صدام ونحوه – : [القهر بالدبابات والطائرات والقنابل النووية ما دام لدينا قنابل نووية فلندمر الأمة هذه]. ما هذه هي عقلية عربية لدينا؟. إنفجار كبير على الأمة وقهرنا أبوهم وطَحَسْنَا أبوهم، لكن كم تطلع التكلفة؟ تطلع مليارات الدولارات. آثارها سيئة جداً على اقتصادهم، والاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة.
وهم يفهمون حتى لو انطلقوا بهذا المنطلق، من منطلق القوة القاهرة والناس ما يزالون مؤمنين فلن يستطيعوا أيضاً أن يقهروا المؤمنين.
هم مؤمنون بالله اليهود، هل تعرفون هذه والاّ لا؟ مؤمنون بالله وكان يأتي منهم أنبياء كثير، وكان يأتي منهم هداة، ويأتي منهم مصلحون، ولديهم [خِبرة دينية] لديهم تاريخ آلاف السنين, عرفوا أحداثا كثيرة في مقام الصراع فيما بينهم وبين الآخرين، كيف أن الإيمان كان هو العنصر المهم في أن تحظى تلك الفئة المؤمنة بنصر الله، ومتى ما حظيت بنصر الله وتأييده فلن يقهرها شيء. حصل درس لديهم هم في قصة [طالوت وجالوت] التي نقرأها في القرآن: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية251) بإذن الله.
إذاً فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟ كيف نعمل؟ أليسوا الآن يمتلكون [قنابل نووية] و[قنابل ذرية]؟ أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟. أليسوا هم من يمتلكون الأسلحة الفتّاكة؟. لكن هل فكروا في الدَّمْدَمة هذه؟. لا.. يدمدمونا أولاً من الداخل فيفصلون فيما بيننا وبين الله، فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله وأصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله… بل هم يفهمون بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء – وهذا ما توحي به الآيات فعلاً – أنهم هم من جهة يضربون والله من جهة أخرى أيضاً سيضرب.
وهذا فعلاً ما سيحصل، لماذا؟ أولئك من منطلق العداوة، والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء؛ لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصره، لم يهتدوا بهداه، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟ إذاً فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي، إن لم تلتزموا بنهجي وهديي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا، فيتخلى عنا هو، بل يُذلنا بل يضربنا هو سبحانه وتعالى.
لماذا؟ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر. لماذا؟ الأمة هذه العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله، أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟ أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟. أما كان من الممكن أن يسود العرب هم العالم هذا؟ أما كان من الممكن أن يسود الصلاح العالم هذا. فكل ما رأيناه في هذا العالم، العرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه، ليس فقط الآخرون.
إذاً فأنت من أضعت, أنت – بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين – أنت الذي أضعت ديني، أضعت عبادي جميعاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً، لكن عن طريق من؟. – كما اقتضت سنته – عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملاً، وهذه حقيقة. أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} حينئذٍ عندما تصبح كافراً، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك؛ لأنهم قد فصلوك عن الله، وستكون في نفس الوقت بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله – ونعوذ بالله من غضبه – وإذلاله وتعذيبه.
هل من المحتمل أن يحصل هذا؟ الآية توحي فعلاً، هو يتحدث عن حقيقة، وتسمى آيات الله حقائق {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) هذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله، وهذا شيء مدهش جداً، شيء مزعج جداً، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟!!. وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها، وفهم أعماقها وفهم ما توحي به، فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية.
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) آيات الله, وهي حقائق وأعلام؛ ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق، حقائق من الهدى، حقائق من واقع الحياة، حقائق من مستقبل الغيب، حقائق في كل ما تحكيه.
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) آيات الله ربكم، آياته ليست صحفاً [صحيفة الحياة] أو [صحيفة الشرق الأوسط] آيات هي من قِبَل من؟ من قِبَل الله الذي هو ربكم، الذي هو الرحيم بكم، الذي هو الهادي لكم، الذي هو اللطيف بكم، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم. آيات الله، هل أنتم بعد لم تعرفوا الله، وتعرفوا موقفه منكم، وتعرفوا أنه يهمه أمركم، أنه رحيم بكم، أنه لطيف بكم، أنه حكيم، أنه عالم الغيب أنه… الخ؟. أليس هذا شيئاً مدهشاً؟!.
ممكن يقول: وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا، أو مجلة كذا, أو كتاب بخاري، أو كتاب فلان، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكاتب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا، وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمها أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آياته، وما يهديهم إليه، وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.
{وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله, رسوله. لاحظوا الإضافات هذه [آيات الله، رسوله] ألم تأت كلها مضافة إلى الله؟ هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة، يصطفي رسلاً لا يأتون إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه وتعالى رحمةً للعالمين، يحملون هَماً كبيراً ويحملون اهتماماً كبيراً بأمر الأمة.
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128). هذا الرسول الذي قال: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} وليس رسول كسرى، أو رسول ما أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي، أو فيكم خبراء ألمان، أو فيكم قانونيون.! {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} آياته ورسوله، آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم.. فكيف تكفرون؟.
هل نقول بأنه فعلا قد لا يكون هناك أنه حصل حالة كفر؟ بل حصلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}(الحشر: من الآية11) ألم يحصل هذا؟. المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟ من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله؟ إخوانهم أصبحوا يشعرون بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم وشأنهم شأنهم، وحكمهم حكمهم.
أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟. ماذا يمكن أن نقول فيهم؟. هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟. لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود، وهو يعلم أن اليهود أذلاء، وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه، وهو يعلم أن اليهود حاقدين عليه، وهو يعلم خبث اليهود، ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر، في نفس الوقت الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جداً؟.
لكن لاحظ يبدو في المجتمع أيضاً من هم أسوأ من هؤلاء.. المنافقون, ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول.. مؤمنون بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكنهم ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى, جهلهم بمعرفة الله بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية، اهتمامهم بمصالحهم، اهتمامهم بنفوسهم، {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}إلى آخره.
ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويتخلف عن الجهاد معه.