المنافقون يشكلون خطورة على المجتمع لدرجة ان الله قال ( هم العدو فاحذرهم ).
برنامج رجال الله اليومي.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
الدرس الأول من سورة ال عمران صـ5ـ 6.
ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟. فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ويتخلف عن الجهاد معه.
تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين؛ لأنهم كانوا شديدي التأثير, وكثيري التأثير في أوساط المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله، لدرجة أن الله قال عنهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}(المنافقون: من الآية4) لماذا احذرهم؟. هل لأنهم يشتغلوا في أوساط الكافرين؟ أو أنهم كانوا يشتغلوا في أوساط المؤمنين أنفسهم؟ في أوساط المسلمين فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون للجهاد معه إلا متثاقلين، ويتعبونه جداً ويقلقونه جداً.
رجع عبد الله بن أُبَيّ بكم؟ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة [أحد] استطاع أن يرجع بثلاثمائة إلى المدينة ويتخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة!.. منافق واحد.
من يتأثر بمنافق عربي.. منافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودياً وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، أقل خبرة، أقل فهماً، أقل ذكاءً، أقل دهاء من اليهود. فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيراً بسيطاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي.
لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ وعن بُعْد يشغلوهم [بالريموت]، عن بُعد.
إذاً فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران:100) وهل هناك أبعد من الكفر؟.
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} لاحظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم، أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت. {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) هنا قد نضل بمنافق عربي متأثر بيهودي بدوي.
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) توحي الآية بأنه أيضاً: لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101)، هل اكتفى بهذا؟. {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}(آل عمران: من الآية101) عَلَم منكم، رجل منكم، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن، ويدور حوله، ويهديكم بهديه، يحمل رحمة القرآن، ويحمل هدي القرآن – والقرآن هو يتنزل في تلك الأيام آية، آية, على مرأى ومسمع منهم – وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يعرفونه بشخصه، ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم، ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميل أو متأثر بيهودي، يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب!.
وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً، بل كانوا فعلاً يعدون [بدواً] بالنسبة ليهود اليوم، والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا، والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى القرآن, وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ووارث للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل عصر من العصور. أليس يعني هذا: بأن الأمة ستكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟ هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن، ويرشدون الأمة بالقرآن، ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.
أم أن الله لم يهتم بالأمة هذه؟!. فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، وهو يهددنا ويحذرنا من أهل الكتاب وهم [بدو] مقابل أهل الكتاب الرهيبين الشديدين في مكرهم الذين يمتلكون إمكانيات هائلة، ثم لا يضع حلاً للمسألة!!. الحل هو نفس الحل: لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها، هم أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية101) هذه آيات الله هي قائمة فينا، لكن عندما فُقدت الأعلام ألم يضع الكتاب نفسه؟ – نضيعه نحن ولم يضع هو – ألم تضيع الأمة الكتاب هو عندما أضاعت الأعلام؟. أم أنه ليس هناك إشكالية؟ هذه نقطة مهمة. أن من قوله: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} بعد قوله: {وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) إذا قلنا وأنتم تتلى عليكم آيات الله، [حسبنا كتاب الله]، ألم يقلها عمر؟ [حسبنا كتاب الله] لكن كتاب الله تحتاج الأمة إلى من يجسده – تحتاج الأمة ولا يصح أن نقول: يحتاج، يحتاج.. هذه عبارة ليست مؤدبة – لكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به، تحتاج إلى من يجسد قيمه، تحتاج إلى من يفهم آياته فيرشدها بهديه وإرشاده، الأمة تحتاج إلى هذا.
فعندما رأت نفسها مستغنية ما الذي حصل؟ هل اهتدت فعلاً بالقرآن؟. لا.. بل ضلت ولم تهتد بالقرآن، وبدلاً من أعلام الحق يصعد لها أعلام سوء، وأعلام شر، وأعلام باطل! هذا الذي حصل، فضلت عن القرآن، وبدلاً من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى يبرز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها، وتتعبد الله بولائهم!.
وما أسوأ أن يتعبد الإنسان ربه بالضلال، ما أسوأ أن تتعبد الله بضلال؛ لأنك ضليت ثم رأيت الضلال حقاً فأصبحت تتعبد الله بضلال، والله هو المنزه أن تقصر أنت في طاعته بالحق الذي هو حق، متنزه، لا يليق بك أن تقصر في طاعته بالحق الذي هو حق صريح، أما أن تتعبده بضلال فهذا شيء لا يليق بالله إطلاقاً، لا يليق بكماله إطلاقاً.
ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر، أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه، وهو نفسه ممن يخالف كتاب الله ويخالف رسوله، هو نفسه ممن ضرب الأمة وأهان الأمة، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه، أنا أتعبد الله بأن هذا هو بيني وبين الله، هو عَلَم من أعلام الله أليس كذلك؟.
معنى ذلك أنه إن كان الله شراً، وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس مقام الله, تدنس الله – إن صح التعبير – أن تتعبده بتولي هذا؛ لأن هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه، {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}(الكهف: من الآية51) وما كنت متخذ المضلين عضداً ساعداً يعينني أو يساعدني أو عوناً فيما يتعلق بهداية عبادي، لا يمكن.
لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة: أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على آل محمد، يصلي على آله وأصحابه [أجمعين] فيدخلهم في الصلاة التي هي كلمة لها معاني رفيعة، لها معاني سامية جداً، ولها – فيما توحي به – معاني مهمة جداً؛ من أجل أن تشمل أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعائشة وفلان، وفلان [أجمعين].
إذاً فالأمة تحتاج في تاريخها إلى القرآن – وهو قائم بين أظهرنا – لكن ((رسوله)) هل كان رسوله لتلك الفترة إذاً فنحن يا الله لماذا تضيعنا؟ فترة قصيرة هي خمسة وعشرين سنة أو ثلاثة وعشرين سنة تؤتي أهلها وهم لا يتجاوزون آلافاً معدودة, تعطيهم رسول هو سيد الأنبياء والرسل، ثم تضيعنا من بعد فلا تهدينا إلى أعلام، ولا تجعل لنا أعلاما، ولا ترشدنا إلى أعلام، يقومون فينا خلفاء لرسولك (صلواتك وسلامك عليه)، يهدون الناس بهديه ويجسدون قيمه ومبادئه ويسيرون بالناس سيرته فيلتف الناس حولهم!!.
لا يجوز هذا على الله إطلاقاً، لا يجوز على الله وإلا كان منافياً لرحمته، ونحن من نقرأ في كتابه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(الفاتحة:1- 2). {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ألم} {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم} ما كلها في بدايتها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟.
وكلمة [رحمن رحيم] فيما تعنيه جملةً المبالغة في الرحمة، كما تقول: [الأخ العالم العلامة]، ألسنا نقول هكذا في رسائلنا: العالم العلامة؟، [عالم وعلامة] اشتقاقها واحد.
وضل المفسرون في معنى رحيم بمن؟ ورحمن بمن؟ رحيم في الدنيا ورحمن في الآخرة، فيقسمون رحمته! هي فيما تعطيه جملةً تدل على المبالغة الشديدة في رحمته، في التعبير عن رحمته بنا.
[رحمن رحيم] عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة، وهذا في لغة العرب تستعمل على هذا النحو تكرير الصيغتين ذات جِذْرٍ واحد، بصيغتين مختلفتين في الظاهر واشتقاقهما واحد للمبالغة جملةً, الرحيم، الرحيم، الرحيم.. وكأنه يقول هكذا.