البرنامج اليومي (العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم.).
برنامج رجال الله اليومي.
الثقافة القرآنية صـ13ـ14.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
عندما نتعامل مع القرآن لا نتعامل معه بابتذال، [ننطلق وكأن كل شخص يستطيع أن يفسره هو من عنده…]، بل يكون همك هو أن تتدبر أنت, وتتذكر, وأن تقرأ القرآن للناس، كما قال الله عن رسوله: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} (النمل: من الآية92) القرآن بظاهره يعطي الكثير للناس، ولأن الناس قد تأثرت نظرتهم إلى القرآن سلباً، إعط تعليقات كمقدمات بسيطة حول الموضوع ثم تأتي بالآيات القرآنية.
لا تنطلق كمفسر.. مَنْ انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح، عندما تقرأ (الكشاف) للزمخشري، تقرأ (تفسير الطبري)، تقرأ تفاسير أخرى، تخرج منها وتراهم يُغفلون الحديث عن آيات مهمة جداً، نحن أحوج ما نكون إلى فهمها اليوم, مرتبطة بواقع الناس، مرتبطة بحياة الناس، مهمة جداً، يقفز عليها وانتهى الموضوع، ينطلق لتفسير مفرداته، إذا هناك حكم معين يستنبطه، أو قصة معينة يتحدث حولها باختصار وانتهى الموضوع.
لكن التدبر للقرآن الذي دعا الله الناس إليه حتى الكافرين: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (المؤمنون: من الآية68) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}(صّ:29) {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر:17) على هذا النحو تقرأ الآيات القرآنية، عندما تمر بآيات الوعد والوعيد تسمع الحديث عن جهنم، أو تقرأ الآيات التي تتحدث عن جهنم، عن الحساب العسير، والقرآن يعرض في هذا الموضوع يعرض أيضا حتى الحالة النفسية السيئة، الحالة من الخوف والرعب والفزع واليأس الذي يسيطر على أعداء الله في ساحة القيامة، يعرضها القرآن الكريم، في جهنم نفس الشيء يعرض العذاب الشديد تفاصيله، يتحدث عنها, شدة العذاب، وقود العذاب كما قال: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(البقرة: من الآية24) كذلك يتحدث عما يقوله أهل النار في النار، عندما يحاولوا أن يطلبوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}(الأعراف: من الآية50) هكذا يريدون شربة ماء ليست باردة، شربة ماء طبيعية عادية فلا يحصلون عليها.
أنت عندما تقرأه تجد بأنه من المحتمل أن تكون أنت واحداً من أولئك، لا تقرأها وكأنه ناس مدري منهم؛ أن من المحتمل أن تكون واحداً من أولئك الذين قال عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (فاطر: من الآية37) حينئذٍ يجب أن تلحظ بأنه كيف أعمل حتى أقيَ نفسي من عذاب الله.
فالآيات في الوعد والوعيد آيات الوعيد صريحة، تفكر هنا عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6) عندما تقرأها تذكر هَولها، تذكر هنا أنه إذاً مصير سيئ.الله يدعونا هنا عندما يقول لنا ونحن هنا يعني أن هذه هي الفرصة الوحيدة، العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم، أن تتفكر في هذه الآية معناه ماذا؟ أن تنطلق بجدية وتفكير واهتمام حول ما يقي نفسك من عذاب الله، أليس هذا ممكن أن يتذكر الإنسان بمثل هذه الآية؟. كذلك آيات أخرى كثيرة.
عندما تجد أيضاً الحديث عما وعد الله به المؤمنين في الجنة كذلك اقرأ ما وعد الله به المؤمنين في الجنة ثم اقرأ ما قاله عن المؤمنين أصحاب الجنة، عما قاله عن المتقين أصحاب الجنة الذين وعدوا بالجنة، عما قاله عن أوليائه حينئذٍ تذكر. يجب أن أتَنَبَّه إذا كنتُ أريد أن أكون ممن يحظى بذلك النعيم العظيم، هذه الجنة – التي ليس فقط المشروبات الجيدة فيها معلبات أو مخبأ معك في (كَوّة) أو في (خَلَّة) والاّ قارورة..، أنهار من لبن, أنهار من عسل مصفى.
[إذا مع واحد قارورة عسل يحاول يخبيها هناك، ويأخذ له منها قليل الصباح، ويعتبر نفسه إن قد حالته جيدة] أنهار من عسل، أنهار من لبن لم يتغير طعمه {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ}(محمد:15) وصفها بأوصاف عظيمة جداً، هنا لا تقول بأنها هذه غاية يمكن للواحد يمشي إليها مَشْيَة، ترجع تدوِّر لك مشوار سيارة يوصلّك الجنة. لا. لاحظ ما قاله عن أهل الجنة، عندما قال عن الجنة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133) الذي هو وصف واحد من أوصاف المتقين وكم وصف.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران134- 135) وهناك يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: من الآية111).
لا تقرأ آيات الجنة وتقول: والله نعيم عظيم هذا ومكان راقي، بل ارجع إلى نفسك، وارجع إلى الآيات التي تصف أصحاب الجنة؛ حينئذٍ إذا كنت تريد الجنة حاول أن تتحلى بتلك الصفات، ثم تعلم من خلال الحديث عن الجنة وعن النار أن المسألة ليس معنى ذلك أن قضية الجنة هي قضية اختيارية لمن أراد أن يدخل الجنة ممكن يدخل الجنة، لكن إذا واحد ما أراد ممكن يجلس في الصحراء خارج هناك، لا جنة ولا نار، لا.
إما أن تكون من أصحاب الجنة أو أن تكون من أصحاب النار، هكذا قسّم الله الناس عندما تحدث عن المحشر {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}(هود: من الآية105) شقي وسعيد لا يوجد طرف آخر، لا يوجد مكان آخر أو عودة إلى الدنيا من جديد، مع الحالة هذه.. لا. إما جنة أو نار.
التذكر بآيات القرآن ممكن لأي إنسان قد أصبح يميز ويدرك، أصبح يميز ويدرك يستطيع أن يتذكر وليكن تذكره على هذا النحو وهو يقرأ القرآن في سوره كلها من أوله إلى آخره، فالله قد يسَّر القرآن على هذا النحو للذكر.. وأنت حينئذٍ ستجد نفسك قريباً بعد أن تذكرت بمثل آية: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} وأمثالها فأنت ستعيش حالة من اليقظة، حالة من الاهتمام، تصبح أنت قريباً من الأعمال التي تعتبر وقاية لنفسك من النار، تُدعَى إلى عمل صالح في مواجهة أعداء الله تكون أنت قريباً من هذا لأنك يَقِظ.
ولهذا وصف الله المتقين بحالة اليقظة؛ عندما يحكي عنهم بأنهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس؛ لأنهم يحملون اهتماماً بقضايا كبيرة، هذه القضايا يعرف أنه لا بد من أجل خدمتها أن يكون هناك إنفاق؛ فهو ينفق في السراء والضراء، لا يبالي.
ارجع إلى واقعنا من جديد تجد أننا لا نعيش حالة التقوى ولا نعيش مشاعر المتقين، تجدنا لم نستطع أن نصل في خدمة الإسلام إلى أن يكون كأبسط خصلة من الكماليات اليومية، نحن نقول للناس: نحن بعد لم يصل اهتمامنا في مجال الإنفاق في سبيل الله أن يصل إلى اهتمامنا بالخضرة (بالفجَّل) الذي نشتريه كل يوم، لم نصل إلى درجة أن يهتم الواحد منا بالإسلام كحبة [دخّان] بما يساوى حبة دخان، فيبذل في يومه قيمة حبة دخان، لو يبذل آلاف من الناس ما يساوي حبة دخان في اليوم الواحد لاستطاعوا أن يعملوا أعمالاً عظيمة جداً للإسلام.
المتقون وصفهم هنا بأنهم ينفقون حتى في أصعب الحالات, في السراء وفي الضراء. فهل يمكن أن يكون أولئك الذين لا يعتبر الإسلام ولا ما يساوي هامش من كماليات حياتهم غير الضرورية، ليسوا متقين، لا يمكن أن يكونوا متقين، تمر الأعمال التي تعتبر أبواباً من أبواب الخير لك, تشكل وقاية لنفسك من جهنم لو انطلقت فيها، تمر ولا تبالي بها.
الإمام علي قال: ((إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه))، قد تمر مرحلة يمكن أن يكون لك أثر فيها، أمامك سلاح معين يمكن أن تستخدمه فيها فيكون مؤثراً على عدوك، يكون فيه نصر لدينك، يكون فيه وقاية من كثير من الشرور لأمتك؛ ولأنك لا تحمل اهتماماً لا ترى لهذا الشيء قيمته، لا يلتفت ذهنك إليه، بل قد تعتبره لاشيء، فتمر الأبواب التي تُفتح لخاصة أولياء الله تُفتح وتمر أنت من عند الباب فلا تلتفت،لا تعرف أهو مفتوح أم مغلق.
عندما قال الإمام علي: ((أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه)) وهكذا قال القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة:54) ألم يجعله فضلاً؟ تمر الأشياء التي تعتبر فضل عظيم وما تدري بها، تمر الفرص المهمة التي يمكنك أثناءها أن تقدم خدمة عظيمة لدينك، وكل عمل لدينك هو وقاية لنفسك من جهنم، فلا تعبأ به